في الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول، انتهت فترة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على شراء إيران للأسلحة أو بيعها، على الرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة على أعلى المستويات لتمديدها. إن أي إجراءات ستتخذها إيران للمضي قدماً ستكون مصدر قلق كبير في المنطقة. لم تعمل العقوبات على تدمير جوهر المؤسسة الدفاعية الإيرانية، ولكنها تدهورت بشكل كبير في مجالات رئيسية عديدة. فما الذي ستختار إيران شراءه إذاً؟
أولاً، في حين قد يكون لفروع الأجهزة الأمنية الإيرانية قوائم من الأمنيات الخاصة بها، إلا أن الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، واستمرار تأثير العقوبات الأمريكية، سيجبر قادة إيران على اتخاذ قرارات صعبة. على سبيل المثال، قد ترغب القوات الجوية الإيرانية في وضع ميزانية جديدة للتزود بأحدث طائرات جو-جو الروسية المقاتلة، لكن هذا الطموح المكلف غير وارد في المستقبل المنظور نظراً للقيود الاقتصادية.
وبالمثل، في حين قد ترغب القوات البرية الإيرانية في بناء أسطول كبير من الدبابات الحديثة، مثل الدبابة القتالية الروسية T-90 ، إلا أنه من غير المرجح أن تتمكن إيران من شراء أكثر من قوة رمزية. من المحتمل أن تقوم إيران بشراء عددٍ صغيرٍ من الطائرات المقاتلة الحديثة والدبابات الحديثة فقط لإظهار قدرتها -كإجراء احتفالي تقريباً- وأمنيتها في استخدامها كنواة للتوسع في المستقبل عندما يتحسن وضعها المالي.
هناك عامل ثانٍ يثقل كاهل إيران ويعيق شراءها عدداً كبيراً من الأسلحة التقليدية، وهو الثقافة الاستراتيجية الإيرانية. فلا تزال أهوال الحرب الإيرانية-العراقية تثقل كاهل الفكر الاستراتيجي الإيراني، ويدرك قادة إيران أن التحدي التقليدي المطلق ضد الولايات المتحدة وشركائها في التحالف سيؤدي إلى كارثة. لذلك، ركزت إيران على تطوير وشراء أسلحة غير متماثلة، وليس أسلحة تقليدية. بالنسبة للقوات الجوية، هذا يعني أن تقوم إيران بشراء الصواريخ، وليس الطائرات المأهولة. وبالنسبة للقوات البرية، هذا يعني قوات بالوكالة، وليس فِرَقًا مدرعة. وتتحاشى هذه الاستراتيجية غير المتماثلة المواجهة مع القوة التقليدية الساحقة للولايات المتحدة وشركائها. لن تتغير هذه الاستراتيجية مع رفع العقوبات. لذلك، لن تشتري إيران طائرات روسية باهظة الثمن مكافئة للطائرات الإماراتية أو السعودية الأكثر تكلفة، سوف تستمر في الاعتماد على الصواريخ والطائرات دون طيار لشن غارات بعيدة المدى. وستواصل إيران السعي لتحقيق أهدافها الأمنية بوسائل أخرى: كالأصول قليلة التكلفة التي يصعب أن تُعزى لجهة ما مثل الألغام البحرية والطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية والقوات بالوكالة.
تمتلك إيران أيضاً صناعة دفاعية مكتفية ذاتياً نسبياً مع قوة عاملة ماهرة. وفي حين أنها غير قادرة على إحداث ثورة في صناعة الأسلحة بمفردها، فقد أثبتت أنها متمكنة جداً من الهندسة العكسية، وتقوم بالتالي بإجراء تحسينات تدريجية على الأسلحة التي تشتريها، مثل الصواريخ. هذا العامل، إلى جانب القيود المالية الإيرانية والثقافة الاستراتيجية، يعني أن معظم المشتريات الكبيرة ستكون إما أنظمة أسلحة معقدة لا تستطيع إيران تصنيعها بمفردها أو مكونات من شأنها تحسين وزيادة القدرات الحالية.
مع أخذ ذلك بعين الاعتبار، من المتوقع أن تنقسم الواردات الإيرانية إلى فئتين: أنظمة كاملة لمواجهة القدرات الأمريكية (مثل حاملات الطائرات) ومكوناتها والأسلحة المساعدة (مثل أنظمة التشويش ومكافحة التشويش)، التي من شأنها أن تعزز القدرات الإيرانية الحالية.
