ملخص تنفيذي
تواجه الإمارات العربية المتحدة تحديات خطيرة ولكنها تتمتّع في الوقت عينه بأمكانيات ملفتة للانتباه؛ فطوّرت نتيجة ذلك استراتيجية أمن قومي مميزة وغير مسبوقة من نواحي متعددة. وتُعدّ الإمارات من بين أصغر دول العالم ولا سيّما ديموغرافيًا إذ يبلغ عدد سكانها حوالى 1.5 مليون نسمة ليس إلا، ولكنها من أغنى الدول من حيث نصيب الفرد. إنها سابع أكبر منتج دولي للنفط وتمتلك 6% من احتياطي النفط المؤكد في العالم. وتقع الإمارات أيضًا في منطقة استراتيجية جدًا وشديدة التقلّب على طول ساحل الخليج الجنوبي الشرقي وتحدّ بها المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان. أما حدودها الشمالية فتقع قرب نقطة بحرية حساسة، مضيق هرمز، ويفصل بينها وبين إيران كتلة مائية ضيقة.
ونظرًا لطبيعة الإمارات الجغرافية والديموغرافية ومواردها الطبيعية، تعيّن عليها أن تتعامل مع مخاوف أمنية معقدة للغاية مع العلم أن القيود والأصول التي تملكها استثنائية جدًا. ومنذ أن تشكّلت الإمارات في عام 1971 أدركت قيادتها الوطنية أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الإمارات يكمن في كيفية تخطي مشكلة عدد سكانها القليل نسبيًا. فسعت إلى القيام بذلك عن طريق التخطيط الطويل الأمد، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والعسكرية المنهجية والاستثمار في الرأس المال البشري في الدولة وشمل النساء على نحو متزايد في القطاعات كافة وتطوير حلول وابتكارات تكنولوجية واستقدام العمالة الأجنبية. وسعت الإمارات منذ أيامها الأولى إلى استخدام مواردها المالية والقوة الناعمة عن طريق الإعانات والتنمية من أجل إقامة علاقات صداقة دولية وتعزيز وجهات نظرها والدفاع عن مصالحها وتحسين سمعتها ولا سيما في البلدان العربية والإسلامية.
وبنت الإمارات بتروٍ قدراتها الدفاعية المستقلة. وعلى مرّ العقود، بنت على نحو منهجي أصولًا عسكرية صغيرة نسبيًا وإنما متطورة مثل القوات الجوية والقوات الخاصة إلى جانب الأسلحة الهجومية والدفاعية العالية التقنية. ومع تزايد قدرات الدولة العسكرية، أصبحت الإمارات أكثر استعدادًا لاستخدام القوة، بالاشتراك مع بعض التحالفات عادة، لتأمين مصالحها الحيوية. وقد استخدمت قوتها القسرية هذه جنبًا إلى جنب مع نهج القوة الناعمة التقليدي. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الإمارات قد دخلت في المراحل الأولى من تطوير صناعتها الدفاعية المحلية أيضًا.
وأنشأت الإمارات بعناية مجموعة من التحالفات الاستراتيجية والعسكرية الحيوية وبخاصة مع المملكة العربية السعودية وأعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين فضلًا عن الولايات المتحدة. وتسعى الدولة إلى القيام بكل ما في وسعها لنفسها ولكنها تدرك أن الكثير مما يتعين عليها إنجازه لضمان مصالحها الحيوية ينبغي أن يتم بالتعاون مع الآخرين. وتشكّل مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 كردّ مباشر على الأزمة الأمنية التي عصفت ببلدان الخليج العربية في أعقاب الثورة الإيرانية في عام 1979 واندلاع الحرب الإيرانية العراقية في عام 1981. ولطالما ركّز مجلس التعاون الخليجي وأعضاؤه، ومن ضمنهم الإمارات، منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا على الدفاع عن الأمن الإقليمي والاستقرار في وجه التهديدات النابعة من إيران والصراعات الإقليمية. ومن نواح هامة، تحوّلت الإمارات إلى أهم حليف لواشنطن في الخليج ويجمع بينهما تعاون عسكري واستخباراتي وثيق يعكس الثقة والاحترام اللذين يكنهما كبار القادة الأمريكيين للجيش الإماراتي.
