تشير جهود المصالحة الجارية بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى عودة أشكال التعاون الاقتصادي المألوفة في المنطقة. فعلى الرغم من أن إجراءات المصالحة تقدم فرصة للتفاؤل في بداية عام 2021، إلا أن هذه العمليات تتم في منطقة محفوفة بالتحديات الاقتصادية الخطيرة. ستعمل التقلصات الحادة في اقتصادات الخليج في عام 2020 على إفساح المجال – في أفضل السيناريوهات – للتباطؤ في النمو الاقتصادي خلال عام 2021. ولن تقدم تسوية الصدع الذي دام أكثر من ثلاث سنوات أي مكاسب اقتصادية سريعة للأطراف المشاركة. ينبغي تسخير ما يتم تحقيقه من مكاسب اقتصادية، ضيقة وغير متكافئة، بشكل مثالي، للتعامل مع التحديات الاقتصادية الملحة التي تواجه المنطقة، مثل التمويل الحكومي غير المستدام والديون المتزايدة والحد الأدنى من التقدم في التنويع الاقتصادي.
مكاسب غير متكافئة
تتأهب قطر للاستمتاع بفوائد اقتصادية فورية مع إعادة فتح المنافذ الجوية والبرية والبحرية. تمكنت الدولة الصغيرة الغنية بالغاز من تجاوز عام 2020 في وضع مالي قوي نسبياً؛ فهى الدولة الوحيدة في الخليج العربي التي يُتوقع أن تعلن عن ميزانية متوازنة للعام الماضي. بعد أنباء المصالحة، عدّلت شركة “ستاندرد تشارترد” تنبؤاتها للنمو في قطر لعام 2021 من 2.1٪ إلى 3٪. يمكن للمشاريع القطرية التي تتطلب الوصول البري إلى السوق السعودية، مثل منطقة الكرعانة الاقتصادية الخاصة، وغيرها من الأنشطة التجارية بين المناطق المختلفة، استئناف عملياتها المعتادة. في الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت إعادة فتح الحدود القطرية-السعودية، دخل المملكة العربية السعودية 90٪ من أصل 920 مركبة عبرت الحدود.
ومع ذلك، فإن قطر ليست بعيدة تماماً عن الرياح الاقتصادية المعاكسة. فقد وصلت نسبة ديون الحكومة القطرية إلى إجمالي الناتج المحلي 76٪ في عام 2020، مرتفعة بذلك من 60٪ في عام 2017. وتتوقع وكالة فيتش أن تعلن الدولة عن العجز من 2021 وحتى 2024، حيث ستؤدي الزيادة في إنتاج الغاز إلى ارتفاع الإيرادات ما سيسمح للحكومة بتحقيق فائض. ومع ذلك، تعتمد الموارد المالية لقطر إلى حد كبير على وضع سوق الغاز الطبيعي المسال غير المستقر، حيث حدثت ارتفاعات الأسعار الأخيرة وسط مخاوف من تضخم الأسعار على المدى الطويل.
تعد الفوائد الاقتصادية القصيرة الأجل للسعودية محدودة. وبطبيعة الحال، رحبت الشركات السعودية التي تقدم السلع والخدمات للمستهلكين القطريين بإنهاء المقاطعة. يمكن الآن لعدد صغير من المواطنين والمقيمين القطريين الأثرياء رعاية الوجهات السياحية وتجارة التجزئة في السعودية، وكذلك سيكون الحال أيضاً في أماكن مثل دبي. ومع ذلك، من المرجح أن تؤدي المخاوف المستمرة من فيروس كورونا إلى إضعاف الطلب على السفر غير الضروري داخل المنطقة.
قطر ليست شريكًا اقتصاديًّا تابعاً للسعودية. في عام 2016، شكلت الصادرات السعودية إلى قطر 1٪ فقط من إجمالي الصادرات، وأقل من ذلك إلى تركيا، على الرغم من التوترات الخطيرة بين السعودية وتركيا. كما أنه ليس من المرجح أن تتسبب العلاقات السعودية-القطرية وحدها في تغيير جذري في مسار التوجهات الاستثمارية الأجنبية في السعودية. لقد انخفض صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية تدريجياً لمدة عشر سنوات تقريباً قبل فرض المقاطعة على قطر في عام 2017، وقد ازدادت بالفعل – وإن كانت زيادة متواضعة- في العامين الأولين من المقاطعة.
وبدلاً من ذلك، تناور السعودية لجني مكاسب طويلة الأجل. فمن شأن التقدم الواضح في التكامل الإقليمي أن يساعد الجهود السعودية في تطوير قطاع السياحة لديها وتعزيز مبادرات التنمية عالية المستوى، مثل تلك التي على طول البحر الأحمر. كما تسمح المصالحة الخليجية للمسؤولين السعوديين بطرح حجة أقوى حول ضرورة نقل الشركات المتعددة الجنسيات مقراتها الإقليمية إلى الرياض.
