لا نهاية قريبة لأطول حرب عربية-إسرائيلية
سوف يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تترجم إسرائيل انتصاراتها العسكرية الواهية إلى حلول سلمية مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب الأخرين، بمن فيهم بقية دول الخليج العربية.
تعكس هذه المحادثات الجديدة مجموعة واسعة من التطورات الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة.
تبرع اليوم لمساعدة المعهد في توسيع نطاق تحليلاته المنشورة باللغة العربية.
تبرعذكرت التقارير أن المملكة العربية السعودية وإيران عقدتا اجتماعًا دبلوماسيًا هامًا في العراق في مطلع أبريل/نيسان، هذا الاجتماع كان بحد ذاته نتاج سلسلة من الاجتماعات السابقة، التي عقدت على مستويات أدنى. وذكر الجانبان أنهما يخططان لاجتماع لاحقٍ في القريب العاجل. وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو من أشد القادة العرب انتقادًا لإيران، في مقابلة تلفزيونية هامة إن حكومته تسعى لإقامة “علاقات حسنة” مع إيران و”إننا نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع إيران”. وأفادت التقارير أن المحادثات في العراق تركزت حول الوضع في اليمن، لكن ربما يكون تطوير مثل هذا الحوار أكثر أهمية من تفاصيله.
تحركت الإمارات العربية المتحدة، وهي خصم إيران الرئيسي الآخر في الخليج، لأسباب معقدة وخاصة بها، على نحوٍ أسرع وأكثر دراماتيكية لإظهار انفتاح جديد على طهران، وشمل ذلك اجتماع قمة على مستوى وزراء الخارجية، يقال إنه تناول جائحة فيروس كورونا. كان من المرجح دائمًا أن تتحرك السعودية، التي هي أكبر من الإمارات وأقوى بكثير، بشكل أكثر حذرًا، من الصعب اعتبار هذا الانفتاح مفاجأةً أو تراجعًا مفاجئًا. فهناك الكثير من العوامل التي جعلت الرياض تعيد حساباتها فيما يتعلق بالحوار مع طهران.
مهدت السعودية وإيران، على مدى أكثر من عامين، للدخول في مفاوضات حديثة، وتقدمت الدولتان ببطء شديد في هذا الاتجاه. منذ أكثر من عام، بدأت السعودية في طرح مبادرات دبلوماسية هامة تجاه إيران، وإن كانت متواضعة. كان ذلك في خضم حملة “الضغوط القصوى” لإدارة رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب ضد إيران. وكانت هذه المبادرات قد انطلقت على وجه التحديد لأن الحملة العسكرية الإيرانية المتواضعة، التي غالبًا ما يمكن إنكارها، ضد العقوبات الأمريكية، تحت مسمى “المقاومة القصوى”، كانت تقود لتوترات لا يمكن التحكم فيها.
لم تسعَ السعودية لتوريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران، فكيف تتورط في صراع يشمل السعودية نفسها. مثل الإمارات، وإسرائيل وغيرهما، كان لدى السعودية شكوك كبيرة بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة [الاتفاق النووي] لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية. ورحبت الرياض بحملة الضغوط، التي شنها ترامب على إيران، وإصراره على اتفاق جديد يتناول برنامج طهران لتطوير الصواريخ ودعمها لقوات وكلائها في العالم العربي. ومع ذلك، فإن معظم كبار القادة السعوديين يعتقدون أن الصراع الواسع في محيطهم المباشر، والذي من شبه المؤكد أنه سيهدد السعودية نفسها بشكل مباشر، ليس في مصلحتهم.
تعززت هذه المخاوف في أعقاب الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة في 14 سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت شركة أرامكو السعودية، والتي يسود الاعتقاد بأن إيران مسؤولة عنها. لم تفضح هذه الهجمات ضعف السعودية فحسب، ولكن توجيهها الدقيق كان مثيرًا للاهتمام من الناحية التقنية؛ حيث فشلت قلّةٌ من المقذوفات في الوصول إلى أهدافها، واختار المخططون، بذكاء، الأهداف التي يجب ضربها وزمن الضربة من أجل إحداث أكبر قدر ممكن من الأضرار. لذلك يعزى قرار السعودية بالانخراط دبلوماسيًا مع إيران جزئيًا لوجود رغبة حقيقية في تجنب الصراع، ووجود قلق حقيقي من درجة الخطورة التي وصلت إليها التوترات.
