في 25 مارس/آذار – الذكرى السنوية السادسة لتدخل قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن- أعلن طارق محمد صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، وقائد قوات المقاومة الوطنية، أنه يعمل على تشكيل “مكتب سياسي”. جاء إعلان صالح، الذي أعقب تعيين الولايات المتحدة مبعوثًا خاصًا لليمن في فبراير/شباط وتكثيف إدارة الرئيس جوزيف بايدن من ضغوطها لإنهاء الحرب، كمحاولة للتأكد من أن وجوده في ساحة المعركة لا يعني تجاهله على طاولة المفاوضات.
من عدة جوانب، يعد هذا بمثابة التحدي الرئيسي لإنهاء الحرب في اليمن، كيفية التوفيق بين عدد من الأطراف الفاعلة المختلفة ذات الأهداف السياسية المتباينة للغاية. فالحرب ثنائية الأطراف، التي نشبت بين المتمردين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، لدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في عام 2015، لم تستمر على هذا النحو. فقد تمزق اليمن وتشرذم مع تشكيل جماعات سياسية جديدة، وتحول التحالفات القديمة، وتضاعف عدد الجماعات المسلحة. وبعد مرور ست سنوات على الحرب، أصبح اليمن ميئوس من إصلاحه بعد سقوطه الكبير: ممزقًا ومن المستحيل إعادة تجميعه من جديد.
في عام 2015، كان طارق صالح في صنعاء في صف الحوثيين يحارب السعودية والإمارات العربية المتحدة والحكومة اليمنية، المعترف بها من الأمم المتحدة. ولكنه يقف اليوم على الجانب الآخر، يستمد الدعم المالي والعسكري من السعودية والإمارات في حربه ضد الحوثيين.
إن تحول صالح يشير إلى الكيفية التي من خلالها تسببت الحرب في خلق حقائق جديدة وأكثر تعقيدًا في اليمن. في عام 2014، عمل علي عبد الله صالح، عم طارق، على تسهيل سيطرة الحوثيين على صنعاء كوسيلة للانتقام من حلفائه السابقين – مثل هادي وعلي محسن الأحمر- الذين انشقوا عنه، وأجبروه على التنحي عن الرئاسة قبل عامين كرد فعل على احتجاجات الربيع العربي في اليمن. قرار صالح باتخاذ إجراءات ضد أعداء اليوم أجبره على التحالف مع أعداء الأمس: الحوثيين. كان صالح والحوثيون قد خاضوا ست حروب متعاقبة ضد بعضهم البعض ما بين عامي 2004 و2010. ولكن في عام 2014، وضع صالح والحوثيون خلافات الماضي جانبًا، وشكلوا تحالفًا لحكم صنعاء وجزء كبير من مرتفعات اليمن الشمالية.
استمر تحالف الحوثي-صالح ثلاث سنوات. وصلت ذروته في منتصف عام 2016، حين شكل الطرفان المجلس السياسي الأعلى مكونًا من عشرة أشخاص لحكم المنطقة الشمالية، بحيث يقوم كل من صالح والحوثيين بترشيح 5 أعضاء. حارب جنود الحرس الجمهوري، الذين بقوا على ولائهم لصالح إلى جانب وحدات الحوثيين، وقام طارق صالح، الذي برز كالقائد العسكري الأساسي لعمه، بوضع استراتيجية مع نظرائه الحوثيين.
بعد ذلك، في أواخر عام 2017، انهار التحالف بطريقة دراماتيكية. حاول علي عبد الله صالح، الذي أرهقته سنوات من عقوبات الأمم المتحدة، التحرر من الحوثيين، وتواصل بشكل علني مع السعودية. كان رد فعل الحوثيين قويًا، حيث حاصروا صالح في أحد مجمعاته، وأغلقوا الطريق المؤدية إلى المدينة للحيلولة دون وصول القبائل المتحالفة للرئيس السابق، وفي نهاية المطاف قتلوا صالح بعد أيام من حرب الشوارع. تمكن طارق صالح، الذي كان مع عمه خلال أيامه الأخيرة، بطريقة ما من الهرب من صنعاء. (وقد التزم الصمت نسبيًا حول كيفية نجاحه في ذلك). ومع ذلك، فقد تمكن الحوثيون من القبض على عفاش، الابن الأكبر لطارق صالح، بالإضافة إلى أحد أشقائه، محمد، وما زالا محتجزين لدى الحوثيين.
