يحذر العلماء من أن التغيرات المناخية تتسارع بشكل لم يسبق له مثيل مُتسببة في مجموعة متنوعة من المخاطر والاضطرابات الكبيرة في حياة ملايين البشر في جميع أنحاء العالم.
ولا يقتصر الأمر على عدم استثناء دول الخليج من هذا الواقع العالمي الجديد، بل إن ظروفها المناخية القاسية أصلاً على وشك أن تزداد سوءًا بشكل سريع. وفقًا لبعض التقديرات، فإن المنطقة لن تكون صالحة للحياة بصورة كبيرة بحلول عام 2050. ومع ذلك، فعندما يتعلق الأمر بأزمة المناخ ودول مجلس التعاون الخليجي، فإن النقاشات تتمحور بشكل شبه حصري حول التنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط. ولم يُذكَر سوى القليل جدًا عن الأنماط المتغيرة لموجات الحرارة، وازدياد عواصف المحيطات، وفقدان التنوع البيولوجي الإقليمي، بل ويُذكر أقل من ذلك عن التأثيرات المغيّرة للحياة، والتي سوف تتسبب بها تلك التغييرات على السكان المحليين.
ليس من المستغرب أن تحظى تنمية القطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي بهذا القدر من الاهتمام. فمن الناحية الأولى، من مصلحة العالم على المدى البعيد أن تبتعد دول الخليج عن إنتاج النفط والغاز عاجلاً وليس آجلاً، فكلما طال أمد استخدام الوقود الأحفوري، اشتدت العواقب خطورة. إن استمرار تدفق الوقود الأحفوري الرخيص القادم من المنطقة له تأثير مباشر على مدى استعداد دول العالم للمضي في اتخاذ الخطوات المؤلمة، المتمثلة في الانتقال إلى الطاقة النظيفة. ومن الناحية الأخرى، في حين تدرك دول مجلس التعاون الخليجي أن التنويع الاقتصادي هو مفتاح الاستقرار طويل الأمد، إلا أنها ليست مهتمة بسرعة تحويل مواردها الوفيرة إلى أصول عالقة. كان لعائدات النفط دور جوهري في عمليات بناء الدولة في منطقة الخليج، وليس بمقدور دول المنطقة أن تفصل بسهولة بين استقرار النظام وبين عائدات النفط. إن الحفاظ على تدفق ثابت من عائدات النفط يسمح لحكومات الخليج بالحفاظ على العقد الاجتماعي الضمني المعمول به منذ العقود الأولى من إقامة هذه الدول. ولذلك، فإن مصالح هذه الدول على المدى القصير إلى المتوسط تكمن في الحفاظ على معدل الإنتاج أو حتى زيادته للحفاظ على تدفق عائدات النفط أثناء ابتعادهم ببطء عن الاقتصاد القائم على النفط. ربما تكون هذه النسخة أكثر حدة وصرامة من الحسابات نفسها التي يتعين على دول العالم التعامل معها.
ومع التسارع الصارخ للظواهر المرتبطة بالمناخ، مثل الارتفاع السريع في درجات الحرارة والجفاف وزيادة ملوحة الخليج (مع تضرر الحياة البحرية والتنوع البيولوجي)، فقد يكون الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المنطقة بأكملها عرضة للتهديد. من الممكن لمثل هذه الظواهر التي تحدث بالفعل أن تصبح كارثية بشكل سريع، ولا سيما بالنسبة للشباب. فالأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا هم الأكثر عرضة للمعاناة من المشاكل الصحية الناجمة عن المناخ، وتؤثر الحرارة الشديدة وتلوث الهواء بشكل متفاوت على الأطفال. ويعد هذا مصدر قلق ملح بشكل خاص نظرًا للتركيبة السكانية للمنطقة، ففي عام 2021، كان أكثر من نصف سكان الخليج تحت سن 25 عامًا.
سواء أكانت ندرة الماء والغذاء، أم ضغوط الهجرة، أم انهيار البنية التحية بسبب الحوادث المناخية القاسية، فإن الوتيرة التي تنوي الحكومات الخليجية اتباعها لتطبيق السياسات المفيدة للمناخ قد لا تتم بالسرعة الكافية التي من شأنها أن تخفف من حدة هذه المشاكل. ولا تزال أهداف دول مجلس التعاون الخليجي الحالية المتعلقة بنسبة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة متواضعة نسبيًا: 10% بحلول عام 2035 للبحرين، و30% بحلول عام 2030 لدولة الإمارات العربية المتحدة، و10% بحلول عام 2020 لسلطنة عمان، و30% بحلول عام 2040 للمملكة العربية السعودية، و15% بحلول عام 2030 للكويت، و20% بحلول عام 2030 لقطر. بالإضافة إلى ذلك، فإن جزءًا من هدف الدول الخليجية للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الطاقة المحلية يتمثل في زيادة صادرات المواد الهيدروكربونية إلى البلدان النامية المتعطشة للنفط. لذلك، حتى لو تمكنت هذه الدول من تنويع مصادر الطاقة في الأسواق المحلية، فمن المرجح ألا يطرأ أي تغيير يذكر على الانبعاثات المرتبطة بإنتاج النفط على مدى العقود القليلة القادمة. أعلنت الإمارات مؤخرًا عن خطتها لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط من 4.5 مليون برميل يوميًا إلى 5 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2027، لتستثمر بكثافة في عمليات التنقيب وتطوير الحقول.
