ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
استؤنفت يوم الخميس في الدوحة، قطر المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق مؤقت يؤدي إلى إجراءات أمنية تخفف القتال – ولكن ليس اتفاق وقف إطلاق نار نهائي-، ويسمح ببدء انسحاب القوات الأمريكية والحليفة التي تحارب تحت لواء حلف شمال الأطلسي(الناتو) منذ 2001. وهذا سيؤدي إلى تخفيض عديد القوات الأمريكية من 14 ألف إلى 8 آلاف عسكري، وإلى انخفاض عدد القوات الأطلسية من 20 ألف جندي إلى 12 ألف جندي. وهذا يعني أن حجم القوات الأجنبية سوف ينخفض إلى ما كان عليه تقريبا عديدها، عندما بدأ الرئيس ترامب ولايته رسميا في كانون الثاني – يناير 2017 . وفي المقابل تتعهد حركة طالبان بقطع علاقاتها بالكامل مع تنظيم القاعدة. وسوف يمهد الاتفاق لمفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان للتوصل إلى اتفاق للمشاركة في السلطة. الجولة التاسعة من المفاوضات المستمرة منذ أشهر، انعقدت بعد يوم من مقتل جنديين أمريكيين، في تطور ذّكر الأمريكيين أن الحرب المستمرة منذ 18 سنة، قد أودت بأرواح 14 جندي أمريكي خلال السنة الراهنة. ويعّبر المسؤولون الأمريكيون ومن بينهم المبعوث الخاص وكبير المفاوضين، السفير السابق زلماي خليل زاد، الأفغاني الأصل والمتخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت، عن تفاؤل حذر بالتوصل إلى مثل هذا الاتفاق. وكان خليل زاد بعد اجتماعه بالرئيس ترامب قبل توجهه إلى قطر، قد غرّد قائلا ” علينا التعجيل بعملية السلام الأفغانية بما في ذلك المفاوضات بين الأفغان أنفسهم” مشيرا إلى أن ” النجاح سوف يضع الأفغان في موقع أقوى لالحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية” في أفغانستان، والتي أصبحت العدو المشترك لأمريكا والحكومة الأفغانية وقوات طالبان. وكانت “الدولة الإسلامية” قد بدأت نشاطاتها العسكرية والإرهابية في افغانستان في 2014، وهي تضم بضعة آلاف بين مقاتل منظم ونصير. وأعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن تفجير عرس في كابول قبل أيام أدى إلى مقتل 63 مدني.
تفاؤل حذر وشكوك عديدة
هذا التفاؤل الحذر لا يلغي وجود أسئلة وتحفظات وشكوك أمريكية في الكونغرس وخارجه حول جدوى أي اتفاق مع حركة طالبان وما إذا كانت الحركة يمكن أن تقبل بمشاركة حقيقية للسلطة مع الحكومة الأفغانية التي يرأسها أشرف غاني –الذي سيواجه انتخابات في الشهر المقبل- والتي تتهمها طالبان بأنها أداة في يد واشنطن. كما أنه من الصعب قراءة الموقف الحقيقي لباكستان التي تربطها علاقات وثيقة بالطالبان وبحركة حقاني المتطرفة، والتي كانت ولا تزال في موقع يسمح لها بتقويض أي اتفاق إذا رأت أن مصالحها في أفغانستان سوف تتعرض للضرر. وأحد أبرز الهواجس الباكستانية في أفغانستان هو في قيام عدوتها الهند بتوسيع نفوذها في أفغانستان. هذه الهواجس سوف تزداد مع تقدم المفاوضات في أفغانستان، خاصة وأن علاقات باكستان والهند تمر في فترة متأزمة للغاية بسبب الإجراءات الأمنية الهندية في ولاية كشمير المتنازع عليها بين البلدين منذ أواخر أربعينات القرن الماضي.
وتزامنت الجلسة التاسعة للمفاوضات مع تصريحات جديدة للرئيس ترامب أعرب فيها عن إحباطه لأن القوات الأمريكية بعد 18 سنة من القتال تقوم بأعمال “الشرطة”، معتبرا أياها مهمة “مضحكة”. ويكرر الرئيس ترامب موقفه المعروف حول ضرورة إنهاء “الحروب التي لا نهاية لها” وتحديدا حرب أمريكا في أفغانستان، وإلى حد أقل حربها في العراق ومهامها العسكرية في سوريا. وفي ديسمبر- كانون الأول الماضي أعلن ترامب أنه سيبدأ قريبا بتخفيض عديد القوات الأمريكية في أفغانستان بنسبة النصف بشكل مفاجيء وغير مشروط. الإعلان صدم وزارة الدفاع، وكان من بين الأسباب التي دفعت بوزير الدفاع السابق جيمس ماتيس للاستقالة، خاصة وأنه كان يعارض أيضا رغبة ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا. اعلان ترامب الارتجالي، كان تأكيدا إضافيا لحكومة أفغانستان ولحركة طالبان معا أنه يريد سحب القوات الأمريكية باسرع وقت ممكن. والاعتقاد السائد في واشنطن هو أن ترامب يريد سحب معظم إن لم يكن جميع القوات الأمريكية من أفغانستان قبل موعد الانتخابات الرئاسية في أواخر السنة القادمة .
