ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
على مدى العام الماضي، طُرِحَ عدد كبير من التكهنات حول إمكانية تحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وخاصة في منطقة الخليج. واعتمدت هذه التكهنات إلى حد كبير على رؤية مشتركة للتهديد القادم من إيران وعلى الحاجة إلى خلق مناخ إقليمي أكثر استقرارًا. وبالرغم من ذلك، لا يزال يشكل الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية وعقود من العداوة العربية-الإسرائيلية عقبات قوية يتطلب التغلب عليها. لكن، في الأسابيع الأخيرة، برزت مملكة البحرين كأكثر الدول العربية الخليجية فعاليةً في سعيها إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل، وذلك يعود إلى أسبابٍ خاصة بها، ويحدث على الأرجح مع مباركة الداعم الرئيسي للبحرين، أي المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من أن البحرين كانت تقليديًا منفتحة نسبيًا على الاتصالات مع إسرائيل والمسؤولين الإسرائيليين، إلا أنها حتى الوقت الحالي ملتزمة التزامًا صارمًا بضرورة حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وخاصة احتلال عام 1967، قبل طرح إمكانية تطوير علاقات رسمية دبلوماسية أو تجارية. ومع ذلك، تم الإبقاء على اتصالات هادئة بينهما منذ العام 1994 على الأقل. لكن، في أيلول/سبتمبر، في مؤتمر دولي في مركز سيمون فيزنتال في لوس أنجلوس، قال الحاخامان الأمريكيان مارفن هير وأبراهام كوبر إن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قد أعرب عن معارضته للمقاطعة الاقتصادية الحالية لإسرائيل التي تمارسها جامعة الدول العربية، وأضاف أنه على مواطني البحرين وإسرائيل أن يشعروا بأن لديهم الحرية لزيارة الدولتَين بدون قيود. كما حضر الأمير ناصر بن حمد آل خليفة المؤتمر عينه، وقام بجولة في متحف التسامح المؤيد لإسرائيل بشكلٍ صريح، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمركز فيزنتال في لوس أنجلوس. حتى أن بعض المسؤولين الغربيين قد توقعوا إمكانية إقامة بعض العلاقات الدبلوماسية أو التجارية الرسمية بين البلدين في وقتٍ ما في العام 2018.
وتتعدد الأسباب وراء تبوء البحرين حاليا مركزًا رائدًا في إطار التواصل مع إسرائيل. فقد حافظت حكومة البحرين والمجتمع العام منذ فترة طويلة على علاقات طيبة مع جاليتها اليهودية الصغيرة التي لا تزال ذات نفوذ وتحافظ على كنيس نشط، وهو الكنيس الوحيد في بلد خليجي عربي. وشغلت هدى عزرا إبراهيم نونو منصب سفيرة البحرين في الولايات المتحدة في الفترة الممتدة بين 2008 و2013، فكانت أول امرأة يهودية تمثل دولة عربية بمنصب دبلوماسي رفيع. ومنذ العام 2015، احتفلت الحكومة البحرينية بالحانوكا عبر إضاءة الشموع لتكريم العطلة الدينية اليهودية. وبينما انتقدت حركة حماس الإسلامية الفلسطينية الاحتفال بشدة، إلا أنه لم يبدُ مثيرًا للجدل بشكل خاص في البحرين.
وإذا قلنا أن المخاوف المشتركة حول نفوذ إيران تكمن في جوهر العلاقات المحسنة المحتملة بين دول الخليج العربية وإسرائيل، فلدى البحرين حافزًا خاصا لدراسة الاحتمالات المطروحة، إذ طالبت إيران مرات عديدة في خلال القرن العشرين بملكية كامل أراضي البحرين، خلافًا لأي من جيرانها من دول الخليج العربية. فبالرغم من أن طهران لا تطالب حاليا بالبحرين، إلا أنها تدعي في الواقع أنها تمثل مصالح الأغلبية الشيعية البحرينية، لا بل وجهات نظرها حتى. ففي العادة، يشكل ذلك مطالبة ضمنية، بالرغم من أنها كانت أكثر علنية في بعض الأحيان. فترى المنامة أن طهران تشكل تهديدًا فريدًا لوجودها بسبب سكان البحرين الشيعة المتململين الذي يرتبط بعضهم ارتباطًا تاريخيًا وثقافيًا وثيقًا بإيران، بالإضافة إلى تزايد الأدلة على التخريب المستوحى من إيران في البحرين، وسوابق إيران التي تدعي أن البحرين جزء من أراضيها. ولذلك، بالإضافة إلى علاقتها العسكرية القوية مع الولايات المتحدة، فإن للبحرين مصلحة خاصة في تعزيز الكتلة الإقليمية التي تواجه إيران، والتي قد تضم إسرائيل.
