أخذت روسيا وإيران وتركيا زمام المبادرة في محاولة التوصل إلى تسوية للنزاع في سوريا عبر محادثات أستانة التي بدأت في نهاية العام 2016. ومن الملفت للنظر أن هذه الحكومات الثلاث تعمل معًا، نظرًا إلى كيف كانت تركيا تدعم مؤخرًا بنشاط القوات المناهضة للحكومة في سوريا، فيما تدعم روسيا وإيران نظام الأسد. وتدهورت العلاقات بين روسيا وتركيا (التي كانت جيدة جدا على الرغم من خلافهما حول سوريا) بعد أن أسقطت القوات التركية طائرة عسكرية روسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015. لكن بعد أن اعتذر أردوغان من بوتين عن الحادثة وأعرب بوتين عن دعمه لأردوغان أكثر من القادة الغربيين في خلال محاولة الانقلاب ضده في تموز/يوليو 2016، أخذت العلاقات الروسية-التركية تتحسن بانتظام.
بقدر ما قد يمقت أردوغان نظام الأسد، فهو يرى أن أعمال كل من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والقوات الكردية السورية تشكّل تهديدًا أكبر للمصالح التركية. وأصبح الدعم الأمريكي للأكراد السوريين الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يوتّر العلاقات التركية-الأمريكية، ما ساهم في المصالحة الروسية-التركية. وعندما بادرت موسكو وطهران وأنقرة بمحادثات أستانة للسلام من دون دعوة الولايات المتحدة للمشاركة، كانت البلدان الثلاثة جميعها تشير إلى قلة ثقتها بإدارة أوباما. لكن عندما دعت موسكو إدارة ترامب الجديدة للمشاركة في هذه المحادثات، رفضت إدارة ترامب الدعوة. وقد لا يكون ذلك ببساطة نتيجةً لنظرة ترامب الإيجابية تجاه روسيا ورغبته في إنشاء شراكة معها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بل أيضًا نتيجةً لتفضيل أحدٍ آخر من أجل تولي المهام الصعبة للغاية المتمثلة في تأدية دور الوساطة بين الجهات المتنازعة المتعددة المعنية في النزاع المعقّد في سوريا.
لكن مهما كانت الأسباب التي دفعت ترامب إلى عدم الانخراط (حتى الآن) في محادثات أستانة، لا تعترض واشنطن حتمًا السبيل أمام الجهود الروسية-الإيرانية-التركية لتسوية النزاع. إذًا، ربما تبرز الآن فرصة كبيرة أمام موسكو وطهران وأنقرة لإحراز التقدّم. لكن هل هي قادرة على ذلك؟ فمصالح هذه البلدان الثلاثة لا تلتقي دائمًا. وفي حين أن أردوغان ربما يُبدي الآن استعدادًا أكثر من قبل للعمل مع نظام الأسد المبني على الأقلية العلوية، تريد أنقرة تسويةً في سوريا تناسب الأغلبية العربية السنية (وليس الأقلية الكردية). غير أن الحكومة الشيعية في إيران (بالإضافة إلى حزب الله ومجموعات شيعية أخرى تحارب للدفاع عن الأسد) ترغب في الحفاظ على نظام الأقلية العلوية في سوريا كحليف شيعي. وبالنسبة إلى إيران وحزب الله بشكلٍ خاص، لا يشكّل دعم الأسد غايةً بحد ذاتها، بل وسيلةً لضمان وجود حكومة صديقة للشيعة في دمشق تسهّل مساعدة إيران لحزب الله. فكلما عظُم دور القوات السنية في الحكومة السورية التي ستعقب النزاع، صعُب هذا الأمر على الأرجح.
قد تكون موسكو قادرة على تحقيق التوازن بين المصالح التركية والإيرانية في سوريا، إلا أن ذلك لن يكون سهلًا. لكن إذا أدت التسوية السورية إلى إعادة نشر حزب الله لقواته من سوريا إلى الحدود اللبنانية-الإسرائيلية (أو حتى السورية-الإسرائيلية)، قد لا تكون موسكو قادرة على احتواء العداء بين إسرائيل من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى. ففي النزاع السوري حتى الآن، يقف كلٌّ من إيران وحزب الله ونظام الأسد من جهة والجهاديين السنة من جهة أخرى في موقعٍ معادٍ لإسرائيل، لكن ركّز هذان المعسكران انتباههما على محاربة بعضهما البعض وليس محاربة الدولة اليهودية. وقد تؤدي تسوية النزاع الداخلي في سوريا التي تُبقي على نظام الأسد (مع بعض التعديلات) إلى تحويل انتباه إيران وحزب الله باتجاه إسرائيل.
على الرغم من علاقات موسكو الوثيقة مع إسرائيل ومع إيران أيضًا، يُرجّح أكثر أن ترد إسرائيل، في حال ازدياد التحدي الذي تفرضه عليها إيران مع حزب الله، من خلال طلب الدعم – وتلقيه – من إدارة ترامب ضدهما، وليس من خلال التعويل على الوساطة الروسية من أجل تفادي النزاع أو حله.
وتمامًا كما قد تفضّل إدارة ترامب أن تدع موسكو تحاول تدبُّر أمر النّزاع في سوريا وتأدية دور الوسيط بين تركيا وإيران هناك، قد تفضّل موسكو أن تدع الولايات المتحدة تدعم إسرائيل ضد إيران وحزب الله بدلًا من تولي المهمة غير المجدية المتمثلة في محاولة تأدية دور الوسيط بين مجموعتين من أصدقائها يعتبران بعضهما بعضًا عدوّيْن لدوديْن.
نشر هذا المقال في الأصل منتدى فالداي.