ويرى معارضو الانسحاب السريع في واشنطن ومن بينهم حلفاء ترامب مثل السناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن استعجال ترامب بسحب القوات من افغانستان يعزز من موقع الطالبان التفاوضي. وفي أعقاب التقارير التي تحدثت عن تقدم في المفاوضات، حض غراهام الرئيس ترامب على “التعلم من أخطاء الرئيس أوباما”، وذلك في إشارة ضمنية إلى استعجال أوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق في 2011، الأمر الذي خلق فراغا أمنيا ساعد على بروز تنظيم “الدولة الإسلامية” في 2014 كقوة عسكرية اجتاحت مناطق واسعة في سوريا والعراق بما فيها احتلال الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية. وقال غراهام في تغريدة له إن أي اتفاق سيئ سيعزز من نفوذ الحركات الإسلامية في العالم وقال لترامب ” كن ذكّيا، وخذ وقتك الكافي، واستمع لفريقك لشؤون الأمن القومي”. ويدعو غراهام، وغيره من المسؤولين العسكريين السابقين إلى ابقاء قوة عسكرية أمريكية مضادة للإرهاب بعد التوصل إلى اتفاق نهائي في أفغانستان لحماية الولايات المتحدة من عودة الإرهاب الدولي المتمثل بتنظيم القاعدة و “الدولة الإسلامية” لاستخدام افغانستان لشن هجمات إرهابية دولية.
وكان الجنرال ديفيد بتريوس الذي خدم كقائد للقوات الأمريكية في أفغانستان قد اتخذ موقفا مماثلا حين قال في مقال نشره مؤخرا إن “كلفة ابقاء بضعة آلاف جندي في أفغانستان ستكون بسيطة مقارنة بالثمن الذي ستدفعه بلادنا استراتيجيا واقتصاديا إذا عادت القاعدة و”الدولة الإسلامية” إلى بناء قواعدها الإرهابية” في أفغانستان.
الضوء في نهاية نفق طويل
ولكن حتى المتحفظين على مثل هذا الاتفاق المؤقت يرون أنه إذا تم الالتزام به، وإذا حدث تقدم في المفاوضات بين الحكومة في كابول وطالبان، فإنه يمكن أن يؤدي إلى اتفاق نهائي يأمل الأمريكيون أن يسمح لهم بإبقاء قوات محدودة لمكافحة الإرهاب وتستخدم قاعدة جوية للقيام بمثل هذه المهام. ويرى بعض المحللين أن بروز “الدولة الإسلامية” كعدو مشترك قد يشجع طالبان على التوصل إلى حل. توازن القوى الراهن بين طالبان وحكومة أشرف غاني يظهر أن قوات طالبان تسيطر الآن على أكبر مساحة أرض في افغانستان منذ الإطاحة بطالبان عقب الغزو الأمريكي في 2001. ولكن حكومة غاني لا تزال تسيطر على أكبر المدن في البلاد حيث يعيش 60 بالمئة من السكان. وتدرك حركة طالبان أن أمريكا والدول الأطلسية الأخرى قد تعبت من القتال وتضحياته البشرية والمالية، وتريد نهاية مشّرفة للحرب لا تشمل التخلي عن الحلفاء في أفغانستان. وهناك طروحات أخرى في حال رفض الطالبان بقاء قوات أمريكية بعد الاتفاق النهائي، من بينها تنظيم قوة حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة للإشراف على تطبيق الاتفاق ومساعدة الطرفين على المشاركة في الحكم واعادة الاستقرار النسبي تمهيدا للحصول على مساعدات دولية لإعادة إعمار البلاد.
بعد أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، من الواضح أن واشنطن تسعى إلى حل هو أقل بكثير من الانتصار، فهي تتفاوض اليوم مع القوة السياسية والعسكرية التي أطاحت بها في 2001 والتي تعاملت معها ووصفتها بالحركة الإرهابية. وكل ما تأمل به واشنطن هو أن تقبل طالبان بالمشاركة في حكم أفغانستان بدلا من الهيمنة الكاملة عليها، مع ما يجلبه ذلك من تغييرات اجتماعية وسياسية سلبية تجاه المرأة الافغانية والأقليات الدينية والإثنية الأخرى في البلاد. إضافة إلى ضمانات بحرمان تنظيم القاعدة و “الدولة الإسلامية” من استخدام أفغانستان كقاعدة لشن هجمات إرهابية خارجية. هذا هو الضوء الذي يراه – أو يود أن يراه- المسؤولون الأمريكيون في نهاية هذا النفق الطويل. حروب الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا، أظهرت محدودية القوة العسكرية النظامية لأقوى دولة في العالم في مواجهة تنظيمات عسكرية أقل حجما وعتادا وتقدما تقنيا، وتحارب وفقا لمعايير من الصعب على المجتمعات المتقدمة فهمها أو التأقلم معها ، أو هزيمة هذه التنظيمات دون دفع ثمن باهظ لن تقبل به حكومات ديمقراطية تحاسبها برلماناتها واعلامها ومؤسساتها المنتخبة.