تختلف السرديات حول المسار الصحيح لعالم آمن مناخيًا، ولم تثبت صحة أي منها حتى الآن. شكلت هذه الديناميكية الموضوع الرئيسي خلال مؤتمر المناخ 2022 في شرم الشيخ. فمن جهة، في الوقت الذي شعرت فيه تلك الدول بأن “القرارات” الصادرة عن المؤتمر، والتي تلخص النتائج الرئيسية، وتعطي سلسلة من الرسائل السياسية، كانت ضعيفة، وتغافلت هدف “دعم الحياة” من خلال ترك نسبة الحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية. زعم آخرون أن هذه الدول إما منافقة أو غير واقعية. وفي الوقت نفسه، فإن النتيجة الرئيسية من الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ، وهي إنشاء صندوق مخصص “للخسائر والأضرار” الناتجة عن الآثار السلبية، لا تحقق المطلوب في معالجة جذور القضية.
مؤتمر مناخ صعب في زمن صعب
حققت الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ في مصر نتائج قليلة، ولكنها ذي تأثير فوري فعلي. لم تكن هذه مفاجأة كبيرة، حيث لم يكن متوقعًا أن يشكل المؤتمر حدثًا بارزًا، ولكن كما أطلق عليه المضيفون “مؤتمر التنفيذ”. لقد عُقد المؤتمر عند مفترق طرق معقد: انتهت المفاوضات في جلاسكو عام 2021 أخيرًا بشأن ما يسمى القواعد المتبعة لتنفيذ اتفاقية باريس لعام 2015. وتضمن هذا عدة أمور مثل كيف يتوقع من الدول الإبلاغ عن انبعاثاتها أو عن التمويل المناخي الذي تقدمه، أو كيف ينبغي تأسيس تعاون دولي حول أسواق الكربون لدعم تخفيض الانبعاث بدلًا من تقويضه. لم يتبقَّ الكثير لبناء نظام يتعلق بأجندة التفاوض لعام 2022.
وبالمثل، لم يتبقَّ سوى القليل من الأشياء الجديدة للإعلان عنها في عام 2022. خلال الفترة ما قبل الدورة الـ26 لمؤتمر المناخ، قدمت معظم الدول التحديثات الرئيسية الأولى لخطط العمل الوطنية الخاصة بها عن المناخ، والمعروفة باسم المساهمات المقررة وطنيًا، والتي تحتوي على أهداف متوسطة الأجل لتخفيض الانبعاثات بشكل عام في 2030. كما حدد عدد كبير من الدول أهدافًا بحلول منتصف القرن، يكون صافي الانبعاثات فيها صفرًا أو تكون انبعاثات الكربون فيها محايدة. وقدمت كل دول مجلس التعاون الخليجي المساهمات المقررة وطنيًا بشكل معدل، واحتوى بعضها على أهداف انبعاثات أكثر طموحًا، وقدمت البحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تعهدات بخصوص صافي انبعاثات صفري لأعوام 2050 أو 2060. أما التحديثات التالية للمساهمات المقررة وطنيًا فتُستوفى رسميًا بحلول عام 2025.
كان من المقرر في الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ أن توضح الدول كيفية تحويلها للمساهمات المقررة وطنيًا وأهداف صافي الانبعاثات الصفري إلى خطط عملية قابلة للتنفيذ، وكيف تعمل على توسيع نطاق الطاقة النظيفة والتقنيات الأخرى لتقليل الانبعاثات. ويتوقع أيضًا من الدول المتقدمة أن توضح كيف ستجسر الفجوة الواسعة في تقديم المئة مليار دولار سنويًا التي وعدت بتقديمها بحلول عام 2020.
على الرغم من أن الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ قد وفرت مكسبًا كبيرًا للدول الفقيرة حول العالم من خلال صندوق مخصص لمساعدتها على التعامل مع الآثار التي تحدث بسبب التغيرات المناخية، فإن التمويل الفعلي ما يزال بعيدًا، لأن الصندوق ما يزال بحاجة إلى التشغيل وتحديد مصادر تمويله. كما تم تقديم القليل بخصوص التعهدات الجديدة بتقليل الانبعاثات. من ناحية الخليج، تضمنت الإعلانات الجديدة في عام 2022 مساهمات وطنية أكثر طموحًا من قبل الإمارات، وأهدافًا بصافي انبعاثات صفرية من قبل عُمان والكويت.
