قد يكون ثاني أكبر مصدر لإنتاج النفط الإضافي بعد الولايات المتحدة في عام 2023 بمثابة مفاجأة – فهو ليس روسيا، ولا السعودية، ولا النقطة الساخنة الجديدة في جيانا، ولا فنزويلا، التي لم تخضع للعقوبات مؤخرًا، بل هو إيران. أو ربما كان ينبغي لنا أن نتوقع بروز إيران باعتبارها واحدة من أقدم القوى النفطية في العالم. وفي كلتا الحالتين، فإن انتعاش النفط الإيراني وإمكانية استمراره يشكلا سوقًا حيويًا وتطورًا سياسيًا.
زيادة الصادرات الإيرانية
ذكر وزير النفط الإيراني جواد أوجي في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني أن إنتاج إيران من النفط قد وصل إلى 3.4 مليون برميل يوميًا، حيث ارتفاع من 3.1 مليون برميل يوميًا في سبتمبر/أيلول ومتوسط 2.55 مليون برميل يوميًا في عام 2022. ويعد الرقم الذي ذكره أوجي أعلى من تقييم منظمة أوبك في تقريرها النفطي لشهر نوفمبر/تشرين الثاني، والبالغ 3.1 مليون برميل يوميًا، لكن من الواضح أن إنتاج إيران قد ارتفع بشكل ملحوظ عن معدله البالغ 2.6 مليون برميل يوميًا في الربع الأول من عام 2023 و2.7 مليون برميل يوميًا في الربع الثاني.
وكما هو الحال عادة، جاءت زيادة الإنتاج الإيراني نتيجة للجغرافيا السياسية وليس الجيولوجية. يبدو أن الولايات المتحدة قد خففت من تنفيذ العقوبات لتحقيق ثلاثة أهداف: مواصلة الضغط الاقتصادي على روسيا، ودعم سقف أسعار مجموعة الدول الصناعية السبع على صادرات النفط الروسية؛ وجعل أسعار النفط معتدلة سعياً لكبح التضخم وزيادة احتمالات إعادة انتخاب الرئيس جوزيف بايدن؛ وتقديم بعض الحوافز لطهران لإجراء مزيد من المحادثات في أعقاب صفقة إطلاق سراح السجناء في أغسطس/آب، وتباطؤ تخصيب اليورانيوم الإيراني.
كانت الصين لفترة من الزمن هي العميل الوحيد الذي يدفع الثمن لإيران، وبشكل أساسي شركات التكرير الصينية المستقلة حول منطقة شاندونج، والتي ليس لديها ما يدعو للقلق من الضغوط الأمريكية مقارنة بالمشترين الآخرين. يتم دمغ جميع الصادرات الإيرانية تقريبًا، بشكل شفاف، على أنها من ماليزيا التي “تشتري” الصين منها الآن نفطًا أكبر بكثير مما تنتجه البلاد. يُباع النفط الإيراني عند وصوله إلى الصين بخصم يبلغ حوالي 13 دولارًا للبرميل مقارنة بخام برنت، وهو المعيار الدولي، في حين يُباع نفط سلطنة عمان ذو الجودة المماثلة بخصم قدره 5 دولارات للبرميل، ويباع مزيج إسبو (ESPO) الشرق الأقصى الروسي بخصم يتراوح ما بين نصف إلى دولار واحد للبرميل مقارنة ببرنت.
لكن يبدو أن دائرة المشترين الصينيين قد اتسعت في الآونة الأخيرة، بعد شعورهم بالارتياح في ظل تراخي العقوبات الأمريكية، على الرغم من زيادة الواردات من النفط الروسي بأسعار مخفضة أيضًا. كان ما بين 1.45 إلى 1.8 مليون برميل من النفط الإيراني يذهب يوميًا إلى الصين في أكتوبر/تشرين الأول، وهو ارتفاع كبير عن المعدل السنوي البالغ 1.05 مليون برميل يوميًا، والذي بحد ذاته يشكل زيادة بنسبة 60% عن مستويات ما قبل العقوبات في عام 2017، عندما كان لإيران دائرة أوسع بكثير من المشترين. إلى جانب الصين، تذهب الآن كميات صغيرة من النفط الإيراني إلى نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، التي لديها خطوط ائتمان وليس من المرجح أن تدفع، وإلى فنزويلا، حيث يتم خلط النفط الإيراني مع النفط الفنزويلي الثقيل للحصول على نفط أكثر قابلية للبيع. وتدفع كراكاس عينيًا مازوت ونفطًا خامًا ثقيلاً.
