كانت علاقات العراق مع جيرانه العرب في الخليج مشحونة بالتوترات وسوء الفهم على مدى العقدين الماضيين، لكن الأمور بدأت تتحسن ببطء منذ عام 2018. وقد استفادت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني من التقدم الذي أحرزته الحكومتان العراقيتان السابقتان. في 9 فبراير/شباط، استضاف الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان السوداني في زيارة للإمارات، وهي أول زيارة لرئيس الوزراء العراقي إلى إحدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وأظهرت الدعوة التي وجهها محمد بن زايد شخصيًا إلى السوداني أهمية الزيارة، إلى جانب اهتمام أبوظبي بتوسيع العلاقات مع بغداد. من جانبه، كتب السوداني مقالاً في إحدى الصحف الإماراتية قبيل الزيارة أشار فيه إلى الإمارات كنموذج لإعادة بناء العراق، وشكر أبوظبي على مشاركتها في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ودعم عملية إعادة إعمار العراق بعد انتهاء الصراع. وأصدرت بغداد وأبوظبي عقب الزيارة بيانًا مشتركًا تعهدتا فيه بتعزيز التجارة، وتشجيع الاستثمار الإماراتي في العراق، والتعاون في قضايا المناخ والاستقرار الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، في 18 فبراير/شباط، وقع العراق مع السعودية أول مذكرة تفاهم بينهما منذ 40 عامًا، وتعهد الجانبان بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في الأمور الأمنية.
تاريخ من التوترات
تاريخيًا، كانت علاقة العراق بدول مجلس التعاون الخليجي معقدة، ولم يتم قبول العراق كعضو كامل في المجلس بسبب نظامه السياسي الثوري الاشتراكي، الذي كان يختلف عن الأنظمة الملكية الخليجية، التي تقيم علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، كان العراق منشغلاً بحربه ضد إيران، الأمر الذي حد من قدرته على إعطاء الأولوية للاشتراك مع الأعضاء المؤسسين لمجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فقد مُنح العراق صفة مراقب، وإن ذلك قد أُلغي عقب غزو العراق للكويت. وبالرغم من ذلك، كانت دول مجلس التعاون الخليجي تنظر للعراق باعتباره الحصن الحصين ضد ما تعتبره أجندة طهران التوسعية، ووصولاً إلى الحرب الإيرانية العراقية، ما أدى إلى تمويل دول مجلس التعاون لآلة الحرب. وعلى الرغم من كل ذلك، عمل غزو العراق للكويت عام 1990 على قطع العلاقات بين العراق ودول المجلس التعاون، وعزز الاعتقاد لدى دول المجلس بأن العراق القوي عسكريًا يمكن أن يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الإقليمي. بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، وتمكين الأغلبية الشيعية، والذي كان، في نظر دول مجلس التعاون الخليجي، بمثابة تسليم البلاد لمنافسها الإيراني، تضافرت تصورات كلا التهديدين المتعلقين بإيران والعراق معًا لدى دول مجلس التعاون، ما ولَّد مستوى من الحذر تجاه العراق استمر لفترة طويلة على مدى العقدين الماضيين.
بسبب استيائها من نظام الحكم في العراق بعد عام 2003، فكت دول مجلس التعاون الخليجي ارتباطها ببغداد، ولجأت لدعم المنظمات السنية وحكومة إقليم كردستان كقوة موازنة للنفوذ الإيراني المتنامي. يتم الزعم بأن تمويل دول مجلس التعاون، وخاصة السعودية، قد ساهم في ظهور الجماعات السنية المتمردة، التي ساهمت بدورها في زعزعة استقرار البلاد. هذا، إلى جانب الدعم المالي من دول المجلس لنظام صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية، دفع الشيعة، ولا سيما السياسيين الشيعة، إلى النظر إلى دول مجلس التعاون بعين الشك. لكن في كردستان العراق، كان لاستثمار دول مجلس التعاون الخليجي نتائج مختلفة، حيث عمل على تقوية الاقتصاد وعزز العلاقات الدبلوماسية والتجارية القوية بين دول المجلس، بما في ذلك الإمارات والسعودية وقطر، وبين حكومة إقليم كردستان. على أية حال، أدت السياسات الداخلية، وانعدام الثقة وعدم الاستقرار على الصعيد الوطني إلى إحباط أي جهود لتحسين العلاقات بين بغداد ودول المجلس.
