إن التشاحن المستمر بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في سياق الخلاف على إجراءات إنتاج النفط بين أعضاء تحالف أوبك بلس، يتم المبالغة في تقديره، وكذلك تهميشه في الوقت نفسه، في ساحات مختلفة. إن الخلاف بينهما حقيقي وجوهري. ولكن تبقى كل من الإمارات والسعودية مرتبطين، بشكل أساسي، على المستويين الإقليمي والدولي، لأنهما مستمرتان في مشاركة مصالح جوهرية لتبقيا شريكتين أكثر بكثير من متنافستين. ومع ذلك، فإن الخلافات، بعضها طويلة الأجل وأخرى حديثة، هي خلافات جوهرية. لذلك، من الضروري التفريق بين ما يحدث وما لا يحدث بين هاتين القوتين المهمتين في الخليج العربي.
المفاجأة الشائعة لما يبدو أنه خلاف مفاجئ بين أبو ظبي والرياض تكمن في سوء فهم العلاقة بين الدولتين في العقود الأخيرة. فقد كان من الشائع الافتراض أن الإمارات والسعودية لهما رؤية للعالم ومصالح غير متمايزة عن بعضهما، وأن الإمارات تمثل، بشكل ما، تابعة أو معتمدة على السعودية. لكن الأمر لم يكن كذلك على الاطلاق.
لقد أدت العديد من العوامل لإدامة هذا الاعتقاد الخاطئ، بما فيها تصميم الإمارات في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين على جعل الشراكة مع السعودية والولايات المتحدة حجر الزاوية في استراتيجية أمنها الوطني. وهكذا تم احتواء، أو التقليل من شأن، الخلافات مع السعودية بدواعٍ سياسية.
ومع ذلك، حتى في لحظات التعاون القصوى، مثل التدخل في اليمن بقيادة السعودية، فقد كان للإمارات والسعودية أهداف وضرورات متداخلة، لكن مختلفة. ومع مرور الوقت، تطورت هذه الخلافات إلى اختلاف واضح بين الحرب التي تقودها السعودية في الشمال ضد المتمردين الحوثيين، والجهود التي تقودها الإمارات لإحلال السلام في الجنوب، وإيجاد توازن بين الحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة، والأحزاب ومجموعات الميليشيات الجنوبية (بعضها ذات ميول انفصالية)، ومعركة معقدة ضد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية. لقد أصبحت هذه الحروب الانفصالية واضحة بجلاء عندما بدأت الإمارات تخفيض وجودها العسكري تدريجيًا في اليمن في يوليو/تموز 2019. وقد حققت الإمارات نجاحًا ملحوظًا في المسرح الجنوبي أكثر مما حققته السعودية في المسرح الشمالي، واستنتجت أن الانخراط المباشر المستمر قد وصل لنقطة تراجع المكتسبات. وقد بذلت الإمارات قصارى جهدها للإصرار على أنه لا يوجد خلاف حقيقي مع السعودية، علمًا أن الخلاف كان يوجد بشكل واضح، وقد عملت السعودية على مجاراة ذلك.
إن السردية واسعة الانتشار بأن الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، يتصرف كمرشد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قد خلقت نوعًا من الارتباك. هذا الوصف المعيب، الذي هو في أحسن الأحوال عبارة عن رسم كاريكاتوري مبالغ فيه، أكد أنه، من خلال قوة الشخصية، فإن محمد بن زايد، على الرغم من وضع الإمارات كشريك صغير، كانت له سيطرة مؤثرة في الرياض. لم يكن ذلك مجافيًا للحقيقة فحسب، بل بالتأكيد أضاف إلى الشكوك المتبادلة، على الأقل بين الزعيمين. والحقيقة الأكثر تعقيدًا هي أن السعودية، تحت قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان، قد اقتربت بشكل ملحوظ من الأيديولوجية الإماراتية في رفضها الواسع للإسلاموية كتوجه سياسي بين المسلمين.
