كانت ولا تزال دول مجلس التعاون الخليجي الستة من بين أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية منذ عقود. وقد بلغت قيمة أكبر عقود المبيعات العسكرية الخارجية للحكومة الأمريكية في التاريخ 29 مليار دولار، وكان ذلك لتحديث الطائرات الحربية السعودية من طراز F-15. وتشتري كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر طائرات حربية أمريكية جديدة، فضلًا عن نظام “ثاد” للدفاع الجوي الصاروخي على ارتفاع عال. كما تجري القوات المسلحة الأمريكية مناورات عسكرية مع دول المجلس بشكل منتظم.
ومن النتائج غير المقصودة للخلاف الأخير بين قطر ودول الخليج المجاورة – أي المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين – فرض حظر على جميع المبيعات العسكرية الخارجية لدول المجلس من قبل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر. ومن شأن هذا الإجراء غير الرسمي والذي سوف يُحترم في الأغلب أن يؤثر على كل من دول المجلس بشكل مختلف.
نظام المبيعات العسكرية الخارجية
يعد نظام الحكومة الأمريكية للمبيعات العسكرية الخارجية عملية باهظة التكاليف ومرهقة، مصممة لضمان حصول العميل على مميزات كاملة من ضمن صفقة البيع، وليس السلاح فحسب. فعلى سبيل المثال، يضمن عقد المبيعات العسكرية الخارجية توفير قطع الغيار والكتيبات والتدريب ومتطلبات التشغيل الأخرى على مدى عمر نظام الأسلحة المُباع.
ويجب إخطار الكونغرس رسميًا بجميع صفقات البيع العسكرية الخارجية التي تتجاوز قيمتها 14 مليون دولار، ويحق للكونغرس رفض أي من هذه الصفقات خلال 30 يومًا من إخطاره بها. وفضلًا عن ذلك، اتفقت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على منح مهلة 20 يومًا للإخطار غير الرسمي بعملية البيع المقترحة قبل الإخطار الرسمي. وحتى قبل الإخطار غير الرسمي، يقوم موظفو الشؤون التشريعية في وزارتي الخارجية والدفاع بإطلاع أهم أعضاء الكونغرس أو موظفيهم على عملية البيع المقترحة ويحاولون معالجة أي اعتراضات عليها. ولا يتم المُضي قدمًا في الإخطار غير الرسمي إذا واجه معارضة قوية. ومن الناحية العملية، يمكن أن تتحول المشاورات التي تسبق الإخطار إلى عملية مفتوحة تؤدي غالبًا إلى تأخيرات كبيرة.
وهناك أنظمة للأسلحة المتقدمة، كالطائرات الحربية، لا يمكن بيعها إلا من خلال نظام المبيعات العسكرية الخارجية. وإذا اعترض رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ على صفقة كهذه، لا يمكن لأحد سوى رئيس دولة شديد الحزم أن يستمر في عملية البيع على الرغم من المعارضة. ويصل ذلك إلى ما يسمى “فيتو الجيب”، أي حق النقض غير المباشر، يضعه الرئيس على مشروع قانون يقدم إليه، وذلك بأن يبقيه بدون توقيع، كأن يخفيه في جيبه، إلى ما بعد انتهاء المهلة.
فيتو الجيب
غضبًا من الخلاف القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي، أظهر كوركر عدم رضاه من جميع الجهات وأعلن فرض الحظر على جميع مبيعات الأسلحة لدول المجلس، مما سيمنع تمرير أي اقتراحات مستقبلية للمبيعات العسكرية الخارجية من خلال الكونغرس. وبما أن الحظر غير رسمي، يمكن التنازل عنه إذا اقتنع كوركر بوجود سبب طارئ لذلك، ولكن هذا الأمر غير مؤكد في الوقت الراهن.
من يتحمل الخسارة الأكبر؟
هذا الموقف غير مسبوق، ولا يوجد به رابحون، بل درجات من الخسارة فحسب. ومن المفارقات أن الدول التي قد تتحمل الخسارة الأكبر هي تلك التي تواجه قطر، فهذه الدول لديها صفقات أسلحة قيد النظر ويمكن أن تتأثر بتزايد قلق الكونغرس (وخاصة وسط الديمقراطيين في مجلس الشيوخ) إزاء بيع الأسلحة لبعض دول الخليج العربية.
بدا هذا القلق واضحًا لأقصى درجة في جلسة تصويت مجلس الشيوخ الأخيرة حول الموافقة على نقل الذخائر الموجهة بدقة إلى المملكة العربية السعودية. فعلى الرغم من وجود اعتراضات على هذه الصفقة أثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما، إلا أن المعارضة ازدادت على ما يبدو في جلسة التصويت الأخيرة، حيث اعترض على الصفقة أغلب الديمقراطيين وبعض الجمهوريين. يُعزى هذا التحول في أغلبه إلى الكارثة الإنسانية المقلقة في اليمن، حيث ينتشر وباء الكوليرا وتتناقل وسائل الإعلام صور الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد. كما يتعلق جزء من هذه المعارضة ضد صفقة البيع على الأرجح بمعارضة الديمقراطيين للرئيس دونالد ترامب. ولذلك فمن المرجح أن تزداد المعارضة بدلًا من أن تتضاءل مع مرور الوقت.
