ادعم منشورات معهد دول الخليج العربية في واشنطن باللغة العربية
تبرع اليوم لمساعدة المعهد في توسيع نطاق تحليلاته المنشورة باللغة العربية.
تبرع
في 20 كانون الثاني/ يناير أدّى رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ج. ترامب اليمين الدستورية. يستعرض الباحثون المقيمون الأولون في معهد دول الخليج العربية في واشنطن تصريحات بعض مرشحي الرئيس الأساسيين لتولّي مناصب وزارية في خلال جلسات المصادقة عليهم – فضلًا عن تصريحات الرئيس نفسه – لاستشفاف سياسات الإدارة الجديدة المحتملة بشأن القضايا الأثر إلحاحًا التي تهم دول الخليج العربية.
يستمع القادة في مختلف أنحاء دول الخليج، وكذلك القادة والمواطنون في مختلف أرجاء العالم، إلى جلسات المصادقة على باكورة المسؤولين الذين عيّنهم الرئيس دونالد ج. ترامب وذلك في محاولة لمعرفة كيف ستتعامل الإدارة الجديدة مع عدد من القضايا السياسية. وتتألّف على الأرجح المسائل التي تهمّ قطاع المال والأعمال الخليجي، ومن ضمنها مصالح الكيانات التي تملكها الدولة، مما يلي: البنى التحتية والتجارة والسياسة النقدية والنظام المالي. قد تكون هذه المسائل مملة مقارنة مع تلك التي ذكرتها وسائل الإعلام الأمريكية ولكنها تضطلع بأهمية خاصة بالنسبة للأصول التي يملكها الخليج في الأسواق المالية الأمريكية وللكيانات الخليجية الخاصة والعامة التي قد تتمتع بوجود تجاري في الولايات المتحدة نظرًا لعدم اليقين المحيط بإدارة ترامب وما قد تسعى لتغييره.
في ما يخص السياسة النقدية الأمريكية، ستأثر أي خطة لزيادة معدّلات الفائدة على عملات مجلس التعاون الخليجي المرتبطة بالدولار. وبالنسبة لبعض دول مجلس التعاون الخليجي، قد تولّد زيادة معدّلات الفائدة بعض الضغوطات الصعبة على اقتصاداتها كما حصل في السابق إذ ستضطر نظمها المصرفية إلى اعتماد معدّلات أعلى في وقت سيحتاج فيه القطاع الخاص الناشئ بشدّة إلى تمويل ميسور التكلفة. أما بالنسبة للمواطنين الذين يبحثون عن تمويل عقاري عن طريق قروض الرهن العقاري، فقد يصبح الحصول عليها أكثر صعوبة من أي وقت مضى، في الوقت الذي تعاني فيه السوق المالية من شحة هذه القروض أصلا. وتشكو العائلات الشابة في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أساسي من غياب المساكن الميسورة التكلفة، وبخاصة العائلات الشابة في السعودية التي لا تستطيع تحمّل التكلفة في سوق محدودة.
وعبّر ترامب في تعليقات سابقة عن اهتمامه بإمكانية خفض قيمة الدولار من أجل زيادة الصادرات. ويميل انخفاض قيمة الدولار أيضًا إلى زيادة الصادرات النفطية المسعّرة عالميًا بالدولار وتستفيد بالتالي دول الخليج من ذلك (بعضها أكثر من غيرها). أما في المقابل، فتنخفض أسعار النفط مع ارتفاع سعر الدولار. وفي ما يتعلّق برفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، لا بدّ من أخذ عدد من العوامل في الاعتبار ومن ضمنها أي تعيينات يجريها ترامب ضمن مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي أي الهيئة المخصصة لتنفيذ السياسة النقدية والمستقلة عن السلطة التنفيذية.
