لقد كان للأزمة الخليجية بين قطر وثلاث من جاراتها الخليجيات، والتي بدأت في يونيو/حزيران 2017 وانتهت في يناير/كانون الثاني 2021، بتوقيع إعلان العلا في المملكة العربية السعودية، تأثير على تحول علاقات تركيا مع جميع أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الستة.
على الرغم من تشارك دول مجلس التعاون الخليجي بعض الاهتمامات الإقليمية المشتركة، إلا أنها في الوقت نفسه تختلف أيضًا في سياساتها الخارجية. وإضافة لاختلاف وجهات نظرها فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران وإسرائيل، كانت تركيا موضوع خلاف داخل المجلس خلال العقد الماضي. هذا الخلاف أدى لظهور تكتلات داخل المجلس، بما في ذلك تكتل السعودية/الإمارات، الذي كانت البحرين جزءًا منه أيضًا.
وبينما كانت علاقات أنقرة مع الكتلة السعودية/الإماراتية أو قطر موضوع تحليلات متعددة في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام، فإن علاقاتها مع البحرين – التي تسعى لتحسين علاقاتها مع أنقرة – لم تكن تحظى باهتمام كبير. من المقرر أن يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البحرين خلال هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ شباط/ فبراير2017، أي قبل اندلاع الخلاف الخليجي بأشهر. بعد البحرين، من المقرر أن يتوقف في قطر لحضور المباراة الافتتاحية لبطول كأس العالم لكرة القدم 2022. هذا الفصل الجديد والمتوقع في العلاقات التركية البحرينية جدير بالبحث، لا سيما أن علاقات البحرين وقطر ما تزال متوترة – حيث لا يوجد حتى الآن رحلات طيران مباشرة أو سفراء في أي من العاصمتين بعد مضي حوالي عامين على اتفاق العلا الذي أنهى رسميًا الخلاف الخليجي.
مراجعة سريعة للعلاقات التركية-البحرينية
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والبحرين في عام 1973، اتخذت العلاقات بين البلدين مسارًا مستقرًا. ولكن مقارنة مع علاقات تركيا بدول مجلس التعاون الخليجي، فإن العلاقات مع البحرين لم تتطور بشكل ملحوظ. قامت تركيا بافتتاح سفارتها في المنامة عام 1990، بينما افتتحت البحرين سفارتها في أنقرة عام 2008، متأخرة جدًا مقارنة بدول المجلس الأخرى. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأت تركيا والبحرين في تحسين علاقاتهما، تحديدًا في 2016 و2017.
في أغسطس/آب 2016، كان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أول زعيم عربي يزور أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو/تموز 2016. حظيت زيارة ملك البحرين بتقدير كبير في أنقرة ، وقد اختار أردوغان البحرين لتكون المحطة الأولى في جولته الخليجية لثلاث دول في فبراير/شباط 2017. تحدث أردوغان في زيارته للمنامة قائلا، “بدعمكم إيانا في أكثر أيامنا شدة، تكونون قد حظيتم بمكانة خاصة في قلوبنا”. وأضاف، “ستستمر تركيا في الوقوف بجانب البحرين في أيامها الجيدة والسيئة. أنا أومن أننا سنواصل توحيد جهودنا من أجل السلام والاستقرار ومستقبل منطقتنا”.
خلال الزيارات ذات الصلة التي قام بها كل من الملك حمد لأنقرة في 2016 وأردوغان للمنامة في 2017، تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات الدفاع الدبلوماسية والتعليم والاقتصاد. وقد وقع الزعيمان مذكرة تفاهم بشأن التعاون في الصناعات الدفاعية. جاءت الاتفاقية عقب اتفاقية التعاون في مجال التدريب العسكري في أغسطس/آب 2012، والتي تم توقيعها في الوقت الذي كانت توقع فيه تركيا صفقات مماثلة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي سعت للاستفادة من خبرتها العسكرية وقدراتها الدفاعية. كانت هناك أيضًا مشاركة متزايدة لشركات الدفاع التركية في معرض البحرين الدولي للطيران عام 2017.
