يبدو أن مصطفى الكاظمي هو المرشح الذي تم التوافق عليه لرئاسة الوزراء والمقبول لدى النخبة الحاكمة في العراق. ولكن يتوجب على الكاظمي، أيضا، الانخراط في بعض التسويات الخاصة به من أجل تلبية المطالب المتضاربة لمؤيديه من البرلمانيين والحصول على الثقة بالتصويت. من المرجح أن يتمكن الكاظمي من التوفيق بين هذه المطالب المتضاربة، ولكن كيف؟ تُظهر دراسة لمصادر باللغتين الفارسية والعربية أنه بدلًا من الانخراط في ممارسة عقيمة للتوفيق بين المطالب التي لا يمكن التوفيق بينها بشكل جوهري، سوف يستخدم الكاظمي، كما جرت العادة في تشكيل الحكومات العراقية، تكويناً حكوميًّا يجعل من بقائه سياسيًا مصلحة لأصحاب الكتل المتنافسة. قد تنجح استراتيجية الكاظمي، وقد تحصل حكومته على الثقة بالتصويت، ولكن من دون اتفاق على السياسة، كونه مخاطرة بالشلل.
عندما تلقى الكاظمي الترشيح في 9 أبريل/نيسان، قال “السلاح من صلاحيات الدولة، والدولة فقط”، وربما كان ذلك محاولة لتلبية مطلب واشنطن بإخضاع الميليشيات الشيعية لسيطرة الحكومة الحقيقية، وليس فقط الاسمية. ومع ذلك، في الجملة التالية، أدرج الكاظمي قوات الحشد الشعبي والبشمركة الكردية العراقية كمجموعات يمكنها حمل السلاح. يعتبر تضمين قوات الحشد الشعبي والبشمركة في حد ذاته بمثابة مُداهَنة للواقع، وخطوة ليضمن بها دعم جماعتين سياسيتين قويتين لترشيحه.
في الوقت الذي التقى فيه الكاظمي الصحافة، قال سعد السعدي، عضو المكتب السياسي لعصائب أهل الحق، إن أعضاء مجلس النواب التابعين للميليشيات اشترطوا دعمهم لحكومة الكاظمي باستعداده “لتنفيذ قرار مجلس النواب القاضي بطرد أفراد الجيش الأمريكي” من العراق. كما أن السعدي ادعى كذلك أن الكاظمي قبل هذا الشرط. وأكد محمد الغبان، رئيس الكتلة البرلمانية لائتلاف الفتح، رواية السعدي.
من الجدير بالملاحظة أيضًأ أن الكاظمي يبدو قد قبل الشرط المعاكس الذي يطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق. في 16 أبريل/نيسان، كشف سركو آزاد كلالي، من برلمان إقليم كردستان، أن الكاظمي قد شارك قبل ترشيحه في مفاوضات مكثفة مع رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني (من الحزب الديمقراطي الكردستاني) ولاهور طالباني، الرئيس المشارك للاتحاد الوطني لكردستان. وبالنسبة لكلالي، أعرب قادة الأكراد عن معارضتهم لانسحاب الجيش الأمريكي من العراق، قائلين “يعتقد الأكراد أن الولايات المتحدة تتزعم التحالف ضد تنظيم داعش [الدولة الإسلامية في العراق والشام]. ففي الوقت الذي لا يزال خطر داعش موجودًا في أجزاء معينة من العراق وإقليم كردستان، يجب الحفاظ على التحالف”.
لن يكون بمقدور الكاظمي التوفيق بين المطالب الأساسية التي لا يمكن التوفيق بينها فيما يتعلق باحتكار الحكومة للحيازة القانونية للأسلحة النارية، وبين تلك الخاصة بممثلي الميليشيات الشيعية وحكومة إقليم كردستان بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وبالتالي، فمن المرجح أن يستخدم الكاظمي تشكيلة الحكومة كأداة رئيسية لاستقطاب الدعم البرلماني، ويبدو أنه قد حقق تقدمًا كبيرًا في هذا الاتجاه.
في 13 أبريل/نيسان، نقلت شبكة الأخبار الكردية، رووداو (Rudaw)، عن مصدر لم يتم الكشف عن اسمه، مدعيًا أن هادي الأميري من ائتلاف الفتح قام باستضافة مجموعة من قادة الشيعة السياسيين، بمن فيهم عمار الحكيم من حركة الحكمة، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي من ائتلاف النصر، ونصار الربيعي من التيار الصدري “سائرون”. ويذكر أن الجميع اتفقوا على منح الكاظمي “الضوء الأخضر” لتشكيل الحكومة “مع الأخذ في الحسبان توازن القوى بين الجماعات السياسية”. وقد حث غايب العميري من “سائرون” وأعضاء آخرون في الكتلة الشيعية، منذ ذلك الحين، أعضاء مجلس النواب من السنة والأكراد على أن يحذوا حذوهم بدلاً من المطالبة بالمحاصصة.