هناك عامل أساسي آخر، وهو الشعور المتزايد بأن نفوذ إيران النسبي في المنطقة قد عانى من نكسات كبيرة بسبب العقوبات الأمريكية وغيرها من الضغوط. يظهر من خلال سياق الاتفاق النووي أن قوة طهران في عام 2021، ببساطة، ليست كما كانت عليه في عام 2015، فقد تضرر اقتصادها بشكل كبير، وخسرت العديد من العوامل الحاسمة، ولا سيما فقدانها قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي قُتل في العراق في هجوم بطائرة أمريكية مسيرة في 3 يناير/كانون الثاني 2020. وقد تعرضت إيران في كثير من الأحيان لسلسلة كبيرة من الضربات القوية من قبل إسرائيل، التي يبدو أنها من الناحية الاستخباراتية تخترق إيران بشكل كبير، ولا سيما برنامجها النووي والميليشيات الموالية لها في سوريا والعراق. وفي حين أن إيران لا تزال قوية في هاتين الدولتين العربيتين المتجاورتين، إلا أن موقعها الاستراتيجي والسياسي قد تراجع، إلى حد ما، في سوريا والعراق في السنوات الأخيرة بفعل تزايد الضغوط من القوى الداخلية والخارجية، التي تسعى إلى إضعاف نفوذ طهران. فقد تدهورت إلى حد ما العلاقات الإيرانية-التركية، في حين تشهد العلاقات بين خصمَي إيران الرئيسيين، إسرائيل والإمارات، تقاربًا جزئيًا فيما بينهما من أجل تنسيق معارضتهما لإيران.
هذه التطورات، والكثير غيرها، أقنعت القيادة السعودية بأن التهديدات الإيرانية، وإن كانت هائلة، أقل مما كانت عليه قبل بضع سنوات. لطالما ضغطت إيران علنًا من أجل إجراء مفاوضات مع جيرانها العرب، وتطوير إطار أمني إقليمي واسع. لكن حتى وقت قريب، كان خصوم إيران في الخليج العربي، لا سيما السعودية والإمارات، يخشون من أن ذلك يعني القبول بدور غير منطقي كبير وخطير لإيران في المنطقة. منذ أواخر عام 2019، أصبح الحوار المفتوح مع إيران أقل خطورة.
نتيجة لذلك، وبالإضافة للدبلوماسية الهامة، التي تجري بهدوء وراء الكواليس، أبدت إيران والسعودية اهتمامهما بمحادثات متجددة من خلال مجموعة متنوعة من الرسائل الرمزية العامة. فهناك على وجه الخصوص، مقالتان تدعوان تحديدًا إلى مثل هذا الحوار، وقد اشترك في تأليفهما كل من المتحدث السابق باسم فريق المفاوضات النووية الإيراني، حسين موسويان، المقرب من الفصيل السياسي، الذي يضم الرئيس الإيراني ووزير الخارجية، وعبد العزيز صقر، وهو باحث ومحلل سعودي يتمتع بعلاقات قوية مع الديوان الملكي والملك سلمان بن عبد العزيز. وتحتوي هاتان المقالتان، الأولى في صحيفة النيويورك تايمز في مايو/أيار 2019 والثانية في صحيفة الجارديان في يناير/كانون الثاني، على إشارات قوية لاستعداد كلا الجانبين للتواصل بشكل أكثر انفتاحًا.
هناك عدة نقاط انطلاق واضحة للبدء في حوار سعودي-إيراني. ربما يكون الأمن البحري في مياه الخليج نفسه هو العبء الأقل وطأةً. فكلا البلدين ومعظم حلفائهما المحليين هم من مصدري الطاقة، ويعتمدون على حرية الملاحة والمرور الآمن عبر هذه المياه. كان تركيز إيران على مهاجمة الأهداف البحرية كجزء من “مقاومتها القصوى” ناتجًا عن رغبة طهران في تأكيد حقها، كأمر واقع، في أن تكون جزءًا من إطار الأمن البحري في الخليج. وكانت إيران تشعر بأنها مستبعدة من ذلك، وأرادت إرسال رسالة مفادها أنه، إذا لم تستطع بيع نفطها بسبب العقوبات، فلن يتمكن جيرانها بالتالي من بيع نفطهم أيضًا بسبب إعاقة إيران للأمن البحري. لكن في نهاية المطاف، لدى جميع الأطراف في المنطقة مصلحة حقيقية في حرية الملاحة والتجارة.
