ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تقدمت قطر بشكوى لمنظمة التجارة العالمية ضد الإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين، بسبب منعهم الملاحة الجوية القطرية ورفع تكاليف المواد الغذائية الأساسية والدواء المستورد. بالرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج ما زالت تعاني نتيجة للأزمة الراهنة، إلا أنه هناك معوقات طويلة الأمد على التجارة وتدفق الاستثمار تستحق الأخذ بعين الاعتبار. منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، كانت هناك توترات شديدة بشأن التنازل عن السيادة وتسهيل حركة الناس ورأس المال والأفكار. وبينما كانت التدفقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي في تزايد في السنوات الأخيرة، فإن بعض أهم المجالات التي شهدت تكاملا متبادلا وذي قيمة كان في تدفق الاستثمارات، وحرية تنقل مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، والاستثمار في البنية التحتية المشتركة بشكل واسع، مثل خط أنابيب الدولفين بين قطر والإمارات العربية المتحدة وعُمان.
قد يرى المرء نصف الكأس الفارغ وقد يرى آخرون النصف الممتلئ فيما يتعلق بتقدم التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي. ففي عام 1983، أطلق مجلس التعاون الخليجي معاهدة التجارة الحرة، التي كان من شأنها التقليل من القيود التجارية بين الدول الأعضاء وتسهيل التدفق التجاري. وفي عام 2003، شكَّل مجلس التعاون الخليجي خطوة أُخرى إلى الأمام بتأسيسه للاتحاد الجمركي، وبدأ السوق المشترك الذي سمح بحرية تنقل الأشخاص والسلع عام 2008. وقد بلغ النمو التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي حوالي أربعين ضعفًا تقريبًا منذ تأسيسه ووصل إلى أكثر من 90 مليار دولار عام 2013، ومع ذلك فإنه ما زال يشكل جزءًا صغيرًا من إجمالي حجم التجارة، أي ما يقارب 8 بالمئة من إجمالي حجم التجارة في عام 2014.
لقد ارتفع التوجه العام لزيادة التجارة الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي في العقد الماضي، حيث سعت المنظمة لبناء جهد مؤسساتي لزيادة التجارة وتدفق رأس المال البشري، لنأخذ بعين الاعتبار التنسيق الوثيق في السياسة النقدية، وتشجيع استثمار البنية التحتية في المشاركة بشبكة سكة الحديد، وبناء محطات الربط الكهربائي لمشاركة الطاقة الكهربائية وإيجاد سوق الطاقة المشترك. ومع ذلك، فإن معظم هذه الأفكار معلقة حاليًّا. لقد حاول مجلس التعاون الخليجي، كمؤسسة، تحقيق أهداف أعضائه في التعاون الاقتصادي. والمشكلة ليست في المؤسسة بحد ذاتها، وإنما في تحفظ الأعضاء على الاستغلال الكامل لأهداف السياسة التي وضعوها، فالدول الأعضاء هي التي تعرقل أهداف التطور الاقتصادي التي أعلنتها بنفسها.
أفضل مثال على العوائق المتكررة للتكامل الاقتصادي هو حماية الوكلاء المحليين للاتحاد الجمركي في إطار مجلس التعاون الخليجي. والوكالة التجارية هي تمثيل وكيل محلي للوكالة الأجنبية الأصلية لأغراض التوزيع والبيع والعرض، أو تزويد المنطقة المحلية بالسلع والخدمات مقابل عمولة أو فائدة، فجميع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لديها قوانين للوكالة التجارية ذات نسب متفاوتة من القيود. والحماية الجمركية لبعض الوكلاء هي وكالات حصرية، وهكذا يتحكم وكيل واحد في استيراد بضاعة أو ماركة معينة دون منافسة. إن المبدأ العام لهذه القوانين كان لمساعدة المواطنين على تطوير أعمال تجارية مستقلة، ونقل الخبرة والتكنولوجيا، وضمان الفائدة من الاستثمار الأجنبي لصالح السكان المحليين. إن الحماية النموذجية في ظل قوانين الوكالة التجارية تشمل: المحافظة على أعمال الوكالات التجارية للمواطنين، ونظام تسجيل الوكلاء، ومنح الوكالات الحصرية بالقانون، والتحصين من إنهاء الوكالة أو عدم التجديد. المشكلة الآن هي أن قيود الوكالة التجارية تتعارض مع جهود مجلس التعاون الخليجي عام 2008 في تشجيع المواطنين على الاستثمار والعمل، وشراء الممتلكات من الدول الأعضاء المجاورة. وتعمل هذه القيود على المضي في إعطاء المواطنين المحليين امتيازات على حساب مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الأُخرى، وتشجع في الوقت نفسه الممارسات الاحتكارية في استيراد وتوزيع السلع والخدمات.
إن تنقل رأس المال البشري في الخليج أو التحفظ عليه يعتبر مجال توتر على نار هادئة، وعلى جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أن تُوَفِّق ما بين سياسة التكامل الاقتصادي أو العزلة. وتعتبر الجهود الأخيرة لقطر والإمارات العربية المتحدة لخلق مسارات من أجل الإقامة الدائمة، إن لم تكن المُواطَنَة، مثالا على تحدي هذه السياسة. فهذه الجهود التي تجذب المهاجرين المهرة والأثرياء يُقصَد منها رفع النمو في القطاع الخاص عن طريق جذب التكنولوجيا والاستثمار لتنمية أعمال جديدة من المفترض أن تسعى إلى برنامج عمل إقليمي. ومن المؤكد أن التأثير المُحبط على الأعمال التجارية والحكومة التي تسببها معوقات حرية تنقل مواطني دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى جذب المهاجرين ذوي المهارات العالية، سيكون له أثر ملموس على النمو الاقتصادي في المدى القريب.