في النظام المالي، يحدّد قطاع المصارف الأمريكي معايير القطاع المصرفي العالمي. فعندما تخضع المصارف الأمريكية بإحكام إلى التنظيم، يتأثّر نظراؤها في المعاملات الدولية بهذه القيود. ويرتبط قسم كبير من أنظمة المصارف الأمريكية التي تتسرب إلى الأنظمة المصرفية في مجلس التعاون الخليجي بتنظيم مكافحة تمويل الإرهاب وبأنظمة العقوبات ضدّ المؤسسات العسكرية الإيرانية. ويعني ذلك بالنسبة للمصارف في مجلس التعاون الخليجي التقيّد الصارم بإجراءات التحقق من الحسابات وبالنسبة لمصارف تجارية كثيرة الحد من قاعدة ودائع العملاء لمجرّد عدم قدرتها على التحقق من مصدر الأموال. وخلّفت هذه الأنظمة أثرًا غير مقصود ربما إذ كبحت القطاع غير الربحي والخيري أو “القطاع الثالث” المحدود أصلًا في دول مجلس التعاون الخليجي، فزادت جهود حكومات الخليج للإشراف بإحكام على الجمعيات الخيرية نظرًا إلى شدة التدقيق في الجمعيات الخيرية وفي قدرتها على التعامل مع القطاع المصرفي. فالأنظمة التي أُقرّت في دبي في عام 2015 مثلًا فرضت طابعًا مركزيًا على جمع الأموال الخيرية ليتم عبر مؤسسة حكومية. وفي الكويت، ربطت الحكومة الجمعيات الخيرية بالتهديد الإرهابي وأتاحت التدقيق على نطاق أوسع بأنشطتها الجماعية. وفي حين ساهمت الأنظمة في إنشاء بيئة تتحكّم فيها الدولة بإحكام بتنظيم المؤسسات الخيرية، شكّلت أيضًا أدوات ناجحة بيد وزارة الخزانة الأمريكية للوقاية من التدفقات المالية لتمويل الإرهاب ولكنها حدّت أيضًا من نمو المصارف الأمريكية في المنطقة ومن اتّساع قاعدة الودائع وحدود الائتمان، وهما عنصران أساسيان لتنمية القطاع الخاص في الخليج. وفي حال تم تخفيف بعض هذه الأنظمة كما اقترح ترامب، ولا سيّما تخفيض أنظمة قانون دود-فرانك ومن ضمنها قاعدة فولكر التي تحدّ من قدرة المصارف الأمريكية على استثمار أرصدتها في منتجات المضاربة خوفًا من تعريض حسابات العملاء للخطر، قد تُخّفَّف إلى حدّ ما شدة الأنظمة المالية في مجلس التعاون الخليجي أو قد تزداد على الأقل مشاركة المؤسسات المالية الأمريكية في مختلف أنواع الفرص الاستثمارية في المنطقة.
وفي السياسة التجارية، عبرّ ترامب بوضوح عن نيّته الحصول على “صفقات أفضل“. فقد تجاوزت الولايات المتحدة مجلس التعاون الخليجي على نحو استراتيجي عند التفاوض حول اتفاق تجاري إقليمي وفضّلت اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع حكومات خليجية فردية شملت صفقة مع البحرين في عام 2006 وصفقة مع عُمان في عام 2009. وعلى نحو مماثل، لم يسارع مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إلى تعزيز اتفاقات التجارة الإقليمية مع الدول والمجموعات الإقليمية الأخرى. وقد تكون هذه الفرصة المواتية لمجلس التعاون الخليجي لكي يوحّد جهوده ويتوصّل إلى اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة أو الأفضل من ذلك مع المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو يرسّخ جهوده مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا على غرار اتفاقه في عام 2011 مع ماليزيا وفي عام 2015 مع سنغافورة.
ولعل أبرز مجال للتغيير ولبروز الفرص سيكون في الوعود التي قطعتها إدارة ترامب بالاستثمار في البنى التحتية. فصناديق الاستثمار التابعة للدولة في مختلف أرجاء مجلس التعاون الخليجي تراقب هذا المجال عن كثب. وفي حال كانت الفرص حقيقية والمستثمرون الأجانب مرحبًا بهم، لمّح كل من الصندوق السيادي القطري والكويتي عن اهتمامهما. وإلى جانب الاستثمارات السلبية في صناديق البنى التحتية، ثمة اهتمام كبير وفرصة هامة لكيانات دول الخليج لإدارة الاستثمارات في البنى التحتية وتشغيلها في الولايات المتحدة في قطاع النفط والغاز وفي المرافئ. ولم يُعرف بعد ما إذا كانت إدارة ترامب سترحّب بهذه الاستثمارات أو ستعتبرها “صفقة جيدة”. ويشير التسييس السابق لاستثمارات مجلس التعاون الخليجي في البنى التحتية الأمريكية إلى نقاط توتّر محتملة وبخاصة إذا حرّكت قاعدة شعبية وقومية سياسات إدارة ترامب.
سيحتاج برنامج ترامب الداعم للنمو إلى شركاء وتبحث دول مجلس التعاون الخليجي أيضًا عن شركاء استثمار في جهودها للتنويع وتوظيفات لأدوات الاستثمار العامة. ستجمع المفاوضات بشأن هذه الجهود بين القدرة على استعراض القدرات والتقييم العملي للمصلحة المشتركة. وسيشكّل تسييس هذه الشراكات مصدر الخطر الأكبر.