تسمح أسواق الأسهم للشركات بالوصول إلى مصادر جديدة لرأس المال والمستثمرين للاستفادة من عوائد قد تكون أعلى مقارنة بالاستثمارات الأخرى، مثل السندات أو العقارات وتدفق الأرباح. تأسست أسواق الأسهم لأول مرة في الخليج في منتصف الثمانينيات، لكنها ترسخت ببطء. على الرغم من بعض التحسينات، كانت الأسواق الخليجية تفتقر للشفافية، وفي كثير من الحالات، كانت تخضع لهيمنة الشركات الكبيرة المرتبطة بالحكومة. ونتيجة لذلك، عمد مدراء الصناديق الدولية إلى تجنب أسواق الأسهم في المنطقة لسنوات عديدة. ومع ذلك، أدت الإصلاحات الرئيسية الأخيرة إلى طفرة في رسملة سوق الأسهم في دول الخليج، على عكس التوجهات العالمية.
دور أسواق الأسهم في التنمية المالية والاقتصادية
إن عملية إصدار الأسهم العادية في سوق الأسهم تتيح للشركات المدرجة زيادة رأس المال دون أن تتكبد الكثير من الديون أو أن تلتزم بسداد الأموال المكتسبة لاحقًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات إعادة شراء بعض أو جميع أسهمها القائمة إذا لم تعد بحاجة إلى رأس المال السهمي. في غضون ذلك، يتوقع المستثمرون الذين يقومون بشراء الأسهم أن يحصلوا على عوائد أفضل من الودائع المصرفية، على سبيل المثال. كما يسهل الخروج عن طريق بيع الأسهم في سوق السيولة النقدية.
ومع ذلك، وعلى مدى عقود، كان يُنظر إلى أسواق الأسهم في الاقتصادات الناشئة بشكل سلبي على أنها كازينوهات لمعظم صفقات المضاربة التي لا يبدو أنها تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأوسع للدولة. تذكرنا هذه الظاهرة بتصريح جون مينارد كينز (John Maynard Keynes) الشهير بأنه “عندما تصبح تنمية رأس مال في بلد ما من منتجات الكازينو الثانوية، فمن المرجح أن يكون العمل سيئ الأداء”.
بالإضافة إلى ذلك، ربما تكون الصناعة المصرفية قد مارست ضغوطًا لتأخير إنشاء أسواق الأسهم في الخليج خوفًا من احتمال استحواذ أسواق الأسهم على أعمال المصارف. ومع ذلك، فقد تبين أنه لا أساس لهذه المخاوف. أثبتت الدراسات أن “البلدان التي لديها أسواق للأسهم أكثر تطورًا لديها أيضًا مصارف أكثر تطورًا ووسطاء ماليون غير تابعين للمصارف”، ربما لأن سوق الأسهم الذي يعمل بشكل جيد يدعم أيضًا تطوير جوانب أخرى من القطاع المالي، بما في ذلك قطاع مصرفي حيوي وتنافسي ووسطاء ماليون لا يتبعون للمصارف.
علاوة على ذلك، تتطلب أسواق الأسهم من الشركات تلبية متطلبات الإفصاح الرئيسية، أي التصريح في الوقت المناسب عن جميع المعلومات ذات الصلة لوضع جميع المستثمرين في ساحة متكافئة للعمل وتحليل نقاط قوة الشركة ونقاط ضعفها والفرص والتهديدات التي تواجهها. علاوة على ذلك، يجب على الشركات المدرجة، في وقت الأزمات، أن تبلغ مساهميها بتأثير الأزمة المتوقع على أدائهم وكيف تخطط الإدارة لمعالجة الأمر.
في ظل هذه الظروف، تميل الاقتصادات ذات أسواق الأسهم الأكثر تطورًا لامتلاك شركات بإدارة أفضل مع أساليب عصرية للمحاسبة، ورقابة دقيقة على البيانات المالية، وطريقة شفافة في اتخاذ القرارات الإدارية القائمة على البيانات. وقد أثبتت الدراسات أنه يمكن أن يكون لأسواق الأسهم تأثير دائم على النمو الاقتصادي الطويل الأجل.
أسواق الأسهم في دول الخليج العربية
بدأت دول الخليج العربية في تأسيس أسواق الأسهم في السبعينيات والثمانينيات. تم إنشاء بورصة الكويت في عام 1984 لتصبح بذلك أول دولة عربية خليجية تنشئ بورصة، وتبعتها البحرين وسلطنة عمان. كان لوفرة الثروة النفطية دور في تأخير تحركات مماثلة في السعودية والإمارات وقطر. في السعودية، على سبيل المثال، كان نظام الوساطة غير الرسمي هو القائم حتى عام 1985، عندما لجأت الحكومة لوضع جميع تداولات الأسهم تحت سيطرة مؤسسة النقد العربي السعودي، وتم تفويض البنوك المحلية بالعمل كوسيط ورعاية شركة تسجيل الأسهم السعودية، التي كانت مسؤولة عن إدارة سجلات المساهمين وشهادات الأسهم. وأخيرًا، في 19 مارس/آذار 2007، وافق مجلس الوزراء على تشكيل السوق المالية السعودية (تداول) كشركة مساهمة.
