ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
أظهرت الاحتجاجات الشعبية في إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الصدع بين الدولة ومواطنيها، الذي نجم بشكل أساسي عن الصعوبات الاقتصادية. هذه المصاعب ليست السبب الوحيد في تعميق استياء المواطنين، على الرغم من أنها حالياً أقوى دافع للتوتر الاجتماعي، حيث تسيطر على جميع جوانب الحياة لكثير من السكان. وفي الوقت الذي بقيت فيه المظالم الأخرى، مثل حقوق المرأة والأقليات والحرية السياسية كذلك، دون حل، ويمكن حقيقةً أن تثير الاضطرابات من قبل مجموعات صغيرة لها مصالحها (مثل خريجي الجامعات من الطبقة الوسطى الحضرية)، فإن الفقر ما يزال منتشراً.
على مدار العام الماضي، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض الدخل وارتفاع التضخم المالي، أعرب العديد من كبار المسؤولين في إيران عن مخاوفهم بشأن تزايد مخاطر الانتفاضات في المستقبل القريب، ودعوا إلى تخطيط صارم من قبل النظام لتجنب تصعيد التوترات. كان رد الحكومة بشكل أساسي يقوم على استخدام المزيد من العنف والمراقبة، بدلاً من إيجاد حل عملي لتخفيف الضغط الاقتصادي بشكل مباشر. في مايو/أيار، أكد العميد حسن كرامي، قائد شرطة مكافحة الشغب الإيرانية، أن القوات الخاضعة لقيادته تلقت موارد كبيرة (تدريباً ومعدات)، وأنها “على أُهبة الاستعداد” للرد على أي انتفاضة محتملة.
تم تأسيس شرطة مكافحة الشغب الإيرانية – الوحدة الخاصة – من قبل أكثر القوى موالاةً للثورة الإسلامية في السنوات الأولى، عندما كان آية الله علي خامنئي رئيساً للجمهورية الإسلامية. منذ عام 1999، أصبحت الوحدة الخاصة أكثر وجوه القمع رُعباً أثناء الانتفاضات الشعبية في إيران. ومع ذلك، وفي الكثير من المناسبات، ومنها التظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، كان يتم دعوة قوى أخرى (بما في ذلك قوات حرس الثورة الإسلامية) لمساعدة الوحدة الخاصة. كما حدثت تظاهرات في أعوام 2017 و2018 و2019. وفي كل مرة كان رد الحكومة أكثر وحشية، مع زيادة في عدد القوات التي يتم حشدها لقمع المتظاهرين.
وقد ألمح النظام أن لديه الإرادة لاستخدام القوات الأجنبية، إذا لزم الأمر، لتضييق الخناق على الاضطرابات الشعبية، علماً بأن مثل هذه المخططات لم يتم تأكيدها رسمياً. ومع ذلك، عادت التكهنات إلى الظهور على السطح عندما نشرت وكالات الأنباء المملوكة للحكومة صوراً لقوات حزب الله تساعد حرس الثورة الإسلامية في المناطق المتضررة من الفيضانات في إيران في عام 2018. ونظراً لتزايد التوترات في تلك المناطق، أعرب الناس عن خيبة أملهم خلال زيارات كبار المسؤولين، وكان الجمهور ينظر لتواجد قوات حزب الله على أنه إشارة من الحكومة إلى أنها سوف تستخدم هذه القوات الأجنبية، حسب الضرورة، لقمع الاضطرابات في تلك المناطق وخارجها.
