استقبلت دول الخليج الشهر الفضيل في ظل إجراءات احترازية صارمة وغير مسبوقة للحد من انتشار فيروس كورونا. على الرغم من محاولة تخفيف القيود في معظم دول الخليج في شهر رمضان، إلا أن حالات الإصابة بالفيروس لاتزال في تزايد. قد نشهد امتداداً لهذه "الطبيعة" الاجتماعية الجديدة إلى عيد الفطر وما بعده.
استقبلت دول الخليج شهر رمضان المبارك في ظل إجراءات احترازية صارمة وغير مسبوقة للحد من انتشار فيروس كورونا. أغلقت المساجد، وألغي الإفطار والسحور الجماعي للأسر والأصدقاء، وعزلت بعض المدن، وأخليت الشوارع والمجمعات.
يكمن جوهر الشهر الفضيل في المناسبات الاجتماعية والممارسات الدينية، وكلاهما تأثر بهذه الإجراءات الاحترازية. أصدر رجال الدين ووزارات الأوقاف الإسلامية فتاوى تدعوا المسلمين إلى الالتزام بالصلاة في منازلهم وسط تصاعد أعداد الإصابات بالوباء. وفي الوقت نفسه، تم تقييد المناسبات الاجتماعية، بل وحظرها بشكل صريح في معظم دول الخليج. ولذلك، تقتصر الحياة الاجتماعية في هذا الشهر الفضيل على التجمعات العائلية من ذوي البيت الواحد، أو التجمعات الافتراضية على الشبكات الالكترونية.
تخفيف القيود
ورغم ذلك، تحاول دول الخليج تخفيف هذه القيود تدريجياً خلال شهر رمضان. رفعت المملكة جزئياً قيود حظر التجوال وإنهاء العزل الصحي على مدينة القطيف. إضافة لذلك، أعادت فتح بعض مراكز التسوق، وسمحت بإقامة صلاة التراويح في الحرمين الشريفين، مع الالتزام بالضوابط الاحترازية. أما الإمارات، فقد أعادت فتح بعض مراكز التسوق والمطاعم، وخفضت ساعات العمل للموظفين العموميين وساعات التعليم عن بعد لطلاب المدارس. وفي سلطنة عمان، سمح فريق العمل الحكومي الخاص بمكافحة الفيروس باستئناف بعض الأنشطة التجارية في مختلف أنحاء البلاد.
قامت البحرين ببث مباشر لصلاة التراويح من مسجد الفاتح لخلق أجواءً روحانية للعائلات في منازلهم. كما أطلقت البحرين مركزًا تجاريًا افتراضيًا –اونلاين – للمحلات التجارية للعمل خلال شهر رمضان، ليستفيد منها الناس وأصحاب المشاريع، كما أعادت فتح بعض المحلات والمجمعات. في الكويت، بدأ رمضان بتخفيف تدريجي للقيود، بما في ذلك فتح جزئي للمحلات في سوق المباركية، والسماح بخدمات توصيل الطعام حتى الساعة الواحدة صباحًا، والأهم من ذلك، أصدر أمير الكويت توجيهاً بإجلاء 40 ألف كويتي من مختلف دول العالم لقضاء رمضان مع عائلاتهم. ولكن بعد تزايد الحالات، فرضت الكويت حظراً كلياً في كل أنحاء البلاد ابتداءً من 11 مارس/آذار.
بالتوازي مع جهود الدول، لعبت الجهات غير الحكومية والأفراد أيضًا دورًا في التخفيف على الناس وسط القيود المفروضة عليهم. في الكويت، سمحت الجمعيات التعاونية بالتسوق عبر الإنترنت، وخدمات التوصيل الممتدة لأوقات السحور. أما في الجانب الديني، عقدت المراكز الإسلامية في السعودية حلقات قرآنية عن بعد وندوات دينية أخرى لتوفير بديل عن المساجد.
أصبحت الندوات الافتراضية عبر الإنترنت والمقابلات (الحية) المباشرة على إنستجرام من قبل المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر شعبية من أي وقت مضى في ليالي رمضان. حتى أن شركات الاتصالات أطلقت ندوات ومقابلات افتراضية لإبقاء الناس على تواصل.
