في مارس/آذار 2023، اجتاحت الإنترنت صور للبابا فرانسيس مرتديًا سترة بالنسياجا منتفخة. تم إنتاج الصور البابوية الأنيقة، التي اعتقد الكثيرون أنها حقيقية، باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي ميدجرني (Midjourney)، وفتحت الأبواب لفيضٍ من النقاشات حول استخدام تقنية الدييب فيك (deepfake)، وصعوبة تمييز ما إذا كانت الصورة قد صُممت باستخدام الذكاء الاصطناعي أم حقيقية.
انتشرت تقنية الدييب فيك، سيئة السمعة، منذ أقل من عقد من الزمن لاستخدامها لأغراض مسيئة في السياسة والترفيه والأعمال التجارية لمحاكاة التشابه بين الأشخاص. بيد أن بعض الفنانين يرون في الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة لا تختلف عن فرشاة الرسم أو الكاميرا، ويعتبرونه فرصة للارتقاء بأنماط الإنتاج الفني القائمة حاليًا. وقد استخدم الفنانون في العقود القليلة الماضية برامج التعلم الآلي، مثل ستايل جان (StyleGAN) وميدجرني (Midjourney) وران واي إم إل (Runway ML) وغيرها الكثير، لاستكشاف آفاق صناعة الفن.
وسرعان ما بدأت الدول الخليجية باعتماد الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات، بما في ذلك القطاع الإبداعي. في عام 2022، أدخل معرض أرت دبي، وهو واحد من أكبر معارض الفن التجاري في المنطقة، قسمًا رقميًا يركز على الرموز (tokens) غير القابلة للاستبدال وفنون الفيديو والواقع الافتراضي، وفي الآونة الأخيرة، عرض أعمال فنية من انتاج الذكاء الاصطناعي. في منطقة الدرعية التاريخية في الرياض، يركز مركز الدرعية لفنون المستقبل والبحوث والتعليم على وسائل الإعلام والتقنيات المبتكرة الناشئة، ويقدم الإقامات والبرامج التدريبية في هذه المجالات. وعلى نحو مماثل، في أبريل/نيسان، جمعت قمة آوتر إج (Outer Edge) في الرياض الخبراء لمناقشة تداعيات استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية الويب (الجيل الثالث) اللامركزية – حيث يتمتع المستخدمون بقدر أكبر من التحكم ونصيب أكبر- ولاستكشاف مستقبل الإنترنت والواقع الافتراضي والألعاب والمدن الذكية، وغير ذلك من الموضوعات الأخرى.
سبر أغوار الماضي
دأبت فنانة الوسائط المتعددة السعودية دانية الصالح على استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في أعمالها منذ عدة سنوات، لاستكشاف إمكانات هذه الأداة في إثارة ردود الفعل العاطفية لدى المشاهدين والتلاعب بالسرديات التاريخية. في أعمالها، تحاول الصالح المحافظة على خيط المصداقية الدقيق، والاعتماد على تقنية الدييب فيك في معظم الأحيان – وتقبل التشويه والعيوب التقنية التي تعاني منها هذه التكنولوجيا – لكي تتحدى موثوقية ومصداقية الذاكرة مع مرور الزمن وتدفق وسائل الإعلام إلى عقولنا.
في فيديو “كيف أتذكرك” الذي أنتجته في عام 2020، جمعت الصالح صورًا للعراقيين من أرشيفات ما بين سنوات الأربعينيات إلى الستينيات – وأبرزها من الفترة التي عم فيها السلام في العراق قبل اندلاع الصراعات هناك – وروضت الخوارزميات لإنتاج صور غير حقيقة بإتقان تعتمد على هذه الصور باستخدام تقنية ستايل جان. يصدح صوت الصالح المشوه والمبدل بصورة كبيرة وهي تقرأ قصيدتها التي استخدمتها في الخلفية الصوتية للفيديو. تم عرض هذا العمل كجزء من مشروع عرضها للحصول علي درجة الماجستير في الفنون الجميلة في كلية جولدسميث (Goldsmiths) بجامعة لندن، حيث حصلت على شهادة في الفنون الحاسوبية، يبحث عمل “كيف أتذكرك” في العلاقة غير المستقرة بين تكوُّن الذاكرة ووسائل الإعلام المعاصرة. مع مليارات الصور التي تتم مشاركتها يوميًا عبر الإنترنت، يمكن أن يكون تمييز المحتوى البصري الناتج عن الذكاء الاصطناعي عما هو غير ذلك أمرًا في غاية الصعوبة. وعلاوة على ذلك، فإنه يمكن لهذا الطوفان الإعلامي، كما يظهر في عمل الصالح، أن يؤثر على الذكريات المرتبطة بأحداث معينة. في الأستوديو الخاص بها في حي جميل، أخبرت الصالح معهد دول الخليج العربية في واشنطن بأن العديد من زوار معرضها يؤمنون بأنهم تعرفوا على الوجوه في صورها التي أنتجتها بالذكاء الاصطناعي على الرغم من كونها ليست أصلية.
