في 24 فبراير/شباط، عندما دخلت الدبابات الروسية إلى بلاده، أجرى الرئيس الأوكراني عدة مكالمات هاتفية. ربما كانت إحداها، على نحو مفاجئ، لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، ربما كان يسعى للوساطة (تحدث وزير الخارجية القطري عقب ذلك مع نظيره الروسي). قبل ذلك بأسبوعين، اجتمع تميم في البيت الأبيض مع الرئيس جوزيف بايدن، وهو أول زعيم خليجي يمنح هذا الشرف. على رأس جدول الأعمال كانت جهود الولايات المتحدة لتأمين إمدادات غاز إضافية لأوروبا في حالة تعطل الإمدادات من روسيا. ثم في 22 فبراير/شباط، بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالدخول إلى منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، ردت ألمانيا بتعليق المصادقة على خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2 الروسي، واستضاف تميم قادة منتدى الدول المصدرة للغاز، وكان من بينهم وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولجينوف، ورحب بوتين بهذا الحدث (متعهدًا بأن روسيا “ستواصل شحنات الغاز إلى الأسواق العالمية دون انقطاع”)؛ كانت هناك شائعات بأنه قد يحضرها شخصيًا، لكن من الواضح أنه كان مشغولًا. ومن المثير للاهتمام أن الاجتماع شمل أيضًا الرئيس الإيراني، في زيارة خارجية نادرة، في الوقت الذي كان يبدو فيه أن المحادثات النووية في فيينا على وشك الانتهاء.
تُذكر هذه السلسلة من الاجتماعات من جديد بمكانة هذه الدولة الخليجية الصغيرة، التي يبلغ عدد مواطنيها الأصليين 300 ألف نسمة فقط، في قلب أسواق الغاز العالمية والجغرافيا السياسية. تلعب قطر دورًا مهمًا. وعلى الرغم من أنه قد لا يكون لديها الكثير من القدرات الاحتياطية الفائضة لمساعدة أوروبا في الوقت الحالي، إلا أنه إذا تسبب الصراع في تعطيل الغاز الروسي، الذي يوفر 40% من الاستهلاك الأوروبي، فقد يقدم مساهمة كبيرة في المستقبل، حيث تخطط قطر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بما يقارب الثلثين ما بين 2025 و2027. ويبدو أن عرضها بتأمين الإمداد غير المسيس أكثر إغراءً من أي وقت مضى لمستهلكي الطاقة في أوروبا وخارجها. ليس من الواضح ما إذا كانت قطر ستلعب دورًا في المشاركة الجيوسياسية في الصراع الأوكراني، على الرغم من أنها من المرجح أن تستخدم علاقاتها القوية مع روسيا وأوكرانيا والغرب لتشجيع وقف التصعيد والحوار، على غرار سلوكها في النزاعات الأخرى.
أصدقاء للغرب وروسيا
كانت الاستراتيجية الجيوسياسية لقطر، منذ أن أصبح والد تميم أميرًا في عام 1995، تتمثل في بناء علاقات واسعة النطاق، غالبًا ما كانت تبدو متناقضة، ولكن هذه العلاقات مكنتها، في بعض الأحيان، من لعب دور مفيد بشكل فريد. على سبيل المثال، تستضيف المقر الرئيسي المتقدم للقيادة المركزية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكنها تحظى كذلك بثقة طالبان. وقد مكنها ذلك من تنظيم عمليات إجلاء من كابول بعد الانسحاب الأمريكي في عام 2021. وتقيم علاقات صداقة مع الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين، فتح وحماس، ولديها كذلك علاقة عمل فعالة مع إسرائيل (على الرغم من التمسك بمبادرة السلام العربية كمعيار للنظر في تطبيع العلاقات)، الأمر الذي مكّنها من التخفيف من حدة الصراع، مرارًا وتكرارًا، على حدود غزة وتوفير الطاقة ومشاريع الإسكان والمساعدات الإنسانية.