ومع ذلك، ما يزال الناس يفتقدون فرحة التجمعات الرمضانية. في استطلاع أجرته صحيفة الخليج اليومية الإلكترونية حول تجربة الناس في الشهر الفضيل، أعربت الأغلبية عن توقهم لتناول الإفطار الجماعي وزيارة المساجد.
التكيف مع الأعراف الاجتماعية الجديدة
من الصعب تخيل شهر رمضان المبارك بدون المناسبات الاجتماعية المرتبطة به، مثل القرقيعان (وهو تقليد سنوي منتشر في دول الخليج والعراق، يتم الاحتفال به في منتصف شهر رمضان حيث يطوف الأطفال الشوارع مرتدين أزياء شعبية، وتوزع عليهم الحلوى)، والغبقات (وهى عادة رمضانية في الكويت، حيث تعد مائدة طعام في الوقت ما بين الإفطار والسحور لتجميع أفراد العائلة أو الأصدقاء)، والمجالس والديوانيات والإفطار الجماعي وتبادل الطعام مع الجيران.
يقول المؤثر النحوي، مهندس من مسقط، “أصبحت التجمعات الافتراضية الطبيعة الاجتماعية الجديدة”. “صلة الرحم، وهي واجبة في الإسلام وتُحَبذ بالشهر الفضيل، اختفت من أجل سلامة مجتمعنا، وهذا أكثر شيء أفتقده”. في الدول التي تفرض قيوداً أشد، مثل الحظر الكلي، تأثرت الحياة الاجتماعية بشكل ملحوظ أكثر حتى بين الأقارب في العائلة الواحدة.
تقول حنان السريٌع، وهي أم لستة أبناء في الكويت، “إن عدم رؤية ابنتي المتزوجتين مع أحفادي لمدة شهر أصبح أمراً عادياً”. وتضيف “ابنتي الأخرى في الحجر الصحي لمدة 28 يومًا، وابني الأكبر عالق في الخارج، وصهري يخدم في الخطوط الأمامية، ولم أرهم لأشهر”. ومع ذلك، يعتقد بعض الناس أن المناسبات الاجتماعية هي “التزامات اجتماعية” لا يمكن تجنبها لولا هذه الأزمة. يقول عبد الله التويجري، سعودي من بريدة، “الوضع الحالي هو محنة ومنحة من الله في نفس الوقت”.
التكيف مع الصلاة في العزلة
على الرغم من القيود المفروضة على الصلوات الجماعية في المساجد، يعتقد البعض أن العزلة هي فرصة للتقرب إلى الله، بعيدًا عن الحياة الاجتماعية. يقول مبارك القناعي على تويتر “الحظر فرصة لمزيد من العبادات، بعكس السابق، كنا نلهى بزيارات التهاني والتبريكات واستعراض بعض الشخصيات بالغبقات الباهضة!” أما بعض العوائل فقد كانت مبدعة إلى درجة أنها أعدت مصلاها الخاص في منازلها لإقامة صلاة الجماعة مع الأسرة.
في الإسلام، تعد الصلوات الجماعية مجزية أكثر من الصلوات الفردية. رمضان شهر روحاني لطلب المغفرة من الله. تقول حنان “للمرة الأولى على الإطلاق، بدأنا نصلي التراويح جماعة مع أبنائنا في المنزل”. العوائل الأكثر تديناً تحاول تعويض ما فاتها نتيجة إغلاق المساجد. يقول عبد الله “أصلي في المنزل مع أطفالي، وأقرأ القرآن، ثم أعطيهم دروساً وحلقات قرآنية”. يضيف عبد الله “لكني أفتقد شعور الصلاة الجماعية والأجواء الرمضانية في المساجد”. المساجد ليست مهمة للصلاة الجماعية فحسب، بل هي أيضًا المكان الوحيد الذي يتمكن المسلمون من الاعتكاف (المبيت في المساجد في العشر الأواخر من رمضان) فيه. ومع ذلك، فإن الالتزام بأوامر البقاء في المنزل بهدف الخلوة مع الله وتكريس الوقت للعبادة، يُعد اعتكافا عند بعض الفقهاء.
