كانت مدينة الكويت متقدمة على المدن الأخرى في المنطقة من حيث الحداثة الحضرية ونمو بيئتها في مجال البناء. ومع ذلك، فالأمر لا يقتصر الآن على السباق للحاق بالمدن التي تشهد تطورًا أسرع، مثل دبي والرياض، بل هي معرضة لخطر التخلف عن هذا الركب.
لدى المدينة الكثير من الإمكانات التي لم تتحقق بعد، مع عدد هائل من المباني التي عفا عليها الزمن، والأبنية المتهالكة دون ترميم، والمساحات العمرانية غير المغرية. لقد تكون الوضع الحالي للمدينة نتيجة لعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية بفعل ما يشير إليه مؤرخو التطور الحضري على أنه التمدن في حقبة ما بعد الاستعمار. وتسبب هذا التأثير في حدوث اضطراب في الهوية المعمارية والحضرية للمدينة، وبدوره أثر هذا الاضطراب في الهوية على تطور المدينة والواقع المكاني، الأمر الذي أثر على تجربتها العمرانية الحديثة واستدامتها على المدى البعيد.
الاستعمار في التنمية الحضرية
لم تكن الكويت مستعمرة قط، رغم أنها كانت محمية بريطانية من 1899-1961. مارس البريطانيون نفوذًا هائلاً وتسربت بعض اللكنات الاستعمارية إلى التطور الحضري في الكويت. وأُنشئت المرحلة الحديثة من مدينة الكويت بعد اكتشاف النفط في البلاد عام 1938، حيث كان لدى المسؤولين الكويتيين رغبة في أن يعكس المشهد الحضري الوضع الاقتصادي الجديد للبلاد. ودعا البريطانيون، إلى جانب التجار والمسؤولين المحليين، بشدة إلى هدم مدينة الكويت القديمة لصالح مدينة الكويت الجديدة.
تشكلت الهوية المعمارية والحضرية الأصلية لمدينة الكويت القديمة من خلال الظروف الثقافية والاقتصادية والبيئية التي كانت سائدة آنذاك. تم بعد ذلك إعادة توجيه هذا المشهد الموروث لأغراض جديدة كليًا، وتم إنشاء واقع مكاني جديد، ما أسفر عن تغير نمط حياة المجتمع الكويتي بشكل دائم. وتحولت المساحات التي كانت تستخدم في السابق كأحياء سكنية وأماكن تجمهر مجتمعية وأسواق نابضة بالحياة وديوانيات سياسية إلى مواقع بناء، وأعيد تصميمها لتلائم أغراض السردية الجديدة: المدينة العربية الحديثة.
أدت هذه العولمة والاضطراب في عدم التجانس المكاني للمدينة القديمة إلى تحويل البلدة الساحلية الصغيرة إلى مدينة تجارية دون اعتبار لهويتها الثقافية المتنوعة والغنية سابقًا، كل ذلك باسم المفهوم الغربي للحداثة والتقدم.
تم بناء المدينة الجديدة بسرعة وبكثافة لتعرض نفسها على أنها جريئة ومستقلة، ونسخة من “لؤلؤة الخليج” البارزة، على الرغم من أنها لم تبرز حقًا في عيون بعض الخبراء، مثل صبا شبر (Saba Shiber)، وهو مخطط حضري عمل في وزارة الأشغال العامة أثناء العملية. وردًا على ما اعتبره تطلعات معيبة، ولكنها ضارة، حذر من التطور الحضري السريع، خوفًا من أن ينتهي الأمر بالتضحية بالمدينة القديمة الساحرة، واستبدالها بفوضى عمرانية. وذكر أنه “لم يحدث في تاريخ البشرية قط أن تم إنشاء مجمع حضري أكثر تكلفة وأقل تناغمًا بمثل هذه السرعة. نحاول الهروب من نيران الحركة المعمارية والهندسية الملتهبة، ولكنها كثيرة ويتملكها زخم كبير، وما تزال ترفع رؤوسها القبيحة في كل مكان”. بحلول يونيو/حزيران 1960، شعر شبر بأن الأمور قد ازدادت سوءًا لدرجة أنه، حسب رأيه، “كان ثمة انتحار حضري معين حديث المنشأ في المدينة القديمة على الأقل”.
