ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الوقت الذي حذرت فيه روسيا القوات الأمريكية المنتشرة في قاعدة التنف الواقعة في المنطقة الحدودية الثلاثية بين سوريا والأردن والعراق، من أنها تعتزم مهاجمة تلك المنطقة بحجة مكافحة بقايا الإرهابيين فيها، وهو تحذير تزامن مع الحشود العسكرية السورية والروسية لشّن هجوم بري وجوي وبحري ضد آخر معاقل المعارضة المسلحة في محافظة أدلب، كشفت الولايات المتحدة أن الرئيس دونالد ترامب لم يعد مستعجلا لسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، وأنه قَبل بخطة تقضي بابقاء القوات الأمريكية إلى أجل غير مسمى.
وقبل أشهر تحدث ترامب عن رغبته بسحب القوات التي يصل عديدها إلى 2210 عنصر، بحجة أن الائتلاف الدولي قد نجح إلى حد كبير في هزيمة تنظيم ما يسمى “الدولة الإسلامية”. وتقع قاعدة التنف التي يسيطر عليها الأمريكيون وحلفاؤهم السوريون الذين شاركوا معهم في قتال “الدولة الإسلامية” في منطقة استراتيجية تسمح لها بمراقبة واعتراض الإمدادات الإيرانية القادمة عبر الحدود العراقية إلى سوريا. وتواصل روسيا بدعم من سوريا وإيران منذ فترة بالضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من التنف في سياق انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات المتعاونة معها من المناطق الجنوبية في سوريا القريبة من الحدود مع إسرائيل. وفي الأيام الماضية أوصل المسؤولون الأمريكيون من مدنيين وعسكريين رفضهم القوي لطلب روسيا وتأكيدهم بأن القوات الأمريكية سترد بالقوة على أي هجوم. ويعتقد أن الهجوم المتوقع ضد ادلب، واستمرار التوتر بين القوات الأمريكية والروسية في سوريا، قد يضع العلاقات بين واشنطن وموسكو على طريق محفوف بالمخاطر الجديدة، وهو أمر لم يكن يتوقعه او قطعا لم يرغبه الرئيس دونالد ترامب بعد انتخابه.
ويعتبر تراجع الرئيس ترامب عن استعجاله الاولي للانسحاب من سوريا،انتصارا لوزارة الدفاع التي تريد ابقاء قواتها في سوريا، اولا لمواصلة مراقبة وضرب فلول “الدولة الاسلامية”، وثانيا لمواصلة الضغوط على إيران وميليشياتها لارغامها على الانسحاب من سوريا. وهناك مسؤولون في وزارتي الدفاع والخارجية واجهزة الاستخبارات يحذرون من التسرع في سحب القوات الأمريكية من سوريا، لأنهم لا يريدون ارتكاب الخطأ الذي ارتكبه الرئيس السابق باراك أوباما عندما سحب القوات الأمريكية من العراق بشكل مبكر، الأمر الذي خلق المناخ السياسي والعسكري الذي ادى إلى بروز “الدولة الاسلامية”.
وكان وزير الخارجية مايك بومبيو في شهر مايو-آيار الماضي قد وضع انسحاب إيران من سوريا من بين أثني عشر شرطا لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. وكان المسؤولون الأمريكيون في ايجازات خلفية مع الصحفيين في الأيام الماضية، قد أشاروا إلى التهديدات المتبادلة بين الروس والأمريكيين وقرار إبقاء القوات الأمريكية، إلى أن أكده علنا السفير جيمس جيفري الذي عينه وزير الخارجية مايك بومبيو الشهر الماضي المبعوث الأمريكي المكلف بالملف السوري، لصحيفة واشنطن بوست. وقال جيفري “السياسة الجديدة تعني أننا لا نعتزم الانسحاب مع حلول نهاية السنة”. وتفادى السفير جيفري التطرق إلى المهام الجديدة للعسكريين الأمريكيين في سوريا، وتحدث في المقابل عن مبادرة ديبلوماسية كبيرة في الأمم المتحدة، وعن استخدام العقوبات الاقتصادية ضد سوريا وإيران للتأثير على سلوكهما في سوريا. وعلى الرغم من أهمية قرار إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، الا أن ذلك لا يلغي الحقيقة المّرة التي ميّزت السياسة الأمريكية تجاه العراق في السنوات الأخيرة، أي غياب استراتيجية متكاملة للتعامل مع الديناميات الداخلية في العراق، وأيضا كيفية التصدي الفعلي للنفوذ الإيراني السلبي في العراق (ناهيك عن التصدي لنفوذ إيران في المنطقة ككل).
