في حين تتجه كل الأنظار المهتمة بالمناخ صوب مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، كوب 28 (COP28) في دبي، والنقاشات الدبلوماسية الرسمية الجارية لمكافحة التغير المناخي ودعم الاستدامة، ينخرط الفنانون والمهندسون المعماريون في العالم العربي وخارجه في هذه الأمور من خلال أعمالهم الخاصة بهم. وفي دول الخليج، يمكن الشعور بآثار التغير المناخي بشكل حاد. يبحث الفنانون والقيّمون والمعارض في الكيفية التي ينبغي أن يسلكها البشر للتعايش بشكل أكثر انسجامًا مع الطبيعة، ما يخلق سبلًا للانخراط في الأنشطة البيئية من خلال تجارب غامرة ومرئية.
عملت المعارض الأخيرة في الإمارات العربية المتحدة، مثل أسبوع دبي للتصميم السنوي، بالإضافة إلى معرض “جوهر” و”نقطة الانصهار” في منطقة السركال، على جعل الاستدامة محور اهتمامهم. وعلى نحو مماثل، استخدم العديد من الفنانين الخليجيين – بعضهم لعقود من الزمن – أعمالهم الإبداعية للبحث في آثار التغير المناخي على النظم البيئية المحلية والحياة البشرية، واستكشاف أساليب جديدة متجذرة في الفن والإبداع والتصميم لمواجهة أزمة المناخ.
السياقات المحلية والأصداء العالمية
إن “بلين دي سانت كروا: أفق” (Blane De St. Croix: Horizon) هو أحد المعارض التي تقيمها جامعة نيويورك أبوظبي في معرض فن أبوظبي، وهو نتاج إقامة فنية استمرت لمدة عام في الجامعة، وتدور فكرته حول “إحياء المشاهد غير المألوفة” لبيئة الإمارات، بما في ذلك بحيرات الملح والتكوينات الصخرية المختلفة. في معرضه، عمل النحات والباحث الأمريكي بلين دي سانت كروا عن كثب مع مجتمع العلوم والفنون المحلي خلال زياراته البحثية إلى دولة الإمارات، واستفاد في معرضه من التداخل بين أبحاث المناخ والاستدامة والأعمال الفنية من أجل تصميم العمل التركيبي السبخة [أرض يتميز سطحها بوجود ترسبات ملحية وجبسية وترسبات كربونات الكالسيوم] – “مقطع بحيرة الملح في الإمارات” – عن طريق استخدام ما يقدر بـ 50 ألف زجاجة بلاستيكية معاد تدويرها. تم تصميم هذا العمل وإنتاجه مع أستاذة المسرح في جامعة نيويورك أبوظبي، جوانا سيتل (Joanna Settle)، وتم إنتاجه بالتعاون مع طلبة الجامعة وخريجيها وأعضاء هيئة تدريسيها وموظفيها. أنتج العمل تجربة غامرة من خلال التسجيلات الصوتية والأضواء المتحركة وممر المشي حول السبخة، الأمر الذي يدفع نحو المشاركة الواعية مع البيئة.
في حوار لها مع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أوضحت جوانا، “لقد قمت بتفعيل الحيوية في المنحوتة مع بلين. تتمثل فكرتي حيال هذا الأمر في أنه لو قدر للعلم أن يحل أزمة المناخ، لكان قد حلها في السبعينيات. لذلك، بعد مرور 50 عامًا، يبدو لي أن هناك شيئًا ما يجب الوصول إليه، وهو متعلق بقلوبنا وإرادتنا للتغيير، وهذا له علاقة بنفسيتنا، ويندرج ضمن الفنون أكثر منه ضمن العلوم. كيف لك أن تحرك قلب شخص ما؟ كيف تغير وجهة نظر شخص ما؟ لذلك، في هذه القطعة، الجمهور هو الفاعل الذي يخلق تجربته الخاصة – ينبغي أن تتمتع بمرونة التحرك مع كيفية إدراكك لهذا المنحوته، مع قدرتك على الحركة، يتغير إدراكك. يبدو لي أن هذا مكان جيد لبدء التعامل مع الأزمة، هذه الأزمة الوجودية“.
من خلال التعاون العابر للتخصصات والعابر للمؤسسات، تم انتاج عمل السبخة التركيبي باستخدام البولي إيثيلين تيريفثاليت (بي إي تي) من مصنع في دبي يقوم أصحابه، وهم أبناء منتج سابق للبلاستيك، بتجميع البلاستيك المعاد تدويره. تتشابه هذه المادة من حيث الصوت واللون مع قشرة المسطحات الملحية، حيث يلعب استخدام هذه المادة في النحت على الخط الرفيع بين المواد التي يصنعها الإنسان، مثل الـ بي إي تي، والعناصر الطبيعية، مثل الملح. وحول هذا التمييز الدقيق، أشارت جوانا، “في هذه المرحلة، علينا أن نفكر في البلاستيك كمادة طبيعية – إنها بداخلك وبداخلي، موجودة في الماء وفي الأسماك، إنها موجودة في الأرض”.
