شكّل اندلاع العنف الأخير بين إسرائيل والفلسطينيين مآزق خطير لدول الخليج العربية التي إما بدأت في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل أو أنها، ربما، تدرس القيام بذلك في المستقبل. فقد قطعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين شوطًا طويلاً في هذه العملية، في حين أن قطر وعُمان لديهما تاريخ طويل من التفاعلات الدبلوماسية مع إسرائيل، ويمكنهما اتخاذ هذه الخطوة بكل سهولة. وقد كانت المملكة العربية السعودية كذلك حريصة على إبقاء الخيار مفتوحًا سياسيًا ودبلوماسيًا. الكويت وحدها تبدو مترددة، بشكل واضح، في التفكير في مثل هذه الخطوة، لأن لديها هاجسًا من الدخول في أي جدل إقليمي في سياق توازنها السياسي الدقيق في الداخل، يمكن تجنبه.
ومع ذلك، فقد خفّت حدة معضلة دول الخليج العربية، إلى حد ما، في الأيام الأخيرة، عندما تحول مركز المواجهة من القدس الشرقية، التي تحتلها إسرائيل، إلى قصف جوي متبادل بين إسرائيل وغزة. تصاعدت التوترات في القدس خلال الأسابيع القليلة الماضية باتجاه قرار نهائي، من المقرر أن تصدره محكمة العدل العليا الإسرائيلية، والذي من المتوقع أن يدعم جهود المستوطنين اليهود لإجلاء عدة عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. كل شيء في القدس الشرقية له أهمية دينية ورمزية لأن فيها قبة الصخرة والمسجد الأقصى، بالإضافة لوجود أسباب أخرى. ويشدد العرب، والفلسطينيون بشكل خاص، على أن عاصمة الدولة الفلسطينية يجب أن تكون في القدس الشرقية. ولأن العائلات، التي تواجه الإخلاء، هي بالفعل من اللاجئين، يتذرع المستوطنون الإسرائيليون بقانون يسمح لليهود باسترجاع الأراضي المملوكة ملكية خاصة، والتي يُزعم أنها فقدت في عام 1948، وهو حق لا تمنحه إسرائيل للفلسطينيين، ويتذرعون كذلك بموضوعات عاطفية تتعلق بالاحتلال والتهجير والتمييز.
كان قادة الخليج يدركون تمامًا أن المسؤولين المصريين والأردنيين وغيرهم، قد أخطروا الولايات المتحدة بأن التوترات بشأن عملية النزوح الأخيرة هذه كانت تختمر بشكل ملحوظ في القدس في الأسابيع الأخيرة. في 6 مايو/أيار، احتدت احتجاجات الشيخ جراح المتواصلة مع اقتراب قرار المحكمة. وبعد صلاة الجمعة في يوم ليلة القدر، التي يمكن القول إنها أقدس ليلة في شهر رمضان، اندلعت مواجهة كبرى بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، عندما انضم المصلون لاحتجاجات الشيخ جراح. وهذا ما جعل الوضع محرجًا بشكل خاص بالنسبة لدول الخليج، الأمر الذي دفعهم إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة كانوا يفضلون تجنبها.
تداولت حسابات التيك توك الفلسطينية، واسعة الانتشار، مقاطع الفيديو على نطاق واسع، وامتلئت حسابات انستجرام وتويتر، الأكثر انتشارًا، في الخليج بمقاطع تُظهر القوات الإسرائيلية الهائجة تقتحم المسجد الأقصى، وتطلق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، بينما يرشقهم الشبان الفلسطينيون بالحجارة. أُصيب المئات من المتظاهرين الفلسطينيين، بالإضافة إلى عدد من جنود الاحتلال. أصدرت دول الخليج، بما فيها الإمارات والبحرين والسعودية بيانات شديدة اللهجة، تندد بانتهاك الأماكن المقدسة، وتطالب إسرائيل باحترام قدسيتها، وتؤكد دعمها القوي لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
استمرت المواجهات خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولكن خمدت وتيرتها وحدتها بشكل ملحوظ (ربما نتيجة لقرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية بتأجيل البت في القضية). في هذه المرحلة، كانت القدس والأقصى لا يزالان يحددن طبيعة المواجهات. وكانت هذه الديناميكية تهدد بجعل الظروف صعبة جدًا على دول الخليج العربية للمضي قدمًا بشكل علني وكبير في تحسين العلاقات مع إسرائيل، على المدى القريب على الأقل. ومع ذلك، ونظرًا لأن هذه التحركات كانت مدفوعة بأسباب متعلقة بالدولة والمصالح الوطنية، فلم يكن هناك شك في حدوث أي تراجع ذي مغزى. ولكن كان يبدو أنه من الممكن حدوث تباطؤ غير مرغوب فيه والبقاء بعيدًا عن الأضواء.