لكن ذلك لم يكن بسبب الكاريزما أو التأثير الشخصي لمحمد بن زايد. بل كان بالأحرى، إعادة تقييم استراتيجي وُلد من رحم المصالح الخاصة للسعودية. وقد كانت هناك دومًا خلافات واضحة، فالسعودية لا تستطيع رفض التفاعل بين الدين والسياسة كما تحاول الإمارات أن تفعل، لأنه حتى مع انتقالها إلى سردية أكثر شعبية وذات نزعة وطنية، تبقى السعودية مرتبطة بشكل عميق بتاريخها الإسلامي وبالإسلام كنص اجتماعي وسياسي. كان ذلك واضحًا في اليمن، حيث رأت السعودية في حزب الإصلاح الإسلامي شريكًا رئيسيًا محليًا، بينما شككت الإمارات في التنظيم بشكل عميق، حتى عندما وافق مسؤولون إماراتيون كبار، على مضض، على الالتقاء بقادة الإصلاح.
لقد ابتعدت الإمارات والسعودية جدًا عن بعضهما في موضوع التحالفات الإقليمية كذلك. لقد انخرطت السعودية في محاولة تقارب تجريبية مع تركيا، والتي تراها الإمارات قائدة التحالف الإقليمي للإسلام السني، ولها الإمكانات لمنافسة شبكة الإسلام الشيعي الإيراني. لقد مالت السعودية لرؤية أنقرة، ببساطة، كقوة إقليمية، محتملة، مهيمنة أخرى، ومصدر قلق، أكثر من كونها تهديد أيديولوجي. إن الانقسامات بين الإمارات والسعودية حول تركيا كانت واضحة عندما كانت السعودية قريبة من اتفاقية تنهي مقاطعة قطر. وعندما اكتشفت الإمارات أنها لن تتمكن من منع اتفاق ثنائي بين الرياض والدوحة، قدمت عرضها الأخير لتصالح أوسع في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحقق في قمة العلا في يناير/كانون الثاني. وبتركها وشأنها مع رؤيتها الخاصة، فقد تكون الإمارات قد فضلت استمرار المقاطعة، ونظرت لها من منظور أيديولوجي يرى في قطر عضوًا رئيسيًا في شبكة تركيا الإقليمية الناشئة.
هذه الخلافات كانت أيضًا واضحة في ما يتعلق بإيران وإسرائيل. فقد كانت الإمارات أسرع في فتح حوار مع إيران، وسارت في ذلك أبعد من السعودية. وهذا يعود، جزئيًا، إلى أن الإمارات أصغر وأكثر ضعفًا من السعودية، أمام الهجمات الصاروخية تحديدًا، ولكن أيضًا بسبب أن الإمارات ترى في إيران واحدة من عدة تهديدات إقليمية، بما فيها تركيا، بينما تستمر السعودية في النظر لإيران على أنها تهديد فريد. وربما قد ساعدت علاقات دبي التجارية طويلة الأمد والشاملة مع كيانات قطاع الأعمال الإيرانية على تشكيل مفاهيم أبو ظبي للتهديدات المتعلقة بإيران.
لقد كانت السعودية واضحة في أنها لن تعارض اتفاقية الإمارات في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حتى قيل إنها وافقت على السماح للبحرين، التي يوجد للرياض تأثير جوهري عليها، أن تحذو حذوها. ولكن الرياض حريصة على ترك خياراتها مفتوحة وتحسب الفوائد والأضرار لأي تحرك من ذلك القبيل عليها. وأحد أهم الخلافات هنا هو أنه توجد للسعودية أدوار قيادية إقليمية عربية وعالمية إسلامية لا توجد ببساطة للإمارات. وتستطيع الإمارات أن تتصرف بحزم في ما يتعلق بمصالحها مع قليل من الاعتبار للعوامل الأخرى، بينما من المحبط للسعودية أنها لا تستطيع عمل ذلك في بعض الأحيان.
