أي إدارة أمريكية تصل إلى السلطة تكون قد قدمت العديد من الوعود. بعض هذه الوعود تتحول إلى سياسة، في حين يتم تجاهل البعض الآخر ضمن التجاذبات الطبيعية في الحكم. يبدو أن هنالك قليلاً من التباين في الإدارة القادمة للرئيس المنتخب جوزيف بايدن – التي تتألف في الغالب من شخصيات ذات خبرة – فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة إلى دول الخليج العربية. فمن جهة، وعد بايدن “بالعودة إلى الوضع المعتاد“. ومن الجهة الأخرى، كانت حملة بايدن قد وعدت بإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن، وقد عارض الديمقراطيون في الكونجرس مبيعات الأسلحة الأخيرة للإمارات العربية المتحدة. بمجرد وصولهم إلى السلطة، يعدل معظم الرؤساء الوعود الأكثر إثارة في حملاتهم الانتخابية، ومن المرجح جداً أن يكون هذا هو الحال بالنسبة لبايدن. ففي حين ستكون هناك فترة قصيرة للتقييم وتوقف مؤقت في مبيعات الأسلحة الجديدة، إلا أنه من المرجح أن يكون لمواقف إدارة بايدن بشأن مبيعات الأسلحة لحلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الخليج الكثير من الأمور المشتركة مع ترامب وأوباما.
بشكل عام، كان هناك توافق بين الحزبين على مبيعات الأسلحة الأمريكية للشرق الأوسط، وخاصة لدول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، تم الانتهاء من أكبر عملية بيع عسكرية أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة، وهي إعادة رسملة وتحديث أسطول F-15 السعودي، خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. ونتيجة لذلك، تم بيع أحدث الطائرات التي تحلق اليوم فوق اليمن بفضل جهود متواصلة واستثنائية من قبل إدارة أوباما. كما جددت إدارة أوباما مبيعات الأسلحة الأمريكية (ومدفوعات المساعدات العسكرية) لمصر بعد قيام الجنرال عبد الفتاح السيسي بالإطاحة عسكرياً بحكومة الرئيس محمد مرسي، على الرغم من وجود قوانين متنوعة تتطلب تعليق المساعدة الأمنية بعد الانقلابات: ببساطة رفضت إدارة أوباما الإقرار بأن ما حدث كان انقلاباً.
وبدلاً من كونها قضية حزبية بحتة، غالباً ما تميل معارضة مبيعات الأسلحة إلى أن تكون مشكلة بين السلطات الحكومية: يميل الكونجرس (خاصة إذا كان يسيطر عليه حزب مختلف عن حزب الرئيس في البيت الأبيض) لأن يكون أكثر صرامةً تجاه مبيعات الأسلحة. فالمشرعون، الذين يمكنهم انتقاء واختيار القضايا التي يهتمون بالخوض فيها، هم أكثر قدرة على التركيز على قضايا منفردة من الرئيس الذي يجب عليه أن يدير طيف من العلاقات الثنائية برمتها. ونتيجة لذلك، غالباً ما تستخدم السلطة التنفيذية مبيعات الأسلحة كأداة رئيسية للسياسة الخارجية، وتعطيها الأولوية في بعض الأحيان على اعتبارات أخرى، مثل انتهاكات حقوق الإنسان.
تم، في عهد الرئيس دونالد ترامب، انتهاك المواثيق والممارسات المهمة التي تحكم مبيعات الأسلحة الأمريكية. كان هذا النهج يعكس إلى حدٍ ما بعض لهجات حملته الانتخابية. غالباً ما كان ترامب يشير إلى أنه ينظر إلى الإجراءات المعيارية لواشنطن على أنها مشكلة أكثر منها دليلاً، واعداً بإصلاح الحكومة. ومع ذلك، فقد تطور النظام الذي يحكم المبيعات العسكرية للخارج على مر العقود إلى عملية مدروسة تنطوي على تسلسلٍ ومستويات من الإخطار الرسمي للكونجرس، والذي أثبتت أنه يقاوم السلطة التنفيذية (برئاسة أياً من الطرفين) سعياً لاتخاذ إجراءات عاجلة بشأن مبيعات السلاح. وللتحايل على النظام، استفادت إدارة ترامب من أحكام الطوارئ والاجتهاد في قانون مبيعات الأسلحة الأمريكي.
