ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
اتفقت البحرين وإيران في 23 يونيو/حزيران على اتخاذ خطوات بهدف استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وجاء البيان الذي تمت صياغته بشكل مبدئي، والصادر بشكل مشترك عن وزارتي خارجية البلدين، بعد اجتماع وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني مع نظيره، القائم بأعمال وزير الخارجية علي باقري كني، في طهران على هامش قمة حوار التعاون الآسيوي. وكانت هذه الزيارة الثانية التي يقوم بها الزياني لطهران في غضون شهر واحد. وأفادت تقارير إعلامية في اليوم التالي أن الجانبين قد اتفقا على البدء في المحادثات، وتم التركيز أيضًا على الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في البحرين منذ قيام المملكة بقطع العلاقات في عام 2016، بعد الهجمات التي استهدفت مواقع دبلوماسية سعودية في إيران في أعقاب إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر بتهم تتعلق بالإرهاب. تبع هذه المبادرة الدبلوماسية بيان لعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة في 23 مايو/أيار في موسكو، عقب اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأكد على أنه لا يرى سببًا لتأخير تطبيع العلاقات مع إيران، والحد من أي توترات استفزازية سابقة بين البلدين. جاءت هذه السلسلة من الرسائل شبه الخاصة والتصريحات العلنية من كلا الجانبين تمهيدًا لبيان الملك الجريء في موسكو.
السياقات الإقليمية والمحلية الداعمة
جاءت هذه الخطوة البحرينية في أعقاب مبادرة مماثلة وأكثر أهمية من قبل المملكة العربية السعودية بوساطة صينية لاستعادة العلاقات مع إيران في عام 2023، وخطوات موازية في السنة السابقة من قبل الإمارات العربية المتحدة والكويت لتحسين العلاقات مع إيران وإعادة السفراء إلى طهران.
وفرت التطورات الأخيرة في البحرين والخليج بشكل عام سياقات داعمة محليًا وإقليميًا لهذه التحركات الدبلوماسية الأخيرة. في أواسط شهر يونيو/حزيران، تبادلت البحرين وقطر السفراء للمرة الأولى منذ المقاطعة التي قادتها السعودية ضد قطر قبل سبع سنوات، ما كان من شأنه أن يوفر مؤشرًا جديدًا آخر على التحرك الإقليمي نحو الحد من التصعيد التحركات الدبلوماسية والابتعاد عن المواجهة. في أبريل/نيسان، أصدر الملك حمد عفوًا عن أكثر من 1500 سجين، كانت الغالبية العظمى منهم قد أدينوا بجرائم تتعلق باضطرابات الربيع العربي، ما يشير إلى أن البلاد قد شعرت بما يكفي من الثقة على الصعيد المحلي لتجاوز هذه القضية وما أثارته من استياء في المنامة تجاه طهران. لطالما أصرت البحرين على أن إيران قد ساعدت في التحريض على الاضطرابات التي تسببت في حملة القمع المتواصلة التي أفضت إلى تلك الاعتقالات طويلة الأمد. وخلال الخمسة عشر عامًا التي أعقبت الاضطرابات، اتهمت المنامة طهران علنًا بتدريب وتجهيز جماعات بحرينية عنيفة بهدف زعزعة استقرار البلاد، ومحاولة الإطاحة بالنظام الملكي، وهي اتهامات تحققت منها المخابرات الأمريكية.
تحديات رئيسية قد تقيد نطاق العلاقات مع إيران
على الرغم من الديناميكيات المحلية والإقليمية التي تعزز التحرك البحريني-الإيراني لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، ثمة عدد من العقبات التي من شأنها، إذا ما نظرنا لها مجتمعة، أن تعترض هذا المسار، وتُبقي التقدم فيه محدودًا نسبيًا. سوف تستمر طهران في النظر لتطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل من خلال اتفاقات إبراهام بعين من الريبة والقلق البالغين. اتخذت إيران عمومًا مسارًا تجاه البحرين أشد صرامة من موقفها من الإمارات لما تعتبره هرطقة دبلوماسية، ولعل ما يفسر ذلك هو نقاط الضعف في البحرين والفرص المتوفرة في الإمارات، والتي طالما سعت إيران تقليديًا لاستغلالها. بالإضافة إلى ذلك، فقد عملت حرب غزة على إضعاف بعض هذه الديناميكيات الداعمة في المنطقة، لا سيما تلك المتعلقة بالحد من التصعيد. وقد أوضح المحلل الإماراتي والمستشار الحكومي البارز أنور قرقاش مثل هذه المخاوف المتعلقة بالتأثير المحتمل للصراع في غزة على التوجهات التي تدفع نحو الحد من التصعيد والاعتماد على الدبلوماسية.