ومع ذلك، فإن أكبر خلاف هو ما ظهر بخصوص الجدل الحالي على أوبك بلس. لقد سارت الإمارات قُدمًا في تطوير إطار اقتصاد ما بعد مرحلة النفط أكثر من السعودية. فالسعودية وروسيا، في وسط العديد من الخصومات المريرة بينهما، تستخدمان أوبك بلس لإدارة تسعير النفط، وتنظيم الإنتاج لصالح اقتصاديهما. والإمارات تتوقّد غضبًا منذ مدة طويلة لعدم استشارتها بشكل مناسب وعدم أخذ مخاوفها بعين الاعتبار في حدود الإنتاج. وطبعًا، بينما تسعى العديد من الدول المنتجة للنفط الأخرى إلى إدارة التسعير على المدى البعيد، ترغب الإمارات في تحويل مواردها الطبيعية إلى نقود بشكل سريع للمساعدة في الانتقال بعيدًا عن الاقتصاد القائم على النفط. لذلك، فإن ترتيب أوبك بلس الحالي لا يعمل لصالح أبو ظبي، وبينما يرى معظم المحللين أن اتفاقًا قصير الأجل يمكن تحقيقه، فإن هذه الخلافات الاقتصادية تجعل من الإمكان تخيل مغادرة الإمارات لأوبك، بشكل كامل، لتحرير نفسها من قيود الإنتاج. ومع ذلك، من السهل أيضًا تقدير المخاطر التي قد تواجه أبو ظبي إذا حاولت أن تناور خارج إطار أوبك، وهي مخاطر تستوجب درجة من الحذر في صناعة القرار الإماراتي حول أي خروج حقيقي، مقابل سياسة حافة الهاوية كاستراتيجية تفاوضية.
الانقسامات بين الإمارات والسعودية حقيقية وجوهرية، ويمكن أن تتطور إلى صدع عميق مع مرور الوقت. لكن أيًا من المنافسين أو الخصوم يأملون في أن تكون هذه نهاية الشراكة بين أبو ظبي والرياض قد يخيب أملهم. جوهريًا، في غالبية القضايا توجد للإمارات والسعودية أهداف توافقية، ويمكنهما دعم بعضهما بقدرات تكاملية. وكلتاهما ما تزالا ضمن معسكر عريض مؤيد للولايات المتحدة. وأيضًا، بينما تنظران للتهديدات بطريقة مختلفة، فإن لديهما المخاوف الرئيسية نفسها، إيران وشبكة وكلائها الإقليميين، وتركيا وحلفها الإقليمي الصاعد، والتهديد المستمر من الجماعات المتطرفة والإرهابية. في منطقة مقسمة بين قوى الوضع الراهن والقوى الرجعية، فإن الإمارات والسعودية في معسكر الوضع الراهن.
إن المخاوف الاقتصادية، غالبًا، ما تكون كافية لاستدعاء وتضخيم المنازعات بين شركاء متعاونين في العادة. وهناك عدم توافق جوهري بين طريقة كل من الإمارات والسعودية لإدارة موارد الطاقة لديهما. ومن المرجح أن يستمر ذلك في إذكاء الخلافات. ولكن، حتى مع وجود خلافات متنوعة أخرى، فليس من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى عزلة مريرة كما هو الحال في الخلاف مع قطر.
يعتبر الخلاف الحالي، جزئيًا، نتيجة لعملية النضوج بين دول الخليج العربية. ومن الطبيعي أن يكون بين الدول المتحالفة خلافات لا تؤدي إلى تصدع شراكتهم الأساسية، والخلافات الاقتصادية مصدر نموذجي لذلك. على سبيل المثال، كانت هناك خلافات تجارية متكررة حادة بين الولايات المتحدة وكندا. لقد بدأت الإمارات في الظهور كلاعب دولي أكثر قدرة، وإلى حد ما، فإن استعدادها الحالي للاختلاف صراحة مع السعودية هو دلالة على زيادة قوتها. وفي ظل هذه الظروف، تصبح الخلافات الطويلة الأمد أكثر وضوحًا. ولكن ذلك لا يشكل انقطاعًا حقيقيًا بين الإمارات والسعودية أو يعني نهاية الشراكة بينهما.