وتأتي سهولة انتقال رأس المال المادي مصاحبة لحرية تنقل رأس المال البشري. وفي ظل النزاع الحالي مع قطر، تعتبر هجرة رأس المال تهديدًا خطيرًا على الصلاحية البعيدة الأمد للنظام المصرفي المحلي. وبناءً على بحث قام به ج. ب. مورغان والبيانات التي نشرها البنك المركزي القطري، فإن تدفق رأس المال إلى الخارج من خلال النظام المصرفي القطري ربما بلغ 20 مليار دولار في شهر حزيران/يونيو. لقد سحب المودعون غير المقيمين 3.8 مليار من البنوك القطرية، وانخفضت تمويلات البنوك الأجنبية أحد عشر مليارًا ونصف المليار في حزيران/يونيو. ويرجح أن تكون هجرة رأس المال من بنوك ومستثمرين ليسوا من مجلس التعاون الخليجي، بينما حافظ الدائنون في مجلس التعاون الخليجي على أقل من ربع الأرصدة الخارجية في البنوك القطرية في نهاية 2016. وقد يكون هنالك أيضا أثر إقليمي متضاعف في هجرة رأس المال، لأن المستثمرين والمقرضين يتجنبون الصراعات المحتملة.
وعلى الرغم من برنامج العمل والاتفاقيات التي يقدمها مجلس التعاون الخليجي لتحفيز تنسيق السياسات، والجهود التي تبذلها الوزارات الحكومية الفردية لتعزيز التجارة الإقليمية، هناك ثغرات كبيرة في الامتثال والإرادة السياسية المشتركة للتكامل. وهناك العديد من المجالات الأخرى للتوتر التجاري التي تشكل عقبات أمام نمو القطاع الخاص والاستثمار الذي قد يوفره مجلس التعاون الخليجي الأكثر تكاملا. ويعتبر التطبيق المشترك لضريبة القيمة المضافة مثالاً يمكن أن يشكل عقبة أمام التكامل القادم للدول الأعضاء في مطلع العام المقبل. وقد أصدرت دولة الإمارات مؤخرًا تشريعًا للمساعدة في إدارة تحصيل الضرائب وتمهيد الطريق لتوسيع قدرة الدولة على الوصول إلى المعلومات المالية للشركات. ويبدو من غير المرجح أن يكون الإطار القانوني في دولة ما سيشجع التكامل ومشاركة المعلومات في دول مجلس التعاون الخليجي، ومع ذلك فإن لكل دولة أسبابها الخاصة للمضي قدُمًا في الجهود الرامية إلى تنفيذ تحصيل الضرائب كتدفق للإيرادات.
وتُعتَبر دول مجلس التعاون الخليجي أفضل الشركاء الخارجيين للاستثمار في بعضها بعضًا، ومع ذلك فإن المناخ القائم حاليًّا بطريقة أو بأُخرى هو استمرار لعوائق مؤسساتية وسياسية متكررة للتكامل الاقتصادي في المنطقة. ويعد التكامل الاقتصادي نموذجًا مثاليًّا لإمكانيات دول مجلس التعاون الخليجي، ويهدف إلى أن يكون جسرًا لمجالات التعاون الأكثر صعوبة في الدفاع والأمن. كما طرح جيف مارتيني وزملاؤه في مؤسسة راند (RAND): “في ظل حساسية دول مجلس التعاون الخليجي للسيادة، يُعتَبر التعاون الاقتصادي أكثر قابلية للتحقيق من التخلي عن صنع القرار في الشؤون الخارجية أو دمج قُدرات دول المجلس العسكرية في قُوة دفاعية جماعية متكاملة حقًّا”.
إن الجهود المشتركة التي يبذلها مجلس التعاون الخليجي في مجال التكامل والتنوع الاقتصادي وصلت الآن إلى نقطة تحول. لقد وصلت جداول أعمال الإصلاح المشتركة في المنطقة، بما في ذلك الجهود الرامية إلى زيادة إنتاجية القطاع الخاص وتقليص اعتماد الدولة على الإيرادات الهيدروكربونية، إلى وضع غير مستقر. ومجلس التعاون الخليجي هو عبارة عن شبكة من ست دول تصنع القليل جدًّا وتشترك في نموذج تنمية اقتصادية غير تقليدي معتمدة فيه على الموارد. والتنويع بعيدا عن الاعتماد على النفط والغاز يرتكز على البنية التحتية والاستثمار العقاري، الذي تتحكم فيه الحكومة بشكل رئيسي، بالإضافة إلى نمو الخدمات المالية ومناخ الاستثمار. وقد خدم المناخ الاستثماري الكثير من مصالح المواطنين من خلال نظام الوكالة التجارية التي لا تشجع على التنقل والتوسع الإقليمي، وتغيرت طبيعة التجارة في مجلس التعاون الخليجي لدرجة أن إعادة تصدير البضائع بين دول الخليج تشكل جزءًا مهمًّا من أنماط التجارة هناك. وفي المناطق ذات الفُرَص، يكون التعاون ضروريًّا من أجل أسواق مفتوحة لإنتاج الكهرباء وبيعها، ومن أجل تنمية مراكز مالية جديدة مع خبرة في الأسواق المتخصصة مثل التمويل الإسلامي، وتنمية برامج تداول الأسهم الخاصة بهم ودعم وتمويل الشركات المحلية. إن الأفكار موجودة وكذلك المنصة المؤسساتية متوفرة، أما الشيء الناقص الآن فهو فقط الإرادة السياسية لتحريك التكامل والتنمية الاقتصادية المشتركة إلى الأمام.