وقد تم تسهيل زيادة الصادرات الإيرانية من خلال استخدام المخزون العائم المتراكم، والبالغ 78 مليون برميل، والذي يبدو أنه قد تم بيع معظمه الآن. ولا يزال لدى إيران ما يزيد على 100 مليون برميل في خزانات على الشاطئ. وقد بلغ متوسط الصادرات 1.39 مليون برميل يوميًا ما بين يناير/كانون الثاني وبين أغسطس/آب، ثم وصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا منذ ذلك الحين. ولذلك فإن الزيادة المتجهة للصين تطلبت استخدام المخزون.
من المحتمل أن تكون الطاقة الإنتاجية الإيرانية، التي كانت تبلغ 3.8 مليون برميل يوميًا قبل حملة عقوبات “الضغوط القصوى” التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، قد انخفضت إلى حوالي 3.2 مليون برميل يوميًا، وهي قريبة من مستويات الإنتاج الحالية. ومع بعض الجهود والاستثمارات من قبل الجهات الفاعلة المحلية، من الممكن للإنتاج الإيراني أن يرتفع إلى 3.6 مليون برميل يوميًا. وقال محسن خوجاسته مُهر، المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، إن الإنتاج سوف يصل إلى 3.5 مليون برميل يوميًا بحلول مارس/آذار 2024، نهاية العام الحالي طبقًا التقويم الإيرانية.
تعمل شركة النفط الوطنية الإيرانية والجهات الفاعلة المحلية الخاصة أو شبه الخاصة للمحافظة على إنتاج الحقول العملاقة القديمة، مثل مارون، مع تعزيز الحقول الأصغر، مثل حقل شاديجان، حيث يمكن لبعض الآبار الجديدة وأنشطة الصيانة أن تضيف 26 ألف برميل يومياً؛ وبدء تشغيل حقلي سبهر وجفير بطاقة أولية تبلغ 20 ألف برميل يوميًا؛ وحقل رسالات النفطي البحري، حيث تسعى إيران لإنتاج ما يقدر بـ 33 ألف برميل يوميًا؛ كما أن تطوير حقل سهراب من قبل شركة دانا للطاقة، وهي شركة خاصة، من المتوقع أن يُنتج 30 ألف برميل يوميًا. وتسعى إيران أيضًا إلى تطوير حوض خامي العميق ذي الضغط المرتفع، والذي يحتوي على النفط والغاز في العديد من الحقول، ولكنه يتطلب تكنولوجيا متقدمة جدًا.
إيران لا تنقصها الموارد الهيدروكربونية الإضافية. في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، كشفت إيران النقاب عن حقل نامافاران النفطي، وهو اكتشاف هائل من النفط الثقيل يحتوي على 53 مليار برميل – على الرغم من أن وزير النفط آنذاك بيجان زانجنه قال إنه سيكون من الممكن استخراج 2.2 مليار برميل فقط – ويمتد عبر عدة حقول في مقاطعة خوزستان، معقل النفط الإيراني.
أعلنت إيران مؤخرًا عن اكتشافات نفطية كبيرة في جنفه وتانجو بالقرب من بوشهر على ساحل الخليج، وفي هيركان في مقاطعة جولستان على ساحل بحر قزوين. وقال أوجي إن هذه الحقول تحتوي على 2.6 مليار برميل، أو ما يقرب من 2% من الاحتياطيات الرسمية الحالية لإيران. تعد تانجو وجنفه من المنشآت المعروفة منذ سنوات عديدة، على الرغم من أنه لم يتم إثباتهما أو استغلالهما بشكل كامل. لكن هيركان مثيرة للاهتمام بشكل خاص، حيث لم تكن هناك حقول نفط معروفة من قبل في ذلك الجزء من البلاد، على الرغم من وجودها قبالة شاطئ بحر قزوين وإلى الشمال في تركمانستان.
كما تقدمت إيران مؤخرًا في مجال الغاز الطبيعي، حيث أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول عن اكتشاف كبير في لاميرد بمحافظة فارس جنوب غرب البلاد، ويقال إنه يحتوي على 22 تريليون قدم مكعب (حوالي 2% من الاحتياطيات الرسمية لإيران)، واكتشاف آخر في حقل غاز جشمه شور في خراسان. وقامت إيران مؤخرًا بتوسيع منشأة تخزين الغاز في شوريجه بالقرب من مدينة مشهد الرئيسية في شمال شرق البلاد، والتي من شأنها أن تساعد في تخفيف النقص المتكرر في فصل الشتاء.