كان الظهور الدراماتيكي لتنظيم داعش في عام 2014 سيفًا ذا حدين للعلاقات بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي. فمن ناحية، كان بمثابة ناقوس خطر بشأن الحاجة إلى التعاون وساعد، من الناحية الأخرى، في الإطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي، الذي اعتُبرت سياساته الطائفية سببًا رئيسيًا في ظهور تنظيم داعش، وفي الخلاف بين بغداد ودول المجلس. أصبح حيدر العبادي، الذي كان يُعتقد أنه ليس مقربًا كثيرًا من إيران، ومدعومًا من الولايات المتحدة، رئيسًا للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في أعقاب احتجاجات ضد حكومة المالكي دامت عدة أشهر. ومع ذلك، كان لتهديد تنظيم داعش أثر في تمهيد الطريق أمام طهران لإنشاء شبكة من الوكلاء المسلحين والسياسيين في العراق وسوريا.
أجبرت هذه التطورات السعوديين على إعادة تقييم استراتيجيتهم الإقليمية الشاملة للتصدي للتوسع الإيراني. وخلص صناع القرار في الرياض إلى أن تكاليف فك الارتباط مع العراق كانت باهظة للغاية. كانت السعودية والإمارات على حد سواء على وعي بالتهديد الذي تشكله مجموعات مثل تنظيم داعش. وقد فتحت عملية عزل المالكي فرصة كبيرة أمام الدول الخليجية المجاورة للعراق للابتعاد عن نهجهم التقليدي المتحفظ، والبدء بعملية انخراط حذرة ومجزأة مع العراق. تم اعتماد هذا النهج البطيء بسبب انعدام الثقة برئيس الوزراء الجديد في بغداد. ومع ذلك، ومن خلال اتباعه سياسة إقليمية متوازنة وتعزيز العلاقات مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، أثبت العبادي قوته وثباته. كما عرضت دول المجلس المساعدة الأمنية للعراق، وانضمت إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، ما ساعد على تعزيز الثقة بين الجانبين.
استعادة العلاقات الدبلوماسية
وضع هذا التقارب الحذر الأساس للانخراط مجددًا بين السعودية والعراق. ففي عام 2015، عينت الرياض ثامر السبهان أول سفير لها في بغداد منذ 25 عامًا. لكن تعليقات السفير حول دور إيران والميليشيات الشيعية في العراق تسببت في تراجع العلاقات بشكل مؤقت، حيث دعا العراق إلى إقالة السفير. ومع ذلك، وبدعم من الولايات المتحدة، استعادت الدبلوماسية العراقية-السعودية زخمها مرة أخرى بعد أن قامت السعودية باستبدال السبهان في عام 2016.
كما استضافت السعودية والإمارات وفودًا عراقية رفيعة المستوى، بما في ذلك رؤساء وزراء ورؤساء (على الرغم من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان لم يردا الزيارة لبغداد بعد). علاوة على ذلك، ذهب التواصل السعودي والإماراتي لما هو أبعد من الدبلوماسية الرسمية، حيث استضافت كل من الرياض وأبوظبي رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر في عام 2017. وفي عام 2022، استضاف محمد بن سلمان عمار الحكيم، رئيس ائتلاف تيار الحكمة في العراق، والذي يُعتقد أنه من المقربين لطهران. تشير هذه التطورات إلى تحولات في الحسابات السياسية السعودية والإماراتية فيما يتعلق بالعراق حيث أدركوا أهمية منازعة النفوذ السياسي الإيراني في البلاد.