على مدى العامين التاليين، قام طارق صالح، على مهلٍ، بتشكيل قوة عسكرية، أطلق عليها اسم قوات المقاومة الوطنية، محولًا بذلك النواة الأولية المكونة من ثلاثة آلاف مقاتل إلى ما يقارب العشرين ألف مقاتل، ويرجع الفضل في ذلك، إلى حد كبير، إلى الدعم العسكري من السعودية والإمارات. واليوم، يتمركز طارق صالح ومقاتلوه في مدينة المخا، المطلة على البحر الأحمر، حيث يصطفون ضد مقاتلي الحوثي على طول الساحل في الحُديدة.
ومع ذلك، فإن صالح ليس الطرف الفاعل الوحيد إلى جانب هادي والحوثيين، الذين سيحتاج المفاوضون الدوليون للتوفيق بينهم إذا أرادوا إرساء سلام دائم في اليمن. فهناك أيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لم يكن موجودًا في عام 2015، ولكن بحلول عام 2019، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، العاصمة المؤقتة للرئيس هادي، وما تزال المدينة تخضع لسيطرته.
يدعو المجلس الانتقالي الجنوبي لاستقلال جنوب اليمن، ويدعمه في ذلك عدد من الوحدات العسكرية التابعة له، والتي تم إنشاء العديد منها وتدريبها وتسليحها من قبل الإمارات. لن يكون من السهل إقناع المجلس الانتقالي الجنوبي بالتخلي عن حلمه بدولة مستقلة، ولكن تجاهل رغبات المجلس الانتقالي الجنوبي أو حرمانه من مقعد على طاولة المفاوضات لن يجدي نفعًا. يتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي، بفضل ما لديه من دعمٍ في الجنوب إلى جانب المقاتلين التابعين له، بحق النقض الفعال على عملية السلام. فيمكن للمجلس أن يقوض أي تسوية يشعر أنها لا تمثل مصالحه على نحو مناسب.
وهنالك قضايا مماثلة في مأرب وشبوة وحضرموت. تستأثر هذه المحافظات، التي يطلق عليها “مثلث القوة اليمنية“، بمعظم صادرات اليمن من النفط والغاز. كما كانت المحافظات الثلاث تتمتع بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي السياسي والاقتصادي على مدار الحرب، حيث يتم الآن تحويل ما يقارب من 20٪ من عائدات النفط والغاز إلى الحكومات المحلية، بدلاً من إيداعها لدى الحكومة المركزية كما كان الحال قبل الحرب. ربما تكون المحافظة الأكثر تشددًا في هذا الأمر هي حضرموت، التي لطالما دعت إلى حكم محلي أوسع.
عملت سنوات الحرب الست على تمزيق اليمن وشرذمة المشهد السياسي في البلاد. في عام 2016، كان من الممكن إجراء محادثات سلام في الكويت بين حكومة هادي والحوثيين. ولكن لم تعد هذه المقاربة ثنائية الأطراف ممكنة. فاليوم يتعين على الوسطاء التنقل ذهابًا وإيابًا بين هادي والحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة للسعوديين والإماراتيين.
إعلان طارق صالح يوضح أنه يريد أن تتم إضافته إلى تلك القائمة. إن صياغة صفقة ترضي جميع هذه الأطراف المختلفة هي مهمة غاية الصعوبة، ويشهد بذلك ثلاثة من المبعوثين الخاصين المتعاقبين للأمم المتحدة. وبما أن المباحثات ثنائية الأطراف التي عقدت في عام 2016 ليست ممكنة في عام 2021، فإن المباحثات الثلاثية أو رباعية الأطراف لعام 2021 لن تكون ممكنة في عام 2023. وكلما طالت الحرب في اليمن، ظهرت المزيد من الجماعات، وازدادت صعوبة التوصل إلى حل للصراع.