تناقش الفنانة الكويتية الأوكرانية أماني الثويني، من خلال ممارستها الإبداعية متعددة التخصصات، مواضيع التراث والتاريخ والنزعة الاستهلاكية، فضلًا عن الطفولة والطقوس القديمة.
تسعى الفنانة والمصممة ورائدة الأعمال أماني الثويني إلى استكشاف الطرق التي يمكن من خلالها، أو لا يمكن، للدلالات التاريخية التعبير عن حياة الناس المعاصرة. تطرح أماني، التي هي من أصول كويتية وأوكرانية، تساؤلات حول إمكانية استغلال الممارسات التراثية، مثل نسيج السدو الكويتي التقليدي وعلب المهر، لتوصيل معان لها صلة بالحياة اليومية المعاصرة، من خلال أعمالها الفنية مثل القطع المعنقدة والمنسوجة والمطرزة بالإضافة إلى التصاميم المبنية. فتحكي، مثلًا، أعمالها “سورّ ري/فايفل” (SUR.RE/VIVAL) و”ستيجد” و”لاكجيري سفرة” (“STAGED,” and “Luxury Sufra”) قصصًا مألوفة ومحفزة في آن واحد، لتصور تجاربنا اليومية في شكل جديدة.
وقد تم عرض أعمال أماني الفنية على المستوى الدولي في بلدان ومدن عدة، بدءًا من البرازيل ووصولًا إلى بوليفيا وبراج ودبي. وقد أتاحت هذه الأعمال للمشاهدين فرصة التفاعل مع الطقوس والسرديات الخاصة بنظائرهم الخليجيين، وتشجعهم على مقارنتها مع الممارسات المألوفة لديهم في السياقات المختلفة. تهدف أعمال أماني، من خلال الجمع بين مجموعة غنية من المواد والأشكال والألوان والأنماط، إلى التأكيد على تداخل الحياة المعاصرة في التقاليد التاريخية، مثل استخدام أجهزة “آي فون”، لصنع نسيج تقليدي النمط، واستخدام المراجع القرآنية التي تتحدى ممارسات الاستهلاك الحالية.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع أماني، الممثَّلة من قبل معرض “هنّ” للفن المعاصر المعني بالمرأة والخليج، عن تراثها المزدوج، وعن شركة تصميم علب المهر “دزة لاب” (Dazzalab)، والحديث عن عملية استكشاف الوسائل الفنية المختلفة للتعبير عن مواضيع مثل الطفولة والتراث والنزعة الاستهلاكية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرينا قليلًا عن نفسك وكيف أصبحتِ فنانة.
أماني: ولدت وترعرعت في أوكرانيا، وأعتقد أن هذا السبب الأساسي لكوني فنانة. فقد تعرفت، منذ طفولتي، على الرسوم التوضيحية الجميلة والبرامج التلفزيونية والرسوم المتحركة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية. كان المحتوى غنيًا بالفعل وينطوي على تاريخ ثري. أعتقد أيضًا أن مرحلة روضة الأطفال في أوكرانيا كانت لها تأثير كبير علي في تلك الفترة، بسبب تركيزها على الإبداع واللعب والخيال. كنت فنانة منذ صغري، وواصلت اشتغالي بالفن طوال سنوات الدراسة، حتى بعد مجيئي إلى الكويت. كنت أقوم أيضًا بمعارض في المدرسة الثانوية وفي الجامعة. كان العمل الفني حاضرًا باستمرار.
في البداية قمت برسم اللوحات الفنية والرسوم التوضيحية، لكن عملي تطور وتغير مع الوقت، وبدأت أصنع أعمال فنية استخدمت فيها خليط من الوسائط بالإضافة إلى الأعمال التركيبة وذلك أثناء دراستي للحصول على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، كل هذا أثر على الطريقة التي أرى بها الأشياء، وكيف أعبر عن أفكاري. في لندن، قادتني الدراسة للحصول على درجة الماجستير في الفنون الجميلة إلى العمل بالمنسوجات. في أعمالي الحالية، أركز على المنسوجات، كالتركيبات الجدارية الثنائية الأبعاد، لكنني أرسم أيضًا بين الحين والآخر. عملي يحدده الموضوع، على سبيل المثال، كنت أقوم بالكثير من العمل الميداني والبحث في تاريخ المهور والزواج في الكويت، والأشياء المرتبطة بالنزعة الاستهلاكية والرفاهية والشكل والطبقات الاجتماعية، وشعرت أن أفضل تصوير لهذه المواضيع هو استخدام المادة ذاتها أو الوسيلة الفعلية التي أردت التحدث عنها. فالوسيلة هي أيضًا تعبير عن الوقت والتاريخ.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: حدثينا عن عملك الفني “سورّ ري/فايفل”. إلى ماذا يرمي؟ ماذا تمثل أنماط النسيج والرموز المختلفة الموجودة فيه؟
أماني: كنت وما زلت مهتمة بالنسيج التقليدي، وتحديدًا نسج السدو من الكويت ونسج الكليم من تركيا، لذلك بدأت بدراسة الرموز والأشكال التي تم تقديمها في هذه الأعمال المنسوجة. تروي هذه الرموز حكايات النساجين من ذلك الوقت، وتمثل ما عاشوه وما شاهدوه من حولهم كالمناظر الطبيعية بالإضافة إلى تصوير تقاليدهم. ما هو مثير للاهتمام حقاً أننا ما زلنا نعتمد على الرموز القديمة التي لا تمثل عصرنا بالرغم من الحياة الحديثة وتجاربها. أعتقد أن دورنا كفنانين ومصممين هو إعادة تشكيل هذه التقاليد، وإعادة التفكير في كيفية تصوير التجربة التي نعيشها باستخدام هذه الرموز. على سبيل المثال، صنعت عوامة مرتبطة بمجمع “الصوابر”، وهو معلم معماري تاريخي يتم هدمه في الكويت حاليًا. يتحدث هذا العمل، على نطاق واسع، عن ثقافة النفايات، وكيف يتم استبدال الأشياء بسهولة تامة، مثل تعاملنا، إلى حد كبير، مع العناصر الاستهلاكية.