عندما يتعلق الأمر بروسيا، لدى قطر العديد من نقاط الاتصال. فقطر وروسيا هما العملاقان التوأمان في منتدى الدول المصدرة للغاز، والذي، على العكس من أوبك، هو محفل حوار أكثر من كونه مؤثرًا في السوق. (غادرت قطر أوبك في عام 2019 للتركيز على الغاز). وتعد كرة القدم من الروابط غير المرجحة الأخرى، حيث ستستضيف قطر كأس العالم لكرة القدم ابتداءً من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، كما فعلت روسيا في عام 2018 عندما قام بوتين رمزيًا بتسليم تميم، ضيف الشرف، عباءة الاستضافة. وأصبح جهاز قطر للاستثمار أيضًا مستثمرًا رئيسيًا في روسيا، بما في ذلك الشراكات مع صندوق الاستثمار الروسي المباشر (كما فعلت الصناديق الخليجية الأخرى). وقامت قطر بأكبر استثمار منفرد، حيث اشترت حصة بنسبة 19% من شركة النفط الروسية روسنفت مقابل ما يقارب 11 مليار دولار في عام 2016 (عبر وسيلة معقدة مدعومة بالديون، على الرغم من أن جهاز الاستثمار القطري قد استحوذ في نهاية المطاف على الملكية المباشرة للمخزون في عام 2018). قد يبدو هذا خيارًا غريبًا، لكن إنتاج قطر من النفط الخام في تراجع، لذلك يمكن اعتباره نوعًا من التنويع في حافظتها الاستثمارية من الهيدروكربون التي يهيمن عليها الغاز. استثمرت قطر في ثاني أكبر بنك في روسيا، بنك VTB، في الاكتتاب العام الأولي للبنك في عام 2013 ولا تزال ثاني أكبر مستثمر أجنبي بحصة 0.5% (تمتلك الحكومة الروسية 92%، وتعرضتروسيا لعقوبات الولايات المتحدة في 24 فبراير/شباط) واشترت حصة بنسبة 25% في مطار فنوكوفو بموسكو عام 2018.
قامت قطر بتطوير هذه العلاقات مع روسيا حتى أثناء منافستها في أسواق الغاز (حيث تتنافس قطر الآن أيضًا مع الولايات المتحدة) وتختلف معها بشدة في العديد من القضايا الجيوسياسية، لا سيما في سوريا، حيث لا تزال قطر أكثر المنتقدين العرب، حماسًا، لنظام الرئيس بشار الأسد. وكما تمت الإشارة سابقًا، فإن هذه التوترات تعتبر ميزة حسنة وليست مثلبة في الدبلوماسية القطرية، ومن الممكن أن تلعب الدوحة دورًا في الأشهر المقبلة، كما فعلت في صراعات أخرى. وربما يكون لدول الخليج الأخرى التي تراقب الانقسام بين روسيا والغرب دور كذلك، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي تقود سياسة النفط بشكل مشترك مع روسيا (من المقرر اتخاذ قرار رئيسي بشأن زيادة الإنتاج في اجتماع أوبك بلس لتحالف الدول الأعضاء وغير الأعضاء في أوبك في 2 مارس/آذار)، والإمارات العربية المتحدة، الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعضو في مجلس الأمن الدولي حاليًا.
زيادة جريئة
في يوم هادئ من شهر أبريل/نيسان 2017، أعلن سعد شريدة الكعبي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة قطر للبترول (التي أعادت تسمية نفسها، منذ ذلك الحين، إلى قطر للطاقة (QatarEnergy)، وهو وزير الطاقة الآن، عن تعليق العمل على صادرات الغاز الجديدة لمدة 12 عامًا. لقد كان هو العقل المدبر لهذه السياسة، ما أكسبه لقب “السيد تعليق” في وقت كانت قطر في منتصف عقد من التصنيع المتسارع القائم على الغاز. وبلغت تلك المرحلة ذروتها في عام 2011 عندما وصلت قدرات قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى 77 مليون طن سنويًا، أي ما يقارب ثلث إجمالي الإنتاج العالمي في ذلك الوقت، بالإضافة إلى الصادرات الأخرى المشتقة من الغاز. ومع ذلك، كانت هناك مخاوف متعلقة باستقرار الحقل، بعد زيادة الإنتاج بمقدار خمسة أضعاف من حقل الشمال، أكبر حقل غاز في العالم، ويعتبر مصدر معظم إمدادات قطر وتشارك فيه إيران.
