تعرضت المملكة العربية السعودية في شمالها وجنوبها لهجمات إما انطلاقًا من إيران أو بصواريخ إيرانية، حيث تعرضت عاصمتها مرارًا وتكرارًا لهجمات بالصواريخ الباليستية. لقد خرجت الحرب في اليمن عن نطاق السيطرة لدرجة أن الأمن السعودي أصبح الآن أكثر عرضةً للخطر مما كان عليه في بداية تدخل السعودية في عام 2015. ومع ذلك، في ظل حالة انعدام الأمن المتنامية التي تواجهها السعودية، فقد نفرت معظم الأطراف الغربية التي تكفلت بأمنها وتزويدها بالأسلحة، حيث أصبحت تلك الأطراف تشعر بقلق متزايد بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن، وما تزال غاضبة بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018.
اقترح السياسيون في كندا وألمانيا والمملكة المتحدة، جميعًا، وضع قيود على صادرات الأسلحة إلى السعودية. في الولايات المتحدة، هناك بداية إجماع من الحزبين ضد مبيعات الأسلحة الإضافية للمملكة. حتى أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، اضطر وزير الخارجية أن يتذرع بأحد الأحكام نادرة الاستخدام بشأن مبيعات الطوارئ للحيلولة دون رفض الكونجرس مبيعات الأسلحة الرئيسية للسعودية والإمارات.
كمرشح رئاسي، كان موقف جوزيف بايدن من السعودية سلبيًا على نحوٍ لا لبس فيه. وذكر في مناظرة أنه يعتقد أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمر شخصيًا بقتل خاشقجي، وقال إنه سيوقف مبيعات الأسلحة للمملكة. ولكن كرئيس، غير بايدن من موقفه. وفي حين أنه تجنب الاجتماع أو التحدث مع ولي العهد، إلا أن مسؤوليات المنصب قد عدلت من موقفه بشأن المساعدة الأمنية الأمريكية للسعودية. في غضون الأشهر القليلة الأولى من توليه منصبه، أعلنت إدارة بايدن عن “إعادة ضبط” العلاقات في مسعى لكبح مظاهر السلوك السعودي الأسوأ، وتم تعيين مبعوث خاص للتوسط لإنهاء الحرب في اليمن، ومنع السعودية من إعادة تنظيم أمنها بعيدًا عن الولايات المتحدة من خلال الاستمرار في تزويدها بأسلحة “دفاعية”.
حتى الآن، يبدو أن هذه الرزمة من الإجراءات قد هدأت من روع السعوديين جزئيًا، حتى لو أثارت هذه الإجراءات غضب البعض في حزب الرئيس نفسه. يبدو أن العلاقات الأمريكية-السعودية قد وصلت مستوى من الركود السياسي، وإن كان بشروط يعتبرها السعوديون أقل من مواتية.
المشكلة في الاقتصار على توفير الأسلحة “الدفاعية” فقط تكمن في أن الأوضاع الأمنية السعودية مستمرة في التدهور. لا يوجد في العقيدة العسكرية تمييز بين الأسلحة “الهجومية” و”الدفاعية”، فهذا الوصف يعد سياسيًا أكثر منه عسكريًا. في مارس/آذار، كان هناك هجوم معقد بالطائرات المسيرة والقذائف الصاروخية على منشآت أرامكو في منطقة الظهران، وإطلاق الصواريخ الإيرانية متواصل من مواقع الحوثيين في اليمن على داخل الأراضي السعودية. وهنالك هجمات شبه متواصلة للطائرات المسيرة والصواريخ على جنوب السعودية انطلاقًا من اليمن. صرح تيموثي ليندركينج، مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى اليمن، بأن المملكة قد تعرضت لما يزيد عن 300 هجوم في العام الماضي وحده.
لدى قوات الدفاع السعودية سجل قوي في التغلب على هذه الهجمات – تعد قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي هي الرائدة عالميًا في عمليات اعتراض الصواريخ الباليستية. تم بناء منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية، التي تم استخدامها في اعتراض كل هذه الصواريخ والعديد من الطائرات المسيرة، على مدى جيل كامل، ويعتبرها البعض الفرع الأكثر فاعلية في القوات المسلحة السعودية. وتمكنت قوات الدفاع الجوي السعودية من الدمج بين أنظمة باتريوت الأمريكية واليونانية في عملياتها. من الناحية التكتيكية، قام السعوديون بالفعل بتحسين التجربة الأمريكية لاعتراض الصواريخ، على سبيل المثال، من خلال المطالبة بمشغلين إضافيين لتمييز الأهداف قبل الإطلاق.