السفير جيفري أكد مرة أخرى أن سياسة الولايات المتحدة ليست “يجب على الأسد أن يذهب.. ليس الأسد أي مستقبل، ولكن التخلص منه ليس وظيفتنا”، ورأى أنه لن يكون باستطاعة الأسد تلبية تطلعات الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بأن يتحول إلى شخص لا يهدد جيرانه، ولا يقمع شعبه، ولا يستخدم الأسلحة الكيماوية، وأن لا يوفر لإيران منبرا في سوريا. هذه التصريحات تذّكر بالتصريحات العديدة للمسؤولين في إدارة الرئيس أوباما الذين قالوا كلاما مماثلا منذ بداية الانتفاضة الشعبية السورية في 2001، مثل القول إن أيام الأسد معدودة، أو أنه رجل يمشي ميتا، أو أن المجتمع الدولي لن يتسامح مع استخدام اللأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
معركة إدلب
صّعد المسؤولون الأمريكيون بمن فيهم الرئيس ترامب ووزير خارجيته بومبيو ومستشار الامن القومي جون بولتون في الأيام الماضية من تحذيراتهم القوية اللهجة للنظام السوري وحليفيه روسيا وإيران من مغبة اجتياح محافظة إدلب وحذروا بالتحديد من أن أي استخدام للسلاح الكيماوي سيؤدي إلى رد فعل أمريكي سريع. ويوم الثلاثاء الماضي أصدر البيت الابيض بيانا باسم الرئيس جاء فيه “دعونا نكون واضحين: لا يزال موقفنا صارما، بأنه إذا قرر الرئيس الأسد مرة أخرى استخدام الأسلحة الكيماوية، فإن الولايات المتحدة وحلفاؤها سوف يردون بسرعة وبشكل مناسب”. ويؤكد المسؤولون الأمريكيون أن ترامب سوف يهاجم سوريا كما فعل مرتين في السابق إذا استخدمت الأسلحة الكيماوية في الهجوم المتوقع ضد إدلب. ولكن اللافت في هذه التصريحات أن الرد العسكري الأمريكي سوف يبقى منحصرا بالأسلحة الكيماوية فقط، ما يعني أن واشنطن سوف تندد وتستنكر أي عمليات عسكرية لا تشمل الأسلحة الكيماوية، ولكنها لن تتدخل لوقفها. وبدا ذلك واضحا من تحذيرات ترامب اللاحقة للنظام السوري من ارتكاب المجازر في ادلب “لأن العالم يراقب” الوضع هناك، وأضاف “وآمل أن يتصرفوا بحذر. ويجب ألا يرتكبوا أي مجازر، وإذا وقعت المجازر فإن العالم سيغضب جدا، والولايات المتحدة ستغضب جدا”. ولكن ترامب لم يقل إن بلاده سوف تتدخل لوقف أي هجوم عسكري لا يشمل الأسلحة الكيماوية. وفي هذا السياق نفى ترامب ما جاء في كتاب الصحفي الاستقصائي بوب وودوورد من أنه طلب من وزير دفاعه جيمس ماتيس قتل الأسد بعد استخدامه للسلاح الكيماوي في 2017 ضد المدنيين السوريين، قائلا إن الأمر لم يناقش أبدا كما أنه غير وارد.
آخر هذه التصريحات كانت لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هايلي التي طالبت يوم الخميس النظام السوري وحلفائه بوقف عملياتهم العسكرية بجميع أشكالها، وإعطاء الديبلوماسية الفرصة لحل النزاع لأن إدارة ترامب والمجتمع الدولي “قد أوضحا أنه لا يوجد هناك حل عسكري للنزاع السوري”. ومرة أخرى كررت هايلي تنديدها بنظام الأسد “الوحشي” وحلفائه الذين يواصلون ترهيبهم للمدنيين السوريين. جاء كلام هايلي قبل يوم من مناقشة مجلس الأمن الدولي للوضع في إدلب. وفي يوم الجمعة، وتزامنا مع جلسة مجلس الأمن، “أوضحت” روسيا وسوريا، بشكل عملي، مدى استخفافهما بهذه التصريحات وبمداولات مجلس الأمن، من خلال شنّ غارات جوية روسية جديدة ضد مواقع الثوار في إدلب، صاحبها قصف مدفعي للجيش السوري. وتزامنت هذه الغارات مع قمة ثلاثية انعقدت في طهران، بين الرؤساء فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني، شملت أيضا اجتماعات ثنائية، وتركزت بمعظمها كما قال مستشار للرئيس بوتين على مناقشة الوضع في إدلب. ويدعي المسؤولون الروس أن الثوار السوريون يعتزمون استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو ما اعتبره المحللون تبريرا روسيا مسبقا لاحتمال استخدام النظام السوري للأسحلة الكيماوية. وهذا الأسلوب التضليلي الروسي والسوري استخدم في السابق بعد الهجمات الكيماوية التي شنها نظام الأسد. وكان السفير جيمس جيفري قد قال في تصريحات صحفية أن تحذيرات واشنطن ضد استخدام السلاح الكيماوي مبنية على معلومات موثوقة تملكها الولايات المتحدة، مضيفا “لدينا أدلة عديدة أنهم يحضرون لاستخدام الأسلحة الكيماوية”.