تتأهب مراكز التداول التجاري في الإمارات العربية المتحدة لاستعادة بعض الشركات التي فقدتها. كانت منطقة جبل علي، لفترة طويلة، بمثابة مركز إقليمي لإعادة التصدير للبضائع المشحونة إلى الدوحة، إلى أن قام مشغل الميناء بحظر السفن التي ترفع العلم القطري، وتلك المملوكة لقطريين، وكانت شركات الشحن من طرف ثالث تعاني من عدم الثقة في الوصول إلى المراكز التجارية الإماراتية. يمكن من الناحية التقنية استئناف الأنشطة التجارية الأخرى في جبل علي التي تتضمن مدخلات من قطر، مثل الفرز، أو التكرير البسيط للمكثفات القطرية. استغرقت موانئ رأس الخيمة، التي تشرف على المناطق الحرة المتمركزة حول البحر في رأس الخيمة، ما يقرب من عام لاستعادة حجم التجارة المفقودة جراء الخلاف مع قطر.
ستتحول المكاسب التي حققها أحد المراكز التجارية إلى خسارة أخرى. لقد استفادت الموانئ والمطارات والمناطق الحرة العمانية، بشكل كبير، من العمليات الضرورية لإعادة توجيه البضائع والركاب الذين يسافرون من قطر وإليها. ومن عام 2016 إلى عام 2018، ارتفعت الصادرات العُمانية إلى قطر من 389 مليون دولار إلى 1.83 مليار دولار، في حين ازدادت الواردات العُمانية السنوية من قطر من 228 مليون دولار إلى 1.05 مليار دولار. إن قيام دول الخليج الأخرى بإزالة القيود التجارية عن قطر سيجعل من الصعب على عُمان الاحتفاظ بهذا المستوى من التجارة الثنائية.
كما عمل هذا الخلاف في عام 2017 على تطوير شراكات قطر الاقتصادية مع تركيا وإيران. فقد تصاعدت واردات قطر من تركيا من 632 مليون دولار إلى 1.23 مليار دولار بين عامي 2017 و2018. وقد أجبرت المقاطعة الخطوط الجوية القطرية – وهي أحد أركان قطاع الطيران في البلاد، والتي كانت تشكل حسب ما تفيد التقارير 11٪ من إجمالي الناتج المحلي لدولة قطر في عام 2014 – على الاعتماد على استخدام المجال الجوي الإيراني مقابل المال. وفي حين أنه ليس من المرجح أن تسمح الحكومة القطرية لهذه العلاقات التجارية الاستراتيجية بالانحسار، إلا إن الترتيبات الاقتصادية البديلة التي أتيحت مؤخراً ستقلل في نهاية المطاف من اعتماد الدوحة على أنقرة وطهران.
مستوى الشركات وردود أفعال المستثمرين
على الرغم من أن فيروس كورونا يضع سقفاً للمكاسب التجارية، إلا أن المصالحة الخليجية تؤثر بشكل إيجابي على الشركات والمستثمرين العاملين في صناعات محددة. لقد تحسنت آفاق الخطوط الجوية القطرية بشكل طفيف، ولكن يجب أن تتعامل الشركة مع توقعات قاسية على صناعة الطيران العالمية. تواجه شركات الخدمات اللوجستية الإقليمية حاجزاً تجارياً أقل في سعيها لتلبية زيادة الطلب على التجارة الإلكترونية جنبا إلى جنب مع الاختناقات والاضطرابات في سلاسل التوريد. يمكن للشركات الاستشارية التي تتخذ من الخليج مقراً لها أن تسعى لإبرام العقود في جميع أنحاء المنطقة مع القليل من التخوف من أن المشاركة في موقع ما قد تحد من الفرص في مواقع أخرى. ومع ذلك، فإن التخفيضات الكبيرة على الميزانية تعني التقليل من عدد المشاريع في المستقبل المنظور.
قد تحظى المبادرات التجارية الإقليمية باهتمام متجدد وسط جهود المصالحة الخليجية. فمشروع سكة حديد مجلس التعاون الخليجي، الذي يتحرك ببطيء، بتكلفة تبلغ 15 مليار دولار يتطلب دعماً مالياً ثابتاً. ويمكن لتداول الطاقة بشكل أكثر كفاءة من خلال شبكة الطاقة في مجلس التعاون الخليجي أن يساعد في تقليل استهلاك الطاقة. وقد تصبح قطر والإمارات وعُمان أعضاء في منظمة التعاون الرقمي، التي تأسست في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من قبل السعودية والكويت والبحرين والأردن وباكستان، وذلك لتعزيز التعاون المتعدد الأطراف في الاقتصاد الرقمي. كما أن التعاون الأكبر بشأن الأحداث الكبرى، مثل إكسبو دبي 2020، الذي تم تأجيله إلى عام 2021، وكأس العالم لكرة القدم في قطر 2022، يمكن أن يؤدي إلى توزيع الفوائد الاقتصادية للسياحة الوافدة في جميع أنحاء المنطقة بشكل أفضل.
وبالرغم من التفاؤل الأولي الذي يكتنف جهود المصالحة، إلا أنه من المرجح الآن أن تكون هناك مخاطر سياسية استثنائية ملحقة بالمشاريع والمبادرات التي قد تتأثر باستئناف التوترات. لن تنسى الحكومات الإقليمية والشركات والمستثمرون بسهولة الاضطرابات التي بدأت في عام 2017. وسوف تعمل الشكوك الاقتصادية المرتبطة بفيروس كورونا على تحديد طموحات أصحاب الأعمال والمستثمرين الحريصين على إحياء النشاطات عبر حدود الدول المتأثرة بالخلاف في عام 2017. ومع ذلك، فإن الجائحة العالمية، وما تبعها من تداعيات اقتصادية، تعمل بمثابة تذكير مهم بفوائد التعاون.