التحديات باقية
ومع ذلك، لا تزال صناعة النفط الإيرانية في وضع هشّ. إن الحاجة إلى المزيد من الاستثمار والقدرة على الوصول إلى المعدات والتكنولوجيا أصبحت ملحة، ولكن من غير المرجح أن يحدث هذا نظرًا الأمر لانشغال الشركات الروسية بالوضع الداخلي، وانعدام الحاجة الملحة لدى الصينيين، وعزوف الجميع بسبب العقوبات. وحتى مع حدوث بعض الانفراجات الدبلوماسية، فإنه ليس من المرجح لشركات النفط الغربية، التي أُحبطت في السابق، أن تسارع بالعودة إلى إيران. وفي مجال الغاز، فإن عدم تطور حقل إيران الرئيسي، جنوب فارس، يشكل تهديدًا لأمن الإمدادات المحلية. فمستوى الضغط داخله آخذ في التراجع، والحقل يحتاج إلى أجهزة ضغط، وهي آلات ذات مواصفات عالية لا يمكن الحصول عليها بسهولة من الخارج. تستطيع إيران حاليًا تصنيع العديد من مكونات أجهزة الضغط بنفسها، لكنها تفتقر للمرافق أو الخبرة اللازمة لتصميم وبناء المنصات الكبيرة والثقيلة التي يتطلبها حقل جنوب فارس.
يعمل الصراع بين إسرائيل وحركة حماس على تعقيد الآفاق المستقبلية المباشرة. أولاً، لا تريد إدارة بايدن أن يُنظر إليها على أنها تتساهل مع إيران التي تدعم حركة حماس، حتى وإن لم تكن متورطة بشكل مباشر بالفظائع التي ارتُكبت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وهكذا، وبمساعدة الاتفاقية التي عقدت بين المعارضة الفنزويلية وحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، عملت واشنطن على تخفيف العقوبات على كراكاس مؤقتًا، ما من شأنه أن يعيد ما يصل إلى 250 ألف برميل يوميًا من إنتاج النفط. وهذا من شأنه أيضًا أن يقلل من حاجة فنزويلا إلى المساعدة الإيرانية في مزج وتصدير خامها الثقيل.
إن فرض عقوبات أكثر صرامة لم ينعكس في الأرقام حتى الآن، ولكنه قد يؤدي إلى تقليص زيادة الصادرات الإيرانية، ولا سيما إذا تم ردع كبار المشترين الصينيين مرة أخرى.
دعت إيران أعضاء منظمة التعاون الإسلامي لفرض حظر نفطي على إسرائيل، لكن إسرائيل مستورد صغير للنفط، ولا تأخذ سوى القليل من إمداداتها النفطية من هذه الدول. علاوة على ذلك، لا توجد رغبة داخل منظمة أوبك لتكرار أي نوع من الحظر الشهير الذي فرض عام 1973، كما أن دول الخليج العربية لا تميل لدعم إيران، وإيران نفسها ليست على وشك تهديد انتعاش صادراتها الأخير. إن الحرب الأوسع نطاقًا تشكل الكابوس الأعظم لجميع الأطراف المعنية ــ طهران وجيرانها من دول الخليج العربية والولايات المتحدة وعملاء النفط الرئيسيين في المنطقة، حيث من المرجح أن تجني روسيا وحدها الأرباح. ولا يبدو ذلك مرجحًا في الوقت الراهن. يعد اتفاق تطبيع العلاقات الأخير الذي تم التوصل إليه بين السعودية وإيران بوساطة صينية بمثابة حائط صد قوي ضد اشتعال حرب واسعة النطاق.
لذلك، من المرجح حاليًا أن تتراجع الزيادة في صادرات النفط الإيرانية، ولكنها لن تتراجع بشكل كامل. وهذا من شأنه أن يُبقي السوق العالمية دون اضطراب، حيث انخفضت أسعار النفط الخام بحوالي 20 دولارًا للبرميل منذ سبتمبر/أيلول. إن الجمع بين هذه الأسعار المنخفضة والخصومات وبين ارتفاع حجم الصادرات يشير إلى أن إيرادات طهران الشهرية قد ارتفعت بنحو 30%. لكن تعافي القطاع الصناعي بشكل جوهري لا بد أن ينتظر إعادة تنظيم الوضع السياسي كما جرت العادة.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.