لم تكن تداعيات ما كان متوقعًا أن يكون اجتماعًا ناجحًا لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والدول النفطية غير الأعضاء في منظمة أوبك (أو ما يعرف بـ مجموعة أوبك بلس) في أوائل مارس/آذار مشهدًا جميلًا. فقد تراجعت أسعار النفط بأكثر من الثلث، وخسرت الأسواق الخليجية مجتمعةً 400 مليون دولار، وانخفضت أسهم شركات الطاقة الروسية وشركائها المصرفيين بنسبة 10٪ إلى 25٪. تعمل هذه “المعركة الفاصلة في الطاقة” على زيادة التشنج في الأسواق العالمية، التي تترنح أصلًا جراء انتشار فيروس كورونا في أوروبا والولايات المتحدة.
فيروس كورونا
قد يكون التعنت السعودي-الروسي نتيجة “الانهيار بفعل فيروس كورونا” في الصين. حيث سجلت الصين ثلثي نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2019، وتقلص الطلب الآن بنسبة 20٪ بسبب تأثير فيروس كورونا على النشاط التجاري وإنفاق المستهلكين. وفي هذا الصدد، أدت المنافسة الشرسة بين المملكة العربية السعودية وروسيا، وهما أكبر موردي النفط الخام للصين، ذات السوق المتقلص، إلى تفكك رابطة أوبك بلس، مجموعة المنتجين من داخل منظمة أوبك وخارجها. فقد خفضت، على سبيل المثال، العديد من مصافي النفط الصينية من طلبها على الخام السعودي. كما أن التقييمات المتباينة لقدرة الصين على التعافي من تداعيات فيروس كورونا أعاقت التوصل لاتفاقية جديدة مع أوبك بلس. وفي الوقت الذي ضغطت فيه المملكة العربية السعودية من أجل تخفيضات حادة وسريعة على الإنتاج، فإن روسيا كانت أكثر تفاؤلًا، حيث أشار أحد كبار المسئولين التنفيذيين الروس في مجال النفط إلى أنه “في كل شهرٍ يحدث شيء ما في سوق النفط، وإذا كان لأوبك بلس ردة فعل على التغييرات في كل شهر، فإن هذا سيؤدي فقط إلى عدم الاستقرار في الوضع. لذلك، من الأفضل النظر إلى الحصص، وربما البت بشأنها لاحقا”.
في حقيقة الأمر، كانت المنافسة السعودية-الروسية على السوق الصينية على أشُدها قبل تفشي فيروس كورونا. كانت السعودية، وهي أكبر مزود للصين بالنفط، تصدر بشكل روتيني ما بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما تصدره روسيا من النفط إلى الصين. بين عامي 2015 و2018، حلّت روسيا محل المملكة. ويعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى برنامج الصين للنفط مقابل القروض مع روسيا، واستكمال خط أنابيب نفط مخصص للصين، جعل بكين أقل عرضة لمخاطر واردات النفط المنقول بحرًا. في عام 2019، تنافست الدولتان على المصافي الصينية من أجل الالتزام بتوريد النفط الخام، واستعادت المملكة العربية السعودية الصدارة من روسيا. وقد تم تكرار هذا التنافس أيضًا في أسواق آسيوية أخرى، مثل الهند.
النفط الصخري في الولايات المتحدة
اختلفت السعودية وروسيا أيضاً على كيفية التعامل مع النفط الصخري الأمريكي. ولكونه يشكل ما يقارب ثلثي النفط الأمريكي المُنتج، دفع النفط الصخري الولايات المتحدة للظهور كأكبر منتج للنفط في العالم، وثامن أكبر مصدر للنفط. ووفقًا لتوقعات القائمة، ستؤدي ثورة النفط الصخري بحلول عام 2024 إلى تجاوز الولايات المتحدة لروسيا لتصبح ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، في حين سيتم تخفيض حصة أوبك من إمدادات النفط العالمية إلى 31٪ من أصل 35٪ في عام 2014.
بالنسبة لروسيا، يعد النفط الصخري “بربريًّا” لاعتبارات عديدة. فقد أدى انخفاض أسعار النفط بمقدار ما بين 10 دولارات للبرميل إلى 50 دولاراً للبرميل ما أسفر عن فقدان المليارات من الإيرادات. كما زود النفط الصخري خصم روسيا الجيوسياسي بمزيد من الحرية في المناورة في السياسة الخارجية. في حين كانت الولايات المتحدة تتردد في العمل ضد الدول البترولية لأنها كانت تعتمد على النفط المستورد، إلا أنها الآن تخلصت من الكثير من قيودها. وفي هذا الصدد، ألحقت العقوبات الأمريكية أضرارًا مباشرةً بروسيا، فقدت روسيا حوالي 0.8٪ من إجمالي الناتج المحلي، أو 60 مليار دولار من النمو الاقتصادي على مدى أربع سنوات، ومن مصالحها في إيران وخط أنابيب نورد ستريم 2 (Nord Stream 2). ويحقق النفط الصخري الأمريكي، والغاز أيضًا، تقدمًا في أوروبا، بهدف الوصول إلى 70٪ من النفط الخام الروسي وثلثي مبيعات الغاز. بالنسبة لموسكو، بدا وكأن العمل على إفلاس منتجي النفط الصخري من خلال حرب الأسعار أكثر فاعلية، إذا كان خياراً جذرياً؛ وبالتالي يجب إزالة القيود المفروضة على حدود الإنتاج التي تفرضها أوبك بلس.
في المقابل، يُعتقد أن دول الخليج العربية قد مكنت انتعاش النفط الصخري من خلال الاستثمارات في مصافي النفط الأمريكية، والحصص المباشرة في عمليات استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، واستيراد التكنولوجيا لإنتاج احتياطياتها الخاصة من الغاز.