جاء التذرع بحالة الطوارئ في مايو/أيار 2019 لتسريع مسار المبيعات للإمارات والأردن والمملكة بمثابة خروج أساسي عن العُرف. اعتبر الكونجرس الإخطار السريع للمبيعات العسكرية الخارجية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 للمقاتلة [الضاربة المشتركة] والطائرات المسيرة المسلحة للإمارات انتهاكا ثانياً. وفي حين أن الكونجرس لم يتمكن من تجاوز (الفيتو) الذي استخدمه ترامب ضد إجراء يهدف إلى وقف البيع، فقد حصل على أغلبية أصوات الكونجرس. يبقى أن نرى ما إذا كان الديمقراطيون (وبعض الجمهوريين) في الكونجرس ينظرون إلى هذه المشاكل على أنها مشاكل نظامية تستوجب حلاً تشريعياً أو كمشكلة فريدة لإدارة ترامب.
بعض العوامل الأخرى قد تعرقل مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج العربية. يتعلق العامل الأول بالتقارب الاستثنائي بين ترامب وبعض الحكام في العالم العربي، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر. بالنسبة لأعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس، كان يُنظر جزئيًا إلى مهاجمة المبيعات لهذه البلدان على أنها وسيلة لمهاجمة ترامب.
بدأ التدخل الذي تقوده السعودية في الحرب في اليمن بدعم كبير من إدارة أوباما – في الحقيقة، كان الدعم في البداية أكبر مما تقدمه الولايات المتحدة اليوم للتحالف الذي تقوده السعودية. ومع ذلك، وبمجرد تولي ترامب لمنصبه، استدعت حرب اليمن معارضة شبه موحدة من الديمقراطيين في الكونجرس. ويسيطر الديمقراطيون الآن على كلٍ من مجلسي الشيوخ والنواب.
وإضافة إلى ذلك، تشكل حقوق الإنسان في دول الخليج العربية مصدر قلق خطيراً للديمقراطيين – وبعض الجمهوريين في الكونجرس- ولإدارة بايدن القادمة كذلك. ولا يزال مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي واستمرار سَجن لجين الهذلول وسجناء سياسيين آخرين من القضايا الشائكة في العلاقات الأمريكية-السعودية.
من المعروف، أن بايدن ترشح لمنصب الرئاسة معلناً أنه سيوقف كافة الدعم الأمريكي للحرب في اليمن. وأصر النائب رو خانا، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، على أن هذا يعني الوقف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة، والدعم الاستخباراتي واللوجستي للسعودية. ويبقى أن نرى كيف ستخرج الإدارة الجديدة من هذا المأزق، وتضغط من أجل إنهاء الصراع في اليمن مع تجنب الإجراءات التي قد تضر بالعلاقات مع الحلفاء الخليجيين الرئيسيين أو ربما تتسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن. فعلى سبيل المثال، يوفر الدعم الاستخباراتي الأمريكي الكبير للسعودية معلومات عن المواقع المدنية التي يجب تجنبها، لذلك إذا انخفض هذا الدعم، فقد تزيد الخسائر في صفوف المدنيين.
على الرغم من أهمية هذه المخاوف، إلا أنها على الأرجح لا تشير إلى إنهاء مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج العربية. لكنها تعزز ما يحتمل أن يكون توجهاً لدى الإدارة الجديدة للمضي بحذر في هذه القضية.
من المرجح أن يختار بايدن وضع مبيعات الأسلحة للخليج في آخر اهتماماته لعدة أسباب. أولاً، ليس من المرجح أن تكون هناك طلبات كبيرة على الأسلحة تثير الجدل من أياً من دول الخليج في الأشهر الستة الأولى من إدارة بايدن أو نحو تلك المدة. فقد تمت معالجة معظم العناصر الباهظة الثمن التي تريدها دول الخليج خلال إدارة ترامب: ربما تقوم السلطة التنفيذية بتعليق عمليات تحويل الأسلحة (كما حدث مع البحرين ومصر خلال إدارة أوباما)، لكن هذه ستكون جهوداً قصيرة الأجل.
ثانيًا، ستحتاج إدارة بايدن إلى بعض الوقت لتهيئة فريق الأمن القومي لديها ووضع سياسات تجاه المنطقة. ففي حين أن مبيعات السلاح تقع ضمن الصلاحيات الرسمية لوزارة الخارجية، إلا أن وزارة الدفاع بشكل عام هي المحرك والميسر للمبيعات من الناحية العملية. الجنرال لويد أوستن، المرشح لمنصب وزير الدفاع، على اطلاع كبير بالخليج ومخاوفه الأمنية. وبافتراض أنه تولى المنصب، فإن الأمر سيستغرق منه بعض الوقت حتى يشكّل فريقه ويحدد أولوياته. من المرجح أن يكون إرساء استراتيجية عالمية جديدة مع فريق جديد هو القضية الأكثر إلحاحًا لبعض الوقت- وليس مبيعات الأسلحة.