بحلول 16 أبريل/نيسان، كان واضحًا أن الأحزاب الشيعية لم تمنح الكاظمي “الضوء الأخضر” لتشكيل الحكومة، وإنما حاولت التفاوض معه بشأن حصتها في الحكومة. وبحسب رياض التميمي من ائتلاف النصر، سوف يحصل “سائرون” و”ائتلاف الفتح” على ثلاثة مناصب وزارية لكلٍ منهما. وسيعطى ائتلاف النصر منصبين وزاريين، في حين ستحصل “دولة القانون” و”حركة الحكمة” على منصب واحد لكلٍ منهما. في تحليله للتطورات السياسية في بغداد بتاريخ 19 أبريل/نيسان، كشف فرهاد علاء الدين، المستشار السياسي السابق للرئيس برهم صالح، أن “سائرون” وائتلاف الفتح يطالبان بتعيين الوزراء الذين يمثلون حصتهم في الحكومة بأنفسهم.
وبالنسبة لحنين قدو من ائتلاف الفتح، فإن الفصيل السني يطالب بستة مناصب وزارية. وزعم قدو أيضًا أن الجماعات الكردية “تطرح مطالب من شأنها أن تقوض [حرية عمل رئيس الوزراء المكلف]”. لم يُعرف بعد ما هي هذه المطالب “المقوِّضة”، ولكن في 16 أبريل/نيسان، قال عماد باجلان من الحزب الديمقراطي الكردستاني إنه يجب على الكاظمي اختيار وزراء حكومته من الأكراد “بالتشاور مع السلطات القانونية لحكومة إقليم كردستان”. وأشار البارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، في خطاب ألقاه في 19 أبريل/نيسان إلى أن وفدًا يمثل الأحزاب الكردية سيسافر إلى بغداد “للتفاوض حول التصويت [الكردي] [لحكومة الكاظمي] ومطالب إقليم كردستان”. وتقول عالية نصيف، عضو مجلس النواب عن تحالف دولة القانون، إن الكاظمي انصاع لهذا المطلب، وإن كل حزب، سواء كان كرديًا أم غير ذلك، سوف يقوم بتسمية مرشحيه لمجلس الوزراء. ومع ذلك، فقد قال البارزاني إنه يدرك أن توزيع الوزارات على الأكراد “سيبقى كما هو ولكننا لسنا متأكدين من الوزراء”.
وتُفيد بعض التقارير الصحافية أن الكاظمي سيضطر إلى قبول مزيج تقليدي حزبي/عرقي لحكومته من أجل كسب الثقة بالتصويت في مجلس النواب. ووفقًا لهذه التقارير، فإن وزراء الكاظمي الـ 22 المحتملين سوف يكونون 11 من الشيعة وستة من السُنّة وأربعة من الأكراد ووزير واحد إما تركماني أو مسيحي. ونشرت بعض المصادر باللغة الفارسية، نقلًا عن مواقع عراقية، قائمة كاملة لوزراء الحكومة المفترضين في 16 أبريل/نيسان. ومع ذلك، هذه القائمة ليست سوى واحدة من العديد من الشائعات المتداولة في الدوائر السياسية العراقية، واستشهدت مصادر التقرير، الصادر باللغة الفارسية، بمكتب رئيس الوزراء الذي رفض القائمة واعتبرها محض “تكهنات”.
وفي حين ينخرط أعضاء مجلس النواب العراقيون في حملة إعلامية متواصلة لتشكيل الرأي العام، وربما يؤثرون في تشكيل الحكومة، فإن الكاظمي نفسه يدلي ببعض التصريحات العلنية. وبالرغم من كل الاعتبارات، يأتي الكاظمي من منصب مدير وكالة المخابرات الوطنية العراقية، وقد يكون من المريح له أكثر التفاوض خلف الأبواب المغلقة. ولكن في 18 أبريل/نيسان، غرد على تويتر قائلًا إن تشكيل الحكومة “يجري على قدم وساق ويتقدم بشكل إيجابي”. وزعمت التغريدة نفسها أنه تمكن من التوصل إلى اتفاق مع الجماعات الشيعية والسنية حول اختيار المرشحين لمجلس الوزراء، وهو الآن بانتظار رد من الأحزاب الكردية.
ربما يحرز الكاظمي بالفعل تقدمًا في تشكيل حكومته، وقد يمنحه مجلس النواب الثقة بالتصويت الذي يطمح إليه الكثيرون. ومع ذلك، ومن خلال تجاهله للخلافات السياسية الأساسية بين الكتل البرلمانية ووزرائه، وخاصة إذا فُرضوا عليه جميعًا أو بعضهم، فإن رئيس الوزراء المكلف يخاطر برئاسة حكومة مشلولة.