إن تدخل الإمارات في اليمن الذي بدأ في عام 2015 والذي تقوده في المقام الأول السعودية في الشمال والإمارات في الجنوب يشكّل ربما أفضل دليل على استعداد الإمارات المتزايد للعمل العسكري من أجل تأمين مصالحها. ولدعم هذه الحملة واكتساب أهمية استراتيجية أكبر بشكل عام، أنشأت الإمارات مؤخرًا قواعد عسكرية في القرن الأفريقي ولا سيما في مدينة عصب في إريتريا. ومن أجل دعم هذا التوسّع الاستراتيجي، وبناءً على المنطق المتّبع، سيتعيّن على الإمارات بشكل مؤكّد تطوير قدراتها البحرية أكثر بعد في العقود القادمة.
وإلى جانب قدرات الإمارات العسكرية التقليدية، تلتزم هذه الأخيرة بشدة بجهود مكافحة الإرهاب والتطرّف. وتركز معظم حملة الإمارات العسكرية في جنوب اليمن على عمليات مكافحة العصيان ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من المجموعات المتطرفة، وشاركت أيضًا باندفاع في بداية الحرب الجوية في سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وتعتمد الإمارات الخط الأكثر تشدّدًا من بين الحكومات العربية كافة، باستثناء مصر ربما، تجاه الإسلاميين بشكل عام وتعتبرهم كجزء من سلسلة متصلة من التطرّف. وهي لا تخلط بين جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش أو الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ولكنها تعتبرها كافة كأشكال مختلفة للتطرّف ولا تتعارض بشكل قاطع.
وبالإضافة إلى مبادرات مكافحة الإرهاب والتطرّف، تستثمر الإمارات بقوّة في الأمن السيبراني وتستخدم التكنولوجيا لمكافحة المجرمين السيبرانيين وأحيانًا المعارضين السياسيين المحليين. وأعربت منظمات حقوق الإنسان عن قلقها في ما يتعلّق ببعض هذه الحالات.
تتابع هذه الدراسة تطور استراتيجية الأمن القومي الإماراتية كما ظهرت في هذه السياقات وتركّز على النقاط الرئيسية التالية:
- حشد مواردها البشرية والطبيعية كافة فضلًا عن التركيز على التكنولوجيا للتعويض عن حجم البلد المتواضع وقلّة عدد السكان
- بناء جيشها والبنى التحتية الأخرى المتعلقة بالأمن القومي بما في ذلك الأمن السيبراني
- السعي للحصول على أهمية استراتيجية من خلال المنشآت العسكرية في الخارج ونشر الأصول والقدرات
- التشديد على مركزية تحالفها الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية
- الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة
- الانخراط في الاقتصاد العالمي ومختلف جوانب الثقافة المعولمة الناشئة
- معارضة كافة أشكال التطرّف الإسلامي
- بذل جهود ثابتة للحد من انتشار النفوذ الإيراني في العالم العربي
- استخدام “القوة الناعمة” كالمساعدات الإنسانية أو الإنمائية والاستثمارات إلى جانب “القوة القسرية” أحيانًا لتعزيز مصالحها
- الحفاظ على تحالفها الأساسي مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى والشركاء الدوليين وتطويره
وتحدد هذه الدراسة كيف تُطوَّر ركائز استراتيجية الأمن القومي الطموحة هذه وكيف تُطبَّق. وتدرس في هذا السياق سبب اقتناع الإمارات بعدم توفّر بدائل عن لعب دور إقليمي غير متناسب من حيث الأهمية على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي والعسكري وكيف تتصرّف بناءً على هذا الاستنتاج. وفي النهاية، تقيّم هذه الدراسة الأثر الذي يتركه تنامي دور الإمارات ونفوذها على مجموعة من ديناميات الشرق الأوسط ومكانة الإمارات في المشهد الاستراتيجي في هذه المنطقة غير المستقرة ولكن الجوهرية.
اقرأ البحث كاملًا