ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
من المرجح أن يبقى شكل النظامين العالمي (السياسي والاقتصادي) غير محدد مع تأقلم العالم مع الحقائق الجديدة لفيروس كورونا. إحدى المسائل الجيوسياسية المثيرة للاهتمام هي كيفية تأثير ذلك على توسع النفوذ الصيني عبر أوراسيا، من خلال مشاريع مبادرة الحزام والطريق (BRI). حققت الصين مكاسب مثيرة للإعجاب في دول الخليج العربية منذ البدء بتنفيذ مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، معتمدةً على علاقاتها التجارية الإقليمية الهائلة، لتصبح من الأطراف الرئيسية الفاعلة في الاستثمار والتعاقد في مشاريع البنية التحتية الخليجية. لقد أسست الطبيعة التكاملية للبرامج التنموية في مبادرة الحزام والطريق و”الرؤية” الخليجية لركيزة أخرى من التعاون الصيني-الخليجي. وكانت اقتصادات الخليج ضعيفة بالفعل قبل الجائحة. إن الوضع الحالي في الخليج يجعل من الطبيعي التساؤل عما إذا كان هذا سيكبح الكثير من هذه المشاريع، ويبطئ من التوسع في العلاقات الصينية الخليجية.
وفي الوقت نفسه، فإن مبادرة الحزام والطريق أكثر من مجرد مشاريع بنية تحتية رائعة. وفي حين تهيمن صفقات بقيمة مليارات الدولارات على المشاريع الرئيسية، تم تصميم مبادرة الحزام والطريق حول خمس أولويات للتعاون: تنسيق السياسات، وتطوير البنية التحتية، والتجارة، والتكامل المالي، والعلاقات بين الشعوب. من الواضح أنها لا تُعطى هذه الأولويات الوزن نفسه، وليست متماثلة من حيث مستويات الإنجاز في جميع الدول المشاركة، ولكن بكين ترى أن لكل منها سماتها المهمة لمبادرة الحزام والطريق. وبهذا، قد تقدم فكرة عن أنواع التعاون المحتمل بين الصين ودول الخليج على المدى القريب.
تقدمت أولى أولويات التعاون، وهي تنسيق السياسات، لتتبوأ مركز الصدارة في السنوات الأخيرة. وتتميز الدبلوماسية الصينية بشكل أساسي في استخدام اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، كبديل عن التحالفات. إنها بنية هرمية من العلاقات، وتمتلك الدول في المستوى العلوي، شراكة استراتيجية شاملة، ولديها أكثر العلاقات الاقتصادية والسياسية تطوراً، مع بكين ويُنظر إليها على أنها تلبي مجموعة واسعة من المصالح الصينية على المستويين الإقليمي والدولي. لدى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وإيران شراكات استراتيجية شاملة مع الصين، وعينت كل منهما مسؤولاً كبيرًا لتنسيق العلاقات الثنائية.
في عام 2016، أنشأت المملكة العربية السعودية والصين اللجنة المشتركة رفيعة المستوى، برئاسة مشتركة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ونائب رئيس الوزراء آنذاك تشانج جيلي. تقاعد تشانج بعدها وحل محله هان زينج، الذي كُلف أيضاً بالملف السعودي. من الجانب الإماراتي، تم تعيين خلدون خليفة المبارك، الرئيس التنفيذي لشركة مبادلة، كأول مبعوث رئاسي خاص للصين في عام 2018، وعينت الصين يانج جيتشي، وزير الخارجية السابق والعضو الحالي في اللجنة المركزية للمكتب السياسي ومدير مكتب مفوضية الشؤون الخارجية، كممثل خاص. أما العلاقات بين الصين وإيران فيديرها وزيرا الخارجية وانج يي ومحمد جواد ظريف.
ولكون هذه العلاقات الثنائية يتم تنسيقها من قبل هؤلاء المسؤولين الكبار، فهذا يشير إلى الأهمية التي توليها كل حكومة لهذه الشراكات. إن إنشاء آليات رسمية لإضفاء الطابع المؤسساتي على الشراكات هو دليل آخر على نهج منظم لتطوير علاقات مستدامة طويلة الأمد. وكما قال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، خلال زيارته الرسمية للصين عام 2019: “يعمل الجانبان على إرساء ركائز لخريطة طريق للمئة عام المقبلة”.