العلاقات العراقية-الإماراتية في الاقتصاد والطاقة
ولتعزيز العلاقات والاستفادة من فرص الاستثمار، انخرطت دول مجلس التعاون الخليجي مع العراق على الصعيد الاقتصادي أيضًا. ركزت الإمارات، بشكل خاص، على مشاريع البنية التحتية في العراق. وعلى الرغم من أن معظم الاستثمارات الإماراتية كانت في البداية في إقليم كردستان، إلا أن تطور العلاقات مع بغداد، وتحسن الظروف الأمنية، شجعا الإمارات على توسيع الاستثمارات تدريجيًا إلى بقية أنحاء البلاد. في عام 2021، وقعت بغداد وأبوظبي اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمار. أعلنت الإمارات أنها سوف تستثمر 3 مليارات دولار كجزء من جهود إعادة الإعمار ما بعد الصراع. علاوة على ذلك، وقعت مجموعة موانئ أبوظبي عقدًا مع الشركة العامة لموانئ العراق لاستكشاف آفاق الاستثمار، وتحسين التعاون في قطاعي المواصلات والبحرية. بالإضافة إلى ذلك، وقعت شركة الطاقة الإماراتية مصدر اتفاقية مع وزارة الكهرباء العراقية لبناء خمسة مشاريع للطاقة الشمسية في العراق كجزء من جهود البلاد لمعالجة نقص الطاقة والتغير المناخي. وأعقب هذه الصفقات اتفاق بين البلدين لحماية الاستثمارات التي يقوم بها كلا البلدين من أي مخاطر غير تجارية، مثل التأميم والمصادرة والحجز القضائي وتجميد الاستثمارات والأصول، الأمر الذي من شأنه أن يقلل المخاطر الإجمالية للاستثمارات. كما أعربت الإمارات عن اهتمامها بدعم الزراعة والسياحة في العراق، حيث وقعت شركة إماراتية للتكنولوجيا الزراعية أول صفقة استثمار زراعي لها مع حكومة إقليم كردستان في عام 2022 لمساعدة المزارعين على استخدام التكنولوجيا لزيادة الإنتاج، وإدارة المياه بكفاءة للري.
في فبراير/شباط، منحت وزارة النفط العراقية ثلاثة عقود، مدتها 20 عامًا، لتطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في محافظتي البصرة وديالى لشركة نفط الهلال، وهي شركة إماراتية تعمل منذ فترة طويلة في إقليم كردستان. وعلاوة على الفرصة الجديدة لتعميق العلاقات الاقتصادية، قد تساهم الاستثمارات الإماراتية في كل من كردستان وبقية أنحاء العراق في حل النزاع طويل الأمد بين أربيل وبغداد حول حقوق تصدير الهيدروكربونات. تعد شركة نفط الهلال أول مشغل للطاقة يمتلك حصصًا في إقليم كردستان، ويُسمح لها بالاستثمار في مناطق أخرى من العراق، وهو تطور غير مسبوق في العلاقات بين شركات النفط العاملة في إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية العراقية، التي اعتادت على إدراجها في القائمة السوداء.
كما يعتبر مشروع شركة نفط الهلال في محافظة ديالى، التي تعد معقل فرقة كبيرة من قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، أيضًا إشارة على أن القوات الموالية لإيران قد تقبل أخيرًا المشاركة الخليجية العربية في العراق لأنها تخدم مصالحها السياسية. من خلال الترحيب بالاستثمارات الأجنبية، يمكن للجماعات التي لها صلات بطهران أن تدحض مزاعم خصمها الصدر بأنها تعرقل الاقتصاد العراقي. مع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق، المقرر انعقادها في نوفمبر/تشرين الثاني، تأمل الفصائل الموالية لإيران أن يُنظر إليها على أنها قادرة على خدمة الشعب.
العلاقات العراقية-السعودية
تم إحراز تقدم بطيء، ولكنه ثابت، في العلاقات السعودية-العراقية في السنوات الأخيرة. أكدت السعودية على زيادة العلاقات الاقتصادية، كجزء من أهداف التنويع لرؤية 2030، وكوسيلة لإرساء الثقة مع العراق. وتبادل المستثمرون السعوديون والعراقيون العديد من الزيارات لاستكشاف فرص للاستثمار. أعلنت السعودية عن أهدافها بتسجيل نحو مئة شركة في العراق. في مارس/آذار، قام رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار العراقية حيدر محمد مكية بزيارة للرياض، حيث شدد في اجتماع مع المسؤولين السعوديين على أهمية “تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع دول المنطقة والدول العالمية، بما في ذلك السعودية.” بالإضافة إلى ذلك، قام مسؤولون سعوديون بزيارة بغداد لتعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية. في فبراير/شباط، التقى وزير الخارجية السعودي بكبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم السوداني، لمناقشة التعاون الاقتصادي والتجارة والتعاون في مبادرات مواجهة تأثيرات التغير المناخي.