ومع أخذ هذا التوجه في الاعتبار، فإن أكثر الدول عرضة للمعاناة من حظر كوركر هي المملكة العربية السعودية، فأغلب صفقات الأسلحة الهائلة التي أعلن عنها أثناء زيارة ترامب للرياض لم يتم إخطار الكونغرس بها. وتعد أغلب المعدات المعنية ضرورية لخطط تحديث القوات المسلحة السعودية، في حين أن صفقة الذخائر الموجهة بدقة التي تبلغ قيمتها 7 مليار دولار وصفقة صيانة طائرات F-15 السعودية التي تبلغ قيمتها 6 مليار دولار ضروريتان لاستمرار الحرب في اليمن. والوقت ليس في صف المملكة في هذه الحالة، فمع استمرار الحرب وتفاقم الوضع الإنساني في اليمن، يرجح أن تزداد معارضة الكونغرس لهذه الصفقات. وقد تجد المملكة أن الصفقات لن تتم أبدًا إن لم يتم عقدها قريبًا.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن البحرين قد تفادت مصيرًا مشابهًا. ففي شهر آذار/مارس، بدأ الإخطار غير الرسمي لبيع 19 طائرة من طراز F-16 إلى البحرين في صفقة تبلغ قيمتها 5 مليار دولار. ولكن الصفقة كانت تنطوي على المجازفة منذ بدايتها، فميزانية الدفاع في البحرين لا تتعدى 1.3 مليار دولار، ولا توجد أي دولة أخرى في العالم تتميز بنفس قلة تعداد السكان والناتج القومي وصغر المساحة مثل البحرين وتستخدم المقاتلات الأسرع من الصوت. كما أن سجل البحرين لحقوق الإنسان يشكل مصدر قلق لبعض أعضاء الكونغرس. لذا فإن الفائدة العسكرية لمثل هذا الأسطول المتميز كان مشكوك في أمرها في أفضل الأحوال. ونظرًا لصغر ميزانية الدفاع في البحرين، فمن المحتمل أن يُطلب من الولايات المتحدة تحمل تكاليف أي تحديثات مستقبلية لهذا الأسطول إذا اكتملت صفقة البيع.
ولحسن حظ البحرين، اعترف كوركر بالإخطار المسبق لهذه الصفقة وبالتالي يرى أنها لن تتأثر بالحظر. ولكن إذا أصر الديمقراطيون في الكونغرس على الاشتباك مع ترامب بشأن سياسته الخاصة ببيع الأسلحة، ستبدو صفقة طائرات F-16 الخاصة بالبحرين مثالًا جيدًا لاتخاذ موقف. فلا توجد حجة مقنعة من ناحية الأمن القومي الأمريكي للاستمرار في هذه الصفقة. كما أن سجل البحرين لحقوق الإنسان قد لفت الانتباه بشكل سلبي في السنوات الأخيرة.
ومن المفارقات أن الدولة الأقل تأثرًا بهذا الحظر هي قطر. فالجيش القطري صغير جدًا، ومُتخم بحاملي الرتب العالية، وتبلغ نسبة الضباط في قواته 10 في المائة. كما أن هناك عدد محدود من القطريين يحظون بالتدريب الكافي لاستقبال الأسلحة المتقدمة الجديدة ودمجها وتشغيلها. وقد تمت الموافقة على إخطار الكونغرس بصفقة طائرات F-15 ونظام “ثاد” الخاصة بقطر قبل فرض حظر كوركر، ولكن الجيش القطري الصغير سيواجه تحدي استخدام هذه الأسلحة والأنظمة الأخرى التي سبق أن حصلت على الموافقة. وببساطة فإن الأنظمة الجديدة غير ضرورية للاحتياجات القطرية.
الطريق المقبل
مع استمرار الوضع الخليجي المعقد، تقل فرص تحقيق أي من الجانبين لجميع أهدافه. فلا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتوقف عن تحديث نظم دفاعها إلى أجل غير مسمى بسبب مشاحنات داخلية. ولا يُمهِل الوقت، ولا تحوّل التيار، ولا التهديدات الأمنية في الشرق الأوسط أحدًا.
د.ب. دي روش زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن ويشغل منصب زميل عسكري في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية في جامعة الدفاع الوطنية الأمريكية. هذه الملاحظات لا تمثل آراء الحكومة الأمريكية في أي من فروعها.