تمثل أشكال العوامات فكرة أهمية الاحتفاظ بالتقاليد، بما أن الاهتمام بالنسيج بات يتضائل شيئًا فشيئًا. مع أن هناك الكثير من النساجين الأكبر سنًا الذين يعملون على تعليم الأجيال الشابة، لا نجد الجميع يرغب في الحفاظ على هذا التقليد. أما بالنسبة للاسم، فهو يشير إلى البقاء والإحياء. لقد جمعت بين الكلمتين لأننا بحاجة إلى إحياء عملية التعبير عن الرموز.
أماني: بدأت العمل على “ستايجد” خلال فترة التدريب في مركز الشيخ عبد الله السالم الثقافي في الكويت. هناك كنت أنظر إلى لوحات المنمنمات الإسلامية، التي كانت مصدر إلهام لخلق هذا العمل، وقد أردت أن أعرض في اللوحة مشاهد سردية متزامنة. تنطوي اللوحة على عدة مشاهد، خارج المكان الذي يقام فيه حفل الزفاف، وداخل الغرفة التي تستعد فيها العروس للزفاف، وحلبة الرقص حيث تجلس العروس والجميع ينظر إليها. من المثير للاهتمام جدًا كيف ينظمون حفلات الزفاف في الخليج، فهي حرفيًا مسرح تم إعداده مع مقاعد مستوية تطل على حلبة الرقص.
أردت أن أثير أسئلة حول هذا الموضوع، وأن أركز على من هم الأشخاص المهمين في حفلات الزفاف هذه أو النجوم، أي من هم وراء الكواليس والمساعدون والذين يصممون الحفل بأكمله، ومن يقدمون الطعام والشراب. أردت أن أقلب أهمية الأدوار رأسًا على عقب. لذلك، صورت كل الضيوف بالأبيض والأسود، والذين يعملون خلف الكواليس باللون الذهبي، ليكونوا محور العمل. كما تظهر اللوحة عادة شائعة لدى الكثير من الأشخاص، حيث ينشرون كل شيء على وسائل التواصل الاجتماعي، ويلتقطون الصور لوضعها على تطبيق سناب شات، أو صور أحذيتهم وملابسهم الجميلة دون أن يظهروا الوجه. كل هذه الأمور يمكن أن تكون ممتعة وفكاهية، ولكنها في نفس الوقت تشير إلى ظاهرة شائعة وبالغة الأهمية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أنت تعملين أيضًا على تطوير مشروع التصميم الخاصة بك “دزة لاب”. ما علاقة هذا المشروع بعملك الفني؟
أماني: كنت أقوم، خلال فترة دراسة الماجيستير، بأبحاث عن علب المهر، وكيف تحولت ثقافة المهر ماديًا منذ عام 1960، نتيجة لازدياد التجارة بين الكويت والهند واستيراد المواد الجديدة. بعد ذلك قمت بترجمة هذه الفكرة إلى قطع فنية تمثل لحظات مختلفة في التاريخ. سألني مشرفي الأكاديمي في إحدى محادثاتي معه، “أنت تعرفين السوق الآن، وتعرفين تاريخ هذه الأشياء، لماذا لا تكتبين نقدًا لصناعة المهر الحالية، وكيف يجب تحويلها؟ كما قلتي لي، دورك كفنانة هو تغييرها”.
