“هذه المقالة هي جزء من سلسلة حول المقاتلين الشيعة الأجانب المدعومين إيرانيًّا وتأثيرهم المحتمل على ديناميكيات الأمن الإقليمي.
لا أحد يستطيع إجبارنا على الخروج من سوريا. وسنبقى هناك حتى إشعار آخر”. هذا ما قاله حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في خطاب بثته قناة الميليشيا اللبنانية الشيعية “المنار” في 20 أيلول: لقد تطور موقف الحزب بشكل كبير منذ تصريحاته في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية السورية الذي نفى فيها “المزاعم بأن الحزب يشارك في قمع الاحتجاجات في سوريا”. هذا الانقلاب الظاهر في المواقف بشأن سوريا مفهوم تمامًا: لقد دفعت المليشيات الشيعية ثمنًا باهظًا لضمان بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، الذي يضمن أيضًا لحزب الله شريان الحياة البري إلى طهران.
في الثلاثين من نيسان 2013، أكد نصر الله، على قناة المنار، للمرة الأولى تورط حزب الله العسكري في سوريا، في وقتٍ لم يعد من الممكن فيه المحافظة على سرية خسائر حزب الله المتزايدة في سوريا: أظهر مسح ميداني للخدمات الجنائزية في لبنان لمقاتلي حزب الله الذين سقطوا في المعارك في سوريا أن هنالك ما لا يقل عن 1233 فقيدًا أو حوالي 40 في المئة من إجمالي قتلى المقاتلين الشيعة الأجانب البالغ 2972 حسب تقديرات منشورات مفتوحة المصدر. لا بد أن هذا العدد الإجمالي للضحايا من الشيعة الأجانب هو بالمطلق الحد الأدنى، حيث إن الميليشيات الفردية عمومًا لها مصلحة في التقليل من شأن خسائرها ومن المرجح أن يكون عدد القتلى الفعلي أعلى. في الواقع، قبل خطاب نصر الله عام 2013 الذي اعترف فيه بوجود الميليشيا في سوريا على نطاق واسع، كان هناك عدد كبير مثير للريبة من الشبان اللبنانيين الذين يموتون بسبب حوادث المرور أو قصور القلب المفاجئ في وسائل الإعلام التابعة لحزب الله، والتي قد تكون محاولة لإخفاء العدد الحقيقي لقتلى حزب الله.
المقاتلون الشيعة الأجانب الذين سقطوا في المعارك في سوريا، ما بين كانون الثاني 2012 وتشرين الأول 2018
تم استقاء البيانات من العديد من المصادر المفتوحة
تُظهر دراسة أكثر وثوقًا عن الخسائر التقريبية لـ “حزب الله” العديد من السمات البارزة، التي تعطي أفكارًا غير مسبوقة تقريبًا حول بنية قوات الميليشيا الشيعية. السمة الأولى هي نسبة الجنود والعساكر مقابل الضابط بين القتلى. إن وصف المقاتلين الذين سقطوا في سوريا حسب المصادر باللغة العربية المقربة من حزب الله فيه تمييز بين “الشهيد” و”الشهيد القائد” أو “القائد الميداني”. هذا التمييز مهم: في حين تشير كلمة “الشهيد” إلى الجنود والعساكر الذين قُتلوا في المعارك في سوريا، فإن عبارة “الشهيد القائد” أو “القائد الميداني” تشير على الأرجح إلى الضباط. حسب هذا التعريف، فإن 77 من أصل 1,233 من خسائر حزب الله هم من الضباط.
ومن السمات البارزة الأخرى في المعلومات التي قدمتها وسائل الإعلام الخاصة بحزب الله حول خسائر الميليشيا، درجة التفاصيل المقدمة حول مكان ولادة القتيل. وفي حين أن نقص الإحصاءات الرسمية اللبنانية يعقد من عملية تقييم عدد وفيات حزب الله من كل محافظة بالنسبة إلى مجموع السكان، فإن الأعداد المطلقة لمن قتلوا في سوريا من محافظة النبطية تتصدر القائمة بـ 385 قتيلاً، يليها 288 من أهالي بعلبك-الهرمل، و271 من أهالي محافظات جنوب لبنان. و 72 من سكان البقاع.
قتلى حزب الله اللبناني خلال المعارك في سوريا حسب المحافظات التي ولدوا فيها، كانون الثاني 2012 – تشرين الأول 2018
تم استقاء المعلومات من العديد من المصادر المفتوحة
التحليل المعمق للأرقام يوضح أن حزب الله يُجند مقاتليه من المدن الكبرى ومن الأرياف كذلك.