أخيرًا، قدمت الدراسات الجيولوجية تطمينات بأن الإنتاج يمكن أن يزداد دون الإضرار ببنية حقول الغاز، وبالتالي تم رفع التعليق. في السنوات التالية، حتى عندما خيمت الزيادة السريعة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال في أستراليا والولايات المتحدة على سوق الغاز، بدأت قطر في إصدار عقود التصميم والتودد للشركاء المساهمين وزيادة خططها التوسعية بشكل تدريجي، وفي النهاية نتج عن ذلك ستة حقول جديدة للغاز الطبيعي المسال من شأنها إضافة 48 مليون طن في السنة لإمكانياتها في 2025-2027. لمزيد من التوضيح، تعتبر كمية الغاز هذه أكثر بحوالي 20% مما يمكن لخط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي المتوقف أن ينقل، وسوف يرفع إجمالي صادرات قطر إلى 126 مليون طن سنويًا، وللمقارنة بإجمالي خط الأنابيب الروسي وإمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا (126 مليون طن سنويًا تعادل 174 مليار متر مكعب من الغاز، في حين أن قدرة نورد ستريم 2 تبلغ 55 مليار متر مكعب وتبلغ قدرة خطوط الأنابيب الروسية عبر أوكرانيا 40 مليار متر مكعب). إن ما عزز من هذه الخطط هو مراجعة الاحتياطيات، التي تم الإعلان عنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي وسعت النطاق الجنوبي للحقل الشمالي وضاعفت من تقديرات احتياطياته “المؤكدة” إلى 50 تريليون متر مكعب. حتى إن قيمة الاحتياطيات “المؤكدة” والطويلة الأمد والأكثر تحفظًا تضع نصيب قطر من هذا الحقل تقريبًا مثل كمية الغاز المؤكدة في أوروبا والأمريكتين مجتمعة. كما سيأتي المزيد من الغاز الطبيعي المسال الذي تتحكم به قطر من محطة جولدن باس في تكساس، وهو مشروع مشترك مع إكسون (Exxon) تم بناؤه في الأصل لتوريد الغاز الطبيعي المسال القطري إلى الولايات المتحدة، قبل ثورة الصخر الزيتي، ولكن تم التراجع عنه ليتم بدلاً من ذلك تصدير 16 مليون طن سنويًا ابتداء من عام 2025.
كانت المسألة الكبرى التي واجهت قطر خلال السنوات الخمس الماضية هي أين يمكن أن تجد عملاء متوقعين لكل هذا الغاز الإضافي. مثل روسيا، تفضل قطر بيع الغاز بعقود طويلة الأجل بدلاً من السوق الفوري. ومع ذلك، نظرًا لأنها كانت تبحث عن عملاء، تم إلغاء أو تأجيل العديد من مشاريع الغاز الطبيعي المسال الأخرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، وسط آفاق ضيقة للسوق، لا سيما بعد انهيار أسعار السوق الفورية للغاز الطبيعي المسال في عام 2020 إلى أدنى مستوياتها القياسية إلى ما دون دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. كما سعى بعض عملاء قطر إلى التفاوض بشأن خفض الأسعار أو التهرب من الكميات المتعاقد عليها حتى يتمكنوا من شراء شحنات فورية بجزء بسيط من السعر. بالإضافة إلى الحاجة للحفاظ على العقود الحالية والبحث عن مشترين جدد من أجل الزيادة، فإن العديد من العقود الحالية في قطر على وشك الانتهاء؛ إن أكبر عقد، وهو بقيمة 5.5 مليون طن سنويًا مع شركة JERA اليابانية منذ عام 1996، لم يتم تجديده في عام 2021. وجاءت العقود الجديدة القليلة التي تم توقيعها حتى أوائل عام 2021 بصيغ أسعار منخفضة بشكل قياسي، مثل صفقة مدتها 10 سنوات مع باكستان في فبراير/شباط 2021، بسعر “ينخفض” إلى 10.2% من سعر النفط (بمعنى أنه إذا كان النفط 100 دولار للبرميل، فسيكون سعر الغاز الطبيعي المسال 10.2 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية)، في حين أن الانخفاضات السابقة كانت مرتفعة بنسبة 17%. وعلى الرغم من كل هذه الرياح المعاكسة، مضت قطر في زيادة الإنتاج لأنه من بين أقل تكاليف الإنتاج في القطاع، وبالتالي من الممكن أن تكون مربحة بأسعار أقل بكثير من غيرها من مشاريع الغاز الطبيعي المسال.