في حين أن العديد من الدلالات الجديدة في معرض بلين تركز على المناظر الطبيعية المتنوعة في الإمارات، إلا أنه شارك في العديد من المواقع الأخرى في تأملاته حول أزمة المناخ، من هاييتي وخليج لويزيانا إلى سفالبارد وجبال الهيمالايا. وفقًا لرأي بلين، فإنه في الوقت الذي عانت فيه البيئات المختلفة آثار التغير المناخي بطرق مختلفة، فإن التأثير الذي لا يمكن إنكاره هو تأثير على الصعيد العالمي.
في معرض العمارة الدولي 2023 – بينالي البندقية للعمارة – عمل جناحان خليجيان على دراسة العلاقة الإنسانية مع البيئات المحلية كوسيلة لإعادة التفكير في الارتباط المعماري والمكاني بالأرض. عمل جناح الإمارات، بعنوان “وفرة قاحلة“، بإشراف القيم فيصل طبارة، وهو مهندس معماري وعميد مشارك لكلية الهندسة المعمارية والفنون والتصميم في الجامعة الأمريكية في الشارقة، على البحث في “الاحتمالات المعمارية التي قد تصبح ممكنة عندما نعيد تصور المشاهد الطبيعية القاحلة كمساحات وفرة”. كان المعرض يسعى لتسليط الضوء على الطرق التي يمكن من خلالها للممارسات المعمارية أن تعمل بشكل أكثر تماسكًا مع المناظر الطبيعية المحلية، مع تحدي المشاهدين لإعادة التفكير في المناظر الطبيعية الصحراوية والأراضي القاحلة كأماكن وفرة. كانت الأعمال التركيبية في الجناح تدفع نحو اتباع نهج معماري يعمل في ومع المناظر الطبيعية في الإمارات ومن أجلها.
عرض جناح دولة الإمارات طرق تجميع الحجارة من جميع أنحاء منطقة جبل الحجر، واستخدام مواد من منطقة فينيتو في إيطاليا. وقد مكنت هذه الممارسات التاريخية المجتمعات من العيش في وئام مع المناظر الطبيعية القاحلة بطريقة يأمل القيِّم أن يعتمدها الآخرون في جميع أنحاء العالم. إن المعرفة المتجذرة في البيئات الثقافية والمادية للإمارات يمكن أن تساعد في توجيه المقاربات والحلول لأزمة المناخ. ينظر لدولة الإمارات على أنها منطقة قاحلة، وهي بيئة يعتقد الكثيرون أنها سوف تُستنسخ على المستوى العالمي بسبب المخاطر المتزايدة للاحتباس الحراري”.
قام جناح البحرين في البندقية، الذي حمل عنوان “أصول رطبة“، بدراسة كيفية إعادة استخدام مكثفات المياه، وهي منتج ثانوي لآليات التبريد ومكيفات الهواء المنتشرة في مختلف أرجاء بيئة البحرين الحارة والرطبة، في إمكانية سد الفجوات في إمدادات المياه في أماكن أخرى من البيئة المحلية بشكل تكيفي. أوضحت المهندسة المعمارية لطيفة الخياط، وهي قيّمة المعرض مع زميلتها المهندسة المعمارية مريم الجميري، “أود أن أقول إنه بدلاً من البحث المستمر عن استخدام المزيد من الموارد لإنشاء المزيد من التقنيات الجديدة، من الضروري أن ننظر إلى ما هو موجود، ونتعامل ببساطة مع تلك الموارد بحيث يتم جمع كل قطرة”.
في هذا المشهد، يحث كلٌّ من الجناحين الزوار في البندقية والمتحمسين لقضية التغير المناخي في كل مكان على التفكير في المزيد من ممارسات العيش المستدام لمكافحة آثار التغير المناخي في جميع أنحاء العالم.
عرضبيان مرئي
في عالم الفنون البصرية، لجأ المبدعون الخليجيون إلى الأعمال المجازية والواقعية للتعاطي مع قضايا البيئة، والتعبير عن مخاوفهم بشأن الصعوبات الناجمة عن التغير المناخي، واقتراح ممارسات بديلة وأكثر استدامة في مجالاتهم. على سبيل المثال، استخدم الفنان السعودي عبد الناصر غارم تقنية فسيفساء الختم المطاطي المميزة في عمله “لاجئ المناخ” (2022) للفت الانتباه إلى كيف أن الأزمات القادمة، مثل العدد المتزايد من المهاجرين واللاجئين بسبب التغير المناخ، تم خلقها عن طريق ما يسميه “العنف الاقتصادي” أو “الزيادة في عدد الحواجز الجسدية والنفسية التي تؤثر على الإنسانية” و”التوزيع غير العادل للقدرات وحرية الحركة”.