وهناك الكثير من التحديات أيضًا على الجانب الثنائي. تمثل البحرين وإيران نمطين مختلفين تمامًا من أنظمة الحكم، أحدهما يمثل قوة صغيرة ومتواضعة تحافظ على الاستقرار والوضع القائم، وأما الأخرى فهى قوة متهورة تسعي لتغيير الوضع القائم، ومتعثرة في كثير من الأحيان، تسعى لتقويض النظام الدولي القائم بقيادة الولايات المتحدة والبنية الأمنية التي أرستها الولايات المتحدة في الخليج. تساعد البحرين في دعم هذه البنية الأمنية من خلال استضافة الأسطول الخامس التابع للقوات البحرية الأمريكية والقيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية. ومن ناحية أخرى، ترى إيران نفسها زعيمة لما يسمى محور المقاومة والوكلاء العسكريين الساعين لعرقلة النظام الإقليمي والبنية الأمنية. كما تحتفظ إيران بتاريخ من السعي لإقامة العلاقات الدبلوماسية في المنطقة، مع انخراطها في الوقت ذاته في أعمال الترهيب. وتسعى من خلال هذا الترهيب، الذي عادة ما يعتمد على قوات بالوكالة أو سلوك يمكن إنكاره من جانب آخر، لفرض سياسة التحوط بعيدًا عن الولايات المتحدة وتقويض ضماناتها الأمنية.
كما أنه لا يوجد ما يمكن أن يسمى عصرًا ذهبيًا للعلاقات السابقة بحيث يمكن للبلدين العودة إليه بسهولة. إن التاريخ الطويل من الميول الوحدوية في إيران، ولا سيما التي تتمحور حول البحرين، إلى جانب حالات الهجوم الشرسة في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام في طهران في الفترة الأخيرة بين عامي 2022 و2023، تشير كذلك إلى أنه من المتوقع أن تكون هنالك علاقات سليمة، ولكن ليست حميمة بشكل خاص. وفي حالات التوترات هذه التي دبرها النظام، أصر المحللون والمسؤولون الإيرانيون على أن البحرين جزء لا يتجزأ من إيران، وتمثل المحافظة الرابعة عشرة في البلاد. وفي حين أنه من المرجح أن يتم تكميم مثل هذا الخطاب في الفترة المقبلة، إلا أن أصداءه التخريبية سوف تواصل ترددها. وحتى الإحصاءات التجارية قبل انقطاع العلاقات تشير إلى محدودية الفوائد والأنشطة الاقتصادية المتبادلة، على الرغم من التقارب الوثيق بين البلدين.
العوامل التي تعزز ثقة البحرين وتُمكن هذه الخطوة
نظرًا لهذه التحديات وللعلاقات الثنائية المحدودة نسبيًا، حينما كانت هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين، فليس من المرجح للعلاقات الإيرانية-البحرينية أن تتطور على أكمل وجه. ولكن القيام بهذه المبادرة الآن يوضح أن البحرين تريد المضي في مسار التحركات الدبلوماسية لاثنتين من أهم حلفائها في الخليج – السعودية والإمارات – لموازنة الفوائد الملموسة على الرغم من التحديات القائمة.
كما أن ذلك يعد مؤشرًا على الثقة. فقد وقعت البحرين مؤخرًا اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، ولديها قيادة مستقرة للمستقبل، مع تمكين ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة من تولي منصب رئيس الوزراء. وبالتالي، فإن البحرينيين يشيرون للإيرانيين بأنهم واثقون ومستعدون لإقامة علاقات دبلوماسية عادية، ومستعدون للاستثمار المتواضع في مثل هذه العلاقة، وتحمل المخاطر المترتبة عليها. وفي حين أنه من غير المرجح أن يؤدي هذا إلى تغيير جذري في الخطوط العريضة لعلاقة صعبة طوال الوقت، إلا أنه من المرجح أن يعمل على تطبيع الوضع وإعادته إلى الوضع الراهن الذي يمكن التحكم به. وهذا يسمح للبحرين، كقوة كلاسيكية صغيرة، باستغلال نقاط قوتها، في تعزيز التوجهات السائدة في المنطقة، والتي تم إرساؤها واختبارها من قبل شركائها الأكبر في الخليج، الذين يركزون على الحد من التصعيد والتحركات الدبلوماسية والتطبيع، والحصول على الضمانات الأمنية الأمريكية التي يسعون إليها. كما تدرك البحرين أيضًا أن العلاقات الدبلوماسية تعد طريقًا مفتوحاً، وليست طريقًا مسدودًا؛ وإذا ما واجهت الجزيرة المملكة تطورات غير متوقعة في المستقبل – سواء تغيرًا في موقف الولايات المتحدة وشركاء المنامة الخليجيين تجاه إيران أو تغيرًا في البيئة الأمنية – فإن البحرين تعرف كيف تخرج من هذا المسار، كما فعلت من قبل.