أخيرًا، من غير المرجح أن تقوم دول الخليج نفسها بالضغط من أجل مبيعات أسلحة كبيرة في وقت قريب من إدارة بايدن. فهذه الدول تراقب عن كثب التطورات في واشنطن وتدرك اعتراضات الحزب الديمقراطي على مبيعات الأسلحة السابقة. فلدى حزب بايدن هوامش ضيقة للغاية في كل من مجلسي النواب والشيوخ: من المرجح لقيادة الخليج الحذرة والواقعية أن تكبح جماحها بخصوص أي طلبات أسلحة جديدة وتتجنب الضجة الإعلامية حتى تظهر الديناميكية الجديدة لواشنطن.
تعرف دول الخليج العديد من اللاعبين الجدد في إدارة بايدن وقد عملت معهم. على سبيل المثال، المرشح لمنصب وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية – اللاعب الرئيسي للبنتاجون في العلاقات الثنائية – الذي كان مسؤولاً في وزارة الدفاع عن شؤون الشرق الأوسط لعدة سنوات خلال إدارة أوباما. سوف تكثف دول الخليج من اتصالاتها، وستوظف مجموعات ضغط جديدة تتمتع بصلات أفضل بالإدارة الجديدة لتقييم ما يمكن أن يتغير.
وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تُذكر دول الخليج الولايات المتحدة بأن لديها خيارات بديلة للأسلحة الأمريكية. من المرجح أن يتم شراء بعض الأسلحة الإضافية من أوروبا وروسيا والصين مثل المركبات المدرعة، وأنظمة المدفعية الرخيصة نسبياً، والطائرات غير المقاتلة. تنشر الإمارات حاليًا نظام بانتسير الروسي للدفاع الجوي، وينشر السعوديون مدفع هاوتزر الصيني. وقد تكون هناك إضافات أخرى على ذلك.
عندما تسعى دول الخليج في نهاية المطاف بالفعل لشراء أسلحة أمريكية إضافية، فمن المرجح أن تطلب أنظمة لا تثير الجدل ولا تتعلق بالصراع في اليمن. كانت الذخائر الموجهة بدقة هي محور محاولات الكونجرس لمعاقبة السعوديين والإماراتيين على الحرب في اليمن. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تسعى هذه الدول لشراء أسلحة تتوافق مع أهداف الولايات المتحدة على المدى البعيد المتمثلة في تجهيز دول الخليج العربية لردع إيران: أنظمة الدفاع الجوي، والأنظمة البحرية، وأنظمة دعم الخدمات القتالية.
لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى كان يُنظر لمعارضة الديمقراطيين مبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات، على الأقل بين بعض الديمقراطيين في الكونجرس، على أنها وسيلة لمهاجمة ترامب. ولكن مع انتقال إدارة بايدن من الحملات الانتخابية إلى الحكم، من المرجح أن تتبع نمط الإدارات السابقة، والتحول من بعض تعهدات الحملة الانتخابية المبسطة نسبيًا لأفراد من خارج السلطة والانتقال إلى إدارة العلاقات الثنائية مع مجموعة كاملة من أدوات السياسة، بما في ذلك مبيعات الأسلحة. سرعان ما تكتشف جميع الإدارات – بصرف النظر عن خطابها في الحملة الانتخابية – أن المصالح الأمنية الأمريكية في الخليج تعد مصالح حقيقية بالفعل، ولا يمكن تأمينها دون دعم من الشركاء الإقليميين، بصرف النظر عن الخلافات حول سياسات محددة. من خلال إجراء هذا الانتقال للإدارة الجديدة وضمان تمتعها بالمرونة السياسية التي تحتاجها، ستكون هذه الإدارة بحاجة للعمل عن كثب مع الحلفاء المحتملين في الكونجرس. سيتم اتخاذ بعض المواقف وسيكون هناك الكثير من الخطابات، ولكن في نهاية المطاف – وكما هو الحال في التغييرات لدى الإدارات الأمريكية الأخرى- سيكون أكثر ما يلفت الانتباه هو الاستمرارية وليس التغيير.