في 19 يونيو/حزيران، تم الإعلان عن فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. فاز رئيسي بالانتخابات بحوالي 62% من نسبة الاقتراع بعد محاولة غير ناجحة في عام 2017. ومع ذلك، فإن الإقبال على التصويت بنسبة 48.8% كان الأدنى في تاريخ الانتخابات الرئاسية منذ الثورة الإيرانية عام 1979. وفوق ذلك، فإن 13% من بطاقات الاقتراع كانت باطلة – أعلى نسبة مشاركة بالأوراق الباطلة منذ الثورة. وبالمقارنة، فإن نسبة التصويت في الانتخابات الرئاسية لعامي 2013 و2017، التي فاز فيها حسن روحاني كانت حوالي 70%. إن الانخفاض الحاد في المشاركة وارتفاع نسبة التصويت المعارض يُظهران عدم الثقة في النظام وأملاً ضئيلاً لدى الإيرانيين في إحداث تغيير من خلال صناديق الاقتراع.
لم تكن اللحظة الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية هي يوم الانتخابات أو اليوم الذي أعلنت فيه النتائج. لقد كانت يوم 25 مايو/أيار، عندما أعلن مجلس صيانة الدستور عن قائمة المرشحين المقبولين بعد المراجعة والتدقيق. وقد تم تقريبا استبعاد معظم المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من سباق الترشح. رئيسي، الذي كان رئيس مجلس القضاء الأعلى في إيران وعمل سابقًا رئيس أغنى مؤسسة دينية إيرانية، آستان قدس رضوي، له روابط عميقة مع فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وسجل حافل في المشاركة في قمع الحركات السياسية، وأكثرها سوء سمعة هو الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين عام 1988. وتقريبا فإن أغلب المرشحين المقبولين، باستثناء عبد الناصر همتي (الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني)، هم من المحافظين. وبالنظر لخلفيته، فقد تم وصف رئيسي بأنه محافظ متشدد، ويمثل أكثر العناصر القمعية الوحشية في معسكر المحافظين.
العديد من الإيرانيين لا يرون وجود أية قدرة أو استعداد عند المرشحين المقبولين لخلق أي تغيير هادف في الدولة. وسبب آخر يكمن وراء الانخفاض التاريخي في نسبة المشاركة هو فشل الرؤساء السابقين، بالتحديد روحاني، في الوفاء بالوعود الانتخابية. في حملته الرئاسية الأولى، تعهد روحاني بإنهاء الإقامة الجبرية المفروضة على قادة الحركة الخضراء، واستعادة قيمة العملة الوطنية وإنعاش الاقتصاد، وتحسين العلاقات الدولية للتقليل من قيود السفر المفروضة على الإيرانيين بعد الثورة، ووضع حد لعزلة إيران في المجتمع الدولي، من خلال التفاوض مع قادة العالم حول البرنامج النووي موضع الجدل. وقد تردد صدى هذه الوعود لدى ملايين الإيرانيين، الذين أملوا أن يحافظ روحاني على سبل عيشهم التي تأثرت سلبًا بسياسات حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وبعد مرور ثماني سنوات على فوزه في الفترة الأولى، أصبح روحاني رمزًا للفساد وفشل السياسات الاقتصادية ومقاومة التغيير في الجمهورية الإسلامية. سياسات روحاني، وتحديدًا المتعلقة بالاستجابة لعجز الميزانية الحكومية (مثلا، زيادة الضريبة المباشرة وضريبة التضخم والسياسات المصرفية وأسعار صرف العملات الاجنبية) أظهرت اغتراب ليس فقط عند الفقراء والمحرومين، الذين سحقتهم المصاعب الاقتصادية، ولكن أيضًا عند الإيرانيين من الطبقة الوسطى الذين أصابتهم حالة الفقر بشكل سريع. وإزاء هذه الخلفية، فإن المرشح الوحيد غير المحافظ في الانتخابات الأخيرة، همتي، لم يحصل على الكثير من الدعم الشعبي. وهذا يعود ربما، بصفته رئيسًا للبنك المركزي بين الأعوام 2018 و2021، وقد تم لومه على تخفيض قيمة الريَال وكل التدهور الاقتصادي في إيران.
