ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
كلما تتضح معالم جدول أعمال الإمارات العربية المتحدة الطموح في جنوب اليمن أكثر فأكثر، تتبلور أيضًا الخلافات بين الإمارات العربية المتحدة وحكومة الرئيس اليمني المنفي عبد ربه منصور هادي. ويبدو أكثر فأكثر أن دولة الإمارات العربية المتحدة تبني علاقات مع أفراد ينتمون إلى حركة لا تنفّك بالضغط للحصول على المزيد من صلاحيات الحكم الذاتي في جنوب اليمن، إن لم نقل للمطالبة بشكل صريح بالانفصال عن السلطة المركزية في اليمن، مما يثير ذعر الرئيس هادي. وفي الوقت عينه، تجنبت المملكة العربية السعودية، التي نظّمت التدخل العسكري في الحرب الأهلية الدائرة في اليمن لإعادة حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا، حتى هذه الساعة الانجرار إلى الجدال العلني حول استراتيجية الإماراتيين في الجنوب، مما وضع علامات استفهام حول نظرتها لمستقبل دولة يمنية موحدة، وحول دعمها لعبد ربه منصور هادي.
وفي ما سمّي بمؤتمر حضرموت الجامع الذي انعقد في 22 نيسان/أبريل، ظهر أحدث دليل على أن الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى وضع جدول أعمال سياسي يغطّي جنوب اليمن كلّه مغاير لذاك الذي وضعته حكومة عبد ربه منصور هادي. وزعم أحد التقارير أن المؤتمر انعقد “برعاية رجل أبوظبي في حضرموت، المحافظ أحمد بن بريك، وفي ظل حماية قوات النخبة في حضرموت”. وبالإضافة إلى مناشدة عبد ربه منصور هادي إلى الإسراع في الإعلان عن حضرموت كمحافظة مستقلّة، أشار التقرير إلى أن الوثيقة الختامية للمؤتمر قد أكّدت بدورها على أنه يحق للحضارمة أن يغادروا الاتحاد متى التمسوا أنه لا يخدم مصلحتهم. وفي حين تم التعبير عن هذا الإعلان في سياق تطبيق نتائج مؤتمر الحوار الوطني، واقتراح لاحق لإنشاء دولة يمنية فيدرالية، اعتُبر هذا الأمر على نطاق واسع مجرّد غطاء يجنّب الأخذ بعين الاعتبار الانطباع الذي يفيد بأن الإمارات العربية المتحدة كانت تشجّع العناصر الانفصالية في اليمن.
والمثير للاهتمام أنه وفي الوقت الذي أعلنت فيه مجموعات من رجال الأعمال وزعماء القبائل التابعة للمملكة العربية السعودية أنها لن تشارك في مؤتمر حضرموت، لم يصدر عن القيادة السياسية في المملكة أي تعليق علني عن هذه المسألة، مما يلوّح إلى احتمالية تقارب وجهات النظر بين الرياض وأبوظبي حول المستقبل السياسي لجنوب اليمن أكثر مما يزعم بعض المعلّقين. وفي الواقع، أكد محلل عربي بارز من الخليج في خلال هذا الأسبوع أن السعوديين لا يشددون على أن تخرج اليمن من هذا الصراع الحالي دولة موحدة، وتركوا للإماراتيين مهمة العمل مع القادة السياسيين المحليين وآخرين في الجنوب لرسم مستقبل المنطقة بأي شكل من شأنه أن يضمن استقرارها وسلامتها السياسية والاقتصادية.
ولا شك في أن ذلك لا يبدو وأنه يعبر عن وجهة نظر عبد ربه منصور هادي حول هذه المسألة. فردّ على مؤتمر حضرموت عبر إصدار مراسيم أقال فيها عددًا من المسؤولين المعروفين بارتباطهم بدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ يبدو أن تعاونهم الجلي مع دولة مجاورة حول مسائل يمنية داخلية قد أثار القلق في نفسه. وابرز أولئك المُقالين محافظ عدن عيدروس الزبيدي ووزير الدولة هاني علي بن بريك. وعلاوة على ذلك، أفادت الأنباء أن عبد ربه منصور هادي فتح تحقيقًا جنائيًا ضد الوزير، الذي قيل إنه عُيّن بطلب خاص من دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي أعقاب المؤتمر، وبعد أن أصدر عبد ربه منصور هادي مراسيمه اللاحقة، التقى به الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نهار السبت في محاولة للتخفيف من حدة التوترات، نظرًا إلى أن عبد ربه منصور هادي يعتبر أن الإماراتيين ينتهكون سيادة اليمن من خلال تحريض المسؤولين على رفض تنفيذ القرارات الرئاسية.
وفي الوقت عينه، لا تزال استثمارات الإمارات العربية المتحدة الاستراتيجية في جنوب اليمن محط أنظار الجميع. ويقال إن دولة الإمارات تقوم ببناء مهبط للطائرات في جزيرة بريم، التي تقع وسط مضيق باب المندب الاستراتيجي، والذي يعبره يوميًا حوالى 4 مليون برميل من النفط، وحيث يشتبه أن المتمردين الحوثيين قد شنّوا هجماتهم البحرية، التي استهدفت إحداها باخرة إماراتية. كما قدمت منظمات الإغاثة الإماراتية مساعدات لسكان جزيرة سقطرى، التي تقع قبالة الساحل اليمني في خليج عدن، على مقربة من القرن الأفريقي.
وفي وقت مبكر، أي في شهر حزيران/يونيو 2015، عندما دخلت القوات الإماراتية الخاصة إلى عدن وفرضت حضورها على المستوى العسكري، يبدو أن السعوديين قد وافقوا مسبقًا على أن يتحمّل الإماراتيون مسؤولية إدارة جنوب اليمن. يستمر هذا الدور الهائل في الحرب البرية الدائرة ضد المقاتلين الحوثيين والقوات الحليفة، بما في ذلك على طول ساحل البحر الأحمر، وبات يعتبر عاملًا محتملًا في تغيير اللعبة العقارية، ولاسيما أنه لا يزال يسيطر على ميناء مدينة الحُديدة. في الواقع، لمّح محلل يمني الأسبوع الماضي إلى أن أبوظبي منهمكة في التحضير لغزوات في كافة أهم الموانئ اليمنية، من المكلا في الشرق إلى المخا على ساحل البحر الأحمر، إذ ترمي جميعها إلى الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية لهذه الموانئ كجزء من عملية أكبر لبناء الدولة تعتبر هامة لضمان استقرار جنوب اليمن على المدى البعيد. ومن هذا المنطلق، يبدو أن اندفاع الإمارات العربية المتحدة لشن هجوم برمائي بغية تحرير الحديدة من القبضة الحوثية يبدو أنه يتبع منطقًا معينًا، حتى وإن بدا الآن أنه يتراجع أمام أي عملية عسكرية وشيكة.
وإذ تستمر الحرب في اليمن من دون أن تلوح في الأفق أي نهاية واضحة، يبدو الإماراتيون عازمين بشكل متزايد على تحويل انتباههم من منفعة تكتيكية قصيرة المدى إلى استقرار استراتيجي طويل المدى. وبالتالي، وفيما يبدو الركود سائدًا في ساحة المعركة، تمضي الإمارات العربية المتحدة قدمًا في خطط تبدو داعمة لاستثمار ذي مدى أطول بكثير في اليمن، قد يتضمّن إعادة رسم خريطة البلاد.