ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تعتزم إدارة الرئيس جوزيف بايدن الابن الوفاء بوعدها في إعادة الولايات المتحدة إلى المسرح الدبلوماسي العالمي والعودة للعمل متعدد الأطراف. اتضح هذا الأمر جلياً منذ اليوم الأول، عندما أعادت الإدارة الجديدة الانضمام إلى اتفاقية باريس حول التغير المناخي ومنظمة الصحة العالمية. قد يكون لهذا النهج الجديد أثر كبير على دول الخليج العربية، ما يشير إلى الابتعاد عن السياسات التي تم اعتمادها طوال فترة رئاسة دونالد ترامب، وتحديداً ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني واليمن ومبيعات الأسلحة للمنطقة. بناءً على هذه القضايا الثلاث، قد تعمل التوجيهات الجديدة الصادرة عن إدارة بايدن على إعادة فتح الأبواب للعمل الجماعي، وبالأخص مع الحلفاء الأوروبيين.
في حملته الانتخابية، أعلن بايدن عن عزمه العودة للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) قبل العمل على التفاوض بشأن اتفاقية أقوى مع إيران. أكد بايدن على هذا الهدف كرئيس، وشدد على أنه سيدرس هذه القضية مع الشركاء الأجانب، بمن فيهم الأوروبيون، ما قد يعني وجود توافق أكبر عبر الأطلنطي حول إيران في ظل هذه الإدارة. على سبيل المثال، في 26 يناير/كانون الثاني، لفت فيليب إتيان، السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، الانتباه إلى “إشارات واضحة جداً للعمل باتجاه جهد مشترك مع الإدارة الجديدة”. بعد سنوات من الاستقطاب الإقليمي المتزايد، الذي غذته الولايات المتحدة بدرجة كبيرة، بانسحابها من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني وحملة “الضغوط القصوى” ضد طهران، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تستأنف تدريجياً نهجاً أكثر تعدديةً ومرحباً به من قبل العديد من الأطراف الفاعلة في الاتفاق النووي، شريطة أن تجد إيران والولايات المتحدة حلاً لمعضلة “من يبدأ أولاً” .
لعل أفضل استعراض لما يستلزمه هذا النهج هو ما يمكن أن نجده فيما كتبه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي لبايدن، في مقالة اشترك في تأليفها مع دانييل بنايم، النائب الجديد لمساعد وزير الخارجية لمنطقة الخليج في مايو/أيار 2020. حيث ناقشا “نهجاً مرحلياً” تعمل بموجبه “الولايات المتحدة على الفور على إعادة الدبلوماسية النووية مع إيران، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاتفاق النووي لعام 2015”. واقترحا أيضاً أن تعمل الولايات المتحدة بعد ذلك مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومع إيران “للتفاوض بشأن اتفاقية مُلحقة. وبموازاة ذلك، تدعم الولايات المتحدة وشركاؤها مساراً إقليمياً”. ليس من شأن هكذا نهج متعدد الأوجه أن يرضي أطراف الاتفاق النووي الحاليين فقط، وإنما سيساعد في معالجة ما كرره مجدداً أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، كأحد أكبر “إخفاقات” الاتفاقية من وجهة نظر دول الخليج العربية: “افتقارها للصوت الإقليمي”.
تعتبرت إدارة بايدن إنهاء الصراع في اليمن إحدى أولويات السياسة الخارجية المبكرة. ومن المؤكد أنها قد بدأت بالفعل بالخوض في هدية الوداع الشائكة التي خلفتها إدارة ترامب ألا وهي: تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية، كما أعلنها مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، قبل عشرة أيام فقط من تنصيب بايدن. وفي أعقاب هذه الخطوة، أعرب العديد من ممثلي الدول، بما فيها فرنسا عن “مخاوفهم الجدية بشأن التأثير الإنساني المحتمل لقرار الولايات المتحدة الأخير” خلال فيديو كونفرنس لمجلس الأمن الدولي. في 25 يناير/كانون الثاني، صادقت وزارة الخزانة الأمريكية على معظم التعاملات المالية مع الحوثيين للشهر القادم، مؤخرةً بذلك نتائج التصنيف. وفي غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية في 22 يناير/كانون الثاني بأنها بصدد مراجعة التصنيف.
للمضي قُدُمًا، ربما تنظر الإدارة الجديدة في إبعاد قضية اليمن عن الخطاب الساخن ضد إيران، وتضع ثقلها في جعل الأطراف اليمنية تنخرط في مفاوضات برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وتعيد تركيز جهود الولايات المتحدة في اليمن على مهمتها في مكافحة الإرهاب. وبموازاة ذلك، ستنظر الإدارة الجديدة في تحقيق هدفها المعلن المتمثل في إنهاء دعم التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن بشكل سريع. ونظراً للشرعية الدولية المستمرة الممنوحة للتحالف بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 لعام 2015، فإن أي تحول هام في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة من المرجح أن يصبح جزءاً من عمل جماعي مع الحلفاء الأوروبيين لصياغة قرار جديد. مؤخراً، بدأت إدارة بايدن في مراجعة مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
كان وضع مبيعات الأسلحة لدول الخليج العربية، تحت مزيد من الرقابة، من الأولويات الأخرى التي أعلن عنها فريق بايدن. خلال الحملة الانتخابية لبايدن، أعرب أنطوني بلينكن، وزير الخارجية، عن مخاوفه تجاه الالتزامات التي تعهدت بها إدارة ترامب كجزء من صفقة بيع المقاتلات من طراز إف-35 (F-35) للإمارات، ووعد بايدن على نطاق أوسع بإعادة النظر في العلاقات الأمريكية السعودية. في 27 يناير/كانون الثاني، يبدو أن الإدارة الجديدة مضت قدماً نحو هذه الأهداف، معلنة التجميد المؤقت لمبيعات الأسلحة للسعودية والإمارات، وتعهدت بإعادة النظر في مجموعة من الصفقات التي وقعها ترامب. كما أن هذا المجال قد يشهد تقارباً أكثر بين الولايات المتحدة وأوروبا، في سبتمبر/أيلول 2020، أصدر البرلمان الأوروبي قراراً يدعو على حظر للأسلحة للسعودية. قامت بعض الدول الأوروبية (بصمت) بتخفيض صادراتها من السلاح للدول الخليجية أو حولت بشكل آخر تركيزها بعيداً عن هذا البعد من علاقاتها الثنائية مع الشركاء الإقليميين.
