ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
ثمة عدد من المبادرات الضريبية الجديدة التي باتت تبصر النور في كنف مجلس التعاون الخليجي، ولعل أكثرها انتشارًا وتماسكًا ضريبة القيمة المضافة التي ستطرح بشكل تام في العام 2018. وثمة مبادرات فردية وطنية ترمي إلى زيادة عائدات الحكومة عبر فرض الضرائب، وإلى إضفاء الطابع المؤسساتي على عملية تنظيم القطاع الخاص وترشيدها. وتتضمّن هذه المبادرات زيادة الضرائب على الشركات، وفي حالة سلطنة عُمان، فرض عقوبات جديدة على الشركات الصغرى وقوانين ترعى تسجيل الشركات القائمة. كما يجري العمل على إلحاق بعض التغيّرات على أنظمة الضرائب الواسعة النطاق، بما في ذلك رفع الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة.
تزداد موجة القومية الاقتصادية، التي باتت تشكّل ظاهرة متنامية، والتي تظهر بشكل خاص في الإيديولوجية الاقتصادية التي تعتمدها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الخليج أيضًا. فكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تنافس الدول المجاورة في ابتكار بيئة تجارية مؤاتية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية وفي جني أكبر قدر ممكن من العائدات من هياكل الضرائب والرسوم الجديدة والحالية. وقد تتسبب هذه الإصلاحات الضريبية في إضعاف التكامل الإقتصادي داخل مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما بما يتعلق بالرسوم الجمركية المشتركة. وفي الوقت عينه، يهمّ الأمانة العامة في مجلس التعاون الخليجي أن تتّبع الطرق التي تؤدي إلى ترشيد حجر الأساس الذي تقوم عليه قوانين الاستثمارات في المنطقة، وبنية الشريك المحلي التي تلجأ إليها كل دول مجلس التعاون الخليجي لتضبط كيفية استجابة الشركات الأجنبية لشرط إقامة شراكات مع المواطنين أو الهيئات المحلية لتشييد شركات محلية كامتيازات البيع بالتجزئة أو امتيازات المطاعم وموزعي منتجات المستهلك. ولعل إحدى العوائق التي تعيق بنية الشريك المحلي تتمثل بالعقبات التي لا تحفّز على التجارة داخل مجلس التعاون الخليجي نفسه، إذ تسعى كل دولة إلى منح مواطنيها حق مُلك الامتياز أو دور الموزع. وها إن عملية إيجاد أرضية مشتركة لسياسات الضرائب والرسوم الجمركية، التي تؤثر بشكل مباشر على خلق فرص عمل وعلى دخل المواطنين وعائدات الدولة، تزداد تعقيدًا. وفي الواقع، في حين تعتبر موجة الإصلاح الاقتصادي الجارفة التي تجتاح مجلس التعاون الخليجي ضرورية لتحقيق أهداف التنوع المشتركة، فإنها في الوقت عينه تحرّض الدول على بعضها البعض وتدفعها إلى إيلاء الأولوية لجداول أعمالها الاقتصادية الداخلية لا لجهود التكامل الاقتصادي.
يهدف قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي إلى فرض رسوم أو رسوم جمركية متساوية على البضائع التي تدخل أي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم إلى إلغاء أي ضريبة إضافية إن تم تصدير إحدى البضائع من أول نقطة دخول لها في المجلس إلى دولة أخرى من دول المجلس. فإن القاعدة العامة تنص على أن تكون نسبة التعرفة الجمركية 5 بالمئة، إلا أن كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تمكّنت من إعفاء بعض البضائع من القاعدة. تسمح اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي بالتجارة الحرّة وانتقال البضائع المصنّعة داخل المجلس من دون أن تفرض عليها أي رسوم (طالما يمتلك مواطن أو هيئة من مجلس التعاون الخليجي نسبة 50 بالمئة على الأقل من المصنع). وكان قانون الجمارك الموحد قد دخل حيّز التنفيذ في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2003، مما عاد ببعض الفوائد على التجارة البينية إذ ارتفعت بمعدل أربعة أضعاف وبلغت 100 مليار دولار بحلول العام 2014. وأبصرت السوق المشتركة لمجلس التعاون الخليجي النور في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2008 وهي تتيح للمواطنين (وللخدمات) التنقل بحريّة من دون أي تأشيرة أو ضريبة. ولا تزال الصادرات النفطية تسيطر على أنماط التجارة في مجلس التعاون الخليجي، إذ تقلّصت التجارة البينية التي اقتصرت على 1.6 تريليون دولار في العام 2014، عندما بلغت فورة أسعار النفط الجنونية الأخيرة ذروتها.