تعد الحرب في اليمن كذلك أحد المواضيع التي يمكن التوافق حولها، وهذا ما يفسر تركيز المحادثات الأولية في العراق عليها. ويعد مستوى مشاركة إيران ونفوذها، إلى جانب الحوثيين، موضع خلاف. لكن من الواضح أنه في حين أصبح إنهاء حرب اليمن أولوية رئيسية لكل من السعودية وإدارة الرئيس جوزيف بايدن، فإن مثل هذه النتيجة لن تتعارض بالضرورة مع المصالح الإيرانية. ونظرًا لأن علاقة طهران بالحوثيين ليست وثيقة نسبيًا مقارنة بالاندماج الرأسي، إلى حد ما، للجماعات الأخرى، مثل حزب الله في لبنان أو قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في العراق، فإنه من الممكن معالجة الصراع اليمني ودور إيران دون حدوث مواجهة مباشرة مع العقبة الأكثر استعصاء على الحل في إيجاد تقارب واسع النطاق بين إيران والسعودية، وهي الشبكة التابعة لإيران من الميليشيات الطائفية ما دون الدولة في العالم العربي.
هناك تناقض عميق ما بين هدف إيران المعلن في تطوير إطار أمني إقليمي مع الدول المجاورة، وبين طريقتها الأساسية في إظهار قوتها في دول الجوار – المتمثلة في تشكيل مجموعات من الميليشيات التابعة لها وتوسيعها وتمكينها. في نهاية المطاف، سيتعين على إيران الاختيار ما بين وضع إطار العمل الأمني الإقليمي، الذي يستند على الدولة، والذي تدعي أنها تسعى إليه والعمل على إنجاحه، وبين شبكة الميليشيات التي تعمل على زعزعة الاستقرار في دول مثل سوريا والعراق ولبنان. يكمن هذا التناقض في جوهر التنافس الإيراني-السعودي، وهو جزء أساسي من التنافس على مناطق النفوذ والقوة الإقليمية. لكن معالجة قضايا حاسمة، مثل الأمن البحري وحتى إيجاد حل للحرب اليمنية، قد يكون ممكنًا قبل التمكن من مواجهة هذه الخلافات الجوهرية غير القابلة للاختزال في نهاية المطاف.
أدركت السعودية منذ سنوات أنها عالقة في مستنقع في اليمن. ففي صراعها الدائر شمال البلاد، تراجعت بشكل مطرد تلك القوات السعودية والمقاتلون اليمنيون المحليون الموالون لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في السنوات الأخيرة. ويسعى المتمردون الحوثيون، بجهود حثيثة، للسيطرة على آخر المعاقل الرئيسية للحكومة في الشمال، ألا وهي مدينة مأرب. إذا خسرت الرياض وحكومة هادي مأرب، فسوف تحل بهم الهزيمة فعليًا في شمال اليمن، وستكون المهمة الأساسية للتحالف، الذي تقوده السعودية، هي منع الحوثيين من السيطرة على عموم المناطق.
لقد توفرت لدى السعودية الإرادة في إيجاد صيغة لإنهاء تدخلها في اليمن. إلا أن الحوثيين لم يظهروا سوى القليل من الاهتمام بالتوصل إلى أي حل سياسي من شأنه أن يسهل الانسحاب السعودي – فالحرب بالنسبة لهم تدور بشكل جيد للغاية، ويعتقدون أنه بإمكانهم كسب المزيد من الأراضي من خلال المزيد من القتال. ولكي تنسحب السعودية فهي تطالب -بالإضافة إلى التوصل لحل سياسي بين الفصائل اليمنية- بتأكيدات قوية بأن لا يبقى أمن المملكة نفسها تحت تهديد الحوثيين أو غيرهم من الأراضي اليمنية.
إن الانفراج مع إيران مهم للسياسة السعودية تجاه اليمن لأن إيران وشبكتها من من الفاعلين دون الدولة، وخاصة حزب الله، هم الداعمون الرئيسيون للحوثيين. ليس واضحًا مدى التأثير الذي يمكن لطهران أن تمارسه عليهم في صنع القرارات الأكثر أهمية، لكنه من الممكن لإيران وبعض الجماعات المتعاملة معها محاولة تمديد الصراع من خلال تشجيع التعنت الحوثي أو تقديم المزيد من الدعم والإغراءات الأخرى.