ومع ذلك، ينبغي ألا نفسر التجميد المعلن للصفقة على أنه تحول درامي، فقد وصف مسؤولون هذه الخطوة بكونها “إجراء إدارياً روتينياً مثله كمثل أيٍ من أغلبية التحولات المعتادة”. بالنسبة لصفقة إف-35، على سبيل المثال، فالقضية الرئيسية التي طرحها بلينكن، كانت الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. ونظرًا لأن تل أبيب قد أوضحت بالفعل أنها لا تعارض الصفقة، فمن المرجح أن هذا التوقف لن يطول، وسيكون هناك عودة إلى العملية المنتظمة، التي هي في غاية البُطء على أية حال. وفي تغريدة لدافيد دي روش، يُبدي، خبير السلاح والأمن، ملاحظة بأن برنامج إف-35 بحد ذاته يتقدم ببطء شديد لدرجة أنه ليس هناك حاجة لتعليقه: فعلياً، لن يتم تسليم أي طائرات قبل 2027. في غضون ذلك، فإن إمكانية وضع بايدن مبيعات الأسلحة للخليج “في آخر سلم الأولويات” قد يساعد واشنطن وحلفاءها الأوروبيين على العمل معاً لإزالة مظهر التنافس التقليدي بينهما في هذا المجال. ونظراً للتنافس التقليدي القوي بين الولايات المتحدة وأوروبا على بيع الأسلحة للخليج، فإنه لا ينبغي المبالغة في احتمالات التعاون الأوسع، عدا ما يتعلق بالمخاوف بخصوص حرب اليمن.
في سبتمبر/أيلول 2019، وبعد الهجمات على المنشآت النفطية السعودية في بقيق وخريص، ناورت القوى الأوروبية بشكل دقيق لإبقاء الباب مفتوحاً للمشاركة في “عملية واقعية تدريجية تهدف لكسر التوترات المتصاعدة” في منطقة الخليج – وهي خطوة على ما يبدو وجدت ترحيباً جيداً من شركائهم الخليجيين، تحسباً من أن ترامب، المنغلق والمشحون، قد يجرهم جميعاً إلى حرب شاملة مع إيران. لقد ناقش العديد من كبار موظفي السياسة الخارجية لبايدن تخفيف حدة التصعيد مع إيران، متخذين نهجاً قريباً من نهج الأوروبيين، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا قد تتعاونان في عام 2021 لجلب المزيد من الأمن والاستقرار لمنطقة الخليج.
وفي حين أن الباب يبدو مفتوحاً على مصراعيه لمزيد من العمل الجماعي في الخليج، إلا أن على إدارة بايدن أن تفكر ملياً في تأثير “التنافس بين القوى العظمى” عندما يتعلق الأمر باستراتيجيتها في الشرق الأوسط. لقد اقتربت دول الخليج العربي أكثر من الصين، ومن روسيا بدرجة أقل، لأن رئاسة باراك أوباما ودول الخليج قد عملت ما بوسعها للاستفادة من موقعها الجذاب وسط عالمٍ متعدد الأقطاب. إن محاولة حثهم على فك ارتباطهم عن بكين وموسكو قد تتسبب في خلق توترات في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن إعادة ضبط علاقاتها مع دول الخليج، ومن المحتمل أن تعمل على تعقيد التعاون الأمريكي-الأوروبي.
كما إن الإدارة الجديدة سوف تحتاج للتعامل مع قضيتين تتعلقان بإسرائيل، من المرجح أن تؤثرا على مثل هذا التعاون بخصوص أمن الخليج: اتفاقيات إبراهام والجهود الإسرائيلية لمعارضة أي خطوات ممكنة من جانب الولايات المتحدة للانضمام مجدداً إلى خطة العمل الشاملة المشتركة واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران. من الناحية الأولى، قد تعمل اتفاقيات إبراهام لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وهو تطور أشاد به بلينكن معتبراً إياه من إنجازات السياسة الخارجية الهامة لإدارة ترامب، على دعم جهود فريق بايدن في توسيع المشاركة فيما بين الشركاء الإقليميين لتعزيز أمن الخليج. ومن الناحية الأخرى، من المرجح أن تمثل المواقف الإسرائيلية من إيران، والتي تعد إدارة ترامب أكثر من ساندها وعبر عنها بشكل مباشر وقوي، تحدياً للإدارة الجديدة في نهجها بخصوص أمن الخليج.