ومع استضافة الإمارات لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، أو ما يسمى بمؤتمر كوب 28 (COP28)، الذي سيبدأ في نوفمبر/تشرين الثاني، فإنه قد حان الوقت لتقييم المخاوف الأكثر إلحاحًا، والتي ينبغي على حكومات ومواطني الخليج إعارتها المزيد من الاهتمام:
- الأمن المائي والغذائي يتعرض لضغوط كبيرة
تعد إمدادات المياه مصدر القلق الأكبر والأكثر إلحاحًا بالنسبة لدول الخليج. فمنطقة الخليج هي واحدة من أكثر المناطق جفافًا في العالم، حيث تجمع ما بين معدلات هطول الأمطار المنخفضة للغاية ومعدلات التبخر المرتفعة للغاية. توفر خزانات المياه الجوفية السطحية وخزانات المياه الجوفية العميقة الأغلبية العظمى من احتياجات المنطقة من المياه. على مدى السنوات العشر الماضية، أدت التغيرات الاجتماعية-الاقتصادية في المنطقة إلى زيادة هائلة في الطلب على موارد المياه الشحيحة أصلاً، في حين أن انخفاض معدلات هطول الأمطار قلل من إمكانية الاعتماد على خزانات المياه الجوفية السطحية. في عام 2021، كانت مياه البحر المحلاة توفر ما يصل إلى 20% من احتياجات المنطقة من المياه. ومع ذلك، فإن عملية تحلية المياه تستهلك الكثير من رأس المال والطاقة، ومن شأنها أن تؤدي إلى زيادة الانبعاثات في المنطقة، بالإضافة إلى زيادة العبء المالي على دول الخليج. كما أنها تزيد أيضًا من ملوحة مياه الخليج. وعلى مدى السنوات العشرين القادمة، سوف يزداد الضغط على إمدادات المياه في الخليج بسبب النمو السكاني السريع وندرة هطول الأمطار. كما تؤثر أنماط إمدادات المياه المتغيرة هذه على الإنتاج الزراعي في المنطقة، وتزيد من تعريض الأمن الغذائي للخطر.
- موجات الحرارة وتأثيرها على النشاط الاقتصادي
تتعرض منطقة الخليج لخطر كبير من موجات الحرارة المتزايدة والطويلة. ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة القصوى في الصيف بمقدار أربع درجات مئوية بحلول عام 2050، ما يدفع موازين الحرارة في المناطق الحضرية إلى تجاوز عتبة الـ 50 درجة مئوية المرعبة (122 درجة فهرنهايت).
وفي ظل سيناريو الانبعاثات المرتفعة، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في دول مجلس التعاون الخليجي صيفًا لتصل إلى 60 درجة مئوية (140 فهرنهايت)، ما من شأنه أن يجعل الظروف في الأماكن المفتوحة غير صالحة للعيش في فصل الصيف. وهذا يعني أيضًا أن العمال المهاجرين، الذين تعتمد عليهم مشاريع البنية التحتية، لن يتمكنوا من العمل في الهواء الطلق بين شهري يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول، وهو ما من شأنه أن يتسبب في صافي خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تقدر بنحو 12.2% بحلول عام 2050. وقد بدأ هذا يحدث بالفعل، تسلط التقارير حول الاستعدادات لمؤتمر كوب 28 الضوء على ظروف الحرارة الرهيبة التي يعمل في ظلها العمال المهاجرون حاليًا لبناء مرافق المؤتمر، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 42 درجة مئوية (107.6 فهرنهايت) في دبي في سبتمبر/أيلول.
لا يقتصر تأثير موجات الحرارة على تدمير صحة الإنسان والتنمية الاقتصادية، وإنما يؤثر سلبًا كذلك على البنية التحتية للكهرباء. في أغسطس/آب، تعرضت شبكات الطاقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لضغوط هائلة. ففي إيران والعراق، على سبيل المثال، عجزت إمدادات الطاقة عن الاستمرار في تشغيل وحدات تكييف الهواء والثلاجات، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، ما أدى إلى اضطرابات اجتماعية في بغداد. وعلى الرغم من أن هذا ليس تطورًا جديدًا في العراق، إلا أن الضغوط على قطاع الطاقة، مع مضاعفة دول المنطقة جهودها لربط أجهزة تكييف الهواء والتبريد بدرجات الحرارة سريعة الارتفاع، من المرجح أن تشكل تحديًا جسيمًا ومتزايدًا.
- تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر وعواصف المحيطات على البنية التحتية الساحلية
على مدى السنوات القليلة الماضية، أعطت عواصف المحيطات والمد والجزر التي حدثت بمعدل أعلى من المعتاد الناس في المدن الساحلية لمحة عن المستقبل. بحلول عام 2050، من المتوقع أن تشهد المدن الساحلية في السعودية فيضانات منتظمة. وتشير الدراسات إلى أنه، بحلول العام 2100، سوف يرتفع مستوى سطح البحر عالميًا بما معدله متر واحد، ما من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على التنمية الساحلية في الخليج. وسوف تلمس السعودية هذا التأثير في كل من الخليج والبحر الأحمر. على مدى العقد الماضي، استثمرت السعودية بشكل كبير في السياحة، حيث تم تطوير العديد من المشاريع على امتداد شواطئها. ومع ذلك، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد يعني أن المياه سوف تغمر بشكل دائم ما يقارب 350 ميلاً مربعًا من الأراضي السعودية الساحلية على امتداد شاطئ البحر الأحمر وحوالي 240 ميلاً مربعًا على امتداد شاطئ الخليج. وحسب دراسات الخبراء، سوف تخسر الإمارات أكثر من 100 ميل مربع من أراضيها الساحلية، بينما ستخسر قطر ما يزيد على 50 ميلاً مربعًا من أراضيها الساحلية.
كما سوف تتسبب عواصف المحيطات المتكررة بشكل متزايد في أضرار منتظمة للبنية التحتية البحرية، وكذلك ستفعل الفيضانات الساحلية. تؤوي الأراضي الساحلية الأغلبية العظمى من سكان الخليج، والأغلبية العظمى من بنيتها التحتية الاقتصادية، مثل الموانئ ومحطات الطاقة ومرافق تحلية المياه ومرافق تصدير النفط والغاز.
- المزيد من العواصف الرملية الترابية المتكررة
لطالما كانت العواصف الرملية والترابية من السمات المميزة للمنطقة. ولكنها تزايدت من حيث التكرار والشدة بشكل مطرد على مدى العقد الماضي، وتسببت في اضطرابات هائلة للسكان والاقتصاد. تشكل العواصف الرملية والترابية خطرًا على السلامة والصحة، متسببة في انخفاض مدى الرؤية وتردي جودة الهواء، ما يتسبب في تعطيل حركة الطيران، وفي حوادث الطرق ومشاكل في الجهاز التنفسي. كما أنها تلحق الضرر بمرافق منشآت الطاقة الشمسية.
- تدمير النُظم البيئية البحرية
يعد الخليج والبحر الأحمر موطنًا لبعض من أشهر الشعاب المرجانية في العالم، ما يجعل المنطقة وجهة مرغوبة لسياحة الشعاب المرجانية. ومع ذلك، فإن ارتفاع درجات حرارة البحر إلى جانب تطوير مشاريع التجريف قد ألحقا أضرارًا بالغة بهذه النظم البيئية، الأمر الذي يعرضها لخطر الانقراض. وهذا بدوره يعرض آفاق السياحة الساحلية للخطر. كما أن له عواقب بعيدة المدى على الحياة البحرية وسبل عيش السكان المحليين. ويؤدي موت الشعاب المرجانية إلى انهيار النظم البيئية البحرية المحلية، والأنشطة الاقتصادية التي تقوم على الحياة البحرية الغنية والوفيرة.
في مؤتمر كوب 28 في الإمارات، ستقوم كل دولة بعرض الإجراءات الملموسة التي اتخذتها نحو تحقيق الأهداف المناخية لاتفاقية باريس في أول تقييم عالمي على الإطلاق. وسوف يتعين على هذه الدول أن تظهر حسن نيتها، واستعدادها لتنفيذ سياسات الحفاظ على المناخ. وفي حين أن قطاع الطاقة سيكون في مقدمة وجوهر محادثات المجتمع المدني ومجموعات الناشطين في مجال المناخ، فإن قطاعات أخرى ستخضع كذلك لتدقيق مشدد.
كررت الإمارات التأكيد على التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050. كما أعلنت بعض الدول المجاورة عن خمسينيات وستينيات القرن الحالي كمواعيد مستهدفة لتحقيق الحياد الكربوني. ومع ذلك، فإن وتيرة التغيرات المناخية، التي من المتوقع أن يشعر بحدتها الناس في منطقة الخليج أكثر من أي مكان آخر في العالم، قد تتطلب إعادة النظر في هذه الأهداف، وغيرها من الجهود التي تركز على معالجة التغير المناخي والتحول في مجال الطاقة. سوف يسلط مؤتمر كوب 28 الضوء على التحديات والخيارات الهائلة التي تواجهها الدول، والإجراءات الصعبة التي سوف تنتهجها لتحقيق التوازن. وكما هو واضح علميًا واقتصاديًا ومن ناحية الحقائق المناخية الراسخة، فإن دول الخليج ستكون في طليعة الدول التي يتعين عليها معالجة هذه التحديات.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.