ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
إن جهود المملكة العربية السعودية الأخيرة للوصول إلى بعض مستويات التقارب مع إيران تمثل تغير في سياسة الحزم الخارجية التي استمرت لعقد من الزمن نحو جارتها الشمالية. لقد ارتفع مستوى التوتر، سابقًا، بسبب حالة عدم الاستقرار الناجمة عن الربيع العربي في 2011، وترافق ذلك مع المخاوف السعودية من التدخل الإيراني، وتأثيرها المتزايد في الحرب الأهلية في سوريا. كما ساهم تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في 2015 في تعزيز سياسة الحزم، والتي دعمها دونالد ترامب خلال فترة رئاسته. إن الأجندة الدبلوماسية لإدارة الرئيس جوزيف بايدن الجديدة قد شجعت الرياض على تخفيف حدة التوتر. وقد بدأ هذا الجهد مع المصالحة الخليجية في أوائل 2021. في أبريل/نيسان تغيرت لهجة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نحو إيران في مقابلة حظيت بمشاهدة واسعة، وبدأ المسؤولون السعوديون والإيرانيون محادثات بشكل هادئ في بغداد في ذلك الشهر. ومع ذلك، وبينما تتبنى القيادة السعودية لغة الدبلوماسية، فإن الخطاب غير الرسمي، داخليًا، لا يزال يعكس الحزم والتشكيك في مواجهة الخصم الإقليمي للمملكة.
تأتي الخطوات الحالية لتخفيف التوتر بعد سنوات من التصعيد المستمر بين السعودية وإيران. في 2016، قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد تزايد التوتر على إثر إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر، ونهب السفارة السعودية من قبل محتجين في طهران ردًا على ذلك. في 2017، وجه محمد بن سلمان انتقادًا شديدًا للمرشد الأعلى في إيران، وهدد بأن السعودية ستمتلك أسلحة نووية في حال نجحت إيران في تطوير سلاحها النووي. ومع ذلك، فقد انتقلت المخاوف السعودية من القدرات النووية الإيرانية إلى صواريخها الباليستية وقواتها العاملة بالوكالة. وما يشكل، بالتحديد، مصدر قلق للسعوديين هو الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل المقاتلين الحوثيين، المدعومين من إيران في اليمن على البنية التحتية للطاقة ومواقع أخرى في المملكة.
إن تنامي النزعة الوطنية في الآونة الأخيرة ساهم في التأثير على الرأي العام السعودي، مما قد شجع على تنامي لهجة عدائية نحو الخصوم الإقليميين في السنوات الأخيرة. وقد ظهرت هذه اللهجة العدائية، بشكل واضح، عند المحللين السعوديين في الصحف التي تملكها الدولة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. إن الآراء التي يعبر عنها المحللون السعوديون لا تخرج عن خط الدولة الرسمي بشكل كبير. لذلك فإن سماح القادة السعوديين بوجود خطاب عدائي غير رسمي، مختلف عن خطاب رسمي يركز على دعم جهود التقارب الوليدة، يُظهر التوجهات المتوازية للدولة، توجه يعزز الدبلوماسية والحوار، والآخر يدعم استمرار الحزم نحو إيران ويشكك في دوافعها.
تنظر وسائل الإعلام السعودية لتزايد التأثير الإقليمي الإيراني كدليل على طموحاتها للهيمنة على المنطقة. كما شدد المعلقون السعوديون على الفروق التاريخية والثقافية كعوامل إضافية تغذي العداء المتزايد لإيران وطموحاتها الإقليمية في الدول العربية المجاورة. أحد المحللين تحدث قائلا، إن إيران ما تزال تحت تأثير “قيمها المتعالية وإرثها الإمبراطوري الاستعماري”، اللذين، حسب ما أشار، لا يزالان يؤثران على نظرتها الاستراتيجية في المنطقة. هذا التوجه التحليلي يتناقض مع النظرة التقليدية في الخطاب الرسمي ووسائل الإعلام في السابق التي سلطت الضوء على الثورة الإيرانية وتبعاتها كسبب رئيسي في تدهور العلاقات بين إيران وجيرانها.
من اللافت للاهتمام، إن المحللين السعوديين قد قللوا من أهمية الانقسام الشيعي-السني، وتحدثوا عن أن الطائفية يجب أن لا تكون عاملاً في تحليل حالة التوتر المستدامة بين السعودية وإيران. هذا الرأي يختلف عن التوجه الديني التقليدي في الخطاب السعودي في الماضي. إن التوجه الجديد لدى القيادة السعودية، وتركيزها على “الإسلام المعتدل”، هو جزء من محاولتها للتخفيف من القيود الاجتماعية وتحسين صورتها في الغرب. وفوق ذلك، مع ضعف تأثير رجال الدين وزيادة الشعور الوطني، يبدو أن هناك تحركًا من القادة السعوديين نحو دمج أكبر للأقلية الشيعية في المملكة. وقد تحول الخطاب السعودي من وصف إيران على أنها منقادة بحكم ديني شيعي، يهدف إلى تصدير الثورة، نحو التركيز على جهود النظام الإيراني لتأسيس عقيدة عسكرية من خلال شبكات الميليشيا والوكلاء التابعين لها.
