ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يجد الشرق الأوسط نفسه في لحظة تغير عميق. وتدعونا التحولات الجارية بما تحمله من مغزى لمقارنتها بالعصر الذي تشكل فيه المشهد السياسي في الشرق الأوسط الحديث. لقد كان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وأحداث الربيع العربي في الأعوام 2010- 2011 نقاط تحول رئيسية. ففي أعقابها، انحسرت مراكز السلطة التقليدية مثل بغداد والقاهرة ودمشق نحو الداخل لمواجهة الحروب والثورات والإرهاب.
لقد رفع هذا الفراغ، الذي تفاقم بسبب تراجع القيادة الأمريكية التقليدية، من دور الدول العربية الخليجية الحازمة مؤخرًا. حيث بدأت، استنادًا إلى ثرواتها واستقرارها النسبي وجيلها الجديد من القادة الديناميكيين، بممارسة نفوذ غير مسبوق. لقد وقعت فرصة –أو عبء- القيادة الإقليمية على دول الخليج العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وعلى قطر والكويت في بعض الجوانب. وبالتالي، فإن مجموعة معقدة من التحديات المتداخلة تجبر البلدان العربية، وخاصة دول الخليج، على تحديد وتطوير رؤيا لمستقبلها ومستقبل المنطقة ككل.
يواجهنا هذا التغير المثير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن بتحدي إيجاد تحليلات واضحة ومدروسة وفي الوقت المناسب لأهم التطورات دون أن تغيب عن أذهاننا التيارات المستترة. نأمل أننا، من خلال تحديد القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية الرئيسية التي تحرك هذه التغيرات العميقة، سنتمكن من توفير السياق الحيوي لصانعي السياسة في كل من واشنطن والمنطقة.
فيما يلي تلخيص مقتضب للتحديات الرئيسية التي نراها تواجه المنطقة:
- من الناحية الإستراتيجية: صعود إيران كقوة إقليمية، ونمو الانقسامات الطائفية والعرقية والأيديولوجية، والانخفاض النسبي في قوة ونفوذ الولايات المتحدة إقليميًّا وعالميًّا، كلها تثير القلق على نطاق واسع. ولذلك أخذت دول الخليج العربية تزيد من تمسكها بزمام الأمور، كما هو الحال في اليمن. وفي هذا السياق، غالبًا ما توصف التوترات الإقليمية وحتى داخل الدولة الواحدة بأنها طائفية في الأساس. وتبقى الوقائع الطائفية معقدة، فضلا عن أنها لا تشكل خط الصدع الرئيسي في كل الأحوال. وعلاوة على ذلك، تعكس التوترات الجيوسياسية وتنشأ من اعتبارات أخرى عديدة، وخاصة المصالح الوطنية والتنافس على السلطة والموارد، حتى عندما يتم تفسيرها أو فهمها على أساس طائفي أو عرقي. إن فصل العلاقات الطائفية والعرقية داخل المجتمعات العربية وفيما بينها عن المواجهة مع طهران يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاهم مشترك وحيوي للتعايش مع إيران.
- أزمة نظام الدولة العربية: تعاني بعض الدول العربية اختلالاً وظيفيًّا، وتعاني دول أخرى مجموعةً من أوجه القصور الممنهج. ومن أشدها حدة الدور الكبير والخبيث الذي تقوم به الجماعات الإرهابية والميليشيات والجهات الفاعلة غير الحكومية. وقد نمت قوة هذه الجماعات في غياب سلطة الدولة الفعالة في العديد من الحالات، بدءًا بغياب احتكار الدولة الحصري لاستخدام القوة. إن التهديد المستمر الذي يشكله تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام يُنذر بفوضى لا مثيل لها ويمثل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار العديد من الدول العربية ذات الأغلبية السنية، كما أنه يهدد وجود أقليات مثل المسيحيين واليزيديين، والمسلمين الشيعة حيثما كانوا أقلية. وتشكل الميليشيات الشيعية المتطرفة مثل حزب الله وقوات الحشد الشعبي في العراق مصدرًا رئيسيًّا آخر للعنف وزعزعة الاستقرار، وخاصة ضد المسلمين السنة العرب. وسوف يؤدي نزوح الأقليات إلى تغيير طابع المجتمعات العربية التي كانت تقليديًّا مرتاحة نسبيًّا بالرغم من عدم التجانس الديني والثقافي.