في مارس/آذار 2000، تم إنشاء سوق دبي المالي، ثم تبعتها إمارة أبوظبي بإنشاء سوق الأوراق المالية الخاص بها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
ظل عدد الشركات المدرجة في دول الخليج العربية محدودًا، متراوحًا حول متوسط 104 شركات لكل دولة في نهاية عام 2022؛ مقارنةً بسنغافورة التي بلغ عدد الشركات المدرجة فيها 672 شركة. يُظهر التداول، وفقًا لقياس نسبة المبيعات الإجمالية – نقاط ضعف في بعض الأسواق، لا سيما بورصة البحرين وسوق مسقط للأوراق المالية. قد يتم طرح الشركات المرتبطة بالحكومة للاكتتاب العام فقط لتنفيذ قرارات الحكومة. وبالمثل، قد يتم إدراج الشركات العائلية في أسواق الأوراق المالية فقط ليكون لها اسم في هذه الصناعة.
تشير دراسة أجراها مركز ويلسون إلى أنه ينبغي لإصلاحات السوق واسعة النطاق أن تشتمل على خيارات متنوعة للأصول، وسيولة نقدية عالية، وتجمعات أكبر من المستثمرين المحليين، وشفافية في البنية التنظيمية، وبرنامج خصخصة أكثر حزمًا. تفتقر قاعدة المستثمرين المحليين في دول الخليج العربية إلى المستثمرين المؤسساتيين الذين يشكلون العمود الفقري لأسواق الأسهم الناضجة. لا تزال صناديق التقاعد وشركات التأمين بحاجة للتطوير، وما تزال وسائل الادخار الجماعي الأخرى تواجه قيودًا مماثلة وتفتقر للإدارة المهنية، في الوقت الذي يعمل فيه الافتقار إلى التنويع الاقتصادي على عرقلة خيارات الأصول. كما تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة صعوبة في تلبية المتطلبات الصارمة للإدراج في البورصات الوطنية.
في حين قد لا تكون الإصلاحات التي تم إدخالها حديثًا إلى الخليج شاملة بالقدر المطلوب، ولم تتم معالجة بعض القضايا، إلا أنه ثمة تغييرات أساسية قد عززت من ثقة المستثمرين، ما أدى إلى حدوث طفرة في رسملة السوق. وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج العربية قد نفذت مبادرات لزيادة الاكتتاب العام الأولي للشركات المبتدئة، واستخدمت صناع السوق لتطوير التداول والسيولة.
مبادرات لتعزيز الاكتتاب العام الأولي
من خلال الاكتتاب العام الأولي، يتم طرح الشركات الخاصة للاكتتاب العام، وتقديم إصدار أسهم جديد للمستثمرين. التحدي الذي يواجه المسؤولين التنفيذيين هو التخلي عن الملكية الخاصة مع تلبية متطلبات الشفافية في السوق. وتحقيقًا لهذه الغاية، اتخذت السلطات في دول الخليج العربية تدابير من شأنها أن تشجع الاكتتابات العامة الأولية.
ابتداءً من عام 2016، طلبت هيئة سوق رأس المال السعودية من جميع الشركات المدرجة اعتماد معايير التقارير المالية الدولية لمجلس معايير المحاسبة الدولية، وتحديث لوائح الاكتتاب العام الأولي من خلال توضيح عملية الإدراج والالتزامات للمُصدرين، بما في ذلك المتطلبات الإلزامية لحوكمة الشركات بما يتماشى مع المعايير الدولية، والسماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في الاكتتابات العامة الأولية.
كما أن سوق دبي المالي قد أجرى أيضًا إصلاحات كبيرة. في عام 2021، عندما أصبح واضحًا أن هذا السوق قد فقد ازدهار الاكتتاب العام الأولي الذي اجتاح الأسواق المجاورة، أعلنت دبي عن خطة لإدراج 10 شركات مملوكة للدولة في البورصة. جلبت هذه الخطوة رأس مال سهميًا جديدًا للشركات الإماراتية، وكان ذلك بمثابة هبة للمستثمرين المحليين، مثل جهاز الإمارات للاستثمار وصندوق أبوظبي للتقاعد. من المتوقع أن تعمل هذه المبادرة على تشجيع شركات القطاع الخاص، وخاصة الشركات العائلية، على طرح أسهمها للاكتتاب العام.
