توجد طبقة جديدة من الموسيقيين الموهوبين في دول الخليج، موسيقاهم هي دعوة واضحة للتغيير الشخصي بجانب تجديد اجتماعي ثقافي يمتد من جدة إلى المنامة ونيو أورلينز.
خلال العقدين الماضيين، ظهرت طبقة مبدعة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى تتحدى نظرة العالم لهذه الدول وشعوبها. ومن بين الأجزاء الأكثر حيوية، ولكن الأقل مناقشة، لهذه الطبقة مساهمة شباب الخليج في مشهد موسيقي مستقل، له صوت مختلف عن موسيقى الخليج التقليدية والشعبية. ومن خلال موسيقاهم ومن على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أسس هؤلاء الموسيقيون مؤسسات جديدة للنهوض بعملهم وما سمّاه المغني الكويتي +عزيز (+Aziz) “الوعي الخليجي البديل” الذي “يسير عكس تيار الهوية الخليجية الحديثة”. وفي نهاية المطاف، فإن موسيقاه وموسيقى زملائه هي دعوة واضحة لتغيير شخصي، بجانب تجديد اجتماعي ثقافي، يمتد من جدة إلى المنامة ونيو أورلينز (الولايات المتحدة).
أحمد شاولي هو شخصية مركزية في المشهد الخليجي البديل. وهو خبير في مجال الموسيقى العربي، وعمل في عدة شركات رائدة، بما فيها تسجيلات روتانا في دبي، وهي أكبر ماركة تسجيل موسيقي في العالم العربي. في 2020 شارك في تأسيس جدار الصوت للإنتاج الفني وهي ماركة تسجيل موسيقي مستقلة وأستوديو تسجيل في جدة، تهدف للاستفادة من المشهد الموسيقي الجديد، ورفع القيود عن أنواع الموسيقى التي يمكن أداؤها في المملكة. يعود اسم الشركة إلى تركيبة الإنتاج الموسيقي التي طورها فيل سبيكتور، وهو شخصية مؤثرة في موسيقى البوب، والمعروف بشكل واسع كأول مؤلف لهذه الصناعة. وإلى حد كبير مثل سبيكتور، يهدف شاولي وزملاؤه إلى صياغة كل ملامح عمل الموسيقى من الإنتاج إلى التوزيع والتسويق والمبيعات.
يوجد في الوقت الراهن طبقة موهوبة من الموسيقيين في دول الخليج، يعتبرون، بفضل منصات الموسيقى الإلكترونية، أكثر ثقافة من ذي قبل فيما يتعلق بالتوجهات العالمية في الموسيقى، والكثير منهم يمثل طبقة اجتماعية من الشباب ذوي النزعة العالمية، الذين يدعوهم سيدني تارو “العالميين المتجذرين” في كتابه “الناشطية الجديدة العابرة للحدود الوطنية“. يسعى هؤلاء الشباب لربط “العالمي مع المحلي” و”الموارد والفرص المحلية والعالمية” لإدراك “التغيير في الوطن”. هم أيضًا يجيدون الأفكار المعاصرة وتكنولوجيا التواصل، ويرون في الأخيرة أدوات قوية في “العمل الجماعي” الذي يسمح لهم بتوظيف “مهاراتهم ومواهبهم الفنية” لتعزيز أهدافهم. الكثير منهم مثقفون عضويون، ومن خلال لغة الثقافة، يعبرون عن المشاعر والخبرات التي لا تستطيع الجماهير التعبير عنها بسهولة في سياقات أخرى.
عبد الملك زبيلة وفارس الصبياني، مؤسسا فرقة سكيلتون كراود هما مثالان رئيسيان على ظهور هذه المجموعة من الموسيقيين. تهدف سكيلتون كراود، التي وقعت مع شركة جدار الصوت للإنتاج الفني في 2020 إلى “تحطيم” الحواجز الاجتماعية بنوع من الموسيقى التي تعكس ديبيشي مود وناين إنش نايلز. إن إصدار “يوناس مندوس” (unus mundus) عام 2020 مستوحى من فكرة مركزية للطبيب والمحلل النفسي السويسري كارل يونج. بالنسبة ليونج، إن فكرة يوناس مندوس تدور حول رؤية الواقع الموحد الذي يبدأ منه كل شيء ثم يعود إليه في نهاية الأمر. تستخدم سكيلتون كراود تلك الفكرة لدفع مستمعيها إلى تجاوز “المعتقدات الثقافية التي انتقلت عبر التاريخ” والنظر لمجتمعها بعيون جديدة.