ردة فعل عنيفة ضد أوبك بلس
لمدة أكثر من عام، صعَّدت مجموعات مختلفة في روسيا من ضغوطها الساعية لإخراج البلاد من رابطة أوبك بلس، ومن هذه المجموعات قادة شركات الطاقة، الحريصون على زيادة الإنتاج، وسرعة تطوير المشاريع الجديدة. بالنسبة للاقتصاديين القوميين، فإن روسيا الآن في وضع مالي أقوى بكثير مما كانت عليه في عام 2016 لتحدي منتجي النفط الصخري دون مساعدة أوبك. مع ميزانيةٍ متوازنةٍ مع سعر النفط عند 42 دولارًا للبرميل واحتياطيات نقدية تفوق ديونها، وحرية تعويم سعر صرف الروبل مقابل الدولار، قد تكون روسيا قادرة على تحمل المزيد من أضرار انهيار أسعار النفط أكثر من المنتجين الآخرين. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، إذا بقي خام برنت دون 40 دولارًا، فإن احتياطيات المملكة الأجنبية المخصصة لتغطية العجز المالي المتزايد قد يتم استنفادها في حوالي خمس سنوات دون أي تعديل على الإنفاق. وهنالك شعور أيضًا بأنه لم تتم ترجمة التعاون مع أوبك إلى فوائد اقتصادية واسعة النطاق لروسيا. مقابل التوقيع مع أوبك بلس، توقعت موسكو أن تزيد دول الخليج من استثماراتها في الاقتصاد الروسي، الذي يعاني من عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة لدول الخليج، فقد كان تدني مستوى امتثال روسيا للتخفيضات التي فرضتها أوبك بلس مصدرًا للتوتر الهادئ. وقد تم وصفها على أنها “مرتبكة” مع التزامات روسيا، خاصة أن السعودية كانت تتحمل عبئًا أكبر بكثير من روسيا من تخفيضات الإنتاج.
مستقبل العلاقات الروسية-الخليجية
تزعزعت العلاقات الروسية-الخليجية جراء فشل اجتماع أوبك بلس. وهدد الجانبان بإغراق السوق بمزيد من النفط، لمعرفة من الذي سيتأثر أولًا من أضرار انخفاض أسعار النفط. إن التعاون في أسواق الطاقة العالمية هو واحدة من ركائز العلاقات الروسية الخليجية. فهنالك أيضًا مصالح مشتركة فيما يتعلق بالتطرف السياسي والصراعات الإقليمية والتجارة والتنمية الاقتصادية. وبالتالي فإن التكهنات بالقطيعة قد تكون سابقة لأوانها. على سبيل المثال، تشير العلاقات الروسية التركية المشحونة بشأن إدلب إلى محاولات روسيا التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا سيتطلب استحسان ودعم دول الخليج.
علاوة على ذلك، 2020 ليست 2016. وقد أثبت منتجو النفط الصخري مرارًا وتكرارًا قدرتهم على الصمود. وقد لا تصمد أكبر المديونيات أمام الجولة الحالية من انخفاض أسعار النفط، لكن يمكن لشركات النفط العالمية الثرية الكبرى أن تكسب في النهاية وتحافظ على بقائها. علاوة على ذلك، ليس من المرجح أن تكون أسعار النفط المنخفضة بمثابة دفعة بسيطة للنمو الاقتصادي. في حين أن ظروف الكساد في الطلب ناتجة جزئيًا عن تفشي فيروس كورونا، فقد بدأ الطلب في بعض الحالات، مثل الصين، بالتباطؤ بالفعل. وبعبارة أخرى، قد يكون لنهج روسيا، القائم على الاعتماد على الذات، تأثير محدود في هذه الظروف. أما بالنسبة لدول الخليج، فإن الكساد طويل الأمد في الطلب العالمي والسفر وإنفاق المستهلكين سوف يتحدى الخطط الموضوعة بعناية للتنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط.
ربما يقع طريق العودة بالنسبة لروسيا ودول الخليج وأوبك بلس على كاهل الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. مستفيدةً من إعلانها للشراكة الاستراتيجية الخليجية الوحيدة مع روسيا، حاولت الإمارات العربية المتحدة تقريب المسافة بين السياسات الروسية والخليجية بشأن سوريا وليبيا. توجهت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، إلى الإمارات العربية المتحدة للتأثير على روسيا لصالح تخفيضات أكبر في الإنتاج. كما يمكن لعُمان أيضًا أن تستفيد من مكانتها الخاصة كوسيط إقليمي. في ظل حقيقة أن المديونية العامة تتجاوز بالفعل أصول صندوق الثروة السيادية، فعمان هي الأقل قدرة من بين دول الخليج على تحمل فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط.
يمكن للإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان أن تستمدا الشجاعة من الرسائل التصالحية من قبل روسيا والمملكة العربية السعودية التي تركت الباب مفتوحًا لاتفاقية مستقبلية مع أوبك بلس. فقد أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمنظمة أوبك بلس باعتبارها آلية “أثبتت وجودها بالفعل كأداة فعالة لضمان الاستقرار على المدى الطويل في أسواق الطاقة العالمية”. وفي خطوة إضافية، أكدت المملكة العربية السعودية أنها لا تنوي “شن أي حروب مع روسيا. على العكس من ذلك، لا تزال روسيا شريكًا مهمًا للغاية للرياض، والطرف الأكثر أهمية في سوق الطاقة”. ولكن، وفي الوقت الذي يتحدث فيه المنتجون عن تكثيف إنتاج النفط، فإن الزمن والمعاناة الاقتصادية سيقرران ما إذا كان تحالف أوبك بلس قابل للتنفيذ.