كانت دول الخليج خلال العقد المنصرم من بين أهمّ المشاركين في الحلبة الرياضية العالمية. فقد رفعت تقييمها بالإجمال من خلال استضافتها لبطولاتٍ رياضية متنوّعة من مباريات الغولف (بطولةدبيالعالمية) إلى ألعاب “كروس فيت” (CrossFit Games) في الكويت (معركةالشرق). وتسعى دول الخليج أيضًا إلى تنمية اقتصادها من خلال تعزيز مجال الأعمال عبر إنشاء “مدن رياضية” على غرار مدينة “أسباير زون” Aspire Zone الرياضية في قطر ومدينة دبي الرياضية، وهما مجمّعان رياضيان متعددا الحلبات ويضمّان مراكز أبحاث وملاعب وشقق تمكّن الدولة من استضافة أحداثٍ رياضية ضخمة كبطولة كأس العالم والألعاب الأولمبية.
ومع تقدُّم الخليج في الاقتصاد الرياضي العالمي، ازدادت ضغوطات المجتمع المدني لدخول النساء مجال الرياضة، وهي مسألةٌ تعكس الانتقاد الأوسع الذي تواجهه دول الخليج في ما يخص حقوق المرأة. ويتمّ اليوم اتخاذ خطواتٍ صغيرة من أجل الحدّ من التمييز وتمكين النساء من خلال سياساتٍ تسمح لهنّ بالانتخاب والترشّح والعمل. وتغتنم النساء الخليجيات هذه الفرصة للتباري على حلبة الرياضة العالمية.
تعزيز التغيير من خلال الرياضة
تسمح المشاركة في الرياضة بتنمية الفرد وتغيير المجتمع، وبالتالي تمكين النساء من خلال تعزيز مهاراتهن التواصلية والقيادية. وتسهم المباريات الرياضية أيضًا في الرفاه الإجمالي للأشخاص وتخلق التعاضد الإيجابي داخل المجتمعات. ويحظى تأثير الرياضة على الأفراد والمجتمعات بتقدير الحكومات والمؤسسات غير الحكومية والتربوية التي باتت تلجأ إلى تمويل المشاريع الرياضية وتنفيذها في إطار مبادراتٍ إنمائية.
لهذه الأسباب، يشكّل إشراك النساء في الرياضة طريقًا مصيرية نحو تحقيق المساواة للنساء المسلمات، وهي طريقٌ عبّدتها محترفاتٌ مثل شيخة النوري من الكويت وناشطاتٍ في السياسة مثل توكّل كرمان من اليمن وحبيبة الهنائي من سلطنة عمان. ووسط ردّة الفعل العنيفة المستمرّة على دخول النساء مجال الرياضة في الصحافة، تمكّنت النساء من دخول هذا المجال عبر المشاركة في رياضاتٍ غير تقليدية كالرماية والباركور وركوب الأمواج وتسلّق الجبال.
اضغط هنا لمشاهدة فيديو عن الرياضية الكويتية المحترفة في التزلج على الماء شيخة النوري
وتلجأ النساء إلى نشاطاتٍ غير تقليدية لأسبابٍ عدّة. فالرياضات كالرماية والغولف ورفع الأوزان تتلاءم مع اللباس الإسلامي، إذ يمكن للسيدة المسلمة ارتداء الحجاب وملابس محتشمة من دون أن يؤثر ذلك على أداءها. بالإضافة إلى ذلك، لا ترتبط بعض الرياضات غير التقليدية بجنسٍ دون الآخر في الثقافة الخليجية، ما يسمح بمشاركةٍ محايدة للنساء في مجال الرياضة.
دول الخليج في الرياضة العالمية
غيّرت الألعاب الأولمبية للعام 2012 في لندن المعروفة بـ”سنة النساء” تاريخ النساء الرياضي، إذ سجلت هذه الألعاب أعلى مشاركةٍ للنساء بين كافة الأحداث الرياضية. وسجلت الألعاب أيضًا لحظةً تاريخية للخليج، إذ أرسلت كل من السعودية وقطر نساء رياضيات إلى الألعاب الأولمبية للمرة الأولى، ليصل عدد الخليجيات المشاركات إلى 31 محترفة. وكانت قد تعرّضت السعودية قبل العام 2012 إلى ضغوطاتٍ من اللجنة الأولمبية الدولية، التي تعرضت بدورها لضغوطاتٍ من المجتمع الدولي، للسماح للفارسة السعودية دلما ملحس بالمشاركة في المباراة. ولم تتأهل ملحس، إلّا أنّ كلّ من عدّاءة الـ800 متر سارة عطّار ولاعبة الجودو وجدان شاهركاني مثّلتا المملكة العربية السعودية في ألعاب لندن.
وقد شهدت المنطقة منذ الألعاب الأولمبية عام 2012 إنجازاتٍ أخرى. فكانت رها محرق الامرأة السعودية الأولى التي تصل إلى قمة جبل إيفرست، فغيّرت نظرة الآخرين إلى إمكانيات النساء عامةً، والسعوديات خصوصًا. وقادت متسلقة الجبال السعودية الأخرى منى شهاب حملةً تحت عنوان “رحلةنساء: جبلإيفرست” من أجل نشر التوعية حول سرطان الثدي من خلال تسلق الجبال.