الأمور تتحول لصالح الغاز
جاء بصيص أمل لسوق الغاز مع توقعات الطاقة لعام 2020 من شركة بريتيش بتروليوم (BP)، التي كانت الأولى من بين تقارير التوقعات الرئيسية بعد ظهور جائحة فيروس كورونا، وهي أول من وضع نموذجًا لانخفاض الطلب على النفط في سيناريو العمل كالمعتاد، والتي رأت، مع ذلك، أن هناك مجالاً لزيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال. لقد رأت، في الحقيقة، طلبًا أكبر على الغاز الطبيعي المسال في سيناريو تحول الطاقة بشكل أسرع. وذلك لأن الغاز يطلق حوالي نصف كمية ثاني أكسيد الكربون من الفحم لكل وحدة طاقة، وبالتالي، إذا أخذ العالم (خاصة الصين) تغيير المناخ بجدية أكبر، فقد يكون من المنطقي حدوث زيادة في استهلاك الغاز. وهنا تتمتع قطر بميزة خاصة لأنه لدى سلسلة إنتاج الغاز الطبيعي المسال القطري كثافة منخفضة من الكربون مقارنة بالمنافسين، وقد التزمت بتخفيضها بنسبة 25% بحلول عام 2030 من خلال تقليص تسريبات غاز الميثان، وتزويد المنشآت بالطاقة الشمسية، والتقاط الكربون (سيناريوهات المحصلة الصفرية الأكثر تشددًا لعام 2050، مثل خارطة طريق وكالة الطاقة الدولية، ترى انخفاضًا حادًا للغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2050، ولكن حتى لو حدث ذلك، فإن إنتاج قطر منخفض التكلفة منخفض الكثافة الكربونية سيجد من يشتريه).
بدأت الأمور تتحول لصالح سوق الغاز في عام 2021 – منذ سبتمبر/أيلول، بلغ متوسط أسعار الواردات الأوروبية حوالي 30 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية (ما يعادل 160 دولارًا لبرميل النفط)، مع زيادة حادة، في فترة وجيز، وصلت إلى ضعف هذا المستوى في منتصف ديسمبر/كانون الأول. ولعبت شركة غاز بروم دورًا في هذه الفترة التمهيدية من خلال رفضها بيع كميات إضافية إلى أوروبا غير تلك التي يتم التعاقد عليها بانتظام، ما أدى إلى تقليص الاحتياطيات. علاوة على ذلك، كانت هناك زيادة جيوسياسية على الغاز قبل أن يأمر بوتين قواته بدخول أوكرانيا، نظرًا للمخاوف بشأن احتمال توقف الإمدادات إذا خفضت روسيا الصادرات أو حظرتها العقوبات أو إذا تم تعطيل خطوط الأنابيب بسبب الصراع. ومع ذلك، فقد ساهمت عوامل خارجية كذلك في تعافي الطلب العالمي على الطاقة من تبعات الجائحة، خلافًا لقطاع النفط، لم يكن هناك قدر كبير من القدرات غير المستغلة لجلبها بسرعة آنية للسوق، والتي تفاقمت بسبب سوء الأحوال الجوية وانقطاع الخدمة عن بعض الموردين. وعلى الرغم من هذا كله، ومع اقتراب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي من نهايته، بدأت الأسعار في الانخفاض كما هو الحال عادةً في الربيع، حيث انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ 6 أشهر لتصل حوالي 24 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية. ومع ذلك، بعد دخول القوات الروسية منطقة دونباس في 21 فبراير/شباط، ثم انطلاق الغزو الأوسع في 24 فبراير/شباط، تضاعفت أسعار الغاز في أوروبا تقريبًا.
تزويد أوروبا بالغاز
حتى الآن، وعلى الرغم من الأزمة، لا يزال الغاز الروسي يتدفق كالمعتاد إلى أوروبا، لكن يبدو أنه من المرجح أن يتم إغلاق خطوط الأنابيب المارة عبر أوكرانيا، والتي تزود أوروبا بنحو ربع الغاز الروسي. إذا حدث هذا، فليس هناك الكثير مما يمكن أن تفعله قطر حيال ذلك على المدى القصير بسبب وقت الشحن الذي تستغرقه ناقلات الغاز الطبيعي المسال، ولأنه قد تم بالفعل التعاقد على جميع الغاز القطري تقريبًا. في عام 2020، تم بيع 14% فقط من الغاز الطبيعي المسال القطري بعقود قصيرة الأجل (أقل من أربع سنوات) أو من خلال المبيعات الفورية بالشحنات الفردية. مقارنة بذلك، تم بيع 37% من الغاز الأسترالي، و68% من غاز الولايات المتحدة، و49% من الغاز الطبيعي المسال لدول أخرى في السوق الفورية أو العقود قصيرة الأجل. باعت الولايات المتحدة وأستراليا معًا 5 أضعاف ما باعته قطر من الغاز الطبيعي المسال بالعقود الفورية أو القصيرة الأجل في عام 2020، وارتفعت النسبة بشكل كبير الآن بعد بدء تشغيل المحطات الأمريكية الجديدة التي دعمت إنتاجها إلى ما يقارب 80 مليون طن سنويًا، وسيصل إلى 100 مليون طن سنويًا بحلول نهاية عام 2022. في الواقع، تجاوزت الولايات المتحدة قطر لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم. وهذا هو السبب وراء وجود موجة قياسية من أعداد ناقلات الغاز الطبيعي المسال تعبر المحيط الأطلنطي، حيث أرسلت ثلاثة أرباع الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى أوروبا في يناير/كانون الثاني.
