ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
سوف تكون الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يتنافس فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، مع نائبة الرئيس الحالي كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، مثيرة للتوتر والقلق. حيث تظهر استطلاعات الرأي التقارب الكبير في نتائج هذا السباق في جميع الولايات المتأرجحة التي ستحدد أصواتها الانتخابية الفائز في نظام المجمع الانتخابي المعقد، الذي تستخدمه الولايات المتحدة لانتخاب رؤسائها. ولن تفضي الانتخابات سوى لتأثيرات مباشرة هامشية على سياسة الولايات المتحدة تجاه دول الخليج والشرق الأوسط بشكل عام. فكلا المرشحين يدعمان بشكل عام الحرب الإسرائيلية ضد غزة ولبنان، مع بعض الاختلافات الخطابية. كما لم يتطرق أي منهما للسياسة الخليجية كعنصرٍ أساسي في حملته الانتخابية. ومع ذلك، فإن ترامب وهاريس لديهما فعلاً بعض الاختلافات الهامة بشأن السياسة تجاه المنطقة، والتي من الممكن أن تؤثر على المدى المتوسط على السياسة الاقتصادية العامة، التي بدورها يمكن أن تؤثر على إجمالي الطلب العالمي على الطاقة في المدى البعيد.
ترامب أم هاريس؟ لن يكون هناك تغيير فوري
لم يقدم أي من المرشحين وعوداً بتغييرات فورية في السياسة الأمريكية، لا في الخليج ولا في الشرق الأوسط بشكل عام. في حين أعربت هاريس في تصريحاتها العامة عن قلقها بشأن سلامة المدنيين الفلسطينيين، وحقهم في تقرير المصير الوطني أكثر من ترامب، إلا أنها لم تبتعد عن سياسة إدارة الرئيس جوزيف بايدن، المتمثلة في الدعم العملي شبه الكامل للسياسة الإسرائيلية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شنته حركة حماس على إسرائيل. ويبقى السؤال المفتوح هو ما إذا كان موقف هاريس نابعاً من شعور عميق أو أنه مجرد انعكاس لدورها كنائبة مخلصة للرئيس بايدن. كما لا يوجد سوى القليل من المؤشرات على أن معتقداتها الأساسية بشأن علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل تختلف بشكل جوهري عن تلك التي يؤمن بها بايدن. إنها تمثل بالفعل تغييراً جيلياً في الحزب الديمقراطي الذي أصبحت كوادره الأصغر سناً أقل دعماً لإسرائيل بصورة تلقائية، وأكثر انفتاحاً على تقبل الحجج المؤيدة لحقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، فإننا نميل لملاحظة هذه المشاعر بين الديمقراطيين الذين هم أصغر سناً من هاريس، التي هى من الديمقراطيين المؤيدين تقليدياً لإسرائيل في مسيرتها المهنية حتى هذه اللحظة. لقد دعمت هاريس مشاركة إدارة بايدن في الدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الصاروخية الإيرانية. وبدوره ألمح ترامب إلى أنه لو كان رئيساً، لما تجرأت إيران ولا حركة حماس على مهاجمة إسرائيل، دون أن يوضح كيف كان من الممكن لمجرد وجوده في البيت الأبيض أن يمنعهما من فعل ذلك.
لم ينادِ أي من المرشحين بتقليص الالتزام الأمني الأمريكي تجاه الخليج على وجه التحديد أو تجاه الشرق الأوسط بشكل عام. ويعد هذا تغييراً جذرياً مقارنة بمراحل الانتقال الرئاسي الثلاث الأخيرة. جاء كل من باراك أوباما وترامب وبايدن إلى السلطة ووعدوا بالحد من الالتزام العسكري والدبلوماسي الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، و”تحويل” موارد الولايات المتحدة إلى شرق آسيا. بايدن هو الوحيد من بينهم الذي اتخذ خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، حيث أنهى الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان بما يتفق مع الجدول الزمني المتفق عليه من جانب ترامب (على الرغم من أن ترامب انتقد تنفيذ بايدن لهذا الانسحاب). ومع ذلك لم يتمكن أي منهم من تجنب التدخل المباشر في المنطقة. لقد ألزم أوباما القوات الأمريكية بالقتال في العراق وسوريا ضد تنظيم داعش، بالتزامن مع ضمان قوي، نوعاً ما، من الحلفاء والشركاء الرئيسيين لتقاسم أعباء الجهود المبذولة. واصل ترامب حملته ضد تنظيم داعش، وكثف من الضغوط على إيران من خلال سياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجها. وعمل بايدن على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وعرض على الرياض إبرام معاهدة دفاع كجزء من ذلك الجهد، وألزم القوات الأميركية بالدفاع عن إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر، وبشن حملة بحرية ضد الحوثيين في اليمن.