وقد أجرت قطر استثماراتٍ بارزة في الرياضة العالمية. وقد دفعتها رغبتها إلى تعزيز مكانتها في الرياضة العالمية إلى إنشاء عددٍ من المبادرات تترأسها مؤسساتٌ مثل “دوحة غولز” Doha Goals والمركز الدولي للأمن الرياضي. وDoha Goals منتدى سنوي يجمع قادة مجال الرياضة (من مدرّبين وممارسين ومسؤولين حكوميين ومحترفين) لمناقشة كيفية استخدام المباراة الرياضية لتعزيز التعاضد الاجتماعي. ويضمّ المركز الدولي للأمن الرياضي عددًا من صانعي القرار والسياسات من أجل تحقيق أمن الرياضيين والملاعب وسلامتهم ونزاهة الرياضة من خلال محاربة الفساد وتعاطي المنشطات والإتجار بالبشر. وقد ضمنت قطر استضافتها لكأس العالم للعام 2022، إلّا أنّ التحقيق ما زال جاريًا في ما يخص ارتشاء مسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم. وقد عبّر المجتمع الدولي من جهته عن قلقه حيال حقوق العمّال الأجانب المشاركين في بناء الملاعب والحلبات الأولمبية.
النساء الخليجيات يشققن طريقًا جديدة
وقدّمت قطر أيضًا عددًا كبيرًا من النساء اللواتي دخلن رياضاتٍ يغلب فيها الرجال. وعلى سبيل المثال ياسمين الشرشني، وهي لاعبة الغولف القطرية الأولى والوحيدة في منتخب قطر للغولف. وفي العام 2013، أسست الشرشني نادي الغولف القطري للسيدات Qatar Golf Ladies، وهو أوّل نادي غولف مخصص للنساء في الشرق الأوسط. وتطمح ياسمين الشرشني إلى تمثيل بلادها في الألعاب الأولمبية للعام 2016 في ريو، حيث ستتم إعادة الغولف إلى الألعاب بعد غيابٍ دام أكثر من 112 عامًا. أمّا ندى زيدان، فهي سائقة سيارات السباق الأولى ورامية محترفة. لم تشارك في الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012، إلّا أنّها حملت شعلة بلادها. وقد جمعت زيدان بين الرياضة وخلفيتها الطبية من أجل تمكين النساء ليس من المشاركة في الرياضة فحسب، بل من تعزيز العلم أيضًا.
وقد قدّمت الكويت بدورها مجموعةً متنوعة من النساء الرياضيات. فشيخة النوري على سبيل المثال هي متبارية في التزلج على الماء (wakeboarding) والمرأة الوحيدة في فريقها. وتقود شيخة النوري اليوم بدعمٍ من عائلتها والمجتمع حركةً تشجع الشباب والنساء على دخول مجال الرياضة. وكان والد شيخة النوري، وهو من محبّي الرياضة ومن أهمّ رجال الدين في الكويت، هو من عرّفها على عالم الرياضة المائية. وانتُقد لسماحه لابنته بالتباري، إلّا أنّ سلطته سمحت له بإيصال نظرةٍ دينية مختلفة لمشاركة النساء في الرياضة، قائلًا إنّ الإسلام يشجّع رياضة النساء، مدعّمًا كلامه بمثال زوجة النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، عائشة، التي شاركت في عددٍ كبيرٍ من مباريات الفروسية.
ومن الرياضات التي حصدت شعبيةً كبيرة هي رياضة “الكروس فيت” التي تجمع بين القوة والسيطرة على الحركات من أجل اختبار إمكانيات الفرد العقلية والجسدية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر، نظّمت الكويت ألعاب “الكروس فيت” للسنة الثالثة على التوالي من أجل تنمية هذه الرياضة وتحضير ممارسيها لبطولات “الكروس فيت” الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن ربط انتشار رياضة “الكروس فيت” في الكويت بالمشاكل الصحية الخطيرة التي كانت تشهدها البلاد بسبب قلة الحركة الجسدية ومنها البدانة ومرض السكري.
وتملك سلطنة عمان أيضًا عددًا من أهم النساء الرياضيات. فقد شاركت كل من العدّاءتين شنونة الحبسي وبثينة اليعقوبي في الألعاب الأولمبية السابقة وتأملان في التأهل إلى ألعاب ريو عام 2016. وفي العام 2008، أُطلقت مبادرة “عُمانللإبحار” من أجل جذب النساء إلى رياضة الإبحار التي يغلب فيها الرجال. وإلى جانب إنشاء فريقٍ من النساء الرياضيات لتمثيل سلطنة عمان على الحلبة الدولية، تهدف هذه المبادرة إلى استرجاع تقليد الإبحار وبناء مجتمعٍ يعزز مشاركة النساء في الرياضة.
ولطالما شهد تاريخ المرأة المسلمة في الرياضة نسبة مشاركةٍ متدنية. إلّا أنّه من الضروري أيضًا الأخذ بعين الاعتبار دخولها الرياضات غير التقليدية. ولن يكون من السهل تغيير الأصول المبنية على العادات والتقاليد الثقافية والدينية المتجذرة، إلّا أنّ الكثير من النساء يكسرن اليوم هذه الحواجز ليصبحن المثال الأعلى لمجتمعاتهن وللأجيال القادمة.
Nida Ahmad is an independent scholar based out of Washington, DC with more than eight years of experience developing, managing, and implementing professional, educational, and sports diplomacy programs for the U.S. Department of State. Her research interests include action sports, new media, marginalized populations, and Muslim women. She writes content pertaining to current trends of sports initiatives and provides guidance to local and international stakeholders on implementing sports for development programs.
بصرف النظر عمن سيفوز بمنصب الرئاسة في نوفمبر، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة لاستراتيجية تسمح لها بحماية التجارة الحرة والمفتوحة في البحر الأحمر دون أن تتورط في صراع مفتوح في اليمن.
سوف يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تترجم إسرائيل انتصاراتها العسكرية الواهية إلى حلول سلمية مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب الأخرين، بمن فيهم بقية دول الخليج العربية.
ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيات وسلبيات مهما كانت نتيجة لانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن دول الخليج ستعتمد على ديمومة العلاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.