وفوق ذلك، فإن تظلمات الإيرانيين ردًا على حملات قمع النظام الوحشية للتظاهرات في السنوات الأخيرة قد حفزت الدعوات لمقاطعة الانتخابات. وقد عبر ناشطون سياسيون وأمهات شباب إيرانيين قتلتهم قوات الأمن أثناء التظاهرات في بيان واسع الانتشار عن فقدانهم الأمل “لأي تغيير إيجابي” في ظل هذا النظام الانتخابي في إيران، كما ذكروا أن الوضع يمكن أن “يصبح أكثر سوءًا”.
كمنصة للمواطنين لمشاركة قلقهم فيما يتعلق بالمرشحين، عقد الإيرانيون لقاءات عامة قبل الانتخابات، وتم توزيع الفيديوهات بشكل موسع على مواقع التواصل الاجتماعي. وتم استخدام التعبير المجازي، بشكل متكرر، من قبل الإيرانيين، الذين شاركوا في هذه المناقشات العامة، “في هذه الانتخابات، تم تقديم بعض الموز لنا، وطُلب منا أن نختار برتقالة”. أغلب الإيرانيين لا يريدون أيًا من المرشحين المقبولين من مجلس صيانة الدستور لكي يكون رئيسهم. وقد غطت العديد من التقارير تريندات على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الانتخابات في إيران وبعدها. أما تويتر (على الرغم من حظرها رسميًا في إيران) وإنستجرام وكلوب هاوس فقد كانت المنصات الرئيسية للمناقشات العامة حول الانتخابات. وقد ظهرت هاشتاجات شعبية مثل، “لا للجمهورية الاسلامية” و”لا للتصويت” على شكل تريندات على مواقع التواصل الاجتماعي الفارسية. وتم عقد مناقشات مطولة على كلوب هاوس لدراسة من سيفوز في الانتخابات، وما سيكون عليه شكل الرئاسة لكل مرشح. وبينما عكس تويتر تمثيلاً أكثر توازنًا لمؤيدي ومعارضي رئاسة رئيسي، فقد هيمن على كلوب هاوس أولئك الذين انتقدوا عملية مراجعة الأسماء والموافقة عليها ووعود الحملات، كما عكسوا بشكل عام فقدان الأمل في مستقبل إيران في ظل وجود المرشحين.
استخدم أنصار رئيسي مواقع التواصل الاجتماعي والاجتماعات العامة لإظهار دعمهم، مطلقين على رئيسي “رجل المعركة”– وهو تعبير مجازي لوصف قوته ونشاطه. ومن خلال شعار حملته الرئيسي، “حكومة شعبية، إيران القوية”، حاول التأكيد على ثقته بالدعم الشعبي لرئاسته، وإبراز قدراته في الحفاظ على التأثير الإقليمي للنظام وسمعته. وبعد إعلان النتائج، فقد خرج أنصاره الفرحون للاحتفال في كل شوارع الدولة.
غالبًا ما يدّعي أنصار رئيسي أن رئاسته ستنهي الفساد الحكومي. وفي مؤتمره الصحفي الأول بعد إعلان نتائج الانتخابات، قال رئيسي إنه “ليس لديه خط أحمر” في محاربة الفساد في إيران. وقد عبّر خصوم رئيسي عن قلقهم على مواقع التواصل الاجتماعي بأن محاربة الفساد يمكن أن تستخدم غطاء لتلفيق تهم للمعارضين.
في المؤتمر الصحفي، ذكر رئيسي عددًا من العبارات التي استدعت ردود فعل سلبية على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد قلّل من شأن المفاوضات حول القضية النووية مع المجتمع الدولي، بالقول إن السياسة الخارجية للدولة لا تبدأ أو تنتهي بالاتفاق النووي. كما أضاف قائلا إن مشاركته في الإعدامات الجماعية عام 1988 كانت “حماية الأمة من جماعات يمكن مساواتها بالدولة الإسلامية، وإن أي شخص مكانه يستحق أن يُشكر على هذه المشاركة”. وقد انتقده خصومه على تقليله من شأن تدهور الاقتصاد الإيراني، ويعتقدون أنه كان بسبب عزلة سياسية كان يمكن تجنبها، بما فيها الضغط الدولي الناتج عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران.
