أفضى الإعلان عن اتفاقية التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى سلسلة من الاتفاقيات التجارية بين البلدين. ومع كون العلاقات الرسمية لا تزال في مراحلها الأولى، تساءل بعض المراقبين عن مدى استدامة الروابط الاقتصادية وتطورها، لأن التعهدات الاستثمارية ومذكرات التفاهم لا تحقق دائماً النتائج المرجوة منها. ومع ذلك، فإن تركيز هذه الروابط الناشئة، والآليات المستخدمة لتسهيلها، على الصناعة يشير إلى التزام قوي تجاه تطوير الأبعاد الاقتصادية لهذه الروابط الرسمية الجديدة.
الصناعة أولاً
يعمل التركيز التكنولوجي على دمج العديد من الاتفاقيات الاقتصادية الناشئة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. إن استغراق دبي في التنمية القائمة على الابتكار، والجهود الإماراتية الأوسع لتطوير اقتصاد المعرفة من خلال التحول الرقمي، والارتقاء بريادة الأعمال يوفر أساساً صلباً لتعزيز العلاقات. كانت شركة الذكاء الاصطناعي جروب 42 (Group 42)، ومقرها أبوظبي، واحدة من أولى الشركات في الإمارات، التي أعلنت عن خطط لإنشاء فرع لها بملكية كاملة في إسرائيل. ستركز عمليات G42 في إسرائيل على تشخيصات فيروس كورونا والذكاء الاصطناعي والتقنيات الزراعية وحلول المصادر المائية، والمدن الذكية والطاقة المتجددة. وقد أقامت الشركة الإماراتية بالفعل شراكات مع شركات إسرائيلية لتطوير حلول تقنية لمكافحة فيروس كورونا.
في 22 سبتمبر/أيلول، عقدت شركة أوَر كراود ((OurCrowd، وهي شركة إسرائيلية بارزة للتمويل الجماعي والمشاريع الاستثمارية، اجتماعًا افتراضياً بالتعاون مع جمعية الإمارات للمستثمرين المبادرين بهدف جذب المستثمرين الإماراتيين. وبعد أسبوعين، قامت وحدة تطوير الأعمال التجارية في أوَر كراود ومجموعة النابودة بإنشاء شركة فونيكس كابيتال(Phoenix Capital)، وهي منصة تمويل لتسهيل الاستثمارات التكنولوجية بين إسرائيل والإمارات. كما وقعت شركة موبايلي الإسرائيلية مع مجموعة الحبتور مذكرة تفاهم لنشر أسطول من سيارات الأجرة الآلية ذاتية القيادة في شوارع دبي بحلول عام 2022.
أما التفاصيل المتعلقة بالتعاون في الصناعات الدفاعية والقضايا الأمنية ذات الصلة فهي غامضة بالضرورة ولكنها موجودة بالفعل. يعتقد رئيس كتلة إيدج ((EDGE الدفاعية في الإمارات أن “مجالات التعاون واسعة تمامًا” بين إسرائيل والإمارات، وتشمل الأنظمة الذاتية وتقنيات استشعار جديدة. كما ألمح رؤساء الأمن السيبراني في إسرائيل والإمارات إلى إمكانية التعاون في مجال الدفاع السيبراني والمجالات الرقمية- وهو أحد المكونات الحيوية في اقتصادٍ رقميٍ قوي.
لا يتم تشكيل الروابط التعاونية على مستوى آخر ما توصلت إليه الصناعات والتقنيات الأمنية المتقدمة فحسب، وإنما تتقاطع أيضاً مع الصناعات القائمة في الخليج: التمويل والأعمال المصرفية والسلع والطاقة والسياحة والخدمات اللوجستية. وكانت إحدى أولى مذكرات التفاهم التي أبرمتها الحكومة بين الجانبين تتضمن قطاع الأعمال المصرفية والتمويل. وبعد ذلك بوقت قصير تم توقيع اتفاقيات إضافية بين بعض أكبر مؤسسات الإقراض في كل من الدولتين- بما في ذلك بنك هبوعليم وبنك لئومي وبنك الإمارات دبي الوطني وبنك أبوظبي الأول.
وتم توقيع اتفاقية بين بورصة الماس الإسرائيلية وبورصة دبي للماس من أجل تعزيز التعاون في تجارة الماس. وناقش وزيرا الطاقة الإسرائيلي والإماراتي ربط شبكات الطاقة الكهربائية وتطوير أسواق الغاز الطبيعي. وعلاوة على ذلك، فإن الصفقة بين مجموعة هاريل الإسرائيلية للتأمين وشركة دبي للتأمين لا تساعد في التخفيف من المخاطر المتعلقة بالأعمال التجارية فحسب، ولكنها تمهد أيضاً الطريق لزيادة تدفق الحركة السياحية.