قد يكون التركيز المكثف من جانب الولايات المتحدة على المنطقة منذ هجوم السابع من أكتوبر هو السبب في عدم تطرق ترامب أو هاريس للحديث عن “التحول” بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط. وفي حين تبقى المخاوف بشأن مصداقية واشنطن قائمة بين شركاء الولايات المتحدة في الخليج، ولكن ليس هناك ما يشير إلى أن أياً من المرشحين يتصور تغييراً كبيراً في الموقف العسكري الأميركي في الخليج. كما غاب انتقاد السعودية عن خطاب الحملات الانتخابية هذه المرة. فقد انتقد كل من ترامب في عام 2016 وبايدن في عام 2020 السعودية في حملتيهما، بل وصل الأمر إلى قيام بايدن بوصفها بأنها “منبوذة”. وأثناء توليهما للمنصب، أدرك كل منهما أهمية العلاقات الجيدة مع الرياض- وكان ترامب أسرع من بايدن في هذا التوجه. وهذه المرة، يبدو أن كلا المرشحين يدركان الأهمية المركزية للسعودية في نجاح أي مبادرة دبلوماسية في المنطقة.
على المدى المتوسط: التوافق بشأن دول الخليج والاختلاف بشأن إيران
من السهل التنبؤ بسياسات ترامب في الخليج، نظراً لأنه يتمتع بسجل سابق في منصب الرئيس. وفي حين أن انفعالات ترامب الخطابية وهواجسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وولعه بأخذ كل من الأصدقاء والأعداء على حين غرة، تكسبه صفة التناقض والتقلب، إلا أنه يحتفظ بعدد من المواقف الثابتة في سياق حياته اليومية. فهو يحتفظ برؤية قصيرة الأجل في السياسة الخارجية تقوم على الصفقات، ومقترنة بالمفهوم التجاري في الاقتصاد. فهو يريد علاقات جيدة مع دول الخليج نظراً لما لديها من ثروات، ويريدها أن تشتري الأسلحة أو المفاعلات النووية أو الأنظمة التكنولوجية المتقدمة من الولايات المتحدة. وربما يتبنى ترامب مبادرة بايدن التي تعرض على السعودية معاهدة أمنية، والمساعدة في تطوير بنيتها التحتية النووية، على الرغم من أنه قد يواجه معارضة قوية لهذه المقترحات من الديمقراطيين في الكونغرس القادم. ينظر ترامب للصين على أنها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة ويريد من دول الخليج أن تصطف إلى جانب واشنطن في أي قضية تضعها في صدام مع بكين. وينظر إلى إيران على أنها الخصم الرئيسي في الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يكون محاطاً بمساعدين ووزراء يتبنون الموقف الجمهوري المتشدد تجاه إيران. ومن حين لآخر سوف يفكر ترامب، المهووس بما يتصوره من مهارات شخصية كصانع للصفقات، في “صفقة كبرى” يمكن أن يتفاوض عليها مع إيران، ولكن أعضاء إدارته سيلتزمون بسياسة “الضغوط القصوى” التي انتهجها ضد طهران.
إن اعتبار الصين التحدي الأهم للولايات المتحدة على مستوى العالم قد أصبح من القضايا القليلة الحائزة على إجماع الحزبين، لذلك فإن إدارة هاريس سترغب أيضًا في إبقاء دول الخليج في الصف الأمريكي اقتصادياً ودبلوماسياً في الحرب الباردة الناشئة بين الصين والولايات المتحدة. يعد العامل الصيني أحد أهم العناصر المحفزة لإدارة بايدن لجعلها مستعدة لتقديم مستوى جديد من الالتزام الأمني الأمريكي للسعودية. وبما أنه من المرجح أن تقوم هاريس بتوظيف الكثير من الشخصيات القديمة من فريق بايدن ضمن فريق السياسة الخارجية الخاص بها، فمن المرجح بالتالي أن تتخذ نهجاً مماثلا في العلاقات الثنائية مع دول الخليج. لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هاريس على نفس القدر من الاستعداد لتقديم مجموعة الاتفاقيات المحددة التي قدمها بايدن للسعوديين، ولكن لا يبدو أنها تقترب من البيت الأبيض حاملة الميول المناهضة للسعودية نفسها التي يحملها بعض قادة الحزب الديمقراطي الآخرين.