- التنافس الفكري والأيديولوجي: الانقسام الأيديولوجي داخل مجلس التعاون الخليجي، وفي العالم العربي على نطاق أوسع، هو الأكثر حدة بالنسبة للتنافس على تشكيل مستقبل الثقافة السياسية العربية السائدة في المنطقة في العقود المقبلة. إن أكثر الأمور المتنازع عليها بشكل خاص هو طبيعة ودور الإسلام السياسي، وخصوصًا الإخوان المسلمين والجماعات المماثلة. إن مواجهة سياسة قطر -إلى جانب المواجهات الأخرى، بما في ذلك الضغط السياسي على حماس في غزة والصراع في لیبیا- ھي أعراض لمواجهة طویلة الأمد على مسار المواقف السیاسیة العربية المعيارية. لكن هذه المنافسة تتقاطع مرارًا وتكرارًا مع طائفة واسعة من المواجهات التي غالبًا ما تكون أيضًا بدافع المصلحة الوطنية، وسياسة القوة، والمعارك على النفوذ والموارد. حتى لو كانت هناك قرارات مقبولة للطرفين بشأن المواجهة بين قطر واللجنة الرباعية للدول التي تعارض سياسات الدوحة أو الصراع في ليبيا، فمن المرجح أن يستمر الصراع من أجل تشكيل وتحديد التوجه السياسي السائد للعالم العربي لسنوات عديدة.
- نظام الحكم: تؤدي الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسكانية والسياسية إلى إعادة تقييم أنظمة الحكم في دول الخليج. وهنالك تحول كبير إلى الجيل الأصغر سنًّا والأكثر تعليمًا وانفتاحا على العالم، ولكنهم كثيرًا ما يشعرون بالإحباط، والحرمان من نواحٍ عديدة. فالنماذج القديمة للمواثيق الاجتماعية لا يمكن تحملها بالنظر إلى هذه التغيرات الاقتصادية والسكانية. ويبدو أن المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، قد شرعت في تجربة جريئة في عملية تحول من أعلى إلى أسفل وتحول متجدد كبديل لحالة الركود والجمود من جهة، والانقلابات الثورية الفوضوية، من أسفل إلى أعلى، والتي زعزعت عددًا من الجمهوريات العربية من جهة أخرى.
- القوى العالمية والإقليمية: في الوقت الذي لا تزال فيه الولايات المتحدة القوة الخارجية الأكثر تأثيرا، فإن روسيا تعود، وخاصة عبر سوريا، لتلعب دورًا استراتيجيًّا رئيسيًّا في الشرق الأوسط. كما تعتبر الصين وأعضاء الاتحاد الأوروبي من كبار اللاعبين الاقتصاديين والدبلوماسيين، وفي بعض الحالات المحدودة، لاعبين استراتيجيين أيضًا. وعلى الصعيد الإقليمي، فإن لكل من إيران وتركيا وإسرائيل مصالحها ودورها المهم في العالم العربي، وكذلك يتزايد دور الأكراد وغيرهم من الجهات الفاعلة الرئيسية غير الحكومية. وتخلق نقاط الضعف والانقسامات والأزمات التي تواجه العديد من المجتمعات والدول العربية فرصًا جديدة للجهات الفاعلة الدولية والجهات الفاعلة الإقليمية غير العربية لتمارس تأثيرها على الشؤون الداخلية للدول العربية.
لم يتم تجاهل أي من هذه القضايا تمامًا في واشنطن والمحادثات الدولية، على الرغم من أن هناك بالتأكيد حاجة لقدر كبير من التحليل الإضافي والبحث الأكاديمي حول العديد من هذه المظاهر. ولكن من خلال ربط النقاط، وتحديد أنماط التحالفات الجديدة أو المتغيرة، والسعي لضمان أن تحليلاتنا ذات سياق أوسع، نأمل في معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تعزيز أهمية منشوراتنا وبرامجنا بشأن دول الخليج العربية ودورها في هذا العصر المحوري للتحول في الشرق الأوسط.