سردية من الذين حان وقتهم؟
إن الأزمات والتوترات العالمية العديدة في عام 2022، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ومخاوف الإمدادات والحروب والتباطؤ الاقتصادي، استدعت اهتمام العديد من صانعي السياسات في عدة دول، ما أدى لاتخاذ قرارات بشأن سياسة الطاقة تتناقض بشكل كبير مع تعهدات المناخ في عام 2021. كما أن تمويل المناخ المخصص للدول الفقيرة لم يكن وشيكًا: كانت الإدارة الأمريكية قد تعهدت في سبتمبر/أيلول 2021 بالمساهمة بأكثر من 11 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2024، ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الكونغرس قد وافق على مليار دولار فقط.
في الخليج، قدمت عائدات النفط المرتفعة سياق مختلف تمامًا لعام 2022 مقارنة بالدول المستوردة للنفط. ومع ذلك، فإن التحول الذي أحدثه العديد من المستوردين تجاه النفط والغاز الطبيعي قد تُرجم إلى شعور أقل إلحاحًا نحو تسريع تحولات الطاقة في اقتصادات الخليج أيضًا. وشعرت بعض الدول الخليجية أن أزمة الطاقة الأوروبية على وجه التحديد قد ولدت شعورا “بالبراجماتية” تشتد الحاجة إليه في الخطاب العالمي المتعلق بالتغير المناخي والطاقة.
واصلت السعودية خلال عام 2022 تعزيز رؤيتها بصافي انبعاثات صفرية، حيث توفر إمدادات النفط المستمرة من منطقة الخليج الاستقرار على مدى العقود القادمة، إذ يتحول العالم بشكل تدريجي إلى “اقتصاد الكربون الدائري”. حسب هذه الرؤية، تحصل الدول الفقيرة على الطاقة، وتحقق الدول النامية الغنية بالغابات إيرادات من إعادة زراعة الغابات على نطاق واسع، ويمكن لمصدري الهيدروكربونات أن يحولوا ثرواتهم الطبيعية إلى منتجات قيمة، مثل الهيدروجين الأزرق أو الخرسانة المعالجة بثاني أكسيد الكربون، وتخزين أية انبعاثات متبقية تحت الأرض. وقد وصف منتقدون هذه الرؤية بأنها “دفعة متجددة لتقنيات إزالة وتخزين” ثاني أكسيد الكربون، لكنهم يفتقدون نقطة مفادها أن اقتصاد الكربون الدائري يشمل أيضًا الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والتي تعمل السعودية نفسها بشكل نشط على الاستفادة منها.
وبالمثل، فإن دولة الإمارات، التي ستستضيف مؤتمر المناخ القادم في دبي في عام 2023، قد عرضت هدفها الرئيسي كمساهمة في تقديم حلول “عملية وبراجماتية ومركزة تجاريًا” لخفض الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ، ووصفت الإجراءات المتعلقة بالمناخ بأنها “فرصة لتحقيق تنويع اقتصادي من خلال إيجاد قطاعات نمو جديدة في مجال الطاقة النظيفة ووظائف جديدة للمستقبل”. إن المهمة الماثلة أمام كل من السعودية والإمارات هي كيفية ترجمة هذه الرؤى إلى أفعال عاجلة تنسجم أيضًا مع طموحات منتصف القرن المتعلقة بصافي الانبعاثات الصفرية في المنطقة والعالم.
هل هي حقبة جديدة لدبلوماسية المناخ في منطقة الخليج؟
عملت كل من السعودية والإمارات على إظهار حضورهما خلال الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ، وإن اختلفت الأسباب: نظمت السعودية بالتوازي مع المؤتمر فاعليات لكلا من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومنتدى مبادرة السعودية الخضراء، الذي افتتح مركزًا إقليميًا للمضي قدمًا في تخفيض الانبعاثات جنبًا إلى جنب مع مجموعة كبيرة من المبادرات والإعلانات الإقليمية والمحلية الأخرى.