بالإضافة إلى حشد القوات، لجأ النظام لتصعيد العنف والرقابة على المنشقين والصحفيين والعاملين في الجمعيات الخيرية والعمال والنشطاء في مجال حقوق الإنسان. تم اعتقال كيومارس مارزبان، وهو صحفي إيراني في السادسة والعشرين من عمره، وحُكم عليه بالسجن 23 عاماً (بزعم “التعاون مع حكومات أجنبية معادية، وإهانة القيم الإسلامية والثورية المقدسة وإهانة المرشد الأعلى”). كما تم اعتقال نافيد أفكاري، بطل المصارعة السابق البالغ من العمر 27 عاماً، في أعقاب احتجاجات مناهضة للحكومة في 2018، وتم إعدامه في سبتمبر/أيلول، بعد محاكمة شابها الكثير من الانتقادات والغموض، اتُهم فيها بقتل رجل أمن خلال الاحتجاجات. أكد أفكاري، في رسالة بخط يده وعدة تسجيلات صوتية تم تهريبها من السجن، أنه تعرض للتعذيب وأجبر على الاعتراف بالتهمة رغم براءته. وتم اعتقال شارمين ميمندي نجاد – وهو عامل بارز في المجال الخيري، وناقد صريح لسياسات الحكومة (وخاصة تلك المتعلقة بمكافحة المخدرات والفقر في إيران)، ومؤسس إحدى أكثر المنظمات الخيرية شعبيةً في إيران (جمعية الإمام علي الشعبية لإغاثة الطلبة)، (وأودع الحبس الانفرادي بشكل أساسي) – لمدة 129 يوماً من قبل جهاز المخابرات التابع لحرس الثورة الإسلامية دون لائحة اتهام رسمية. تم الإفراج عنه بكفالة بسبب تدهور وضعه الصحي. وجهت له مذكرة التوقيف تهمة “إهانة المرشد الأعلى”. في تسجيل صوتي تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سُمع وهو يصف القائد الراحل للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بـ “قاتل الأطفال”. جاء اعتقاله بعد عدة أعمال قرصنة لحسابات البريد الإلكتروني لموظفي مؤسسته. وفي الآونة الأخيرة، تم الحكم على مدرس إيراني في طهران بالجلد لقيامه برسم رسوم متحركة لكبار السياسيين. ووجه وزير التعليم اتهامات للمعلم، لكن بعد احتجاج شعبي غاضب على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الحكم، أعلن في تغريدة على تويتر سحب التهم.
تزايدت، في السنوات الأخيرة في إيران، المؤشرات التي توحي باتساع الصدع بين الشعب والنظام، مثل انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، والانتقادات العلنية للحكومة، وتغطية الإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي لخيبة أمل المواطنين وانعدام ثقتهم في النظام الحاكم.
أقر كبار المسؤولين مؤخراً بتزايد خطر الاضطرابات الشعبية في إيران، واتخذوا إجراءات احترازية لتقليل مثل هذه المخاطر. وأقيمت جنازة لأشهر الموسيقيين الإيرانيين والأكثر انتقاداً للحكومة محمد رضا شجريان في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد في ظل إجراءات أمنية مشددة. ولمنع التجمهر، فرضت الحكومة قيوداً على السفر الجوي إلى مشهد، وأغلقت الطرق الرئيسية في المدينة.
عدا عن هذه الإجراءات الأمنية، لم تقدم الحكومة أي حلول واضحة لمعالجة الأسباب الرئيسية للاستياء، مثل الفقر المتزايد، وتلقي باللائمة بشكل متكرر على العوامل الخارجية في الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. في سبتمبر/أيلول، اتهم الرئيس حسن روحاني علناً الإدارة الأمريكية بأنها “سبب كل الجرائم ضد الأمة الإيرانية”، وقال إنه “إذا أراد الناس أن يلعنوا شخصاً ما” بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فعليهم أن يلعنوا البيت الأبيض (وليس الحكومة الإيرانية).
سَلّطت النسبة المنخفضة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية الإيرانية في فبراير/شباط الضوء على استياء المواطنين من الحكومة. ومنذ الانتخابات الأخيرة، انتشرت النقاشات بين مؤيدي الجمهورية الإسلامية ومعارضيها على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المسموع. ويشارك منتقدو الحكومة علناً شعورهم بخيبة الأمل من هذه الحكومة، ويطالبون بمقاطعة وطنية لجميع الانتخابات التي تجريها الجمهورية الإسلامية. وفي حين أن مؤيدي الحكومة (مثل المجموعات ذات المصالح الاقتصادية المستفيدة من الآليات الحالية لتوزيع الريع، والمؤيدين الأيديولوجيين للجمهورية الإسلامية بصفتهم حُماة الإسلام السياسي الشيعي؛ وأولئك الذين يعتقدون أن تغيير البنية السياسية الحالية سيؤدي إلى عدم الاستقرار في البلاد) يعبرون عن أهمية المشاركة في الانتخابات.
ستكون الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر إجراؤها في يونيو/حزيران 2021، حدثاً سياسياً مهماً يمكن أن يكشف المزيد عن عمق هذا الصدع. إن تزايد الصعوبات الاقتصادية وانتشار الفقر والزيادة في استخدام العنف من قبل الجمهورية الإسلامية سيبقى من المظالم الرئيسية لجزء كبير من السكان، وسوف تبقى هذه القضايا تهيمن على العلاقات بين الدولة والمواطنين في الأشهر التي تسبق الانتخابات. وستكون المشاركة المتدنية للناخبين في الانتخابات الرئاسية مؤشراً على تراجع الثقة في النظام، وتعبيراً واضحاً عن اتساع الفجوة بين الدولة والمواطنين في إيران.