ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
كانت مسألة عزل النظام الإيراني ومعاقبته اقتصاديا على سلوكه السلبي والتخريبي في الشرق الأوسط والعالم، وضمان عدم استئناف إيران بناء برنامجها النووي، الهدف الأول لنشاطات الرئيس دونالد ترامب وكبار مستشاريه خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المفارقة أن ترامب وضع المواجهة مع إيران في سياق إصراره على حق الولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات الأحادية الجانب في علاقاتها الدولية، مشددا على “رفض إيديولوجية العولمة” والتمسك بمفهوم ضيق “للوطنية” والمصالح الأمريكية المباشرة. ولكنه سارع مع مساعديه بمطالبة الدول الحليفة تاريخيا لواشنطن وخاصة في أوروبا، أن تحذو حذوها، وأن تلزم نفسها بتطبيق سلة العقوبات الجديدة ضد إيران التي ستبدأ الولايات المتحدة في تطبيقها في الخامس من نوفمبر-تشرين الثاني المقبل، والتي ستركز على حرمان طهران من تصدير نفطها. اصرار ترامب على موقفه حول معاقبة إيران، يهدد بتأزيم واضعاف العلاقات الأمريكية-الأوروبية التي تعرضت لشروخ وضغوط سابقة في أعقاب الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس للبيئة، وفتور ترامب تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وفرضه رسوم حماية على استيراد الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي.
ترامب تحدث بوضوح عن سياسته تجاه إيران حين قال “لقد شنّت الولايات المتحدة حملة من الضغوط الاقتصادية لحرمان النظام من الأموال لتعزيز برامجه الدموية”. وأشار ترامب الى أن حكومته تحاول اقناعالدول التي تستورد النفط الخام الإيراني من أجل تخفيض مستورداتها بشكل كبير”. وأضاف “نحن نطلب من جميع الدول عزل النظام الإيراني طالما واصل عدوانه، ونطلب من جميع الدول دعم الشعب الإيراني في نضاله لتقرير مصيره ..”.
في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2017، ركز ترامب على تصميمه على مواجهة خطر كوريا الشمالية وبرامجها النووية والصاروخية، وصدم العالم حين هدد بتدميرها. التوتر مع كوريا الشمالية انحسر كثيرا بعد قمة سنغافورة بين ترامب وكيم جونغ أون، الأمر الذي سمح لترامب في خطابه الأخير إلى رفع إيران إلى مستوى الخصم الأول في الوقت الراهن لأمريكا.
وحمّل ترامب “الدكتاتورية الفاسدة في إيران” مسؤولية إطالة الحرب في سوريا من خلال توفير الدعم المالي والعسكري لنظام بشارالأسد. واتهم ترامب قادة إيران “بنشر الفوضى والموت والخراب” في الشرق الأوسط، وتابع “وهم لا يحترمون جيرانهم أو حدودهم أو الحقوق السيادية للدول، وقادة إيران ينهبون موارد بلادهم لاغناء أنفسهم ونشر الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما وراءه”. لاحقا، صعّد مستشار الأمن القومي جون بولتون التهديدات تجاه إيران حين قال إن إيران ستدفع “ثمنا جهنميا” إذا تجرأت على الاعتداء على مواطنين أمريكيين، مشددا على أن “النظام الإجرامي ومؤيديه سيواجهون العواقب الوخيمة إذا لم يغيروا سلوكهم”. صحيح أن رودي جولياني المحامي الخاص للرئيس ترامب قال في الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة سوف تطيح بالنظام الإيراني وأن المسألة هي مسألة وقت فقط، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة أن السياسة الأمريكية الرسمية على الأقل لا تدعو إلى تغيير النظام، بل فقط إلى تغيير سياساته الداخلية والخارجية بشكل جذري. وهناك من يرى أن إدارة ترامب ترغب بالفعل بتغيير النظام ولكنها لا تستطيع أن تعتمد ذلك كسياسة رسمية وأن تتحمل مسؤولية أي تغيير جذري في إيران، ولذلك تركز على دعم الشعب الإيراني والحركة الاحتجاجية الراهنة والتي تأمل أن تزداد قوة وانتشارا. وفي هذا السياق أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرا من 48 صفحة بعنوان “نظام خارج على القانون” يتطرق إلى “النشاطات التخريبية لإيران” ودعمها للتنظيمات الإرهابية وغيرها من النشاطات السلبية.
ما هو هدف هذه الضغوط الأمريكية المضادة لإيران؟ وهل يمكن أن تنجح في تعديل السلوك الإيراني، أو التشجع على إسقاط النظام في طهران؟ ما يريده الرئيس ترامب في هذا السياق لافت، وأن يعتقد أنه لن يتحقق. ترامب يقول إنه يريد ارغام إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى “صفقة أفضل” من الاتفاق النووي الدولي الموقع من قبل إدارة الرئيس أوباما السابقة في 2015، والذي انسحب منه ترامب هذه السنة. وكما يرى ترامب “بغض النظر عما يفكر به قادة العالم بشأن إيران، فإن إيران سوف تعود لي، وسوف يحاولون التوصل إلى صفقة أفضل”. وكان ترامب قد استخدم صيغة مماثلة حول مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، قائلا إن حرمان الفلسطينيين من المساعدات الاقتصادية الأمريكية سوف يرغمهم على العودة إلى طاولة المفاوضات. من جهته، رد الرئيس الإيراني حسن روحاني على مواقف ترامب واصفا حكومته “ذات ميول نازية” وأن مفهومها للعلاقات الدولية هو مفهوم سلطوي، وأنه لا دولة في العالم يمكن أن تقبل بارغامها على “العودة إلى طاولة المفاوضات بالقوة”.