الشأن الإيراني هو الأمر الذي ستختلف فيه إدارة هاريس بشكل واضح عن إدارة ثانية لترامب. ونظراً لهجمات إيران على إسرائيل في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول، لن يكون هناك تواصل فوري بين هاريس وطهران. ومع ذلك فقد كان الاتفاق النووي مع إيران بمثابة حجر الزاوية في سياسة الشرق الأوسط بالنسبة للرئيسين الديمقراطيين الأخيرين؛ حيث تمكن أوباما من التفاوض مع إيران على الاتفاق النووي، وقد سعى بايدن للعودة إلى ذلك الاتفاق، ولكنه لم يتمكن من تحقيق هذا الأمر. تنظر مؤسسة السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي على أن أي اتفاق يُبعد إيران عن احتمالية التسلح النووي باعتباره مكسب كبير للمصالح الأمنية الأمريكية في المنطقة، وقد انتقدت ترامب بشدة بسبب انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران. وبالنظر إلى التصريحات العلنية للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، التي تشير إلى الرغبة في العودة للمفاوضات النووية، فمن المرجح جداً أن يتم استئناف المحادثات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة بشأن القضايا النووية في وقت ما خلال رئاسة هاريس، إذا افترضنا أن التصعيد الإسرائيلي الإيراني الحالي لن يدفع الأمور في اتجاه يمنع هذا الاحتمال.
على المدى البعيد: الطلب على الطاقة والاقتصاد العالمي
ظاهرياً، يبدو أن لكل من ترامب وهاريس نهجاً مختلفاً تماماً فيما يتعلق بقضايا الطاقة. فقد عمل ترامب على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقيات باريس للمناخ، ووعد بالقيام بذلك مرة أخرى. فلقد تفاوض أوباما على اتفاقيات باريس وعاد بايدن للانضمام إليها. ولا شك في أن هاريس ستحافظ على الالتزامات الرسمية للولايات المتحدة بموجب هذه الاتفاقيات. ومع ذلك، فيما يتعلق بالمسائل العملية لإنتاج الطاقة، فلن يكون هناك أي اختلاف بين إدارة ترامب وإدارة هاريس. يكرر ترامب شعار “احفر يا عزيزي، احفر” [في إشارة للتنقيب عن البترول والغاز]، في حين تتحدث هاريس عن ضرورة التعامل مع مخاطر التغير المناخي، ولكن كليهما سيواصل تشجيع الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة. وسوف تتمحور خلافاتهما بشكل أكبر حول المدى الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تذهب إليه في تشجيع ودعم بدائل الطاقة النظيفة.
إن أهم تداعيات هذه الانتخابات على قطاع الطاقة تتعلق بالنمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي الطلب العالمي على الطاقة. دعا ترامب إلى تغيير جذري في موقف الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، والمتمثل بتشجيع التجارة العالمية، وبالتالي النمو الاقتصادي العالمي. لقد حافظت إدارة بايدن على معظم التعريفات الجمركية والقيود التجارية السابقة التي فرضتها إدارة ترامب، وتبنت سياسة للتدخل بشكل أكبر في دعم التصنيع الأمريكي. ومن المرجح أن تستمر إدارة هاريس في اتباع نفس النهج، إلا إن لا بايدن ولا هاريس قد دعما أبداً تلك الزيادات الضخمة على التعريفات الجمركية التي تحدث عنها ترامب خلال حملته الانتخابية. إذا تمكن ترامب من تنفيذ هذا التحول الجذري نحو تفعيل هذه السياسات الحمائية، وهي مسألة مفتوحة، فمن المرجح أن يبدأ حرباً تجارية عالمية قد تقلل بشكل كبير من المستويات الإجمالية للتجارة العالمية. وهذا السيناريو من شأنه أن يتسبب في انخفاض النمو الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم، وهذا قد يتسبب في انخفاض كبير في الطلب العالمي على الطاقة. إن مثل هذا التحول في المشهد الاقتصادي العالمي قد يؤدي لعواقب وخيمة للغاية على اقتصادات دول الخليج.
انعكاسات غير مباشرة وطويلة الأمد
من المرجح أن تكون التأثيرات قصيرة المدى للانتخابات الرئاسة الأمريكية على السياسات تجاه منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على وجه التحديد محدودة للغاية. لن تعمل إدارة ترامب ولا إدارة هاريس على إجراء تغيير كبير على النهج الحالي لإدارة بايدن. كما أن الإجماع بين الحزبين بشأن الصين من شأنه أن يدفع أياً من المرشحين، بمجرد توليه المنصب، نحو الحفاظ على علاقات التعاون مع دول الخليج. إن الاختلاف الأكبر بين المرشحين، وحزبيهما بشكل عام، فيما يتعلق بالشرق الأوسط يتمثل في السياسة تجاه إيران. من المرجح أن يعود ترامب إلى سياسات “الضغوط القصوى” التي انتهجها خلال فترة ولايته السابقة. وعلى خطى الرئيسين الديمقراطيين السابقين، سوف تسعى هاريس لتجديد المفاوضات النووية مع إيران. ربما يكون التأثير الأكثر أهمية للانتخابات على دول الخليج غير مباشر وطويل الأمد. من شأن هذا النوع من الحرب التجارية العالمية، التي قد تنطلق نتيجة لسياسات التعريفات الجمركية التي يقترحها ترامب، أن تتسبب في عواقب سلبية وخيمة على النمو الاقتصادي العالمي والطلب على الطاقة، الأمر الذي سيؤثر على جميع مصدري الطاقة في الخليج.