وبالنظر إلى التوترات السياسية الداخلية في البحرين، سيكون على الأرجح العديد من المواطنين، بما في ذلك المتعاطفين مع الحكومة وجزء من المعارضين لها، من بين أكثر المتحمسين في دول الخليج العربية حيال احتمالات تشكيل جبهة استراتيجية أكثر تنسيقًا ضد إيران، وهي جبهة قد تضم حتى إسرائيل. وإن المعارضة القوية في البحرين لدراسة احتمالات تشكيل جبهة كهذه ستنعكس لدى عدة أقسام من المجتمع، لكن بشكل خاص لدى الإسلاميين من مختلف الفئات. وفي ظل الظروف السياسية الحالية، من غير المرجح أن تحظى مثل هذه الاعتراضات باهتمامٍ كبيرٍ من الحكومة، وإذا ما أتى الهجوم من قبل أولئك الذين ينتقدون الحكومة بشكلٍ عام، فقد يهدف ذلك حقا إلى تعزيز الشعور بأن هذه سياسة تستحق الدراسة. لكن على أي حال، وفي ظل الظروف الحالية، من المرجح أن تواجه أي معارضة ضدّ تلطيف علاقات البحرين مع المجموعات اليهودية ومع إسرائيل حتى أيضًا، حملات لإسكاتها أو تهميشها على نطاق واسع.
وفيما تمر البحرين بظروف واهتمامات خاصة تفسر السبب الكامن وراء قيادتها الحالية للجهود الخليجية العربية المبذولة لدراسة إمكانيات تحسين العلاقات مع إسرائيل، إلا أنه من المؤكد تقريبًا أن المنامة لا تعمل بمفردها أو لمصالحها الخاصة فحسب. فمنذ تدخل قوات درع الجزيرة في العام 2011 الذي نفذته قوات دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة القوات السعودية، أحالت المنامة باستمرار معظم المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع إلى الرياض. ولذلك، يتم تنسيق دور البحرين الإقليمي بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية التي تحدد عادةً المعايير التي تعتمد عليها المنامة في تسيير علاقاتها الدولية. لذا قد لا تعبر البحرين في كلامها عن هذه المسائل عن نفسها فحسب. ومن المستبعد جدًا أن تحرز المنامة تقدمًا في تواصلها مع إسرائيل إذا ما اعترضت الرياض على هذه السياسة. فعلى العكس، إنه من المؤكد تقريبًا أن البحرين تتصرف بالنيابة عن المملكة العربية السعودية وبعض حلفائها الآخرين في مجلس التعاون الخليجي في أخذ زمام المبادرة في دراسة إمكانيات الانفتاح على إسرائيل والحوار معها على نطاق أوسع.
ومع ذلك، فإن جميع دول الخليج العربية مقيدة في تعاملها المحتمل مع إسرائيل بسبب القضايا الفلسطينية، وخاصة الاحتلال، لا سيما عندما يتعلق الأمر بعلاقات دبلوماسية وتجارية واستراتيجية أكثر انفتاحًا وموضوعية. ووفرت مبادرة السلام العربية، التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في العام 2002، والتي أعادت الجامعة العربية تأكيدها لاحقًا في العامَين 2007 و2017، إطار تطبيع عربي وإسلامي واسع النطاق مع إسرائيل ضمن اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني. لكن، فيما رأى التصور الأصلي لمبادرة السلام العربية التطبيع الإقليمي مع إسرائيل على أنه المرحلة الأخيرة من عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، ظهر نهجٌ أكثر مرونة لدى عدد من البلدان العربية، بما فيها الخليجية. وإن عملية التزامن في تقديم التنازلات التي هي أكثر تواضعًا من جهة إسرائيل تقابلها تنازلات مشابهة متواضعة أو محدودة أيضًا من جانب البلدان العربية من حيث الانفتاح الدبلوماسي أو التجاري أو الاستراتيجي، تبدو الآن ممكنة، ولو كان حلول السلام الذي ينهي الصراع والتطبيع الكامل غير متاحَين إلا في نهاية العملية.
ويؤكد تواصل البحرين مع إسرائيل بشدة استمرار الاهتمام، وربما ازدياده، في دراسة إمكانيات تحسين العلاقات، بل وربما إقامة علاقة استراتيجية جديدة بين إسرائيل ودول الخليج العربية. ومع ذلك، ومن دون إحراز أي تقدم مهم في القضايا الفلسطينية، ولا سيما في العمل على إنهاء الاحتلال، فإن المجال السياسي لمثل هذا الحوار، ناهيك عن التقارب، سيظل محدودًا. وبسبب ذلك، لا تستطيع إسرائيل أن تستجيب ببساطة للبحرين ولدول الخليج العربية الأخرى على المستوى الثنائي من دون أن تواجه طريقًا مسدودًا بسرعة. فلن يقتصر اغتنام الفرصة الحالية، وربما العابرة، على تواصل الدول العربية الفعال فحسب، وهو ما يتضح بشكل كبير في مبادرات البحرين الأخيرة، بل سيتطلب أيضًا استعدادًا عمليًا من جانب إسرائيل للمساعدة في حل المسألة الفلسطينية، وهو عامل مزعزع للاستقرار ومتقلب للغاية في الشرق الأوسط.