ولكن المشكلة السياسية التي تواجهها إدارة الرئيس ترامب حاليا في التعامل مع إيران، هي مع حلفائها الأوروبيين. تهديد الرئيس ترامب بفرض عقوبات جديدة ضد إيران “أقسى من أي وقت مضى”، دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتذكيره بأن سلاح العقوبات وسياسة الاحتواء غير كافيين لوحدهما في مواجهة إيران، وناشده بإبقاء المجال مفتوحا أمام “مفاوضات جديدة”. موقف ماكرون حظي بتأييد من رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي. انحسار الثقة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، دفع بالاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوة غير اعتيادية عكست عمق ومرارة الخلاف بين الطرفين، حين أعلنت فيديريكا موغيريني المسؤولة عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي قبل أيام أن الاتحاد سيقيم آلية مالية دولية جديدة للالتفاف على العقوبات الأمريكية ضد الدول والشركات التي تريد مواصلة التعامل التجاري والاقتصادي مع إيران، وتحديدا استيراد النفط منها بعد فرض العقوبات الأمريكية في مطلع نوفمبر-تشرين الثاني. ووقعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين (وهي الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران في 2015)، الأمر الذي يضع واشنطن في مواجهة هذه الدول مجتمعة. وحتى قبل البدء بتطبيق العقوبات الأمريكية ضد قطاع الطاقة الإيراني، بدأت الشركات الأوروبية الكبيرة العاملة في السوق الإيراني بالانسحاب منه تفاديا لسيف العقوبات الأمريكية، ومن بينها شركات فرنسية مثل توتال العملاقة، وبيجو لصناعة السيارات وغيرها.
وليس من الواضح في هذا الوقت المبكر معرفة ما إذا كانت هذه الآلية الجديدة ستنجح أم لا، وإن كان المسؤولون الأمريكيون يشككون بجدواها نظرا لحجم الاقتصاد الأمريكي في العالم ومكانة المؤسسات المالية الأمريكية. وسارع وزير الخارجية مايك بومبيو للإعراب عن استيائه وخيبة أمله جراء خطوة الاتحاد الأوروبي، واتهم الحلفاء بالتغاضي عن الدعم الإيراني للتنظيمات الإرهابية وفساد النظام الإيراني قائلا “هذا الاجراء المضاد هو أسوأ ما يمكن تصوره بالنسبة للسلام الإقليمي والعالمي. وأنا أتخيل أن آيات الله الفاسدين وقادة الحرس الثوري الإيراني وهم يضحكون هذا الصباح”. من جهته، سخر المستشار جون بولتون من الاتحاد الأوروبي وشكك بجدوى الآلية الجديدة قائلا “الاتحاد الأوروبي يدلي بتصريحات قوية ولكنه يفتقر إلى متابعتها”.
ما هو مؤكد أن إدارة الرئيس ترامب مصممة على تضييق الخناق الاقتصادي على النظام الإسلامي في طهران، “وعلينا أن نستعيد قدرتنا على الردع، وخاصة في الشرق الأوسط” كما قال برايان هوك المبعوث الخاص لمعالجة الملف الإيراني. ولا يوجد في الأفق ما يوحي بإمكانية احياء الدبلوماسية بين إيران وأمريكا، على الرغم من الإشارات العابرة للقاء بين الرئيسين ترامب وروحاني، ما يعني أن الحرب الاقتصادية التي شنتها واشنطن ضد النظام الإيراني ستستمر وسوف تزداد شراسة، وسوف تلحق بالاقتصاد الإيراني اضرارا كبيرا بغض النظر عما يمكن أن يفعله حلفاء واشنطن المستائين من عقوباتها ضد طهران. العملة الإيرانية تتراجع باستمرار، والتظاهرات الاحتجاجية لم تخفت كليا، وصادرات النفط سوف تنحسر بنسبة كبيرة (أعلنت الهند وهي من أهم مستوردي النفط الإيراني، أنها ستخفض من اعتمادها على النفط الإيراني). وتأمل إدارة ترامب أن يؤدي انحسار عائدات النفط إلى التأثير سلبا على قدرة إيران على تمويل عملياتها العسكرية ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
نشاطات الرئيس ترامب ومستشاريه في نيويورك في الأيام الأخيرة، أكدت أن الرئيس ترامب قد أخذ بالفعل بنصيحة بعض مستشاريه حول ضرورة بقاء القوات الأمريكية في سوريا في المستقبل المنظور. وهذا تحول إيجابي في موقف ترامب، الذي كان قد قال قبل أشهر إنه يفضل سحب هذه القوات التي يزيد عديدها عن 22 خخ عنصر منتشرون في شمال شرق سوريا في منطقة حيوية اقتصاديا، لمنع إيران وروسيا ونظام بشار الأسد من السيطرة على هذه المنطقة الحيوية ولابقاء الضغط على الأسد وحلفائه بالنسبة لمستقبل سوريا السياسي. وتسعى واشنطن إلى التعاون مع روسيا بهدف اخراج القوات الإيرانية من سوريا، وهو هدف أساسي لإدارة الرئيس ترامب، وخاصة في حال بدء عملية سياسية انتقالية حول مستقبل سوريا. ولكن لا توجد هناك أي مؤشرات تظهر أن روسيا مستعدة بالفعل للضغط على إيران لسحب قواتها والميليشيات التابعة لها من سوريا أو حتى تقليص عديد هذه القوات في أي وقت قريب.