تحولت ورقتي الأكاديمية، بعد شروعي في كتابة النقد، إلى خطة عمل تجارية، لأن البحث كان مصدر إلهام لي دفعني إلى تطبيق التغييرات التي أردت أن أراها في هذه الصناعة. رأيت الكثير من مشاكل الهدر والإسراف في شراء الأشياء التي يتم التخلص منها بعد الحفل. شئت أن أعود إلى فكرة النفاسة (القيمة)، أي اقتناء الأشياء لقيمتها العاطفية ولجودتها ودورها الوظيفي لتصبح إرثًا ثمينًا، أشياء لا تنتهي مدة صلاحيتها بعد الزفاف. بما أن لدي خبرة في التصميم الداخلي والهندسة المعمارية، قولت في نفسي، “حسنا، سأحاول في هذا الزمر، ولكن ربما كمشروع صغير على الجانب”. عندما عدت إلى الكويت وبدأت في صنع النماذج الأولية، صار المشروع كبيرًا وحاز على شعبية عالية، لدرجة أنه كان لا مفر من أن يصبح عملي الرئيسي، واضطررت إلى توظيف أشخاص بعد بضعة أشهر فقط من بداية المشروع، والآن نحن فريق من ثمانية. وقد أصبح هذا العمل بمثابة بحث يدعم ممارستي الفنية، لأننا نلتقي كل يوم بأشخاص جدد لهم قصص مختلفة، في عالم تتغير فيه الاتجاهات والتصاميم الفنية بشكل دائم. هذا أمر مُلهم للغاية. كما يمنحني الوقت والحرية الكافيين لمواصلة ممارستي الفنية دون التقيد بوظيفة يومية. أشعر أنني سعيدة ومحظوظة حقًا.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هي بعض المشاريع الأخرى التي تعملين عليها حاليًا؟
أماني: واحدة من المشاريع هي سلسلة من الأعمال المتعلقة بالطفولة والنزعة الاستهلاكية، أي نفس المواضيع التي أعمل عليها، ولكن بنهج مختلف. ولأن لدي أطفال، فإنني أحاول الاستعانة بالطفل الموجود داخلي والتفكير في أطفالي، وأيضًا التفكير في الاستعراض الفاحش للثراء من خلال شراء ملابس الأطفال الغالية أو شراء أفضل الألعاب لهم. أستعين أيضًا في عملية الاستكشاف هذه بذكريات الطفولة والحكايات الخيالية في محاولة لاتخاذ نهج أكثر مرَحًا وغرابة. ما زلت في المراحل الأولى من هذا العمل، الذي سيكشف عنه في معرض خاص بي مقرر عقده العام المقبل.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: فيما يتعلق بطفولتك، كيف أثر تراثك الأوكراني والغزو الأخير لأوكرانيا على عملك؟
أماني: لطالما شعرت بأنني دخيلة في كلا المكانين، كويتية جدًا بالنسبة للأوكرانيين، وأوكرانية جدًا بالنسبة للكويتين. لذلك، شعرت دائمًا وكأنني عين مُلاحظة لا يمكن أن تمتزج بسهولة مع العقلية المعتادة في كلا المكانين. في الكويت، لم أندمج في البداية، وعندما تزوجت وتلقيت مهري، كان الأمر غريبا للغاية بالنسبة لي. ولأن أمي أوكرانية، لم تستطع مساعدتي والتحدث عن كيف تسير الأمور عادة. لذلك كان علي أن أسأل عمتي وأصدقائي، وشعرت بالضياع. أعتقد أن هذه المسألة كانت بداية عملي في سلسلة الأعمال المتعلقة بموضوع المهر. أشعر الآن، وبعد الانتهاء من الماجستير والبدء في مشروعي، أنني خبيرة في التقاليد الكويتية.
ولكن بمجرد أن بدأت الحرب في أوكرانيا، بدأت أشعر بعكس ذلك، وما أزال حزينة، لأن أطفالي لن يعرفوا طفولتي وحياتي في أوكرانيا. مدينتي خاركيف مدمرة. كل الذكريات وكل تجارب حياتي هناك تتلاشى وتختفي. لقد أثرت الحرب علي بالتأكيد، ولهذا السبب قمت بأعمال تتكلم عني، وتصورني وأنا أنظر من النافذة على طفولتي وعلى منظر طبيعي ضائع. هذا العمل مؤلف من قطعة معنقدة صنعتها من مادة الصوف. تمثل هذه المادة شعور الطفل بالراحة والأمان في منزله. كانت تلك بداية سلسلة أعمالي، التي طرحت فيها موضوع الطفولة – عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا. شخصيًا، لقد أثرت الحرب، بالطبع، على عائلتي أيضًا، وأبناء عمومتي هم لاجئون الآن. الحرب باتت جزءًا كبيرًا من حياتي، وعاملًا مؤثرًا على عملي، سواء كنت أعي ذلك أم لا، فهي حاضرة في عقلي الباطني.
بصرف النظر عمن سيفوز بمنصب الرئاسة في نوفمبر، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة لاستراتيجية تسمح لها بحماية التجارة الحرة والمفتوحة في البحر الأحمر دون أن تتورط في صراع مفتوح في اليمن.
سوف يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تترجم إسرائيل انتصاراتها العسكرية الواهية إلى حلول سلمية مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب الأخرين، بمن فيهم بقية دول الخليج العربية.
ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيات وسلبيات مهما كانت نتيجة لانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن دول الخليج ستعتمد على ديمومة العلاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.