على النقيض من ذلك، يتم إرسال الغاز الطبيعي المسال القطري بشكل أساسي إلى آسيا. ويرجع ذلك، جزئيًا، إلى الروابط التاريخية مع الشركات اليابانية والكورية التي ساعدت في تمويل تطوير حقول الغاز الطبيعي المسال الحالية. وبالرغم من ذلك، ظهرت مشكلة إضافية في عام 2018 عندما أطلقت المفوضية الأوروبية تحقيقًا لمكافحة الاحتكار في عقود قطر، يتعارض مع “بنود الوجهة المقصودة” المتعارف عليها التي تتطلب من المشترين استخدام الغاز بأنفسهم وليس إعادة بيعه. اشتكت اليابان ودول أخرى أيضًا من هذه البنود، لكنها تمثل مشكلة أكبر في سوق الطاقة المشتركة في أوروبا.
في الأسابيع الأخيرة، كان هناك حديث عن احتمال منح العملاء الآسيويين إذنًا استثنائيًا لتحويل بعض الغاز الطبيعي المسال المتعاقد عليه مع قطر (وموردين آخرين) إلى أوروبا في حالة حدوث أزمة. كان هذا جزءًا من اللقاء الذي ضم بايدن وتميم، وتواصلت الولايات المتحدة مع اليابان بشأن هذا في أوائل فبراير/شباط. ربما يتم تفعيل هذه الخطط قريبًا، في عكس للأوضاع التي حدثت بعد تسونامي 2021 وكارثة فوكوشيما النووية، التي سمح بعدها بعض العملاء الأوروبيين لقطر بتحويل شحناتهم مؤقتًا إلى اليابان للتعويض عن العطل النووي. ومع ذلك، فإن الكميات التي من المرجح أن تكون متاحة ستمثل مجرد جزء يسير من إمدادات السوق الفورية الأمريكية إلى أوروبا، ناهيك عن الواردات من روسيا. في الوقت الحالي، لا تملك قطر، وبالطبع سوق الغاز الطبيعي المسال ككل، القدرة على أن تحل محل واردات أوروبا من الغاز الروسي. في ختام منتدى الدول المصدرة للغاز، قال الكعبي إنه في الوقت الحالي، يمكن لقطر تحويل ما بين 10٪ إلى 15٪ كحد أعلى من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
ومع ذلك، على المدى الطويل، مع البدء بتوسيع جولدن باس وحقل الشمال، يمكن لقطر أن تلعب دورًا محوريًا في تنويع واردات أوروبا من الغاز بمعزل عن روسيا. في تطور مهم، تم إسقاط تحقيق المفوضية الأوروبية في عقود قطر (وإن كان مع نفي أن تكون روسيا هي السبب في ذلك). وهذا من شأنه أن يزيل عقبة كبيرة، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد المنتدى، أكد الكعبي بشكل واضح أن توسيع حقل الشمال يستهدف العملاء في آسيا وأوروبا. في السابق، كانت شركة قطر للطاقة تركز بشكل شبه كامل على آسيا. من الناحية النظرية، فإن الجمع بين توسيع حقل الشمال وجولدن باس من الممكن أن يحل محل ما يقرب من نصف الغاز الروسي إلى أوروبا. يمكن للغاز الطبيعي المسال الأمريكي والقطري معًا أن يحل محل الواردات الروسية تمامًا إذا أنشأت أوروبا محطات كافية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال. إن هذا السيناريو المبالغ فيه ليس مرجحًا، نظرًا للطلب القوي على الغاز الطبيعي المسال في الصين وأماكن أخرى، واحتمالية التوصل إلى حل مع روسيا قبل البدء بضخ المزيد من الغاز الطبيعي المسال الجديد. ومع ذلك، فإن الطلب المتزايد في أوروبا من شأنه أن يدفع قطر لتوقيع مجموعة كبيرة من اتفاقيات التوريد المواتية، طويلة الأجل، هذا العام من إنتاجها الحالي والمستقبلي من الغاز.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.