الأدوات الاقتصادية
تحتل المناطق الحرة، وهي آليات مهمة للصناعة والسياسة الاقتصادية وواسعة الانتشار في الخليج، مكان الصدارة في العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية. في أعقاب إعلان تطبيع العلاقات في أغسطس/آب، ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده ستستورد من المناطق الحرة الإماراتية، قائلاً: “نعلم أننا سنحصل على أسعار جيدة”.
تُعد إمارة دبي مركز المنطقة الحرة في الخليج، وتقيم طليعة منشآتها التجارية علاقات رسمية مع نظيراتها الإسرائيلية. في شهر سبتمبر/أيلول، قامت شركة موانئ دبي العالمية – وهي شركة خدمات لوجستية متعددة الجنسيات وتتخذ من دبي مقراً لها – وغيرها من المنشآت المرتبطة بالحكومة، بتوقيع العديد من الاتفاقيات مع مجموعة دوفر تاور ((DoverTower في إسرائيل، وهي مساهمة في ميناء أحواض بناء السفن الإسرائيلية في حيفا وشريك في ميناء إيلات. وتخطط موانئ دبي العالمية لتقييم فرص تطوير الموانئ والمنطقة الحرة في إسرائيل بالإضافة إلى إنشاء طريق شحن مباشر بين إيلات وميناء جبل علي الإماراتي.
سوف تعمل المنطقة الحرة التابعة لمركز دبي التجاري العالمي مع معهد التصدير الإسرائيلي لتسهيل مشاركة شركات العرض الإسرائيلية في أكبر الفعاليات الإماراتية. وقد وقعت كل من سلطات المنطقة الحرة في جبل علي ومطار دبي مذكرات تفاهم مع اتحاد غرف التجارة الإسرائيلية في أواخر سبتمبر/أيلول لدعم الشركات الإسرائيلية التي تعتزم إقامة أعمال تجارية في دبي. وتعدّ بورصة دبي للماس، التي أقامت شراكة مع بورصة الماس الإسرائيلية، جزءاً من المنطقة الحرة التابعة لمركز دبي للسلع المتعددة المملوكة للحكومة.
تعمل المنشآت التجارية الأخرى المشاركة في إنشاء الروابط على توسيع المجال للجهات الاقتصادية الفاعلة وأصحاب الأعمال المستثمرين في هذه العلاقة. وقع مكتب أبوظبي للاستثمار اتفاقية تجارية ثنائية مع معهد التصدير الإسرائيلي لتسهيل دخول الشركات الإسرائيلية إلى الإمارات. وأجرت بورصتا تل أبيب وأبوظبي محادثات أولية بشأن الإدراج الثنائي في البورصة وغيرها من المبادرات المشتركة. كما وقعت غرف التجارة في دبي وتل أبيب اتفاقية شراكة استراتيجية لتعزيز الأعمال التجارية والشركات الناشئة الجديدة.
التساؤلات العالقة
تطورت العلاقات غير الرسمية بين إسرائيل ودول الخليج العربية مثل الإمارات ببطء إلى جانب المشاركة في المنصات المتعددة الجنسيات والمعاملات التجارية السرية. وتطرح العملية الحالية لإضفاء الطابع الرسمي على هذه العلاقات سؤالين مهمين: أولاً، هل سيعكس هذا الشكل الجديد للعلاقات المسار ثنائي الاتجاه للتجارة والاستثمار الذي يراه العديد من المسؤولين؟ في الحقيقة، يأمل المسؤولون الإماراتيون أن يمتد التعاون الاقتصادي الثنائي إلى ما هو أبعد من فائض رأس المال الخليجي لإيجاد وجهة عالمية إضافية في إسرائيل.
ثانيًا، وبشكل أكثر تحديداً، هل ستتمتع حكومة الإمارات العربية والمنشآت المرتبطة بالحكومة بأسعار تنافسية للسلع والخدمات الإسرائيلية؟ في الماضي، كانت الشركات الإسرائيلية تفرض علاوات استثنائية على العملاء الخليجيين على المنصات التكنولوجية والتطبيقات. وكان الدافع وراء ذلك جزئيًا هو التصور الإسرائيلي بأن جيوب المشترين الخليجيين لا تنضب، إضافة إلى الطبيعة السرية للصفقات التجارية قبل التطبيع. من المرجح الآن أن تؤدي التغييرات في البيئة الاقتصادية ورؤية السوق إلى تغيير في هذا التصور.
تسير العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل بشكل سريع في مختلف الاتجاهات. ولا يمكن لكل هذه المبادرات التجارية أن تزدهر، خاصة لوجود القيود الاقتصادية التي وجدت مؤخراً والناجمة عن جائحة فيروس كورونا وتوقعات سوق الطاقة. قد يرحب كل من الاقتصاد الإسرائيلي والإماراتي المتعثرين بالشراكات التجارية الجديدة، ولكن العمل الجاد ما يزال في طور القدوم.