لكن تكلفة هذه الفاعلية مرتفعة جدًا، يعد الدفاع الصاروخي – وهو في الواقع إصابة رصاصة تتحرك في السماء بسرعة تفوق سرعة الصوت برصاصة أخرى- مهمة بالغة التكاليف. الاستعارات المستخدمة بشكل متكرر – مثل “الدرع” أو “القبة” – تعتبر مضللة. الدفاعات الصاروخية هي في الواقع دفاعات نقاط، قادرة فقط على الدفاع عن مناطق محدودة ذات أهمية كبرى ضد عدد قليل من الصواريخ القادمة. يكمن النجاح السعودي في إطلاق صاروخين على الأقل من صواريخ باتريوت – الذي يكلف كل منها السعوديين ما يقدر بنحو 3 ملايين إلى 4.3 مليون دولار أمريكي- على كل هدف. ولا تكلف الصواريخ القادمة، وهي على الأغلب إيرانية الصنع، سوى جزء يسير من هذا المبلغ، وتكلف الطائرات المسيرة أقل من ذلك، وربما أقل من 20 ألف دولار. لم يتم تصميم أنظمة الدفاع الجوي، مثل باتريوت، إضافة إلى نظام إس-400 الروسي، لتوفير دفاع مستقل شامل قائم بذاته، ولكن فقط لحماية المنشآت الرئيسية حتى يمكن توجيه ضربة مضادة ضد مواقع الإطلاق المعادية.
أظهرت هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت معالجة النفط في بقيق وخريص، التي نُسبت، على الأغلب، إلى إيران، مشكلة أخرى. تم إطلاق الطائرات المسيرة من شمال المملكة إلى داخل الأراضي السعودية، ثم حولت مسارها لمهاجمة المنشآت من اتجاه لم يكن خاضعًا للرقابة ولا لأنظمة دفاعية. نظرًا لأن الطائرات المسيرة تميل إلى التحليق على ارتفاع منخفض، فربما لم تكن لتُكتشف حتى لو تم توجيه رادارات باتريوت لحماية المصافي من الصواريخ.
كما ذُكر، تكلف الطائرات المسيرة جزءًا يسيرًا مما تكلفه الصواريخ الباليستية – واستخدام نظام باهظ الثمن مثل باتريوت (أو حتى الأنظمة المنافسة الأرخص مثل إس-400) ضد الطائرات المسيرة هو عرض اقتصادي خاسر (على الرغم من أن السعوديين أظهروا حتى الآن القدرة على استيعاب تكاليف نشر منظومة باتريوت). تستخدم القوات الجوية السعودية صواريخ جو-جو متقدمة ومتوسطة المدى وأقل تكلفة، أو صواريخ أمرام ((AMRAAM، للتعامل مع الطائرات المسيرة أثناء طيرانها، لكن هذا عرض مكلف كذلك. يتعامل السعوديون من موقع مَن يتمتع بالقوة المالية، وربما يرون في هذا التبادل (الصواريخ باهظة الثمن مقابل الطائرات المسيرة الرخيصة) أمرًا مقبولاً، ولكن هذا يعني أيضًا أن السعوديين يستهلكون مخزونهم من الصواريخ (التي وفرتها الولايات المتحدة) بسرعة أكبر مما هو مخطط له.
وبالطبع، فإن كل هذه الصواريخ تصنع في الولايات المتحدة وتباع للسعوديين. المشكلة الراهنة هي أن مخزون المملكة من الصواريخ آخذ في النفاد.
في ظاهر الأمر، لا ينبغي أن يشكل هذا مشكلة كبيرة لإدارة بايدن. إذا كان هناك ما يسمى سلاحًا “دفاعيًا”، فإن باتريوت يملأ الفاتورة بالتأكيد – إنه صاروخ أرض-جو، يحتوي الإصدار الأحدث منه (المسمى PAC3) على رأس حربي خامل، وبالتالي لا يمكن تحويله للقيام بأي دور أرض-أرض معقول، وهو في خط الدفاع الأول في مواجهة الهجمات (العشوائية) المتواصلة ضد المدن السعودية، بما في ذلك الهجوم على الرياض في أوائل ديسمبر/كانون الأول. يبدو أن توفير المزيد من صواريخ باتريوت وأمرام ((AMRAAM يقع ضمن هدف بايدن المعلن بتزويد السعودية بأسلحة “دفاعية”.