يُظهر فيديو كليب “يوناس مندوس” أشخاصًا يرقصون في مكان معتم بينما يومض الضوء، بحيث يخلق موقفًا قريبًا من الحلم أو اللاوعي. باستخدام لغة المجاز، تقول الأغنية إن هناك شيئًا خطأ عند المستمع، وضمنيا، عند المجتمع، الذي يحكم الفرد بمجموعة من الأكاذيب. تدعو الأغنية المستمع أن يغامر بدخول الظلام (فيما يمكن اعتباره مجازًا عما هو غير معروف أو عن اللاوعي) لإيجاد الخطأ، حتى لو كلفت الرحلة هذه ألمًا وجدانيًا حقيقيًا. وبشكل واضح، يتم إبلاغ المُشاهد في بداية الفيديو أن ردود أفعال الراقصين على الموسيقى هي عفوية لأنهم لم يسمعوا الأغنية قبل تصوير الفيديو، وأن الأغنية لا تعمل على تعريف أو التلميح إلى طبيعة المشكلة أو من يستخدم الأكاذيب لإصدار الأحكام. ويُترك ذلك للمشاهد كي يقرر.
شخصية مهمة أخرى في المشهد الإقليمي هو علي السعيد، مؤسس ميوزلاند (Museland)، وهي فرقة ومنصة في البحرين تقدم حفلات موسيقية ومؤتمرات موسيقية وعروضًا ليلية في الحانات المحلية والمواقع الأخرى، وتصدر فيديوهات موسيقية لمجموعات متنوعة من الخليج. والعديد من موسيقيي ميوزلاند هم، مثل زبيلة والصبياني، عالميون متجذرون، يرحبون بفنانين غير عرب في صفوفهم. الثلاثية “دو يو ريلي لايك ات؟” (Doyoureallylikeit)، على سبيل المثال، فيها موسيقيون آسيويون، وتشمل ديبي فرانسيسكو، وهي ضاربة طبل ومغنية. في الفيديو الموسيقي لـ “لونج ديستانس” – هي أغنية كوميدية ولاسياسية عن العلاقات عن بُعد خلال فترة جائحة كورونا – يظهر رجلاً خليجيًا يتشوق عن بعد لامرأة فلبينية. في منطقة حيث تفصل الحواجز الاجتماعية الاقتصادية الواسعة بين المواطنين والفلبينيين وغيرهم من العمال المغتربين، هو أمر يشكل صورة هامة، تلمح إلى إمكانية وجود نظام اجتماعي في البحرين، وإقليم الخليج الأكبر، يلعب فيه المغتربون دورًا ثقافيًا ملموسًا.
لقد امتد مشهد الموسيقى الخليجية البديلة بعيدًا عن المنطقة إلى أمريكا الشمالية، حيث درس هناك عدد متزايد من الخليجيين وأعادوا تموضعهم للبحث عن مسار مهني خاص بهم. وهؤلاء الفنانون نشيطون في المشهد الموسيقي الأمريكي، لكنهم حافظوا على علاقاتهم مع الخليج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا تطبيق كلوب هاوس. اشتهر كلوب هاوس بصورة كبيرة في بدايات 2021، ويعود الفضل في ذلك للألفة التي يوفرها والفرص التي يتيحيها للمشاركين للتعاون. ومن الذين استفادوا من الفرصة، التي يوفرها تطبيق كلوب هاوس، +عزيز، مؤسس كُوَيْزِيانا، وهي فرقة إندي روك التي يمزج اسمها جذور +عزيز الكويتية مع نيو أورلينز، لويزيانا – المدينة التي عاش فيها سبع سنوات. طبعًا، لقد احتضنت المجموعة هذه الهويات في تسويق ذاتها، حيث أطلق على فرقته الموسيقية اسم “روك خليجي من لويزيانا”.
تجسد تلك الفرقة التراث الفكري والموسيقي لـ +عزيز، وهو شخص يعبر عن أولئك العالميين المتجذرين خليجيًا – استنادًا إلى التراث الفني الغني للعالم العربي والكويت، بجانب التدريب الأكاديمي في التسويق الذي حصل عليه في الولايات المتحدة. من خلال نشأته في الكويت، فقد استمع +عزيز لفنانين ومجموعات متنوعة مثل أم كلثوم والموسيقى اللبنانية المستقلة/البديلة وناين إنش نايلز وسماشنج بامكنز. وقد أعطى +عزيز اهتمامًا للبحث عن مسار مهني إبداعي في الوطن – مع سليمان البسام أحد أبرز الكتاب المسرحيين في الكويت – متوقعًا أن يصبح نجمًا. ولكن شعر +عزيز أن الكويت لم تكن مهيأة لعمله في العقد الأول من القرن الـ21، مجبرة إياه أن ينشد حظه في الولايات المتحدة، بداية في نيويورك ثم بعدها في نيو أورلينز و قريبًا في مدينة سيياتل.