قمة طهران انتهت بمواقف عامة ومبهمة مثل رغبة الأطراف بحل سلمي إذا تخلت المنظمات الإرهابية عن سلاحها، وأظهرت استمرار الخلافات بينهم حول الهجوم ضد إدلب حيث تواصل تركيا حض السوريين والروس على عدم مهاجمة المحافظة ومحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، لأن الهجوم سيضر بمصالحها، ويخلق أزمة لاجئين كبيرة لا تريد تركيا أن تتحمل أعبائها. التقارير الصحفية الاولية قالت إن بوتين رفض مواقف أردوغان حول إدلب وقال إن هزيمة الإرهابيين هناك “حتمية”، مؤكدا حق الحكومة السورية بإستعادة السيطرة على أراضيها. وهذا يعني عمليا أن الهجوم السوري-الروسي-الإيراني ضد إدلب هو مسألة محسومة، وأن ليس من الواضح ما إذا كان سيحدث بطريقة شاملة أم تدريجية. ومن المتوقع أن تستخدم روسيا في الهجوم سلاحيها الجوي والبحري، بعد أن نشرت حوالي 15 سفينة حربية قرب الشواطئ السورية، حيث يمكنها قصف إدلب بالصواريخ. بيان قمة طهران أكد رغبة الأطراف بمواصلة التعاون لهزيمة التنظيمات الإرهابية مثل “الدولة الإسلامية ” (داعش) وجبهة النصرة، المنبثقة عن القاعدة، تركت الباب مفتوحا أمام التنظيمات المسلحة الأخرى التي تقبل بوقف إطلاق النار والتخلي عن أسلحتها. اللافت أن قيام تركيا بوضع “هيئة تحرير الشام” على قائمة التنظيمات التي تصنفها إرهابية، وهو التنظيم الإسلامي التي كانت (ولا تزال) تربطها فيه علاقات جيدة، لم يقنع روسيا بتغيير موقفها من مهاجمته في إدلب.
قرار الرئيس ترامب إبقاء القوات الأمريكية في سوريا لأجل غير مسمى هو موقف يكتسب أهمية خاصة، لأن الرؤساء الثلاثة الذين اجتمعوا في طهران متفقون على ضرورة إنهاء الوجود الأمريكي العسكري في سوريا. وليس من المستبعد في هذا السياق أن تتعاون الدول الثلاثة فيما بينها لارغام الأمريكيين على الانسحاب، أو جعل وجودهم العسكري أكثر كلفة. ما هو مؤكد هو أن الرئيس ترامب سوف يستخدم القوة العسكرية (المحدودة) إذا قرر بشار الأسد أن يخترق الخط الأحمر بشأن استخدام السلاح الكيماوي. ولكن ما هو مؤكد أيضا هو أن الهجوم العسكري ضد إدلب إذا بقي “تقليديا” أي دون استخدام السلاح الكيماوي، لن يؤدي بالضرورة إلى استخدام السيف العقابي الأمريكي.
ومرة أخرى سيراقب العالم هجوما تشنه القوات السورية والروسية والإيرانية ضد منطقة سورية يقطنها حوالي ثلاثة ملايين سوري مدني، بينهم الآف من النازحين من مناطق و مدن سورية منكوبة مثل حلب وحمص، بحجة محاربة عشرات الالآف من المسلحين، ليسوا جميعهم من الإرهابيين. العالم سيحتج ويستنكر ويستهجن، وسوف يقوم قادة الدول الغربية بالتحديد بفرك أيديهم والإعراب عن مشاعر الأسف. وفي حال نجح الهجوم ضد إدلب، سوف تزداد الدعوات القائلة بأن الوقت قد حان للنظر بمسألة إعادة إعمار سوريا، كما تطالب روسيا هذه الدول والمؤسسات المالية الدولية. حتى الآن تصر واشنطن والعواصم الأوروبية على عدم إنفاق أي أموال لتمويل إعادة الإعمار في سوريا طالما بقي بشار الأسد وزمرته في الحكم، أو في غياب عملية انتقال سياسي إلى نظام لا يرأسه الأسد. روسيا في المقابل تقول إنه لا توجد هناك الآن أي عملية انتقال للسلطة من هذا النوع، لأن الأسد هو السلطة الوحيدة الباقية. ويعتقد بعض المراقبين، أنه إذا واجهت تركيا موجة جديدة من اللاجئين السوريين، وقررت فتح حدودها لهؤلاء اللاجئين بعبورها إلى أوروبا، فإن ذلك قد يرغم بعض الدول الأوروبية على تقديم التنازلات لتركيا، أو حتى لروسيا بشكل غير مباشر من خلال القول بأنها مستعدة للمساهمة في عملية إعادة إعمار سوريا، لقاء وقف زحف اللاجئين السوريين إلى أراضيها. الهجوم المتوقع ضد إدلب، يؤكد مرة أخرى وللأسف ضعف الموقف الأمريكي والغربي عموما والخاطئ في الصميم والقائل بعدم وجود حل عسكري للحرب في سوريا، ويبين في المقابل أن موقف روسيا ونظام الأسد وإيران الذي بقي ثابتا منئ٫1234ضصثق ويبدو أنه سينجح بكلفة إنسانية رهيبة، وهو أنه لا يوجد هناك إلا حل واحد، هو الحل العسكري الذي لا يشمل أي محرمات بما فيها الأسلحة الكيماوية.