إن ازدياد وتيرة هجمات الحوثيين انعكس سلبا على الشعور بالأمن في المملكة مما ساهم في ازدياد العداء لإيران. وقد ربط بعض المحللين السعوديين نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران بتصعيد في الضربات من جانب الحوثيين. تحدث أحد كتاب الأعمدة عن أن الهجمات الأخيرة كانت “احتفاء” بفوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الإيرانية. إضافة لذلك، عندما سحبت الولايات المتحدة منظومة صواريخ الباتريوت الدفاعية من السعودية، احتج أحد المعلقين بأن هذا التحرك قد حفز المزيد من هجمات الحوثيين. في حين يدعي القادة الإيرانيون عن سعيهم لحوار وتعايش مشترك مع الجيران الخليجيين، فإن الخطاب غير الرسمي بين المعلقين السعوديين يشير إلى أن التصعيد في هجمات الحوثيين يعكس موقف إيران الحقيقي “مع الجوار العربي، والمملكة على وجه الخصوص”.
مؤخرًا، زاد بعض الكتاب السعوديين في انتقادهم للولايات المتحدة، لأن واشنطن أعادت إحياء المفاوضات مع إيران. ويرى الكثير من المعلقين أن إدارة بايدن تشكل استمرارًا لمرحلة الرئيس الأسبق باراك أوباما في توجهها نحو استراتيجية المماطلة القصوى” لإيران كما قال أحد المحللين. إن المحادثات النووية، المستمرة وغير المباشرة، في فيينا، وسحب الأنظمة المضادة للصواريخ من الشرق الأوسط والقوات الأمريكية من أفغانستان، قد أكدت مخاوف السعودية من تغير في توجه الولايات المتحدة نحو المنطقة. وما زاد المخاوف السعودية هو كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع رئيسي. أشار أحد كتاب الأعمدة إلى أن “الأمريكيون الذين يقلبون اتجاهات المعايير الأخلاقية حسب اتجاه المصالح السياسية والاقتصادية لن يعدموا وسيلة للتعامل مع إبراهيم رئيسي وفق ما يحقق مصالحهم.” كما تحدث المعلقون السعوديون عن أن فوز رئيسي سيزيد من الضغط على الغرب للوصول إلى اتفاق مع إيران، والذي يمكنه أن يقوض أمن السعودية ويعزز التوسع الإيراني الإقليمي.
إن التوجه السعودي المزدوج في التقارب والحزم ليس حصريًا فقط مع إيران، بل تم توظيفه مع خصوم إقليميين آخرين. على الرغم من اتفاقية المصالحة الموقعة في العلا، والتي أنهت الصدع مع قطر، ووصول سفير سعودي جديد مؤخرًا إلى الدوحة، فإن الخطاب الإعلامي غير الرسمي، ما يزال ينظر إلى دور قطر الإقليمي بعين الريبة. وبالمثل، فإن كيفية تعامل السعوديين مع تركيا قد تأرجح بين التوجهين. حيث تدهورت العلاقة مع تركيا بشكل دراماتيكي بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ووصلت إلى أدنى مستوياتها عندما دعا رجال أعمال سعوديون إلى مقاطعة الواردات من تركيا في 2020. إن النجاح في حشد الدعم العام للمقاطعة بطريقة غير رسمية أثبت فائدة خط الحزم. كما إن اهتمام تركيا مؤخرًا بإصلاح العلاقات مع السعودية لم يمنع من نقدها. ومع ذلك، على المستوى الرسمي، فإن القادة السعوديين قد أجروا عدة اتصالات وعقدوا لقاءات مع المسؤولين الأتراك.
إن جهود التقارب الأخيرة مع إيران والخصوم الآخرين هي، جزئيًا، نتيجة لزيادة المخاوف الأمنية الداخلية والضغط الخارجي نحو الحد من التصعيد الإقليمي. بالنسبة للقادة السعوديين، فإنه يتوقع أن تساعد الدبلوماسية على تحسين صورة المملكة، والمساهمة في تقليل التوترات الإقليمية المتفرقة والتركيز على تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي المختلفة. وفي الوقت نفسه، فإن استمرار خطاب الحزم الذي تقوده وسائل الإعلام يشكل رسالة تذكير داخلية لحاجة المملكة لـ “تحسين قدراتها في الدفاع عن نفسها” في منطقة عدائية، ويعزز أيضًا الخطاب الوطني الذي ساعد في بناء الدعم الداخلي لإحداث تغيير في التوجه الديني التقليدي. هذا الخطاب غير الرسمي عن الحزم المتعلق بإيران مقيد بالمخاوف المتزايدة حول نظرة الولايات المتحدة طويلة الأجل إلى المنطقة، خصوصًا في ظل القيادة الديمقراطية الحالية في واشنطن. إن التوجه السعودي المزدوج، المنقسم بين خطابين متوازيين، التقارب والحزم، هو طريقة أمام المملكة لاستكشاف رهاناتها على المستويين الإقليمي والمحلي.