وجد +عزيز مجموعة من الشركاء الموسيقيين المتنوعين الوافدين من مناطق متنوعة كجنوب كاليفورنيا وفرنسا. في 2019، أقاموا كُوَيْزِيانا، وهي مجموعة تمثل انعكاساً لـفرقة “دو يو ريلي لايك إت؟” والمجموعات الأخرى المرتبطة بـ “ميوزلاند” في نواحٍ عدة. خلال السنوات الأخيرة الماضية، أصدرت الفرقة أغاني بكلمات عربية وإنجليزية تتطرق إلى العائلة والزواج واللاجئين والسياسة، وثقافة الشباب، ومواضيع أخرى. فيديوهات الجماعة أيضًا متنوعة، مع صور من كل من الولايات المتحدة والعالم العربي، وتشمل مشهدًا، في فيديو “براحة” الذي يتم فيه سكب الفيمتو- وهو شراب بريطاني يُستخدم بشكل واسع في رمضان في العالم العربي- في قفاز البيسبول.
ساعدت هذه الأنواع من الفيديوهات على إكساب الفرقة نسبة كبيرة من المتابعة حول العالم، والذي شمل عبد الله محمود مؤسس فرقة “دو يو ريلي لايك إت؟” الذي قال إنه هو وزملاؤه في الفرقة “من كبار المعجبين بكُوَيْزِيانا!” وأشار قائلا، “يوجد فرق قليلة في المنطقة… يمكنها أن تصمد وتنتشر بالطريقة التي تؤديها كُوَيْزِيانا. ويمكنكم أن تقولوا بحق من خلال السرد الجريء للقصة والحكايتين المتشابكتين لثقافتين تجمعان صوتًا موسيقيًا يقودكم إلى الاستماع من البداية حتى النهاية.”
ومع ذلك، فإن أكثر فيديو موسيقي مذهل قدمته كُوَيْزِيانا هو “أورنج كلان” الذي تم إصداره في يناير/كانون الثاني، والذي يبدو أنه يركز على السياسة والمجتمع الأمريكي كاملًا مع الإشارة إلى الأعاصير واعتقال الأطفال المهاجرين في الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. لكن جزءًا من الفيديو باللغة العربية ويوجد في العالم العربي. هناك، رجال يلبسون لباسًا خليجيًا يستمعون لشخص غاضب يهاجم الأجانب دون رحمة، يستخدم لغة مشابهة لما كان يستخدم في الولايات المتحدة، وعبر عنها بعض الكويتيين خلال جائحة فيروس كورونا، ويشمل الممثلة المشهورة حياة الفهد. رسالة “أورنج كلان” مقلقة، لكنها أيضًا توضح روح العصر عند العديد في الولايات المتحدة والكويت. في الواقع، فإن صورة تجسد أشخاصًا يشبهون جماعة كو كلوكس كلان بكوفية يلبسها الرجال في الكويت ودول الخليج الأخرى ملونة بالأحمر والأبيض قد انتشرت مؤخرًا على تويتر، ونشر أحد الكويتيين صورة مع رسالة مقلقة بالقدر نفسه: “الكويت للكويتيين فقط”.
بعد مرور قرن على كتابة الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه، والمعاصر لكارل يونج، بيت الشعر المشهور الذي يدعو فيه إلى وعي جديد ويقظة روحية جديدة، “عليكم أن تغيروا حياتكم”، تبنى +عزيز وموسيقيون خليجيون شباب آخرون رسالة مشابهة للتغيير الفردي والجماعي. من خلال أغانٍ وفيديوهات تحفيزية، يطلبون من المستمعين أن ينظروا إلى أنفسهم وإلى عالمهم من خلال عدسة جديدة، عدسة تتيح لهم إعادة اختبار معتقداتهم الجوهرية والقواعد التي تحكم حياتهم اليومية. وبشكل أساسي، فإن عمل هؤلاء الشباب الخليجيين هو ليس إجابة على العديد من التحديات التي تواجه المنطقة، والعالم الأشمل حاليًا، بقدر ما هو تساؤل جديد، وتذكير بتعقيدات الحياة المعاصرة خلال الجائحة. وبينما لا يستطيع الموسيقيون تغيير الموازين الاقتصادية والعسكرية والسياسية في الخليج، يُنصح المحللون وصناع السياسة بإبداء الاهتمام بهؤلاء الموسيقيين وبعملهم، الذي يجسد طموحات ملايين الأشخاص في المنطقة والعالم الأوسع.
بصرف النظر عمن سيفوز بمنصب الرئاسة في نوفمبر، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة لاستراتيجية تسمح لها بحماية التجارة الحرة والمفتوحة في البحر الأحمر دون أن تتورط في صراع مفتوح في اليمن.
سوف يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تترجم إسرائيل انتصاراتها العسكرية الواهية إلى حلول سلمية مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب الأخرين، بمن فيهم بقية دول الخليج العربية.
ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيات وسلبيات مهما كانت نتيجة لانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن دول الخليج ستعتمد على ديمومة العلاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.