من الناحية العملية، بدأ العمل بتنسيق السياسات هذه من خلال الاستجابة الصينية-الخليجية لفيروس كورونا. ففي المرحلة الأولى من الأزمة، كانت دول الخليج تقدم المساعدات للصين؛ وما إن وصلت بكين إلى مستوى يمكنها من التحكم بالمرض، حتى بدأ الدعم يتدفق من الاتجاه الآخر. أرسلت الصين مساعدات مادية مثل الأقنعة والمواد المطهرة والقفازات وغيرها من معدات الحماية. وساعدت في بناء المستشفيات الميدانية. وقد تشاور المختصون في الطب والمسؤولون الصينيون مع نظرائهم في دول الخليج، لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، وكذلك كيفية استخدام البيانات الضخمة وتكنولوجيا المعلومات لتتبع انتشار الفيروس. وفي حين تم تقديم هذا الدعم المادي ودعم الخبرات إلى جميع دول الخليج، إلا أن جدوى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة برزت بوضوح، حيث يبدو أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإيران تتمتع بأعلى مستوى من التعاون مع الصين في التعامل مع الجائحة. وتأتي جميع دول الخليج الأخرى في المستوى التالي من الشراكة، الشراكة الإستراتيجية، باستثناء البحرين، التي لم تنشئ مثل هذه الشراكة بعد.
تقدم الإمارات العربية المتحدة مثالاً مثيراً للإعجاب. فقد أعلنت مجموعة 42 (Group 42)، وهي شركة للذكاء الاصطناعي في أبوظبي، في مارس/آذار، أنها فتحت مختبراً ضخماً في مدينة مصدر لاكتشاف وتشخيص حالات الإصابة بفيروس كورونا من خلال الشراكة مع شركة BGI، وهى شركة جينات وراثية مقرها مدينة شنجن. ويتمتع المختبر بالقدرة على إجراء عشرات الآلاف من الاختبارات يومياً وهو أكبر مركز اختبار خارج الصين. بحلول أواخر يونيو/حزيران، كانت الإمارات، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 ملايين نسمة، قد أجرت أكثر من ثلاثة ملايين اختبار. ولم يعد تعاونها في مكافحة فيروس كورونا مع الصين موضع اختبار بعد قيام الشراكة بين مجموعة 42 وبين سينوفارم (Sinopharm)، شركة الأدوية الصينية، لإطلاق المرحلة الثالثة من التجربة السريرية من لقاح فيروس كورونا.
وبعيداً عن الجائحة، من المرجح أن يكون هناك المزيد من التعاون في السياسات في عالم الرقمنة. فالتحول الرقمي موجود على جدول أعمال جميع دول الخليج العربية حيث تعمل جميعاً من أجل اقتصادات تقوم على المعرفة، وهذا يتماشى أيضاً مع الطموحات الصينية في المنطقة كما هو موضح في ورقة السياسة العربية الصينية لعام 2016. ويقوم طريق الحرير الرقمي في الصين، وهو بديل محتمل “لعالم التكنولوجيا الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة”، بقطع أشواط طويلة في دول الخليج كمثال آخر على التضافر في مجال السياسة. وحصل التعاون مع شركة هواوي في بناء شبكات 5G على نصيب الأسد من الاهتمام، لكن الشركات الصينية تشترك بنشاط مع نظيراتها الخليجية، في توقيع مذكرات تفاهم عبر مجموعة واسعة من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك خدمات الأقمار الصناعية والأمن الإلكتروني وإنشاء المحتوى الرقمي، وحوسبة خدمات الكلاود، وتنمية الموارد البشرية والتدريب، وتطوير شبكة البرودباند (broadband network).
حتى التعاون بين الشعوب يزداد زخمًا. وهذا أحد مكونات القوة الناعمة في مبادرة الحزام والطريق، حيث كان تقليدياً ضعيفاً في دول الخليج، وكان الافتقار إلى التفاعل التاريخي والاجتماعي والثقافي يعني أن القليل في المنطقة لديهم فهم شخصي عميق أو تواصل مع الصين. في عام 2019، خلال الزيارات الرسمية التي قاما بها إلى بكين، أعلن كل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد عن خطط طموحة لتوسيع تدريس اللغة الصينية في المناهج الدراسية للبلدين من الروضة وحتى الصف الثاني عشر. وبالنسبة للإمارات العربية المتحدة، تطور البرنامج التجريبي الذي بدأ بعشر مدارس في عام 2017 إلى مئة مدرسة بحلول العام الدراسي (2019-2020)، وسوف يستمر في التوسع على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
حتى إذا كان هنالك تباطؤ في مبادرات البنية التحتية الرئيسية، مثل توسيع الموانئ أو المشاريع العقارية، فهناك تركيز كاف على أولويات تعاون مبادرة الحزام والطريق الأقل شهرة من أجل استمرار الزخم في العلاقات الصينية الخليجية.