ومع ذلك، هناك انشقاق كبير في حزب الرئيس في الكونجرس. قام الرئيس في نوفمبر/تشرين الثاني، بإبلاغ الكونجرس عن رغبته في سد النقص في مخزون السعودية من صواريخ أمرام. كان ينبغي أن يكون هذا الأمر سهلاً – فهي صواريخ جو-جو، وبالتالي لم تُستخدم في أي هجمات على اليمن، ومن الواضح أنها تقع ضمن الإطار الذي وضعه الرئيس. لكن معارضي الصفقة قدموا إجراءً بعدم الموافقة (وهذا أمر نادر نسبيًا)، وتمكنوا من إقناع 30 عضوًا في مجلس الشيوخ بالتصويت لصالحه، على الرغم من أن ذلك الدعم لا يكفي لتمرير الإجراء. وفي حين أنه من الممكن أن تكون على الأقل بعض هذه الأصوات المعارضة للصفقة تكتيكية – مع العلم أن الصفقة من المرجح أن يتم إقرارها، فقد اختاروا الاحتكام لقاعدتهم – وهذه تعد سابقة مقلقة.
إذا اتخذ الكونجرس إجراءً بوقف الصفقة، فسوف يتعين عليه تمرير قرار مشترك بعدم الموافقة مع عدد كافٍ من الأصوات لنقض الفيتو الرئاسي المفترض. وهذا ليس مرجحًا. ومع ذلك، فإن احتمال إجراء تصويت في الكونجرس مع خطابات للأعضاء تدين السلوك السعودي في مجموعة متنوعة من المجالات ليس بالأمر الذي سوف يستسيغه السعوديون – ولا البيت الأبيض، في هذا الصدد. قد تستفيد إدارة بايدن من الجدول الزمني المضغوط للكونجرس للتحرك بسرعة للتقدم في الصفقة، على أمل إبقاء أي إجراء خارج الجدول الزمني.
وبصرف النظر عما سبق، فإن معظم معدات وصواريخ باتريوت لا تباع للمملكة من خلال نظام المبيعات العسكرية الخارجية لحكومة الولايات المتحدة، وإنما كمبيعات تجارية. وهذا يعني أنه يتم منح الترخيص للشركة المصدرة – ويصبح بعدها ساري المفعول لمدة تصل إلى أربع سنوات، وبعد ذلك لا يوجد تدقيق روتيني آخر للكونجرس حتى انتهاء صلاحية الترخيص. لذلك، على سبيل المثال، في الأشهر الأخيرة، اشترت المملكة أكثر من 100 صاروخ باتريوت PAC2 (تحمل رأسًا حربيًا متفجرًا، بدلاً من الرأس الخامل كما في PAC3) دون أي إخطار للكونجرس.
يتقدم السعوديون الآن بطلب لسد النقص في مخزونهم من صواريخ باتريوت. من الناحية النظرية، ينبغي أن يكون هذا أيضًا أمرًا سهلاً – من الصعب التفكير في دور هجومي لصواريخ باتريوت مقارنةً بصواريخ أمرام (AMRAAM)- لكن مستوى استياء الكونجرس من المملكة قد ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة. ومع ذلك، فإن هذا سيضر بمصداقية الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها إذا تم تعطيل نظام الدفاع الجوي السعودي الذي كلف عدة مليارات من الدولارات – والذي يتكون من شبكة باهظة الثمن من منصات الإطلاق والرادارات وأنظمة التحكم القتالية ومعدات الدعم – بسبب نقص الصواريخ.
على أي حال، فإن الحل المثالي المرتقب لتحديات الأسلحة في السعودية هو العمل مع جيرانها للتوصل إلى حالة لا تكون فيها بحاجة ماسة للدفاعات الصاروخية. لا تملك الولايات المتحدة بطاريات باتريوت على أهبة الاستعداد للدفاع الداخلي، إذا نجحت المفاوضات اليمنية المتنوعة، فقد تتمكن المملكة من التراجع أيضًا، وستكون بحاجة أقل لاستهلاك الصواريخ.