لقد استفادت إيران كثيرًا من تورط السعودية في صراع لا تعتبر نتائجه حاسمة للمصالح الحيوية الوطنية لطهران. لدى السعوديين أملٌ في أن يؤدي تخفيف التوترات مع إيران إلى قيام طهران بتسهيل إنهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل، ألا تفسد مساعي إنهاء هذه الحرب.
نظرًا للتقارب بين السعودية وإدارة ترامب، وغضب الديمقراطيين من الحرب في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، كانت السعودية بحاجة لاتخاذ خطوات مهمة لتعزيز العلاقات المتضررة مع العديد من الديمقراطيين البارزين في واشنطن. وقد أحرزت الرياض تقدمًا بهذا الصدد من خلال إنهاء مقاطعة قطر، والإفراج عن عدد من السجناء البارزين، بمن فيهم لجين الهذلول الناشطة في مجال حقوق المرأة، واقتراح وقف إطلاق النار في اليمن. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وبما أن استئناف الدبلوماسية النووية مع إيران يمثل أولوية عليا لإدارة بايدن، فإن الانفراج البطيء الناشئ يبدو معقولاً أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للسعودية في ظل رئاسة بايدن.
من خلال الاستمرار في استكشاف طرق اتصال جديدة مع إيران، تريد السعودية أن تُظهر لإدارة بايدن أنها مهتمة كذلك بإحياء الدبلوماسية باعتبارها الركن الأساسي في سياستها تجاه إيران. وتشير المملكة بذلك إلى أنها غير معنية بالعمل كحجر عثرة أمام إحياء خطة الاتفاق النووي أو زيادة التوترات في المنطقة. وبالإضافة لذلك، ونظرًا لأنه من المرجح أن تستأنف واشنطن وطهران الجهود الدبلوماسية وفقًا لشروطهما الخاصة، فإن الرياض لا يمكنها الاعتماد على واشنطن لحماية مصالحها في جميع الأوقات. إذا انخرطت الولايات المتحدة وإيران في مساومة بشأن مخاوفهما الخاصة، فسوف تحتاج السعودية للقيام بنوع من المساومة بشأن مخاوفها، إذا كانت ترغب في التأثير على شكل الدبلوماسية والتطورات الاستراتيجية في المنطقة وتأمين مصالحها الخاصة.
لذلك، فإن التواصل السعودي المستقل مع إيران يعمل كداعم لواشنطن، وكإجراء وقائي للحيلولة دون احتمال تجاهل الولايات المتحدة لمخاوف السعودية في محادثاتها مع طهران. وكما هو الحال في الكثير من الأمور الأخرى، التي تخص شركاء الولايات المتحدة التقليديين في الشرق الأوسط، فإن احتمالية تقليص التواجد الأمريكي في المنطقة، والدعم الأمريكي الضعيف الذي لا يعول عليه في حل أزمات الأمن القومي الكبرى، قد أديا إلى تكثيف الجهود نحو سبل العمل المستقل والتنويع الاستراتيجي. يمكن لهذا الأمر أن يأخذ شكل تعزيز العلاقات مع دول أخرى ذات مخاوف أمنية وتكمل بعضها بعضًا (مثل العلاقات المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل) أو التواصل الدبلوماسي مع الخصوم التقليديين، كما في هذه الحالة.
يبرز الحوار الإيراني-السعودي أيضًا في فترة مطولة من المناورات الدبلوماسية في جميع أرجاء المنطقة، وتراجع التركيز على القوة الصارمة والصراع المسلح، سواء بشكل مباشر أم من خلال الوكلاء. لقد أصبحت معظم دول الشرق الأوسط، التي تسعى إلى إبراز قوتها، منهكة إلى حد ما، والعديد منها لدرجة سيئة للغاية. ويشمل ذلك كلاً من إيران والسعودية، ولكن أيضًا، وبشكل ملحوظ، تركيا وحتى الإمارات. وبالإضافة لكونها توسعت في صراعاتها الخارجية أكثر مما يمكنها إدارته، فقد اضطرت هذه البلدان في جميع أنحاء المنطقة في السنوات الأخيرة للاعتراف بأن معظم هذه الصراعات كان الانتصار فيها من نصيب أحد الأطراف المتحاربة الفاعلة، أو أنها وصلت إلى طريق مسدود، أو أنها قد تجاوزت مرحلة تقليص العائدات. في معظم الحالات، بالنسبة للقوى الخارجية، لم يعد بالإمكان الحصول على الكثير من خلال الاستمرار في السعي وراء غنائم ساحة المعركة في الصراعات التي تشمل تلك الموجودة في ليبيا وسوريا والعراق وحتى في اليمن. وليس بالضرورة أن ينطبق ذلك على القوات المحلية، ولا سيما الحوثيين. لكن جاذبية المغامرات الأجنبية أو حتى الحملات بالوكالة قد وصلت الحضيض في عام 2020.