دعا بعض النشطاء في الكويت الحكومة إلى إعادة النظر في قرار إغلاق المساجد خلال الشهر الفضيل، لعودة صلاة الجماعة مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي. يقول عبد العزيز الهديب “مؤلم أن تُقلِب القنوات الرسمية الخليجية وتراها تبث خطبة الجمعة، بينما نحن متوقفون عن ذلك.”
نتيجة لتزامن رمضان مع مثل هذه الظروف الصعبة، وجد الناس أنفسهم أن لديهم مزيد من وقت الفراغ. يقول المؤثر “لدي المزيد من الوقت لقراءة القرآن ومشاهدة التلفاز وممارسة الرياضة في الهواء الطلق وأستمتع بما بين يدي.” ومع ذلك، في البلدان الأخرى التي تشهد إجراءات أقسى من غيرها، أقامت بعض العائلات صالات رياضية صغيرة في بيوتها. بدأ المدربون المحترفون دورات تدريبية للتمارين الداخلية خلال شهر رمضان لتخفف على الناس وإبقائهم في حالة صحية جيدة. تقول حنان “نقضي وقت فراغنا إما في مشاهدة التلفاز أو قراءة القرآن أو ممارسة التمارين في الصالة الرياضية الصغيرة التي بنيناها أثناء الأزمة”.
تدهور أوضاع العمال المقيميين
بينما يبحث المواطنون والمقيمون ذو الدخل المرتفع عن طرق للاستمتاع بالظروف الراهنة والتكيف معها، فإن المقيمين والعمال المستضعفين من ذوي الدخل المتدني يكافحون فقط من أجل البقاء في الأزمة.
طوال الشهر الفضيل، يعتمد معظم العمال على المساجد المحلية والخيام العامة التي تقدم وجبات إفطار مجانية. أما اليوم، يعيش معظم العمال ذوي الأجور المتدنية في مناطق مكتظة تعد بؤر انتشار الوباء. في الكويت وقطر والسعودية والإمارات، يعيش عدد كبير من العمال ذوي الأجور المتدنية في مناطق تخضع لحجر صحي كاملٍ. لذلك، فإن الجمعيات الخيرية، المسؤولة عن تقديم وجبات الإفطار والغذاء لهم، هي أملهم الوحيد. تم الإبلاغ عن عدة محاولات انتحار في الكويت حتى الأسبوع الأول من رمضان نتيجة الظروف المعيشية المأساوية التي يعيشها هؤلاء، خصوصا بعد انتشار الوباء وإقامة العزل الصحي على مناطقهم. على الرغم من الجهود المبذولة لتأمين الإمدادات الغذائية لتلك المناطق، أصبحت حياة هؤلاء الوافدين أكثر صعوبة.
على الرغم من محاولة تخفيف القيود في معظم دول الخليج في الشهر الفضيل، إلا أن حالات الإصابة بالفيروس لاتزال في تزايد. قد نشهد امتداداً لهذه “الطبيعة” الاجتماعية الجديدة إلى عيد الفطر وما بعده. وقد أعلن مفتي المملكة أن صلاة عيد الفطر لن تقام في المساجد على الأرجح. وأخيراً، لا يزال مواطنو ومقيمو دول الخليج ملتزمون بإرشادات السلطات سائلين الله أن يفرج عنهم كربتهم في هذا الشهر الفضيل وأن ينهي هذا الوباء، على أمل العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الشهر الفضيل.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
بينما تُسرع الحكومات الخليجية في تنفيذ أجندات التنمية المحلية، فإن إيجاد الوظائف المحلية وعائدات الضرائب تعد مؤشرات لقياس مدى النجاح في صنع السياسات الاقتصادية.
إن وقف إطلاق النار بعيد المنال في غزة، والانهيار المحتمل لإمكانية تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، كلها عقبات رئيسية أمام استئناف التقدم في مسار عملية التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.