كان للإمارات التي ستستضيف الدورة الـ28 لمؤتمر المناخ حضور واضح في مصر. وتجري الاستعدادات لهذا الحدث بشكل حثيث، وتعبيرًا عن جدية الدور الذي تقوم به الدولة، وفقًا للقائمة المؤقتة للمشاركين، فقد بلغ عدد أعضاء وفد دولة الإمارات إلى الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ أكثر من ألف شخص. عمل المفاوضون الإماراتيون والسعوديون أيضًا بشكل نشط على تسهيل المفاوضات بشأن التقييم العالمي (وهو تقييم جماعي للتقدم المتحقق نحو أهداف اتفاقية باريس، والتي ستكون أحد البنود الرئيسية على أجندة الدورة الـ28 لمؤتمر المناخ)، وأيضًا بشأن النوع الاجتماعي وتغير المناخ، والتعاون بخصوص المقاربات غير السوقية.
كان هناك انقسام في الآراء في الجلسة العامة الأخيرة في الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ في 20 نوفمبر/تشرين الثاني: فمن ناحية، شعرت الدول المتقدمة والنامية أن المؤتمر بالكاد أعاد التأكيد على التعهدات التي قدمت في جلاسكو، وفشل في تجاوز ذلك بحيث يطالب بمزيد من الطموح من خلال، مثلا، الذروة العالمية في الانبعاثات قبل عام 2025 أو التخفيض التدريجي لجميع أنواع الوقود الأحفوري، بدلا من تكرار الدعوة إلى “التخفيض التدريجي لطاقة الفحم والتخفيض التدريجي لدعم الوقود الأحفوري غير الفعال”. ومن ناحية أخرى فقد كانت الدول النامية والاقتصاديات الناشئة عالقة في الوسط: هذه الدول “ليست فقيرة بالدرجة الكافية” بشكل عام لتكون في المرتبة الأولى في الحصول على التمويل المتعلق بالمناخ، ومع ذلك فهي لا تشعر أنها “متقدمة بالدرجة الكافية” لتتحمل أعباء التخفيض السريع والعميق للانبعاثات. بعض هذه الدول يحصل على تمويل المناخ بينما يقدم بعضها الآخر تمويل المناخ لدول نامية أخرى. ومع ذلك، فهي ترى أن مبادئ اتفاقية المناخ تحدد بشكل واضح حقها في متابعة أولويات التنمية الوطنية، والتي بدورها تحدد وتيرة السرعة التي يمكن أن تنتقل بها إلى صافي انبعاثات صفرية.
تجد دول الخليج نفسها واقعة في هذا المعسكر الأخير. وفي حين أنها وقعت على الانتقال إلى صافي الانبعاثات الصفري، فهي تعتقد أن لديها طرحًا أكثر إقناعًا وشمولية لتوجيه العالم بهذا الصدد من أولئك الذين يريدون الانتقال السريع بعيدًا عن الوقود الأحفوري باعتبار ذلك الحل الوحيد. إن التحدي الأساسي هو، من ناحية، أن أولئك الذين يدعون إلى التخفيض السريع في الانبعاثات لا يقرون بشكل كامل باحتياجات وأولويات الدول النامية، ولكن، من ناحية أخرى فإن أولئك الداعين إلى حلول أكثر “براجماتية” و”شمولية” لمعالجة الانبعاثات ما يزال عليهم أن يثبتوا أن رؤيتهم تقدم العمل بما يتوافق مع أهداف اتفاقية باريس. ستوفر الدورة الـ28 لمؤتمر المناخ فرصًا جديدة لترك إرث دائم، والذي يمكن أن يشتمل على تحديد طريقة لمزج هاتين المقاربتين معًا، ووضع تعاون شامل وطموح بشأن الإجراءات المتعلقة بالمناخ في قلب جدول الأعمال العالمي.