أما بالنسبة إلى الحكومات الخليجية، فإنها تميل مجددًا، بعد أن حققت مبتغاها بصعوبة من المفاوضات على قانون الجمارك والسوق المشتركة على مدى العقد المنصرم، إلى زيادة الرسوم الجمركية على الواردات، كوسيلة لجني الأرباح ولتحفيز الصناعة الداخلية. ولم تمتثل كثيرا المملكة العربية السعودية لهذا الجانب من التكامل الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي، إذ وصلت الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات إلى 20 بالمئة في أواخر العام 2012 على المئات من البضائع، بما فيها أعواد الثقاب والأكياس البلاستيكية والمنسوجات والخيم، والتي تهدف كافًة إلى حماية الصناعة المحلية. وتم تخفيض الرسوم الجمركية هذه كجزء من سلسلة من المفاوضات بين دول المجلس إلا أن العديد منها قد عاد إلى القيمة التي كان عليها في الأول من شهر كانون الثاني/يناير. وتعتبر بعض الزيادات الجديدة في قيمة الرسوم الجمركية جزءًا من برامج الدعم الحكومي المنتهية صلاحيتها التي حتّمت على الحكومة دعم رسومها الخاصة المفروضة على الواردات، التي تفرض، في الواقع، رسومًا على المستورد إنما تقوم فيما بعد “بتغطية” التكلفة الإضافية التي يتعين على المستهلكين تسديدها عند شرائهم عددًا من المنتجات الغذائية والمشروبات، والمواد الكيميائية، والمنتجات الاستهلاكية. أما الآن، فسيتنبه المستهلكون لهذه التكاليف وسيتعين عليهم أن يسددوها (المواطنون والمقيمون الأجانب). ولعل الأهم من ذلك هو أن المملكة العربية السعودية تخالف قانون الجمارك الموحّد بشكل مباشر أكبر عبر جهودها الرامية إلى خفض الإنفاق الحكومي.
وثمة مجال آخر لنزاع محتمل في الجهود الرامية إلى التكامل الاقتصادي يتمثل بتنسيق السياسات النقدية والمالية. لا يندرج موضوع الاتحاد الاقتصادي لمجلس التعاون الخليجي على جدول الأعمال، في حين أدرجت في بعض المباحثات السابقة بعض أحكام السياسة النقدية التي بات من الصعب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتقيّد بها أو أن تطرحها مجددًا على طاولة النقاش. وهي تتضمن:
- يجب ألا يتخطى الدين الوطني نسبة 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة معينة.
- يجب ألا يتخطى العجز في الميزانية الوطنية نسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
- يجب ألا يتخطى التضخم الوطني نسبة 1.5 بالمئة من متوسط التضخم لكل الدول الأعضاء مجتمعة.
- يجب ألا تتخطى معدلات الفائدة الطويلة الأمد نسبة 2 بالمئة من متوسط معدلات الفائدة لكافة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مجتمعة.
