ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يبدو أن الصراع العسكري الذي بدأ منذ أربعة أشهر في السودان يمكن أن يتحول سريعًا لحرب أهلية واسعة النطاق ما لم تحقق الجهود الدبلوماسية المتعثرة زخمًا في الأيام والأسابيع المقبلة. من المرجح لجهود الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، المتوقفة حاليًا، أن تُستأنف قريبًا في جدة. على أرض الواقع، تضررت في هذه الأثناء العاصمة السودانية، التي هي مركز القتال، بصورة كارثية، وتم نهبها بشكل ممنهج، وصاحب ذلك انهيار في الخدمات الأساسية والتجارة والأعمال المصرفية. لقد انتشر القتال إلى العديد من المحافظات، بما في ذلك دارفور القابلة للانفجار، والتي كانت مسرحًا لفظائع مروعة وخسائر مفجعة في الأرواح في فترة الصراع هناك في 2003-2005.
يحتدم الصراع حاليًا بين الجيش السوداني بقيادة الرئيس الفعلي للدولة الفريق عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع شبه العسكرية، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي. قوات الدعم السريع هي قوات برية هائلة ومتمرسة في القتال، بالرغم من أنها تفتقر إلى القوة الجوية والدروع اللازمة للقوات المسلحة. اندلع القتال بين الفصيلين المسلحين في منتصف أبريل/نيسان بعد انهيار شراكتهما في الحكومة الانتقالية، التي تشكلت بعد الانقلاب، بسبب الخطوات المرتقبة التي كانت تتطلب اندماج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية في السودان.
سعي المتنافسون للسيطرة على السلطة ومعاناة الشعب من التداعيات
في الوقت الراهن، تتمتع قوات الدعم السريع باليد الطولى في الخرطوم، حيث تحاصر قواتها مقرات الجيش وقيادته، بما في ذلك مقر قيادة البرهان. كما أن وجود قوات الدعم السريع – المتمركزة في مناطق على امتداد الحدود مع دولة تشاد المجاورة – قوي في دارفور، التي تضم قاعدة السلطة والقاعدة القبلية لحميدتي، الذي ينحدر من أصول عربية تشادية. تسيطر القوات المسلحة السودانية على بقية أنحاء البلاد، بما في ذلك مدينة بورتسودان الإستراتيجية. يبدو أن كل جانب يعتقد، لأسباب مختلفة، أن الوقت في صالحه حاليًا. وتركز قوات الدعم السريع على حصارها الناجح لقيادة الجيش والسيطرة على الخرطوم، في حين أن الجيش على قناعة بأن سيطرته على أجزاء البلاد الأخرى، والقاعدة الضيقة التي تدعم قوات الدعم السريع، ستُبقي على قوات الدعم السريع معزولة وضعيفة إذا توسع الصراع.
وفي هذه الأثناء، يعاني الشعب السوداني من انهيار المؤسسات التي تقدم الخدمات الأساسية والتجارة والأعمال المالية في البلاد. فقد هربت النخب، ودفعت البلد، الذي يعاني في الأساس، لمواجهة كابوس إنساني. وتسبب الصراع في نزوح ما يقارب 4 ملايين شخص، من بينهم حوالي 890.000 فروا إلى البلدان المجاورة، ويحتاج 24 مليون شخص (نصف سكان البلاد) إلى الغذاء وغيره من مواد الإغاثة الأساسية.
انتشار المخاطر
إذا استمر هذا الصراع أو تصاعد فإنه سيفضي إلى مخاطر هائلة. بادئ ذي بدء، هناك احتمال لنشوب حرب أهلية شاملة وانهيار للدولة إذا لم يفلح التدخل الدبلوماسي في تغيير المسار الحالي نحو وساطة تفضي إلى نتيجة سلمية. وثمة خطر أيضًا متمثل في زعزعة استقرار الدول المجاورة، مثل تشاد وجنوب السودان. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال لتدخل الدول المجاورة أو غيرهم من الأطراف، من خلال قوات تحارب بالوكالة وشحنات الأسلحة، لدعم أي من الفصائل المتحاربة أو أمراء الحرب الآخرين وزعماء القبائل في السودان، الذين من المحتمل أن يُقحموا أنفسهم في الصراع إذا لم يتم إخماد القتال. تتمتع مصر بعلاقات وثيقة منذ أمد بعيد مع القوات المسلحة السودانية، وثمة مخاوف كبيرة من تزايد التهديد الإرهابي على حدودها الجنوبية، ومن العلاقات الوثيقة بين قوات الدعم السريع والخصم الإقليمي لمصر، إثيوبيا. وفي حين أن مصر يمكن أن تقوم بالغزو، إلا أن المرجح هو استمرارها في الدعم المستتر، الذي يشمل تبادل المعلومات الاستخبارية والدعم التكتيكي، أو ربما الأسلحة. وما يزيد من صعوبة الخطة الاستراتيجية هو أن حليفة مصر، التي تدعمها ماليًا، الإمارات العربية المتحدة، تعد حليفًا قويًا لقوات الدعم السريع، وهذا من المرجح أن يجعل أي تدخل علني لمصر أمرًا صعبًا. وأفادت تقارير إعلامية مؤخرًا أن الإمارات تقوم بإرسال الأسلحة خلسة إلى قوات الدعم السريع، وهو ما نفته الإمارات.
