ادعم منشورات معهد دول الخليج العربية في واشنطن باللغة العربية
تبرع اليوم لمساعدة المعهد في توسيع نطاق تحليلاته المنشورة باللغة العربية.
تبرع
سوف تتكشف نتائج قرار الرئيس دونالد جي. ترامب في 8 أيار/ مايو بانسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني، خلال الأشهر القليلة المقبلة مع إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، والعقوبات الثانوية التي ستفرض على البلدان التي ستستمر في التعامل التجاري مع الجمهورية الإسلامية. تقوم الحكومة الأمريكية بتكثيف حدة عقوباتها ضد إيران بتدابير جديدة، حيث اعتبرت، في 15 أيار/ مايو، رئيس البنك المركزي لديها إرهابيًّا، واتهمته بتوجيه أموال الدولة إلى حزب الله. بالنسبة إلى حلفاء وشركاء للولايات المتحدة التقليديين في الخليج وخارجه، فإن قيام الولايات المتحدة بحل المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة سيخلق بعض النتائج المتعددة الأبعاد.
الانسحاب الأمريكي ليس مجرد عملا ثنائيا ضد إيران. إنه يخلق انقسامات بين أوروبا والولايات المتحدة حول التجارة والسياسة الأمنية الإقليمية تجاه الخليج. ومن المحتمل أن يكون هناك ضغوط إضافية على مجلس التعاون الخليجي، حيث تتنافس الدول الأعضاء الأصغر مع مطالب الوحدة الإقليمية ضد إيران حتى مع استمرارها في التعامل مع إيران باعتبارها من العناصر الفاعلة اقتصاديًّا في المنطقة. وسوف تعمل هذه الانشقاقات عبر جانبي الأطلسي، وداخل دول مجلس التعاون الخليجي، وستعمل لصالح هؤلاء المستهلكين الآسيويين لمنتجات الطاقة الخليجية والذين هم من المستفيدين من المظلة الأمنية الأمريكية في مياه الخليج وباب المندب. سوف تشجع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الضغوطات المالية الأمريكية على إيران، وسوف تتوقعان (وترغبان في تأييد) زيادة خطر المواجهات بين القوى الأمريكية والإيرانية الفاعلة في الخليج، وخاصة في المعابر المائية.
على المدى القريب، هنالك بعض الفائزين والخاسرين الواضحين من إعادة فرض العقوبات على إيران. يبدو أن موقف المواجه “الأمريكي الأول” تجاه إيران في الخليج ينضوي على حماية مهذبة جدًّا، قد لا تكون مقصودة، للمصالح الاقتصادية الصينية في المنطقة. ومن الأمثلة على ذلك الاستثمار المشترك في حقل غاز “جنوب فارس” الإيراني بين شركات النفط الصينية والفرنسية والإيرانية: إن عملية سحب مليار دولار أمريكي من استثمارات شركة توتال في جنوب فارس في ظل غياب إعفاء من العقوبات من قبل واشنطن سيسمح للمستثمر المشارك، وهو شركة الصين الوطنية للبترول، بأن تتعهد بحصة شركة توتال في مشروع جنوب فارس لمدة 20 عامًا. وتملك توتال حاليًّا حصة 50.1 في المئة، وتملك شركة الصين الوطنية للبترول 30 في المئة، والشركة الوطنية الإيرانية للنفط بتروبارس تمتلك 19.9 في المئة. إذا لم تحصل شركة توتال على إعفاء للمحافظة على استثماراتها وأنشطتها في المشروع، فإن من حق الصين الحصول على حصة توتال، الأمر الذي سيسمح للصين ولمؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) بامتلاك الأغلبية (70 بالمئة) في واحد من أكبر حقول الغاز في العالم. وبحسب شركة النفط الإيرانية التي تديرها الدولة ومديرها الإداري، علي كاردور، فإن الإنتاج في مشروع جنوب فارس سيصل إلى ملياري قدم مكعب من الغاز يوميًّا. (وهذا يعادل كمية الغاز التي تنتجها قطر ويتم تصديرها عبر خط أنابيب دولفين إلى الإمارات العربية المتحدة وإلى عمان يوميًّا).