تأثير مقاطعة قطر على العلاقات التركية-البحرينية
شهدت العلاقات النامية بين أنقرة والمنامة آثارًا سلبية بسبب قرار انضمام البحرين للسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر في فرض مقاطعة على قطر في 2017. وبينما وقفت تركيا إلى جانب قطر، توافقت البحرين في سياساتها مع الرياض وأبوظبي.
وعلى عكس جاراتها، فإن البحرين ليست دولة تسعى وراء سياسة متهورة. هذه المملكة الصغيرة، التي هي واحدة من بؤر التوتر في الشرق الأوسط، تعتبر نفسها بشكل متزايد عرضة للتحديات الإقليمية. إنها دولة صغيرة محاطة بجيران من القوى المتوسطة لهم أهداف أيديولوجية أو وحدوية وتوسعية في سياساتهم الخارجية. وبكونها عالقة بين الانقسامات الخليجية الداخلية والتنافس السعودي-الإيراني الأوسع، تحالفت البحرين مع السعودية خلال العديد من الأحداث الإقليمية، مثل الخلافات مع قطر في 2014 و2017، وقطع العلاقات مع إيران في 2016. في حقيقة الأمر، من بين دول مجلس التعاون الخليجي لا يوجد دولة تعتمد على السعودية بالقدر نفسه الذي تعتمده البحرين.
نظرًا لهذه الحقائق، لا يمكن فهم العلاقات التركية-البحرينية بشكل كامل دون الأخذ بعين الاعتبار البعد السعودي. إن ما أثر على حالة علاقات المنامة مع أنقرة لم يكن فقط دوافع البحرين الداخلية والخارجية، بل أيضًا الديناميكيات السعودية. الدول الصغيرة مثل البحرين لا تخضع لضغوط داخلية فقط، بل تتعرض أيضًا لمطالب خارجية من دول أقوى، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير، أو أحيانًا أكبر، على سلوكها. إحدى الطرق التي تلجأ لها الدول الصغرى عند تعرضها لضغوط الدول الأقوى هي أن تسير مع هذ الدول الأقوى. ومع ذلك، بدت استراتيجية البحرين وكأنها حركة دفاعية أكثر منها هجومية. لم تكن ضد تركيا بمعنى أنها استشعرت تهديدًا من الدولة ذاتها، بل انصاعت لمطالب جيرانها الحازمين، وتحديدًا السعودية، التي تقدم المساعدات الاقتصادية والسياسية والأمنية للبحرين. يقول علماء العلاقات الدولية بأن الدول الصغيرة والضعيفة – كالبحرين – تفضل عدم السير مع التيار الأقوى منها، لكنها غالبًا ما تكون مجبرة على ذلك بسبب مواقفها الهشة.
إضافة للبعد السعودي، فقد كان الدافع وراء هذه الاستراتيجية أيضًا هو الخلاف البحريني–القطري طويل الأمد. ويمكن أن يكون ذلك أحد أسباب عدم وجود توافق ملحوظ بين قطر والبحرين منذ إعلان العلا. وكانت البحرين آخر دولة في الخليج تفتح أجواءها الجوية أمام قطر بعد انتهاء الأزمة الدبلوماسية.
تدابير تسوية مؤقتة: خطوات نحو التطبيع
خلال الأسابيع الأولى من الخلاف الخليجي، حاولت تركيا الحفاظ على العلاقات مع البحرين. في حزيران/يونيو 2017، جرت مكالمة هاتفية بين أردوغان والملك حمد لمناقشة الاهتمامات المشتركة المتعلقة بأزمة الخليج. بعد بضعة أيام، زار وزير خارجية البحرين أنقرة للقاء أردوغان.