وفقًا للتقديرات المتاحة، كان لدى دول الخليج العربي إجمالي 90 اكتتابًا عامًا أوليًا في الفترة ما بين 2016 وأغسطس/آب 2022 (من ضمنها 60 اكتتابًا عامًا أوليًا في تداول السعودية و11 في الإمارات). وكان أبرز طرح للاكتتاب العام الأولي في الخليج هو إدراج شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو لتداول في ديسمبر/كانون الأول 2019. ويبحث مسؤولو أرامكو السعودية الآن الاكتتاب العام الثاني في هونج كونج، ما من شأنه أن يسمح للشركة بالاستفادة من زيادة الطلب من المستثمرين المقيمين في الصين. علاوة على ذلك، أعلنت هيئة السوق المالية مؤخرًا أن 22 شركة تنتظر طرح أسهمها للاكتتاب العام في “تداول”، “وفقًا لشروط السوق”.
صناع السوق
صناع السوق هم أشخاص أو شركات متخصصة يقومون بشكل مستقل بشراء وبيع الأسهم بالأسعار المحددة رسميًا، حتى تلك الأقل سيولة (مثل تلك الموجودة في بعض الشركات العائلية)، ما يتيح للمستثمرين فرصة للتداول. يجب أن يلتزم صناع السوق بالأسعار المحددة رسميًا بشكل مستمر في الشراء والبيع. وإدراكًا لهذه المزايا، اعتمدت تداول السعودية إطار عمل صناع السوق في عام 2018، وقامت بتحديثه في ديسمبر/كانون الأول 2022 ليشمل أسواق الأسهم والمشتقات الخاصة بها لزيادة السيولة وضمان الكفاءة في تحديد الأسعار، أي أنها تعكس جميع المعلومات المتاحة ذات الصلة، وليس حركات المضاربة. تستخدم تداول السعودية الآن برنامج صناع السوق أركا (Arca) الريادي في بورصة نيويورك، بالإضافة إلى 12 آخرين من صناع السوق.
وفي الوقت ذاته، تمتلك بورصة الكويت، التي تقوم على تشغيل سوق الكويت للأوراق المالية، سبعة من صناع السوق لاثنتين وستين من الأوراق المالية المسجلة لصناعة السوق. يتوفر لدى سوق أبوظبي للأوراق المالية ثلاثة صناع سوق، ولدى سوق دبي المالي خمسة، ويخطط لإنشاء صندوق لصناع السوق بحوالي 545 مليون دولار لدعم عمليات الإدراج والترويج للتداول الثانوي.
أدت هذه الإصلاحات، التي تم تنفيذها على خلفية ارتفاع عائدات النفط، إلى طفرة في رسملة السوق، متحدية التوجهات العالمية. خلال الفترة من 2021 إلى 2022، ازدادت قيمة رأس المال السوقي بنسبة 259٪ في سوق أبوظبي للأوراق المالية، وبنسبة 71٪ في سوق دبي المالي، و59٪ في الكويت، و21٪ في البحرين، و16٪ في عُمان وقطر، و12٪ في السعودية.
ربط المعطيات مع بعضها البعض
بدعم من المقومات الاقتصادية القوية، وارتفاع أسعار الطاقة، والالتزام بالتنويع بعيدًا عن النفط، أثبتت الإصلاحات الأخيرة أنها مفيدة لتنمية أسواق الأسهم في دول الخليج العربية.
وللمضي قدمًا، سوف تتمثل الخطوة الهامة الأولى في وضع جدول أعمال لزيادة الاكتتابات العامة الأولية للشركات الكبيرة المرتبطة بالحكومة. قد تتغلب التأثيرات الإرشادية للعروض الناجحة، إلى جانب ثقافة الاستثمار في سوق الأوراق المالية، على مخاوف الشركات العائلية التقليدية من فقدان السيطرة والإحجام عن التجاوب مع دعوات الحكومة للإدراج في البورصات المحلية.
بمجرد أن تتبدد هذه المخاوف، قد ترى الشركات معايير الحوكمة والشفافية الدولية كفرص لتحسين الإدارة، وضمان تمويل إضافي، وتوسيع الإنتاج والوصول إلى الأسواق. وبدورها لابد للقطاعات المالية في دول الخليج العربية وللتنمية الاقتصادية الطويلة الأجل أن تجني ثمار هذه الإصلاحات.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
سواء فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالرئاسة للمرة الثانية أم لا، فإن علامته التجارية ستبقى سمة واضحة في منطقة الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.