لن يسمح جدول الأعمال الحالي والأزمة المالية التي طالت دول مجلس التعاون الخليجي للدول أن تحقق أهدافها المشتركة التي لم تكن بعيدة المنال في السابق عندما كانت نسبة الدين إلى مستويات الناتج المحلي الإجمالي منخفضة جدًا ولم يكن التضخم حينها يشكل هاجسًا كبيرًا. أما الآن فقد بات إصدار الدين الطريقة الفضلى لتمويل العجز وللإنفاق الحكومي المستمر. سيكون أثر دورة الدين هذه على دول مجلس التعاون الخليجي متفاوتًا، نظرًا إلى أن بعض الدول ستكون قادرةً أكثر من غيرها على خدمة الدين والعثور على وسيلة بديلة لإيجاد مصادر دخل من خلال تنويع الجهود التي تحفّز النمو في القطاع الخاص، وبيع أصول الدولة والاستعداد لفرض الضرائب. ستخلق الطريقة التي تستجيب فيها الاقتصادات لبعض العوامل، ولاسيما لارتفاع تكاليف الخدمات ومنتجات المستهلك وحتى ارتفاع تكلفة مواد البناء والتصنيع، مستويات وأنواع مختلفة من التضخم، أو سترفع تكاليف المعيشة. والجدير بالذكر أيضًا أن معدل التضخم قد تغيّر بشكل ملحوظ بين العامين 2014 و2016، نظرًا إلى أن الدول قد تكيّفت مع التغيرات التي طرأت على عائدات الحكومة وأنماط الإنفاق.
أما بالنسبة إلى المواطنين والشركات الصغرى، فثمة تعديلات مهمة تجري على قدم وساق في مجلس التعاون الخليجي. تشاع بعض التصورات الخاطئة التي تفيد بأن ما تسمى بالدول الخليجية الريعية لا تخضع للضرائب. هذا ليس صحيحًا، وفي ظل هذه البيئة المالية، تمضي هذه الدول (بعدما حازت على دعم صندوق النقد الدولي بشكل كامل) باتجاه فرض نظام ضريبي وتجاري من شأنه أن يؤثر على كل عامل ورب عمل. وترخي الضرائب المفروضة على الشركات في مجلس التعاون الخليجي بظلالها على شركات النفط والغاز. وتتماشى الضرائب الجديدة، التي فُرضت على الشركات في سلطنة عُمان والتي تبلغ نسبتها 15 بالمئة على الشركات الضخمة (غير النفطية)، وهي بموازاة معدلات الضرائب القائمة في قطر والكويت. ويمكن اعتبار الضرائب الجديدة التي تفرضها البلدية على تأجير العقارات في أبوظبي دليلًا على تفضيل فرض الضرائب على غير المواطنين أولًا. وثمة تحديات محتملة أيضًا كامنة في مجموعة الضرائب المشتركة وفي تبديد عائدات الضرائب في كنف الهيكلية الاتحادية للإمارات العربية المتحدة. وتشير القوانين العمانية التي تنص أيضًا على تسجيل الشركات الصغرى بموجب بطاقة تعريف ضريبي إلى الجهود المبذولة لتحسين عملية الضبط، مما قد يسهل عملية جمع الضرائب الإضافية إن ارتفع معدل الضريبة المنخفض نسبيًا والذي يقدّر بنسبة 3 بالمئة.
تعتبر عملية إيلاء السياسة المالية التي من شأنها أن تخلق مصادر جديدة للإيرادات الأولوية مبررة كما أنها تستحق الثناء لأنها توسع نطاق التغيرات الإصلاحية التي تطرأ على مجلس التعاون الخليجي. وقد تتمثل الخسارة بعدم الاستفادة من عهد من الجهود المبذولة في التكامل الاقتصادي والمفاوضات التي تهدف إلى جعل مجلس التعاون الخليجي يعمل كسوق مشتركة مع أصول مكمّلة. وتحاكي النزعة إلى تنافس الدول الخليجية في مناطقها الحرة، بالإضافة إلى موانئها وشركات طيرانها، استراتيجيات التنويع المشتركة. ولقد باتت استراتيجيات خفض التكاليف متساوية من حيث التنافسية وطبيعتها متشابهة إلا أنها قد تتسبب أيضًا في إضاعة بعض الفرص في التجارة البينية. وبالنسبة إلى معظم دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما المملكة العربية السعودية، فإن الإصلاح الاقتصادي وجدول أعمال التنوع يعتبران أهم من التكامل الإقليمي. وقد يوضع ملف التكامل الإقليمي جانبًا حتى تسلك الاقتصادات الداخلية مسارًا أكثر استقرارًا لا يعتمد في تقدمه على النفط.