ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
لقد اجتاحت إيران موجات عديدة من الاحتجاجات منذ اعتقال مهسا أميني ابنة الاثنين وعشرين عامًا، بناء على تهم بعدم الامتثال لقواعد اللباس الإسلامي الإلزامي الخاص بالنساء، والوفاة المثيرة للريبة في معتقل الشرطة في 16 سبتمبر/أيلول 2022. في بداية الأمر، وجه المتظاهرون غضبهم ضد مقر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المعروف أيضًا باسم شرطة الأخلاق. ومع ذلك، وبشكل سريع استهدفت شعارات المحتجين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ورئيس الجمهوورية والنظام بكامله، ما يشير إلى أن الاحتجاجات لها جذور أكثر عمقًا. ما هو إذًا السبب الحقيقي الكامن وراء الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران، إذا لم يكن متعلقًا بقواعد لباس المرأة الإلزامي وتطبيقه بشكل عنيف؟ الإجابة المختصرة هي التحديث دون إرساء قواعد الديمقراطية، أو عدم رغبة النظام أو عدم قدرته على التكيف مع مجتمع تحول خلال العقود الأربعة الماضية.
شكلت الدولة القوة الدافعة للتحديث في إيران منذ ثورة عام 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، نتيجة للفشل في إيجاد رابطة بين التحديث وإرساء الديمقراطية، يكون النظام قد خلق طبقة وسطى حضرية تفتقر إلى مسارات حقيقية وقانونية للمشاركة السياسية. نتيجة لذلك، فإن غياب مثل هذه المسارات عن المشاركة السياسية، يجعل الاحتجاجات في الشوارع واحدة من الأدوات القليلة المعبرة عن المطالب السياسية وعن المظالم، وهو ما يفسر إلى حد كبير وقوع الاحتجاجات العنيفة المناهضة للنظام في إيران.
إن قضية أميني لا تُظهر فقط جهود التحديث التي تبذلها الجمهورية الإسلامية، بل تُظهر أيضًا عدم قدرة أو عدم رغبة النظام في ربط التحديث بالديمقراطية. أميني، وهي من مواليد منطقة سقز، المتأخرة اقتصاديًا واجتماعيًا، في محافظة كردستان الإيرانية، أكملت تعليمها الابتدائي والثانوي، واجتازت بنجاح امتحان القبول في الجامعة، وتم قبولها في فرع أورومية بجامعة آزاد الإسلامية. بالإضافة لتحضيرها للمتطلبات الجامعية، عملت أيضًا في بيع الملابس في كشك صغير في سوق سقز. خلال زيارتها لطهران وقت العطلة، تم القبض عليها بتهمة عدم الامتثال لقواعد اللباس الخاص بالنساء وتوفيت في معتقل الشرطة.
طبقًا لإحصاءات البنك الدولي، يمكن القول بأن ملف أميني يمثل العديد من النساء في إيران. لا يتوفر للبنك الدولي بيانات عن معدلات معرفة القراءة والكتابة للبالغين في إيران من 1977 إلى 1986، لذلك، فإن المقارنة الدقيقة بين إيران عشية حدوث الثورة والوقت الحاضر غير ممكنة. ومع ذلك، في عام 1976، كان معدل معرفة البالغين بالقراءة والكتابة في إيران هو 37%، وارتفع إلى 52% بحلول عام 1986، ووصل إلى 89% بحلول عام 2021. ومن خلال هذه المقارنة، نجد أن معدل القراءة والكتابة عند الإناث البالغات كان هزيلا بنسبة 24% في عام 1976، وارتفع ليصبح 41% بحلول عام 1986، ووصل إلى نسبة مذهلة حوالي 85% بحلول عام 2021. كان النمو في معدل الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي بعد الثانوي (أي التعليم الرسمي بعد الثانوي، مثل التعليم الجامعي أو المهني) مدهشًا بالقدر نفسه: في عام 1978، التحق 5% فقط من الإيرانيين ببرنامج التعليم العالي بعد الثانوي، ولكن هذا العدد ارتفع إلى 58% بحلول 2020. لقد سار معدل التحاق الإناث بمؤسسات التعليم العالي بعد الثانوي على نمط مشابه، حيث قفز من 3% في عام 1978 إلى 57% في عام 2020، على الرغم من انخفاضه عن 67% عام 2015. وبينما تُظهر بيانات البنك الدولي عن التعليم تطورًا مثيرًا للإعجاب، فإن أرقامه عن مشاركة القوى العاملة للإناث تُظهر ركودًا مخيفًا: في عام 1976، شارك 13.4% من النساء الإيرانيات في سوق العمل الرسمي، وبحلول عام 2022 ظل الرقم دون تغيير عند 13.9% تقريبًا.