لقد كانت الصين مستثمرًا ملتزمًا في إيران، حتى في ظل أنظمة العقوبات السابقة. وكما يجادل نادر حبيبي، كانت الصين مستثمرًا رئيسيًّا في البنية التحتية والتصنيع الإيراني بين عامي 2005 و2015، وخفضت فقط من بعض العمليات في 2013 و2014 إبّان المفاوضات على JCPOA. وسرعان ما عززت الصين استثماراتها مرة أخرى في عام 2016، مُدعِّمةً مكانتها كوِجهة أولى للصادرات النفطية الإيرانية، وكونها أكبر سوق صادرات إيرانية للعديد من السلع غير النفطية، مثل البتروكيماويات وخام الحديد. لقد قام بنك الصين للاستيراد والتصدير بتمويل العديد من مشاريع النقل في إيران، من نظام مترو الأنفاق إلى السكك الحديدية والطرق كجزء من مبادرة الحزام والطرق الكبرى في الصين. ولعل الأهم من ذلك، أن الصين تتمتع بميزة القدرة على تسوية مشتريات النفط الإيراني والمنتجات غير النفطية بالعملة المحلية، وتجنب المؤسسات المالية وعمليات التسوية في الولايات المتحدة، ما يلغي تأثير فرض العقوبات الأمريكية. وتعمل الصين بنشاط على إنشاء منتجات مالية لتسهيل تجارة النفط الإيراني في الآونة الأخيرة. في الواقع، بدأت الصين بتداول أول العقود الآجلة للنفط الخام المقومة باليوان في بورصة شنغهاي للطاقة في نيسان/ أبريل. وسوف يواجه الحلفاء الأوروبيون فترة قاسية إثر فك الاستثمار والتجارة مع إيران. إن إعادة فرض العقوبات الرئيسية في 6 آب/ أغسطس ستؤثر على الاستثمارات الأوروبية والمشاريع المشتركة في صناعة السيارات في إيران، وهو مجال حديث المنشأ في التعاون الاقتصادي والتنمية.
العقوبات الرئيسية المزمع إعادة فرضها في 6 آب/ غسطس تحظر:
- شراء عملة الدولار الأمريكي من قبل الحكومة الإيرانية
- التجارة الدولية الإيرانية في الذهب والمعادن الثمينة
- المتاجرة مع إيران في مواد البناء الرئيسية مثل الألمنيوم والصلب
- الصفقات الكبيرة بالريَال الإيراني والمتعلقة بالديون الإيرانية
- المتاجرة والاستثمار في قطاع السيارات الإيراني
العقوبات الرئيسية المزمع إعادة فرضها في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر ستؤثر على:
- تعاملات المؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني
- التعاملات المتعلقة بقطاعي النفط والغاز
- المتاجرة والاستثمار مع مشغلي الموانئ، والشحن، وبناء السفن
تخلق هذه العقوبات بعض الصعوبات، بالنسبة للشركات الأوروبية الكبيرة، خاصة بالنسبة لمشروعات السيارات مثل بيجو S.A وشركة رينو. وفقًا لبنك باركليز، في عام 2017، تم تحصيل 12.2٪ من حجم مبيعات مجموعة بيجو S.A من إيران، بما يقارب 450.000 عملية بيع، بينما كانت حوالي 230.000 في عام 2016. بالنسبة لشركة رينو، كانت إيران ثامن أكبر سوق للمبيعات العالمية للشركة في عام 2017. ومن دون إعفاء من العقوبات، أو أي نوع من حجب الجهد من قبل الاتحاد الأوروبي، فإن هذه المشاريع المشتركة والمبيعات ستصبح صعبة، إن لم تكن مستحيلة الاستئناف. إيران ليست شريكًا تجاريًا رئيسيًا لأوروبا. فقد صدَّرت منطقة اليورو الاقتصادية ما قيمته 10 مليارات يورو من البضائع إلى إيران في عام 2017، وهو ما يمثل أقل من 0.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو وفقًا لشركة غولدمان ساكس (Goldman Sachs). ومع ذلك، فقد تستمر التجارة بالنسبة لتلك الشركات الصغيرة في الاتحاد الأوروبي التي لا تربطها علاقات رسمية بالنظام المصرفي الأمريكي. علاوة على ذلك، فإن المشروع السياسي الذي يهدف إلى تطبيع العلاقات مع إيران معرض للخطر، بالرغم مما يبذله القادة الأوروبيون من جهود لإنقاذ الاتفاقية النووية. حتى إذا تمكن الاتحاد الأوروبي من مد حبل النجاة لإيران عبر خطوط ائتمان الصادرات والاستثمار الموجه من قبل “بنك الاستثمار الأوروبي”، فإن هذه الجهود سوف تتضاءل بسبب الضغط على الشركات الخاصة، وخاصة في قطاع الطاقة، لتتجنب التعقيدات المالية التي قد تجعلها عرضة للعقوبات الأمريكية.