لكن في 10 مايو/أيار، أطلقت حماس من غزة وابلًا من الصواريخ في اتجاه إسرائيل، وحتى في اتجاه القدس نفسها. وكعادتها في المواجهات الفلسطينية-الإسرائيلية السابقة، تريد المجموعة الإسلامية السيطرة على الأجندة الوطنية، والحصول على عباءة القيادة الوطنية والدينية، وتسجيل نقاط سياسية حيوية قبل أن تخمد الاشتباكات. وسرعان ما تحولت الأعمال العدائية إلى التبادل، المألوف للغاية، للقصف الجوي الفتاك بين إسرائيل وغزة.
عَمَل تدخل حركة حماس على خطف الأنظار من التركيز على المتظاهرين والأماكن المقدسة في القدس إلى قدرة الجماعة [الراديكالية] على ضرب إسرائيل والتسبب في جرحى وقتل. أدى هذا التحول لإزالة الضغط، الذي تسببت به أحداث القدس على دول الخليج. وحتى إذا وضعنا جانبًا أصول حركة حماس في العقود الماضية باعتبارها فرعًا من جماعة الإخوان المسلمين، فإنه يُنظر للجماعة على نطاق واسع على أنها منظمة [راديكيالية]، وحتى إرهابية في كثير من أنحاء العالم العربي، وخاصة في دول الخليج. وعلى عكس المتظاهرين السلميين، إلى حد كبير، في الشيخ جراح والمسجد الأقصى، يُنظر إلى هجمات حركة حماس الصاروخية ضد إسرائيل، على نطاق واسع، على أنها عبثية وخطيرة واستفزازية لا مبرر لها، وتعرض حياة الإسرائيليين والفلسطينيين في غزة للخطر على حد سواء. لن يكون هناك تعاطف كبير مع ما يُنظر إليه، إلى حد كبير، في الخليج على أنه انتقام إسرائيلي جائر وغير متناسب، وسيكون من الأسهل بكثير على قادة الخليج والعديد من المواطنين اعتبار هذا التبادل بمثابة صراع مأساوي محتدم على حساب الناس العاديين، ناتج عن قيادتين ليس لقادة الخليج سيطرة عليهما ولا مسؤولية. وقد تم التعبير عن هذا الشعور بشكل ملحوظ في الهاشتاج المنتشر “فلسطين ليست قضيتنا”.
الأمر نفسه ينطبق كثيرًا على أعمال الشغب الجماهيرية والعنف الفتاك بين المواطنين اليهود والعرب في “المدن المختلطة” داخل إسرائيل. وهو ما يمكن اعتباره، إلى حد كبير، من الشؤون الداخلية والمدنية لدولة أخرى، وفي حين أن هناك تعاطفًا عربيًا خليجيًا كاملاً مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، إلا أن مثل هذا العنف الجماهيري لا يمكن اعتباره قضية تستحق الإثارة على المستوى الثنائي. وهكذا، فليس من المحتمل أن يكون له تأثير كبير على العملية الدبلوماسية، بما في ذلك ما يتعلق باتفاقيات التطبيع الجارية والمحتملة.
ومع ذلك، لا يزال هناك خطر سياسي محتمل على حكومات دول الخليج العربية وخياراتها المتعلقة بإسرائيل. فكما بدأت المواجهة في القدس ثم انتقلت إلى غزة، فمن الممكن أن يتأرجح البندول عائدًا إلى الاتجاه الآخر. فقد يحدث مثل هذا التحول إذا شنت إسرائيل عمليات عسكرية كبيرة على غزة تستمر لفترة طويلة، وتؤدي لإراقة الكثير من الدماء وسقوط ضحايا مدنيين. في مثل هذه الفترة، من شبه المؤكد أن يتنامى التعاطف مع الشعب الفلسطيني في غزة على الرغم من الاستياء من حماس، سواء في العالم العربي أم حتى بين العديد من الفلسطينيين أنفسهم. فمن الممكن أن يؤدي ذلك كله إلى عودة البندول إلى الاحتجاجات في جميع أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، بما في ذلك الأماكن المقدسة. إذا أصبحت الأماكن الإسلامية المقدسة، وخاصة المسجد الأقصى، مرةً أخرى محور المواجهات الإسرائيلية الفلسطينية، فإن الحسابات السياسية والدبلوماسية لدول الخليج العربية ستصبح أكثر صعوبة.