نتيجة لذلك، يشهد الشرق الأوسط فيضًا ملحوظًا من النشاط الدبلوماسي ومبادرات القوة الناعمة، التي يحاول من خلالها اللاعبون الإقليميون تأمين مصالحهم بعيدًا عن ساحة المعركة. وتسعى هذه الدول إلى تعزيز كل ما حققته من مكاسب، وإعادة النظر في علاقاتها الخارجية وتنقيحها (بهدف التقليل منها في كثير من الأحيان)، واستكشاف ما يمكن تحقيقه من خلال المناورة بدلاً من المواجهة. ومن الأمثلة على ذلك الانفتاح الدبلوماسي العربي على إسرائيل وإنهاء مقاطعة قطر، والجهود المبذولة لإعادة تأهيل سوريا في العالم العربي، وتنامي التنافس السياسي في العراق، والتنافس على موقع في القرن الأفريقي، وإعادة إنعاش العملية السياسية في ليبيا، والانخفاض الكبير في التوتر بين السعودية وتركيا.
ويعد الحوار بين الرياض وطهران، الذي يبدو هو في طور التكوين، مثالاً رائعًا آخر على هذا النمط من التوطيد وتخفيض حدة الصراعات والمناورة. فكلا البلدين مهتمان بجس نبض الطرف الآخر، واكتشاف ما يمكن تحقيقه من خلال الحوار. ومع ذلك، نظرًا لأنه لم يتم حل أي من الدوافع الرئيسية للتوترات السعودية-الإيرانية، فقد يكون السياق الحالي للتوطيد والمناورة مؤقتًا، وأي عدد من التطورات الدراماتيكية من الممكن أن يشعل مواجهات جديدة مباشرة أو بالوكالة في مجموعة من ساحات الصراع في جميع أنحاء المنطقة.
في ظل دعم واشنطن الحالي للعودة إلى الدبلوماسية في الشرق الأوسط وجميع أنحاء العالم، هناك فرصة مناسبة للخصوم الإقليميين الدائمين، مثل إيران والسعودية، لمحاولة تهيئة الأسس لحوار مستمر ووضع أكبر عدد ممكن من الحواجز الوقائية. من الناحية المثالية، يمكن لمثل هذه المحادثات في نهاية المطاف أن تفضي إلى إطارٍ للأمن الإقليمي. ولكن حتى وإن كان ذلك بعيد المنال في ظل الظروف الحالية، إلا أنه قد يحقق ما يكفي من التقدم للمساعدة على الأقل في ضمان أن العودة للتوترات إذا ما حدثت ستكون أضرارها أقل بكثير مما قد تسببه بخلاف ذلك. وهناك على الأقل احتمالية لتطوير دائرة فاعلة تتراكم فيها النجاحات الصغيرة بعضها على بعض، ما من شأنه أن يؤدي لتعزيز الشعور لدى كلا الجانبين بإمكانية التعايش، حتى في سياق المنافسة المستمرة.
هو كبير باحثين مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
سوف يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تترجم إسرائيل انتصاراتها العسكرية الواهية إلى حلول سلمية مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب الأخرين، بمن فيهم بقية دول الخليج العربية.
ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيات وسلبيات مهما كانت نتيجة لانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن دول الخليج ستعتمد على ديمومة العلاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
ينذر تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله بحرب شاملة في لبنان، مع خسائر كبيرة في صفوف الحزب. وبينما تواصل إسرائيل ضرباتها الجوية، يواجه حزب الله وإيران تحديات صعبة بشأن التصعيد العسكري.
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.
تعرف على المزيد