تقوم الجمهورية الإسلامية بتعليم النساء من ناحية، ولكن من ناحية أخرى تعيق فرص التحاقهن بالعمل، وتحد من حريتهن الشخصية من خلال جهود تعتبر نفسها تشجع البناء الأسري، وتروج للفضيلة وتكافح الرذيلة، والتي تتضمن فرض وتنفيذ إجراءات العمل بقواعد لباس النساء، حتى على حساب حياة النساء الإيرانيات.
إن مشكلة النظام ليست مقصورة فقط على المتعلمات من النساء الإيرانيات، بل إنها جزء من مشكلته الأكبر مع الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة. في عام 1979، كان إجمالي عدد السكان في إيران متواضعًا، وبلغ 37.2 مليون نسمة، وقد ارتفع ليصل إلى 87.9 مليون نسمة في بحلول عام 2021. في عام 1979، بلغت نسبة سكان المدن 49%، مقابل نسبة 76% في عام 2021. سكان المدن هؤلاء مرتبطون ببعضهم بعضًا، ارتفعت اشتراكات الهاتف الثابت من 852000 في عام 1979 لتصل إلى 29 مليونًا في عام 2021، وارتفعت اشتراكات الهاتف المحمول من 9200 في عام 1994 إلى حوالي 136 مليونًا في عام 2021. كما تم إعلام سكان المدن منذ بعض الوقت عن التطورات في الخارج من خلال الصحف الناطقة بالفارسية والإذاعة والبث التلفزيوني الفضائي. الأهم من ذلك، أن الإيرانيين ولا سيما سكان المدن، مرتبطون بالإنترنت: ارتفع عدد الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت من 1% من عدد السكان في عام 2000 إلى 79% في عام 2021.
لقد حولت الجمهورية الإسلامية الهواتف المحمولة إلى أداة للمراقبة، وأخضعت وسائل الإعلام المحلية للرقابة، وشنت حربًا على محطات البث الفضائية الموجهة لإيران، وقيدت استخدام الإنترنت. ومع ذلك، فإن ربط التغير الاجتماعي، لا سيما ظهور طبقة وسطى حضرية متعلمة، مع الابتكار التكنولوجي، على الرغم من تقييده وفلترته بالقدر الممكن، يفرض تحديًا خطيرًا للنظام. تستمر النظرية السياسية الحديثة في محاولتها إثبات أن الطبقة الحضرية الوسطى المتعلمة، والمتصلة جيدًا من الناحية التقنية، قد طالبت تاريخيًا بالسلطة السياسية، والتي لا ترغب أو لا تقدر الجمهورية الإسلامية على تقديمها.
بدلا من تزويد الطبقة الوسطى المتعلمة بالسلطة السياسية، تواصل الجمهورية الإسلامية عملية تضييق مسار المشاركة السياسية الحقيقية والقانونية، حتى في إطار الديمقراطية المزيفة: مجلس صيانة الدستور، الذي يقوم بفلترة المرشحين الرئاسيين غير الملتزمين أيديولوجيًا، بناء على توجيهات خامنئي، وتم استبعاد 592 شخصًا ممن سجلوا في الانتخابات الرئاسية لعام 2021. كان الكثير من الأشخاص المستبعدين من أنصار النظام الذين كانوا ينظر إليهم سابقًا على أنهم ركائز النظام. من بين الأشخاص السبعة الذين نجحوا في اجتياز مرحلة تضييق مجلس صيانة الدستور، انسحب ثلاثة منهم لصالح إبراهيم رئيسي، الذي فاز في الانتخابات، التي شارك فيها فقط 48.8% من الناخبين المؤهلين – وهي أقل نسبة مشاركة في أي انتخابات في تاريخ الجمهورية الإسلامية. في مثل هذا النظام الانتخابي، المقيد بشكل كبير، ومع تقييد اختيارات المرشحين بشكل جذري، يكون عدم المشاركة في التصويت واحدًا من السبل القليلة أمام الناخبين لتوثيق رفضهم ومعارضتهم.
رغم الرقابة الحكومية المفروضة على وسائل الإعلام، فقد سارعت الصحافة الإصلاحية بالإشارة إلى العلاقة بين انخفاض المشاركة السياسية منذ انتخابات الرئاسة عام 2009، واندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام. قد لا تشكل مثل هذه الاحتجاجات تهديدات وجودية لنظام لا يتورع عن استخدام القوة ضد الجماهير لتأمين استمرار وجوده، ولكن استمرار اندلاع الاحتجاجات المتفرقة يشكل تكلفة سياسية على الجمهورية الإسلامية. كان يمكن للنظام أن يتجنب هذه التكلفة، ولكنه اختار اتباع إجراءات تستحق الشجب، مثل حرمان المرأة من التعليم كما فعل نظام طالبان في أفغانستان الحالية، وتكتيكات “السنة الصفرية”، مثل نقل سكان المدن إلى الريف، مثل فترة الخمير الحمر الرهيبة في كمبوديا في سبعينيات القرن العشرين، أو من خلال تكييف النظام السياسي لاحتواء التغيرات الاجتماعية.