“أثارت الصور مشاعر قوية بالأُلفة غير المألوفة، كما لو كانوا يشهدون ذكريات لهم، ولكنها ليست ذكرياتهم في الوقت ذاته. استفادت هذه الأعمال من عوامل الحنين للماضي والتاريخ الشخصي والهوية الثقافية لتأتي بتجربة مشحونة عاطفيًا. هذا المزج بين المألوف وغير المألوف يثير نوعًا من الارتباط الذاتي بسياق العمل الفني”. وأردفت قائلة، “عندما يُجهد المشاهدون أنفسهم للتمييز بين ما هو حقيقي وما هو من نتاج الذكاء الاصطناعي، فإن ذلك يعكس التحدي المجتمعي الأوسع المتمثل في الخوض في عالم مشبع بوسائل الإعلام، حيث يزداد التشابك بين الحقيقة والخيال. وهذا الالتباس يدفع المشاهدين للتشكيك في مصداقية ذكرياتهم، وفي مصادر الصور ووسائل الإعلام التي يستهلكونها بشكل يومي. وهذا يصب مباشرة في أعمالي، التي تستكشف التكيف الاجتماعي وتأثيره على الذاكرة، والذي ينعكس غالبًا على كيفية تعاملنا السطحي مع الأشياء”.
وعلى نحو مماثل يعتمد فيديو آخر من أعمال الصالح، “التلاشي“، على قدرة تقنية الدييب فيك على إنتاج محتوى بصري واقعي إلى حدٍ ما اعتمادًا على مواد من الأرشيف. وقد تم انتاج هذا العمل، على غرار دراما الخمسينيات المصرية، التي تستحضر عناصر “التألق والرومانسية والإثارة” في العصر الذهبي للسينما العربية، من خلال تغذية الخوارزميات بالأفلام المصرية لإنتاج نسخة مدتها 10 دقائق من هذه الأفلام (دون حبكة ملموسة). مثل أبطال “كيف أتذكرك”، تكشف الشخصيات والمشاهد في عمل “التلاشي” عن علامات واضحة على التلاعب الرقمي والابتكار، تتحرك ملامح وجوههم بشكل غير طبيعي؛ وأعضاء أجسادهم ليست متناسبة؛ وتتحول أشكال عناصر الخلفية، مثل أشجار النخيل والسيارات، إلى نسخ لا يمكن التعرف عليها بحد ذاتها. ولعلمها بأن جماهيرها ستتعرف على موضوعات أفلام الأبيض والأسود المصرية، يعتمد هذا الفيلم القصير، على غرار عملها الأخر، على الذاكرة الجمعية لفهم المشاهد التي كانت ستبدو سخيفة في سياقات أخرى.
لعل من المفارقات أن تنطوي ممارسات الصالح على استخدام التكنولوجيا الأكثر تقدمًا اليوم لإعادة تقييم مواد من الأرشيف القديم الذي أصبح بمثابة المحتوى الذي يغذي خوارزمياتها. “أعتقد أن إحدى الفرص الرئيسية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي هي القدرة على تفسير المواضيع المؤرشفة وإعادة تفسيرها، ما من شأنه أن يوفر منظورات مختلفة وطرقًا بديلة للنظر للأشياء. لإنتاج مثل هذه الأعمال، من الضروري بناء قاعدة بيانات لممارسة برامج الذكاء الاصطناعي هذه. وهذا ينطوي على عملية مستمرة من البحث وجمع البيانات وتصنيفها، ما من شأنه أن يأتي في كثير من الأحيان برؤى ووجهات نظر جديدة لم تخطر على بالي أبدًا”.
وكما هو الحال، إلى حد بعيد، مع تحدي الدراما المصرية للأعراف الاجتماعية من خلال العرض المفصل لقصص الحب والعروض الموسيقية، تدرس الصالح الكيفية التي يمكن من خلالها لهكذا فيلم من انتاج الذكاء الاصطناعي أن يتحدى الانخراط مع وسائل الإعلام المعاصرة وإعادة بناء الذاكرة. وترحب الصالح في أعمالها بالنقاشات حول إمكانية تصديق الذكاء الاصطناعي وقدرته على إنتاج أعمال فنية هادفة، ما يسمح لعملها بالتواجد في هذه المنطقة الرمادية. وبدلاً من تعرض أعمالها للتهديد من واقعية المحتوى البصري الناجم عن الذكاء الاصطناعي، فقد اعتمدت على هذه الواقعية في استخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لاستكشاف الذاكرة والعقل وتاريخ الأرشيف والصور.
الذكاء الاصطناعي في أستوديو الفنانة
وفي حين أن النقاشات حول الانتشار المتزايد للذكاء الاصطناعي تتمحور حول مخاوف العمال من أن يتم استبدالهم في أماكن العمل، وحول مسائل الملكية والمصداقية، ترى الصالح في الذكاء الاصطناعي فرصة لتوسيع عملها. وأوضحت قائلة، “أستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل تعاوني وليس كمنافس. يعمل هذا التعاون على تعزيز الإبداع، بدلاً من أن يحل محله. فالذكاء الاصطناعي لدي هو مجرد أداة أخرى ضمن مجموعة الأدوات التي أستخدمها، إلى جانب الفراشي والطلاء والكاميرات. دعونا نتذكر دومًا أن الفن إنساني بطبيعته، متجذر في التجارب الفردية والجماعية. لا يمكن للذكاء الاصطناعي استنساخ التجربة البشرية والحالة الشعورية التي تثير الإبداع الفني. الفنان البشري هو من يوجه الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال هندسة الأوامر، أو أوامر المدخلات، أو من خلال مجموعات البيانات الشخصية”.
وتابعت قائلةً، “لقد شهدنا تحولات مماثلة من قبل عندما غيرت التكنولوجيات أو الابتكارات الجديدة مجالاتها، مثل ظهور التصوير الفوتوغرافي. ومثلما أصبح التصوير الفوتوغراف أداة قوية للتعبير الفني، ما شكل إضافة للنماذج الفنية التقليدية بدلاً من استبدالها، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوسع حدود الخيال مع الإبقاء على العنصر البشري الأساسي للرؤية الفنية”.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.