عند فحص مدينة الكويت الآن، نجد تاريخها منفصلاً عن الواقع المكاني الحالي، فلا توجد أهمية ثقافية أو تاريخية تذكر مرتبطة بالمساحات والمباني العمرانية في المدينة، حيث تم تصميم الجزء الأكبر منها على يد مهندسين معماريين أجانب ومخططين عمرانيين ليس لديهم سوى القليل من الفهم للسياق الاجتماعي والثقافي المحلي. في حين أن هذا الأمر قد لا يشكل قضية من حيث الغاية، إلا أنه يشكل قضية من حيث هوية التكوين الحضري، لقد حددت دراسة الشكل الحضري علاقة معقدة، ولكنها قوية، بين الهوية الثقافية والبيئة القائمة. بالنسبة لهؤلاء الخبراء، فإن المدينة التي صممها أولئك الذين ينظرون إليها من الخارج، ويعايشونها وهم منفصلون عنها، سينتهي بها الأمر بمنح امتيازات للمساحات الحضرية أحادية الوظيفة، والخالية من روح المدينة الحقيقية: وهم أهلها. أوضحت أسيل الرقم، وهي أستاذ مشارك في كلية الهندسة المعمارية في جامعة الكويت، أن سبب هذا الانفصال هو أن مدينة الكويت كانت حقل تجارب، بالنسبة لهؤلاء المصممين الأجانب، وتجربة في الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني، وفرصة لإنشاء تجربة حضرية جديدة.
الإرث البغيض للتخطيط الحضري
ليس لدى الكويتيين المولودين في تسعينيات القرن الماضي أو العقد الأول من هذا القرن ذكريات جماعية مرتبطة بالمباني التجارية في مدينة الكويت. ليس لدى الكثير منهم سوى القليل من الارتباط العاطفي بالمدينة. لا يرغب الشباب الكويتيون، الذين يعيشون في المناطق النائية، في زيارتها، في كثير من الأحيان، نظرًا لنقص وسائل النقل العام المتاحة والفعالة. كما أن الحافز لزيارة المدينة يكاد يكون معدومًا، نظرًا لقلة مناطق الجذب السياحي والأنشطة الترفيهية. أما الأنشطة المتوفرة فلا يستطيع جميع أفراد المجتمع الوصول إليها على قدم المساواة وبأسعار معقولة.
تتقاسم الأجيال السابقة من الكويتيين بعض الذكريات المحببة عن الوجهات الترفيهية الشهيرة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، مثل مركز تسوق مجمع المثنى. وأصبحت العديد من هذه الأبنية متقادمة أو مهجورة، مثل مجمع المثنى، وتم هدم بعضها مثل مجمع الصوابر. وبصرف النظر عن جهود الاحتفاظ بهذه الذكريات، فإن الاعتماد على الحنين للماضي وحده لخلق غاية ومعنى للعمارة والفضاء الحضري ليس أمرًا مستدامًا.
فيما يتعلق بأوجه القصور، تفتقر المدينة إلى المساحات التي توفر المناظر الخلابة، أو تثير إحساسًا مجتمعيًا عميقًا، أو تربط الناس بتراثهم وبعضهم بعضًا. بدلاً من ذلك، فإن المشهد الشائع في مدينة الكويت هو قطع الأراضي الفارغة – فقد تمت إعادة استخدام بعضها كمواقف للسيارات، وأصبح البعض الآخر حفرًا بشعة المنظر للنفايات وبقايا الحطام. عنصر آخر تفتقر إليه المدينة هو المساحات الخضراء والنباتات؛ ويؤثر هذا على كل من المظهر الجمالي الجذاب للمدينة واستدامتها. إن المشهد الطبيعي القاحل بنيَّ اللون في المدينة والبنية التحتية غير النافذة للمدينة تجعلها بيئة غير مضيافة، ومعرضة بشكل كبير لتأثيرات التغيير المناخي.
هنالك بعض الاستثناءات، مثل سوق المباركية، أحد أقدم الأسواق في الكويت، ولم تمسسه خطط التنمية. ومن المشاريع التي تبث الأمل أيضًا حديقة الشهيد التي شيدت عام 2015. وهي أكبر حديقة حضرية في الكويت، وتوفر مساحة خضراء للناس لممارسة التمارين الرياضية، والتواصل مع الطبيعة، والتعرف على الأحداث التاريخية. وتعد بمثابة مثال جيد على المساحة الحضرية التي تهدف إلى تكريم الماضي (اسم الحديقة هو تكريم لشهداء الكويت)، وتوفر مساحة متنوعة بيولوجيًا، وتضم مساحة لممارسة المشي للأجيال الجديدة. وثمة ظاهرة إيجابية أخرى هي ترميم المساحات في مدينة الكويت من قبل الشركات الصغيرة، مثل المقاهي والمطاعم ومساحات العمل المشترك التي يملكها الكويتيون الشباب. وهذا من شأنه أن يحسن الحيوية الحضرية والتواصل الاجتماعي، ويمنح السكان المحليين فرصة لاستعادة المدينة.