كما يمكن أن يتعرض الاستقرار في منطقة الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي للخطر، ففي حين أن الصراع في السودان لم يؤثر بشكل مباشر على انقلاب يوليو/تموز في النيجر، إلا أن صدى التطورات في منطقة الساحل المضطربة، “حزام الانقلابات” الأفريقية، يتردد بوضوح. وفي هذه الأثناء، أصبحت منطقة الساحل، التي يحدها السودان شرقًا، “بؤرة عالمية” للإرهاب. كان انقلاب 2021 في السودان، والعنف الذي أثاره، والانقلابات العسكرية الخمسة الأخرى في المنطقة منذ يوليو/تموز 2021 بمثابة “ضربة قوية” لجهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وفقًا لخبراء مكافحة الإرهاب.
آفاق الوساطة الأمريكية-السعودية
لم تبذل قناة الوساطة بقيادة الولايات المتحدة والسعودية الكثير من الجهود الظاهرة، وعملت هذه الوساطة، في الفترة من مايو/أيار وحتى يوليو/تموز، في سياق اضطرابات متقطعة قبل أن تتوقف بسبب انتهاكات وقف إطلاق النار، ومن المتوقع أن تستأنف مرة أخرى قريبًا. يعتقد بعض المراقبين أن على واشنطن والرياض النظر في دعوة الإمارات ومصر، الدولتين الرئيسيتين اللتين لهما تأثير على الخصوم العسكريين، للانضمام إلى مبادرة الوساطة. ونظرًا لخطر تنافس مبادرات الوساطة وتشتيت الانتباه، يتعين على الدبلوماسيين الأمريكيين والسعوديين دراسة مزايا ضم الاتحاد الأفريقي أيضًا. حتى الآن، لم يتم تضمين المدنيين السودانيين، ويبدو أن ذلك ناجم عن إصرار الأطراف المتحاربة، ولكن من المحتمل أن تتم معالجة ذلك أيضًا في جدول الأعمال، ربما في صورة مجموعة موازية من المناقشات.
على الرغم من الأوضاع العصيبة على الأرض، أو ربما بسببها، لم يبق أمام الدبلوماسيين خيار سوى محاولة المضي قدمًا في الوساطة في محاولة لاحتواء القتال في السودان، والحيلولة دون حدوث السيناريوهات الأسوأ التي يحذر منها المحللون. من المرجح أن استئناف الجهود الدبلوماسية سيجذب اهتمامًا كبيرًا في الوقت الذي تتناوب فيه احتمالات النجاح المحدودة مع توقعات بالفشل. هناك عدد من المظاهر الأخرى للأزمة التي من المرجح أن تجذب الاهتمام بشكل مستمر. سيقوم المراقبون بتقييم دقيق للدول التي تتدخل لتشكيل القتال على الأرض. السؤال الذي سيطرحه الكثيرون هو ما إذا كان الصراع في السودان يهدد بالمضي عكس التوجه العام في المنطقة نحو الاندماج وتقليص الانقسامات والخروج من الصراع. ومن المرجح أيضًا أن يستمر المراقبون في المساهمة في التدقيق المكثف لفشل جهود الديمقراطية التي تبذلها الولايات المتحدة في السودان، وعلى نطاق أوسع، حيث يدعو المتحزبون إلى إعادة بناء الديمقراطية على نحو أفضل، في حين ينخرط المشككون في الديمقراطية في التأكيد على عدم جدواها. وأخيرًا، ونظرًا للدور الفعال الذي تلعبه مجموعة فاجنر في السودان، والنيجر، ودول أخرى في منطقة الساحل، من المرجح أن يكون هناك بعض علامات الاستفهام حول مدى تفوق روسيا وسرديتها ومجموعة فاجنر بالاستئثار بامتيازات على الغرب في دول الجنوب.