قتلى حزب الله اللبناني خلال المعارك في سوريا حسب الناحية (المقاطعة) التي ولدوا فيها، كانون الثاني 2012 – تشرين الأول 2018
تم استقاء البيانات من العديد من المصادر المفتوحة
إن وقت مقتل مقاتلي حزب الله مقارنة بالميليشيات الشيعية الأجنبية الأخرى أمر جدير بالملاحظة: بلغ عدد قتلى مقاتلي حزب الله ذروته مبكرًا في أيار 2013 (93 قتيلاً) -في الوقت الذي لم تكن هناك خسائر أخرى بين المقاتلين الشيعة الأجانب- ما يوحي بأن الجمهورية الإسلامية لم ترغب في البداية بنشر قوات إيرانية وغيرها من القوات الشيعية في سوريا، لكنها فضلت ضمان بقاء نظام الأسد من خلال تدخل وكيلها اللبناني. إلا أن خسائر حزب الله الباهظة والمتواصلة أجبرت إيران على نشر مقاتلين أفغان وإيرانيين وعراقيين وحتى باكستانيين لمساعدة حزب الله والمساعدة في الحد من خسائره.
إن بلوغ خسائر حزب الله ذروتها في وقت يختلف عن فترات مقتل عناصر الحرس الثوري الإيراني يشير بوضوح إلى أن الميليشيا اللبنانية تقاتل بشكل مستقل عن الحرس الثوري الإيراني. يبدو أن العمليات العسكرية لحزب الله في سوريا قد تم تنسيقها بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني، ورفاقهم المحاربين الشيعة الأجانب، والقوات الجوية الروسية، ولكن لا يوجد ما يدل على أن قوات حزب الله تخضع لقيادة ضباط إيرانيين.
المقاتلون الشيعة الأجانب الذين سقطوا أثناء القتال في سوريا، من كانون الثاني 2012 حتى تشرين الأول 2018
تم استقاء البيانات من العديد من المصادر المفتوحة. تعكس ذروة خسائر حزب الله في كانون الأول 2013 وقت السماح بنشر المعلومات حول مقتل 86 من مقاتلي حزب الله وليس شهر القتل الفعلي.
في معظم الحالات، لا تعطي هذه المواد المفتوحة المصدر معلومات عن مكان مقتل هؤلاء المقاتلين بالضبط في سوريا، فمن بين 1233 حالة قتل معروفة، تم الكشف فقط عن مكان مقتل 238. وفي عدة حالات، تم استقاء هذه المعلومات من مواد باللغة الفارسية بدلاً من مصادر حزب الله اللبناني. ومع ذلك، فإن تصاعد أعداد القتلى قد يشير أيضًا إلى مكان القتل حتى عندما لا يتم الكشف عن هذه المعلومات بشكل علني، لأن التصاعد في أعداد الجنازات يميل إلى التزامن مع المعارك الكبرى في سوريا التي تم ذِكرها في المصادر المفتوحة. على سبيل المثال، فإن خسائر حزب الله الـثلاثة والتسعين قتيلًا في أيار 2013 تتزامن مع الهجوم المشترك لحزب الله والجيش السوري ضد مدينة القصير، ذات الموقع الاستراتيجي بين دمشق وساحل البحر الأبيض المتوسط وبالقرب من الحدود اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد سجلات مفتوحة المصدر لعمليات حزب الله في تموز 2014، ولكن القتلى الستة والثلاثين في ذلك الشهر قد يعزى للقتال أثناء استيلاء الدولة الإسلامية في العراق والشام على حقل غاز “الشاعر” في محافظة حمص في 17 تموز واستيلائها على قاعدة الفرقة 17 التابعة للجيش بالقرب من الرقة في 25 تموز. خسائر حزب الله الأربعة والثلاثون قتيلاً في شباط 2015 تعزى على الأرجح إلى الهجوم المشترك من قبل الجيش السوري الحر المعارض وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة ضد معاقل حزب الله في غرب القلمون، بالقرب من الحدود اللبنانية. ويشمل المعدل الشهري المرتفع لعدد القتلى في النصف الأخير من عام 2015 معركة الزبداني التي بدأت في تموز. كما يتزامن مع الفترة التي سبقت والتي أعقبت الحملة الجوية الروسية الأولى في سوريا والتي بدأت في أواخر أيلول 2015، وصاحبت فترة الهجمات المتزايدة من قبل قوات النظام وحلفائها. وأخيرًا، فإن خسائر حزب الله الـ147 في الفترة من حزيران إلى كانون الأول 2017 تتزامن مع عمليات مشتركة كبرى إلى جانب قوات الحكومة السورية والدعم الجوي الروسي، الذي أمَّنَ سيطرة النظام على مناطق شاسعة كانت تخضع لسيطرة المعارضة في السابق.
قد تكون خسائر حزب الله الهائلة في سوريا أضعفت الميليشيا اللبنانية، لكن الاستقرار الواضح لنظام الأسد عزز بلا شك الروح المعنوية داخل التنظيم. كما أنتجت التجربة في سوريا ميليشيا شديدة المراس مع خبرة في الاستطلاع الحربي والعمل المتبادل مع رفاقهم من المليشيات الشيعية الأجنبية، والحرس الثوري الإيراني، والجيش السوري، والقوات الجوية الروسية. وفي ضوء ذلك، فإن مصلحة نصر الله في البقاء في سوريا “حتى إشعار آخر” لا ينبغي أن تكون مفاجئة.