مدينة للجيل القادم
تجادل الرقم بأنه “ينبغي على الطبقات التاريخية للمدينة أن تتعايش معًا، حتى تتمكن الأجيال المختلفة من قراءتها”. ومع ذلك، عندما يكون هناك القليل مما يُقرأ، يكون هناك القليل مما يربط السكان بعضهم ببعض. ويتساءل الخبراء عما إذا كان المسار الحالي لمدينة الكويت، يمر في طريق خالٍ من الإحساس بالتاريخ، وما إذا كان مستدامًا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. كما أن هذا يثير التساؤل حول كيفية “انتقال” المدينة إلى الجيل القادم – فيما يتعلق بالإحساس المشترك بالتراث.
أبدى الفيلسوف الفرنسي هنري لوفيفر (Henri Lefebvre) ملاحظةً في كتابه “الحق في المدينة” (The Right to the City)، الصادر عام 1968، بأنه يتم في معظم الأحيان استبعاد الأشخاص الذين يعيشون ويعملون في المدينة من تشكيلها. ففي حالة مدينة الكويت، هناك حجة مفادها، على حد تعبير لوفيفر، أن هذا “الحق” في المدينة قد انتُزع من سكان البلدة القديمة، وتم تسليمه لمصممين ومعماريين أجانب. أوضح بدر بوصخر، وهو مهندس معماري بارز في قسم الهندسة المعمارية بوزارة الأشغال العامة، أنه قد تم توجيه معظم المباني في الكويت، المُكلفة بها وزارة الأشغال العامة، إلى شركات تصميم محلية. ويعمل في هذه الشركات مصممون أجانب بالدرجة الأولى، وقد تم تصميم المباني بهدف إرضاء المستخدم النهائي أو أصحاب المصلحة. بشكل عام لا تعطى الأولوية لاعتبارات الهوية المعمارية المحلية. لذلك، لا يزال فن العمارة وتصميم المساحات الحضرية في مدينة الكويت يتجاهل الاحتياجات الاجتماعية والبيئية والثقافية المحلية.
الحفظ والتخطيط المستدام
لكي يتمكن الناس من التواصل مع مدينة الكويت، والعثور على المعنى الذي أخفقت الهندسة المعمارية والمساحات الحضرية في توفيره، تقتضي الحاجة إيجاد سياق ومضمون جديدين من خلال التخطيط المستدام وإعادة تشغيلها لأغراض أخرى. تعد المحافظة على العمارة الحالية بدلاً من هدمها خيارًا أكثر قابلية للتطبيق من الناحيتين الاقتصادية والبيئية. إن إعادة تشغيل المباني المهملة في مدينة الكويت لأغراض أخرى وتحديثها يمكن أن يساعد في إعادة إحياء المدينة. ومن شأن ذلك أن يحفز الاستثمار ويقلل من عمليات الهدم وانبعاثات الكربون الناتجة عن عمليات البناء الجديدة.
إن الكويت، بمشهدها الاجتماعي والسياسي المعقد، مأهولة بالشباب الذين يعتنقون التغيير، كما أنهم حريصون في الوقت ذاته على التقاليد، ونلمس ذلك في إعادة إحياء “لؤلؤة الخليج”. يمكن تجنيد كفاءات المهندسين المعماريين والمخططين العمرانيين الكويتيين لضمان استمرار تطوير المدينة وإعادة تشكيلها لاستيعاب المشهد الاجتماعي والثقافي دائم التغيير. وتتمثل إحدى طرق تشجيع هذه العملية في قيام الوكالات الحكومية، التي تلعب دورًا في تطوير البلديات أو الفن المعماري في مدينة الكويت، بإدماج التخطيط الحضري البارع والمستدام، وإعطاء الأولوية للعنصر البشري ومراعاة الظروف الاجتماعية والبيئية. بالمضي قدمًا، تمتلك مدينة الكويت الفرصة لإعادة تشكيل نفسها لتعكس هوية شعبها على نحو أفضل، ولتثبت أنه، كما قال المهندس والأكاديمي روبرتو فابري (Roberto Fabbri)، لم تكن هناك ضرورة لارتكاب “الخطيئة الأصلية” المتمثلة في هدم المدينة القديمة. ليس من الضروري محو الماضي لإفساح المجال للمستقبل – يمكن بناء مستقبلٍ مستدام من خلال الحفاظ على الحاضر وإضافة التحسينات إليه.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.