يصور العمل خريطة للعالم بطوابع رمادية صغيرة، ويبرز مناطق تتركز فيها الطوابع بدرجات متفاوتة من الظلال ذات اللون الأزرق للإشارة إلى المناطق التي يتواجد فيها لاجئو المناخ في جميع أنحاء العالم. توجد على الطوابع عبارات مثل “مخيمات اللاجئين هي الشكل الأمثل للقتل الرحيم”، و “في هذا القرن تشكل أوروبا أكبر مقبرة بحرية”، و “بعض الدول حظرت ضمان حق اللجوء وإنقاذ [اللاجئين] من الغرق في البحر المفتوح”. من خلال عمل “لاجئ المناخ” الفني، يسلط عبد الناصر الضوء على الكيفية التي أصبح من خلالها الحفاظ على حياة الإنسان والأرض نفسها أمورًا ثانوية ضمن القضايا المتعلقة بالأسواق الاقتصادية والشؤون الحكومية والحرب، يقول عبد الناصر، “على الصعيد العالمي، نعيش في حقبة مهووسة بالدمار والإنتاج والعنف الهستيري المفرط. والعنف لا يقتصر على استهداف البشر، وإنما يستهدف الكائنات والأجناس الحية بشكل عام”.
وفي سياق آخر، تستخدم الفنانة الإماراتية لطيفة سعيد أساليبها البحثية لاستكشاف الممارسات البديلة لصناعة الفن المتجذرة في فهم وتقدير المواد الطبيعية. تم استخدام الرمال المتوفرة محليًا كمادة أساسية في جميع الأعمال مثل “غرفة الرمال” (2021)، و”الصحراء” (2022)، و”بدون عنوان” (بحث) (2022)، و”طريق الرمال” (2023). وتستخدم الرمال إما على شكل حبيبات أو بمعالجتها مع الزجاج لاستكشاف العلاقة بين السكان المحليين والممارسات التراثية والتغيرات البيئية الناجمة عن البناء والتطور الحضري. ولدت لطيفة ونشأت في مدينة دبي، المدينة سريعة التطور، وتتجذر ممارساتها في البحث عن العلاقة الإنسانية بالنظام البيئي المحلي، لاسيما كيفية استخدام البشر لأشكال الرمال المتعددة، على افتراض وفرتها، كأساس لبيئتهم القائمة. من خلال جمع هذه النوعيات من الرمال وأرشفتها جغرافيًا في الاستوديو الخاص بها. تهدف لطيفة إلى رفع مستوى الوعي بتاريخ وحركة وتنوع وهشاشة وضعف ثاني أكبر الموارد الطبيعية استهلاكًا في العالم بعد الماء.
باستخدام وسيلة أخرى، تلفت لوحات الرسام والنحات الإماراتي هاشل اللمكي والرسامة السعودية عليا أحمد انتباه المشاهدين إلى أدق تفاصيل البيئات المحلية، سواء كانت واحات العين وجبالها في لوحات هاشل الترابية الزاهية، أو مشاهد الرياض الطبيعية والحضرية الممتزجة معًا في لوحات الرسامة عليا التي تشبه الحلم. يستخدم عمل هاشل الفني “بنز” (2021) أصباغًا طبيعية وزيتية غنية بالألوان لتصوير أعمال التنقيب في جبل حفيت، وهو أعلى قمة في مسقط رأسه، على يد عمال بناء ألمان في الثمانينيات، العمل الذي مكّن المركبات من الوصول إلى قمة الجبل لأول مرة. يمكّن التقاط اللحظات التاريخية هاشل من لفت الانتباه إلى الكيفية التي من خلالها تغلب البشر على الحواجز البيئية وصولًا إلى زوال المناظر الطبيعية نفسها. يسلط كلا الفنانين، من خلال أعمالهما، الضوء على علاقة الحياة البشرية بالبيئات المحلية، مشددين على “اعتماد البشرية على الموارد الطبيعية، ومسؤوليتهم اللاحقة عن الكارثة البيئية التي تلوح في الأفق”.
مع احتلال المخاوف المناخية والاستدامة مركز الصدارة في مؤتمر كوب 28، يلجأ المجتمع الخليجي المبدع لتوجيه طاقته نحو رفع الوعي البيئي. ومن خلال الممارسات القائمة على الأبحاث، والحلول الموجهة نحو التصميم، والتعاون العابر للتخصصات، اختار الفنانون والمعماريون الطرق التشكيلية التي تشجع التعاطي المنظم مع البيئة لمعالجة أزمة التغير المناخي المناخ.
سيقوم دونالد ترامب بعمل تحولات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية بتحديه للأعراف الديمقراطية والتقاليد الدستورية والقانونية في المشهد السياسي الأمريكي، بما يؤثرعلى شكل ودعائم النظام السياسي الأمريكي.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.