هناك مجالان رئيسيان من المرجح أن تقوم إيران فيهما بشراء أنظمة أسلحة جاهزة من السوق: وهما الدفاع الجوي والأنظمة المضادة للسفن. والهدف الثابت لهاتين القدرتين هو الهيمنة الأمريكية في الجو والبحر.
في مجال الدفاع الجوي، من المرجح أن تضغط إيران للحصول على آخر ما توصلت إليه النظم الروسية المضادة للطائرات من طراز S-400. يعتبر S-400 تحسينًا تدريجيًا على نظام S-300 الذي تم نشره بالفعل في إيران، وهذا سيقلل من عبء التدريب والصيانة. ولكون هذا نظاماً دفاعياً، فلم يكن محظوراً بموجب عقوبات الأمم المتحدة. ومع ذلك، واستجابة لطلبات الولايات المتحدة، تأخرت روسيا عدة سنوات في تصدير S-300، وربما تكون أكثر حرصاً على بيع S-400 الآن بعد انتهاء فترة العقوبات. وبينما تم التشكيك في نجاعة S-400 بسبب قدرة إسرائيل على شن غارات جوية في سوريا، إلا أن اسرائيل لم تتحدَّ نظام S-400 الروسي بشكل مباشر، ويبدو أنها نفذت معظم عملياتها في المناطق التي تدافع عنها الدفاعات الجوية السورية فقط، والتي تعتمد على S-300 الأقدم. ويبقى نظام S-400 هو الخيار الأفضل المتوفر لمواجهة الضربات الجوية الأمريكية.
في الدفاعات الساحلية، من المرجح أن تشتري إيران أنظمة كاملة تهدف إلى منع وصول السفن الحربية للولايات المتحدة والتحالف، وخاصة حاملات الطائرات. ولا تزال حاملات الطائرات الأمريكية المتمركزة في الخليج من أبرز مكونات قدرة الولايات المتحدة على مهاجمة إيران. يمكن لإيران أن تضع على رأس قائمة مشترياتها نظام الدفاع الساحلي الروسي باستيان، الذي يتميز بصاروخ سابق للصوت ينساب على سطح الماء، ويعمل تحت تشويش؛ قد يكون هناك نظام صيني مشابه (مثل DF-21 “قاتل الناقلات”) قيد الدراسة أيضاً.
المجال الرئيسي الثاني من مشتريات الأسلحة الإيرانية المتوقعة هو الأسلحة المساعدة والمكونات. ففي الوقت الذي تتمتع فيه إيران بثقافة هندسية نشطة في صناعاتها الدفاعية، إلا أن بعض المجالات لا تزال بعيدة المنال. وما زالت إيران تستورد أحياناً محركات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، ويمكن أن نتوقع من إيران أن تلجأ إلى روسيا للحصول على أنظمة الحرب الإلكترونية، وإلكترونيات التوجيه الدقيقة، وأنظمة الاتصالات الآمنة والمعززة، والمكونات الدفاعية الأخرى، التي تتطلب قاعدة علوم دفاعية، والتي تمتلكها دول قليلة فقط. ستكون الصواريخ الإيرانية الأكثر دقة هي المحصلة النهائية لهذه المشتريات، إلى جانب قدرة إيران على شن ضربات متزامنة بالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار والمدفعية في ساحة حرب متنازع عليها إلكترونياً.
بسبب اقتصاد إيران المحطم وثقافتها الاستراتيجية والالتزام الجيلي بالحرب غير المتماثلة، فمن غير المرجح أن تسعى طهران إلى بناء قوة عسكرية تقليدية كبيرة. لأن القيام بذلك من شأنه أن يضع القدرات الإيرانية تحت المجهر، ويلفت الأنظار إلى تصرفات طهران. وستكون مثل هذه الخطوة مكشوفة، على سبيل المثال، الحصول على مكونات لتحسين توجيه الصواريخ الباليستية، ومن المرجح بالتالي أن تثير إجراءات مضادة من جانب دول الخليج العربية والولايات المتحدة.
بدلاً من ذلك، ستفعل إيران كما فعلت دائماً– سوف تسعى بهدوء إلى تطوير قدرات غير متماثلة، يتم بناؤها محلياً بشكل مثالي، وتقوم فقط بشراء القليل من العناصر التي لا تستطيع صنعها على أمل مواجهة القدرات العسكرية الأساسية للولايات المتحدة. لن تقوم إيران بنشر قوة كبيرة من الدبابات الروسية على المدى القريب، وبدلاً من ذلك، سوف تستمر في توجيه الميليشيات بينما تأمل في بناء مناطق استبعاد تتسع باستمرار لإبقاء السفن والطائرات الأمريكية على مسافة أبعد.