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد اختلطت ردود الفعل السياسية المبدئية على إعلان ترامب، فمع التصريحات الرسمية الصادرة عن وزارات الخارجية في الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية التي أشادت بهذه الخطوة على نطاق واسع، كانت تصريحات سلطنة عُمان والكويت أكثر حذرًا. وقامت الإمارات العربية المتحدة بفرض عقوبات جديدة ضد أفراد إيرانيين في الأسبوع الماضي. في السادس عشر من أيار/ مايو، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، قامت المملكة العربية السعودية وجميع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون (باستثناء الكويت) بوضع 10 من قادة حزب الله على قائمة الإرهاب الخاصة بهم، بمن فيهم حسن نصر الله ونائبه نعيم قاسم.
كما اختلطت أيضًا التوقعات الاقتصادية ومضاعفات قيام الولايات المتحدة بإضعاف الاتفاقية النووية. شهدت كل من عُمان والإمارات العربية المتحدة زيادة في التجارة مع إيران بين أواخر عام 2016 وأواخر عام 2017. ووفقًا لمؤشر بيانات الإحصائيات التجارية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، ارتفعت التجارة بين الإمارات وإيران مما يزيد قليلاً عن 2 مليار دولار إلى 7 مليارات؛ تضاعفت التجارة بين عمان وإيران من حوالي 100 مليون دولار إلى 200 مليون. كانت دبي تقليديًّا نقطة هامة لإعادة تصدير السلع إلى إيران. كما أن هنالك روابط سياحية، بالإضافة إلى استثمارات عقارية إيرانية تساهم في اقتصاد الإمارة. بالنسبة لبيانات دائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي المقيدة لدى شركة HSBC (هونغ كونغ وشنغهاي للخدمات المصرفية)، فإن السياح الإيرانيين استأثروا بنسبة 3 في المئة من الوافدين في عام 2017. (الزوار السعوديون يمثلون السوق الأكثر أهمية). لقد كانت قدرة دبي على استغلال عدم الاستقرار الإقليمي جزءًا من تاريخها باعتبارها مركزًا تجاريًّا ومحورًا ماليًا، إلا أن التحول في قواعد الامتثال والمعايير المصرفية خلال العقد الماضي سيجعله من الصعب جدًّا المحافظة على هذا التقليد، لا سيما بسبب جهود وزارة الخزانة الأمريكية الطائلة في مكافحة شبكات تمويل الإرهاب في دول مجلس التعاون الخليجي. وقد ازدادت عزلة قطر في مجلس التعاون الخليجي، وسوف توضع تحت رقابة متزايدة فيما يخص تنمية العلاقات في قطاعي التجارة والطاقة مع إيران.
وبالتالي فإن التوقعات الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي متباينة للغاية بعد الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). وقد ارتفعت حدة المخاطر السياسية إلى حد كبير، وانعكس ذلك الاضطراب على أسعار النفط، موفرةً بعض الأرباح قصيرة الأمد في الأرصدة المالية بالنسبة لمصدري النفط الخليجيين. ومع ذلك، فإن التوقعات على المدى المتوسط أقل وضوحًا. وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات هذا الأسبوع. بالنسبة لمنطقة اليورو، يشير هذا إلى انخفاض محتمل في إجمالي الناتج المحلي، حيث إن تكاليف الوقود والإنتاج حساسة للارتفاعات في أسعار النفط. وبالنسبة لمصدري النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، يقدر صندوق النقد الدولي أن الحفاظ على أسعار النفط عند هذه المستويات الحالية سيدفع الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت إلى فائض مالي هذا العام، بعد ثلاث سنوات من العجز في الإنفاق في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. قد تؤدي أسعار النفط القوية إلى إضعاف الزخم السياسي للإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك ترشيد أسعار الوقود وتخفيض إمدادات الكهرباء والماء غير الفعالة، وفرض ضريبة القيمة المضافة خارج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في دول الخليج. ولكنه ليس الارتياح المتزايد من ارتفاع عائدات النفط الذي يزيد من خطر المواجهة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مع إيران. وتجد كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة فرصة في الشراكة مع الولايات المتحدة ومن الأفضل أن تكون بقيادتها من أجل زيادة المخاطر على إيران، دون الإكتراث للتكلفة المالية. لهذا السبب، سوف تتزايد المخاطر السياسية في الخليج.