شهد معبر عرعر الحدودي ارتفاعًا مطردًا في التجارة بين السعودية والعراق. وفقًا لتقرير وكالة الأنباء السعودية في يناير/كانون الثاني 2022، وصلت التجارة إلى 4.7 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية، حيث تصدر السعودية، بالدرجة الأولى، منتجات الألبان، ويصدر العراق خردة الألمنيوم والصلب. ومع ذلك، لا تزال التجارة مقيدة لأن الشاحنات العراقية والسعودية لا تستطيع دخول أراضي بعضها بعضًا.
يعد مشروع الربط الكهربائي بين السعودية والعراق، والمقرر اكتماله بحلول عام 2024، بمثابة أكبر المشاريع المرتقبة. ومن المتوقع أن تقوم السعودية بتصدير 1 جيجاواط من الكهرباء إلى العراق في المرحلة الأولى من المشروع عبر خط يبلغ طوله 270 ميلًا يمتد من عرعر إلى بغداد. يمكن لمشروع الطاقة المنفصل المخطط له أن يربط العراق بشبكة كهرباء دول مجلس التعاون الخليجي أن يوفر 1.8 جيجاواط من الكهرباء بحلول عام 2025 من محطة الوفرة في الكويت إلى محطة الفاو جنوبي العراق. تقوم الكويت وقطر بتمويل خط مجلس التعاون الخليجي-العراقي بميزانية قدرها 220 مليون دولار، وقامت هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون بتوقيع خمسة عقود في فبراير/شباط مع الشركات القائمة على تنفيذ المشروع. يعد كلا المشروعين جزءًا من الجهود التي يبذلها العراق لتنويع مصادر الطاقة على وجه الخصوص لتخفيف اعتماده الشديد على الغاز الإيراني في توليد الطاقة لتلبية الطلب العام المتزايد.
المضي بالعلاقات للأمام
وضع أسلاف رئيس الوزراء الحالي محمد السوداني الأساس لعلاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع الدول الخليجية المجاورة للعراق، ويبدو الآن أنه مستعد لنقل هذه العلاقات إلى المستوى التالي. يأتِي هذا التقارب كنتيجة لاعتراف جميع الأطراف بأن أحدًا لم يستفد شيئًا من العلاقات العدائية فحسب، وهو أيضًا نتيجة للمطالب المتزايدة للشعب العراقي بحكومة مستقلة ومتجاوبة. عمل الغضب الشعبي ضد الأحزاب السياسية الموالية لإيران، وهتافات المحتجين المعادية لإيران، على إجبار النخبة السياسية الشيعية على تغيير نهجها فيما يتعلق بسياسات الحكم والسياسات الإقليمية. يبدو أن السوداني يستغل هذا الدعم الشعبي، ولذلك تمكن من إظهار بعض الاستقلالية عن الجماعات التي أوصلته للسلطة، وأظهر قدرة على المناورة والحفاظ على سياسة إقليمية متوازنة. على سبيل المثال، عندما استضاف العراق بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم في يناير/كانون الثاني، تحدى السوداني إيران بشأن اسم الكأس، ورفض الاعتذار عن استخدام كلمة “الخليج العربي” بدلاً من “الخليج الفارسي”. كما ألغى رئيس الوزراء متطلبات تأشيرات دخول العراق للمشجعين من دول مجلس التعاون الخليجي لحضور مباريات كرة القدم في البصرة. وقد أتاح هذا الأمر فرصة للتفاعلات الاجتماعية، واعتُبر إجراءً لبناء الثقة بين الجانبين. وفي الوقت ذاته، وقعت حكومة السوداني اتفاقيات بارزة مع كل من الإمارات والسعودية، وهو أمر يشير إلى أن بغداد تدرك أن الحفاظ على علاقات قوية مع دول الخليج العربية المجاورة أمر ضروري للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي على حد سواء.