ومع ذلك، لم تثمر هذه المحاولات كثيرًا. وفوق ذلك، تعرضت العلاقات التركية-البحرينية للاختبار بعد توقيع المنامة على اتفاقيات إبراهام لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. شجبت تركيا بقوة القرار البحريني، قائلة إنه يتناقض مع الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب مبادرة السلام العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. ومع ذلك، في الوقت نفسه، واصلت أنقرة اتباع المسار الدبلوماسي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قدم أردوغان التعزية للملك حمد بعد وفاة عمه، وهو كان رئيس الوزراء الذي خدم لفترة طويلة.
منذ تلك الفترة، زادت وتيرة الاتصالات بين أنقرة والمنامة. بعد توليها منصبها الجديد في مارس/آذار 2021، عقدت سفيرة تركيا لدى البحرين إيسن تشاكيل عدة اجتماعات مع المسؤولين البحرينيين، بمن فيهم وزراء الخارجية والصحة والعمل والتنمية الاجتماعية. في سبتمبر/أيلول، التقت مع الملك حمد، الذي أشاد بالعلاقات التركية–البحرينية ووصف العلاقات أنها بين “دولتين شقيقتين”. أيضًا، التقى وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو مع نظيره البحريني، عبد اللطيف بن راشد الزياني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وقد كتب على تويتر قائلا، “سنقوم بالبناء على الزخم الإيجابي الذي وصلنا إليه في علاقاتنا. وقد تبع هذا الاجتماع زيارة رسمية لمدة يومين قام بها جاويش أوغلو للبحرين في يناير/كانون الثاني بدعوة من الزياني.
وزادت الاتصالات الدبلوماسية أيضًا في المجال الاقتصادي. في مارس/آذار، زار وزير المالية التركي نور الدين نبطي المنامة لحضور اجتماع اللجنة البحرينية–التركية المشتركة. وأكد نبطي ونظيره البحريني على أهمية مواصلة الجهود لتعزيز التعاون بين الدولتين في المجالات المالية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتنموية. ووقعت الدولتان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في توحيد المقاييس، وقد منحت البحرين تركيا مكانة “الشريك المعتمد” للمركز الدولي لخدمات الشحن البحري والجوي في المملكة، بهدف تطوير الصلات مع مختلف القطاعات الاقتصادية.
توقعات المستقبل
يمثل عام 2023 الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والبحرين. خلال زيارته للبحرين، تحدث جاويش أوغلو قائلا، “علينا التأكيد على أن عام 2023 يشكل إنجازًا مهمًا في تعاوننا الثنائي”.
بالنسبة للبحرين، فقد أصبح من المهم لها أن تنوع شراكاتها مع القوى الإقليمية، وتحديدًا في مجالات الدفاع والتجارة. خلال السنوات القليلة الماضية، زادت مبيعات الصناعات الدفاعية التركية لدول الخليج، لذلك قد يشكل ذلك مجالاً للبحرين لتعميق التعاون مع تركيا. وعلى الرغم من أن حجم التجارة بين تركيا والبحرين لا يمكن مقارنته مع دول الخليج الأخرى، إلا أن هناك فرصة لأنقرة للوصول إلى مصادر جديدة للطاقة والهيدروكربونات والمصادر الطاقة المتجددة من خلال علاقاتها مع البحرين، بينما يمكن للمنامة أيضًا جذب الاستثمارات التركية.
على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية غير متطورة نسبيًا، إلا أنه توجد جوانب أمنية بالغة الأهمية في العلاقات التركية-البحرينية. ومثل باقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي، فقد تسعى البحرين لتعميق علاقاتها مع تركيا، حيث تدرك أن الهيمنة المتزايدة من جانب إيران والخطر المتزايد للإرهاب، واحتمالات عدم الاستقرار المتنامي نتيجة لتنافس القوى العظمى هي تهديدات بارزة لاستقرارها وأمنها. بالنسبة لتركيا، فإن زيادة عدد الأصدقاء في الخليج هي موضوع حيوي لها، خاصة مع تدهور اقتصادها واقتراب البلاد من انتخابات عام 2023.