في هذه الانتخابات، بدا وكأن المشاركة فيها مهمة للنظام. وقد أصدر المرشد الأعلى فتوى تُحرّم البطاقات الباطلة. كما بدأ خامنئي حملة إلكترونية تسمى “الشيء الصحيح الواجب عمله” دعت الناس للتصويت، ومشاركة صورهم أو بطاقاتهم الشخصية المختومة بعد الاقتراع كوسيلة للتشجيع على مشاركة أعلى. وعلى الرغم من هذه الجهود، وبناء على نتائج رسمية، كان هناك 3.7 مليون بطاقة باطلة في يوم الانتخابات، أكثر بكثير من الانتخابات السابقة. معظم هذه البطاقات الباطلة كانت ربما أدلى بها إيرانيون توقعوا أن تتأثر وظائفهم أو مكانتهم التعليمية إذا لم يصوتوا وتختم بطاقاتهم الشخصية. وذكر أحد المحللين في طهران أن بعض الذين أرادوا أن يصوتوا في انتخابات المجلس البلدي في ذلك اليوم وليس في الانتخابات الرئاسية “اقترعوا ببطاقات فارغة أو كتبوا أسماء وعبارات ليس لها علاقة على بطاقات الاقتراع… وألقوا بها في الصندوق، كما وضع البعض البطاقات في جيوبهم أو مزقوها”، لذلك كان هناك الكثير من قصاصات البطاقات المرقمة مفقودة. وقد حذر أحمد خاتمي، إمام صلاة الجمعة في طهران، أولئك الذين لم يشاركوا في الانتخابات أو وضعوا بطاقات باطلة من “خسارتهم فرصة” المشاركة في صياغة “مصير مستقبل الدولة”. أما الرئيس السابق محمد خاتمي فقد عبر عن القلق من المشاركة المتدنية وعدد البطاقات الباطلة المرتفع “الذي يعكس فقدان الشعب للأمل والهوة بين الشعب والحكومة”.
لقد أثار انتخاب رئيسي كرئيس التكهنات من أنه يجري إعداده ليصبح مرشد إيران الأعلى المقبل. وقد قويت هذه التكهنات عندما بدأت بعض منصات إعلام المحافظين بالإشارة إليه كـ “آية الله”، وهو لقب رجال الدين الشيعة الكبار، وهو اللقب المطلوب لتولي منصب المرشد الأعلى. وقد استخدم أنصار رئيسي الحملة الانتخابية فرصة للتعبير عن دعمهم له بصفته المرشد الأعلى المقبل. وجزئيًا، يمكن النظر للمشاركة المتدنية والبطاقات الباطلة على أنها رفض من أغلبية الإيرانيين لإمكانية أن يكون رئيسي خليفة لخامنئي.
قد ساهم ترابط عدة عوامل، مثل الصعوبات المالية وفقدان الثقة في النظام وتدني درجة الأمل في التغيير من خلال التركيبة السياسية الحالية وإمكانية إعداد رئيسي ليكون المرشد الأعلى، في فقدان الإيرانيين الاهتمام بالمشاركة في هذه الانتخابات. وستساعد كيفية معالجة رئيسي لهذه القضايا على تحديد مستقبل العلاقات بين الشعب والنظام وتقرير تقبل الإيرانيين لانتخابات مستقبلية. إن جهوده لمعالجة هذه المظالم ستساعد على تشكيل الحسابات خلف الكواليس والتنافس على من يكون مرشد إيران المقبل. وباختياره بعد غربلة حادة للمرشحين التي عززت فرصه الانتخابية، فإن رئيسي، وعلى الرغم من ذلك، قد تعثر بشكل سيئ في هذا السباق الرئاسي. وسنعرف مع الوقت إن كان لذلك أثر طويل الأجل.