ربما تتخذ الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهام، وخاصة الإمارات، الرد الرسمي لمصر والأردن، وهما الدولتان الرائدتان في معاهدات السلام مع إسرائيل والمحاذيتان لغزة والضفة الغربية على التوالي، كدليل رئيسي لردودها الدبلوماسية. فرغم الإدانات، لم تقم حتى الآن أي من هاتين الدولتين بأي تحرك دبلوماسي علني، كاستدعاء السفراء مثلاً، لمواجهة إسرائيل. ومع ذلك، إذا قامت مصر والأردن بشيء من هذا القبيل، فقد يصبح من الصعب للغاية على دول الخليج الاستمرار في اقتصار ردود أفعالها على عبارات الاستياء تضامنًا مع هاتين الدولتين والفلسطينيين. من المرجح أن يلعب العنصر المصري والأردني، دورًا رئيسيًا في التكرارات المستقبلية للمواجهات الإسرائيلية-الفلسطينية، حتى لو لم يؤثر في الأزمة الحالية لدرجة صياغة ردود أفعال دول اتفاقيات إبراهيم.
ربما على عكس ما هو متوقع، فإن دول اتفاقيات إبراهام ليست في وضع يمكنها من المساعدة في التوسط بشكل ذات مغزى في الأزمة بين حركة حماس وإسرائيل. فكل هذه الدول ترى حماس كمنظمة متطرفة، وليس لديها علاقة عمل معها. فليس لديها الرغبة في منح الحركة الاعتراف الدبلوماسي والامتياز السياسي الذي قد يتأتى من الانخراط المباشر معها. علاوة على ذلك، وكما هو الحال الآن، ليس لدى هذه الدول نفوذ يذكر في إسرائيل لأن علاقاتها لا تزال في مرحلة مبكرة جدًا، وقد نشأت لأسباب ليس لها علاقة مطلقًا بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، باستثناء الحيلولة دون ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية لإسرائيل. ما لم تعود القدس، وخاصة المسجد الأقصى، لمحور الصراع، فمن المرجح أن تحاول الإمارات والبحرين، إلى حد كبير، تجاوز العاصفة – البقاء بعيدًا عن الأضواء، والسماح لهذه المواجهة بأن تأخذ مجراها بالحد الأدنى من المشاركة.
لعب المصريون دور الوسيط الرئيسي بين إسرائيل وحماس في تأمين وقف إطلاق النار السابق، ومن المرجح أن يتكرر هذا في هذه الحالة. ونظرًا لتاريخها وموقعها الجغرافي وعلاقات العمل مع كلا الطرفين، تنفرد القاهرة بوضعٍ يؤهلها للقيام بهذا الدور. ومع ذلك، يمكن لقطر، التي لديها تاريخ طويل في التوسط بين الطرفين المتحاربين، وتلعب دورًا رئيسيًا في غزة، أن تساعد أيضًا في وقف القتال. بإيعاز من إسرائيل، تعد الدوحة الممول الرئيسي لاقتصاد غزة، حيث تقدم مدفوعات نقدية ربع سنوية لحماس كرواتب لموظفي القطاع العام في قطاع غزة. بالإضافة لذلك، تتمتع قطر بتاريخ طويل من المشاركة، وقد حافظت قطر من عام 1996 وحتى عام 2000، على علاقات دبلوماسية متدنية المستوى، مع مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة. لذلك، وفي حين أنه لا يمكن لقطر أن تلعب دور مصر كمحاور أساسي، إلا أنه يمكنها أن تقدم دعمًا حاسمًا في تأمين وقف الأعمال العدائية، وربما أيضًا، في احتمالات إعادة الإعمار.
حتى لو تم احتواء هذه المواجهة، ولم يتأرجح البندول باتجاه القدس هذه المرة، فهي تنذر بمتاعب سياسية محتملة في المستقبل ودبلوماسية محرجة يمكن أن تواجهها دول الخليج الرئيسية كلما تكرر اندلاع المواجهات في القدس على نطاق واسع. سيكون للانخراط مع إسرائيل، على المدى الطويل، آثار استراتيجية ودبلوماسية وسياسية إيجابية وسلبية على الإمارات والبحرين، بالإضافة للسودان والمغرب. حتى الآن، لم يتطور أي شيء، ولا يبدو أن هناك ما هو على وشك التطور لدفع هذه الدول لإعادة النظر في قرارها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، يحتفظ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بقدرته على زعزعة استقرار المنطقة وإشعالها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقدس وغيرها من الأماكن المقدسة أو المثيرة للمشاعر. الزمن وحده كفيل بإيضاح الخسائر والمكاسب الكاملة للتطبيع مع إسرائيل.