ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
“أعتقد أنه أخطأ في ذلك، أليس هذا هو الهدف الذي من المفترض أن تضربه؟ السلاح النووي، فهو أكبر خطر نواجهه” هذا ما قاله المرشح الجمهوري للرئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، رداً على نصيحة الرئيس جوزيف بايدن لإسرائيل بعدم استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية. واتخذت نائبة الرئيس كامالا هاريس موقفاً أقوى في مقابلتها ببرنامج “60 دقيقة“، بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث اعتبرت إيران “ألد خصوم” الولايات المتحدة، قائلة، “ثمة شيء واحد واضح في ذهني، ألا وهو إيران. فأيادي إيران ملطخة بالدماء الأمريكية… والذي يجب علينا فعله هو ضمان ألا تتمكن إيران من أن تصبح إيران قوة نووية، وهذه إحدى أولوياتي العليا”.
ليس من الواضح ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد خطابات انتخابية أو أنها مؤشر للسياسات الفعلية التي سينتهجها المرشحون بعد الانتخابات. فإذا اتبع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نصيحة ترامب، وهاجم المنشآت النووية الإيرانية، فهل يجر ترامب، بعد انتخابه، الولايات المتحدة إلى “حرب أبدية” أخرى لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي؟ وهل حقاً ترى هاريس في إيران تهديداً أكبر من الصين أو روسيا، وهل ستتصرف على هذا الأساس إذا تم انتخابها؟
خلال فترة رئاسته، قاد ترامب حملة “الضغوط القصوى” ضد إيران، ولكن عندما استهدفت إيران، في عام 2019، منشآت نفطية في السعودية، الدولة التي ساعدت إدارة ترامب في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، امتنع ترامب عن إلزام القوات الأمريكية بالدفاع عن السعودية. هل سيتخذ الموقف نفسه إذا أصبحت إسرائيل عرضة للتهديد بعد ضربها لإيران؟ من الجدير بالذكر، إن استراتيجية الأمن القومي الحالية لإدارة بايدن-هاريس تعتبر الصين “تحدي يتزايد خطره” بالنسبة للولايات المتحدة، وتعتبر روسيا “تهديداً حاداً”، وتصور الاستراتيجية إيران باعتبارها لاعباً مزعزعاً للاستقرار الإقليمي، وليست خصماً عالمياً.
تحظى القضايا المتعلقة بإيران باهتمام القواعد الانتخابية الرئيسية في الولايات المتحدة، وهو ما قد يفسر بعض تصريحات المرشحين. ومع ذلك، فإن الديناميكيات المتقلبة في الشرق الأوسط تسهم أيضاً في حالة عدم اليقين هذه.
لقد أثار الفوز المفاجئ لمسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة الآمال في تجدد المفاوضات بين طهران وواشنطن، مع احتمال إعادة النظر في الاتفاق النووي لعام 2015. ومع ذلك، فإنه من الممكن للتوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران أن تورط الإدارة الأمريكية الحالية أو المقبلة في الصراع.
منذ منتصف سبتمبر/أيلول، قامت إسرائيل بتحييد أعداد كبيرة من مقاتلي حزب الله اللبناني، واغتالت قادة إيرانيين بارزين. مدفوعة بهذه النجاحات وثقتها في دفاعاتها الصاروخية، قد تتجرأ إسرائيل على ضرب البنية التحتية النووية لإيران. تناولت وثيقتان سريتان للحكومة الأمريكية، تم تسريبهما عبر موقع ميدل إيست سبكتاتور (Middle East Spectator) على تطبيق تيليجرام في 17 أكتوبر/تشرين الأول تفاصيل الاستعدادات الإسرائيلية لشن ضربة موسعة ضد إيران، على الرغم من أن الأهداف التي يمكن ضربها لا تزال غير معروفة. وفي حين أن هذه التسريبات، على غرار تسريبات الحكومة الأمريكية التكتيكية للمعلومات الاستخباراتية السرية الخاصة بأوكرانيا، قد تهدف إلى ثني إسرائيل عن القيام بضربات واسعة داخل إيران، إلا أنه لا يوجد ما يضمن ضبط النفس الإسرائيلي، إذا ردت إيران كما فعلت في مناسبات سابقة، يمكن أن تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً جمة للتورط في مواجهة عسكرية ضد إيران. ويبدو أن الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين الإيرانيين مدركون لمخطط إسرائيل، ولكن يبدو وكأنهم مستسلمون للقدر.
وفي حين أن الغزو البري الأميركي يبدو مستبعداً بسبب المغامرات العسكرية الفاشلة السابقة في أفغانستان والعراق، يبقى الاحتمال القائم هو شن حملة من القصف طويل الأمد، الأمر الذي يذكرنا بالضربات الجوية التي أمر بشنها الرئيس بيل كلينتون على العراق في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وبسبب شكوك إدارة كلينتون بأن الرئيس العراقي صدام حسين كان يضمر طموحات بامتلاك أسلحة نووية، قامت الولايات المتحدة بشن حرب اقتصادية ضد العراق، وقامت بتمويل جماعات المعارضة العراقية وتسليحها، وأقامت مناطق حظر جوي لحماية نفسها من القوات الجوية العراقية، وقصفت أهدافا ًعسكرية للنظام لتقويض قدرته على الدفاع عن نفسه ضد المعارضة الداخلية. في النهاية، كان لابد للولايات المتحدة القيام بغزو بري للعراق للإطاحة بالنظام في بغداد، ولكن بالتأكيد أضعفت هذه الحملة المطولة من العقوبات والقصف قدرات الدولة العراقية بشكل كبير. إن حملة مماثلة ضد إيران ستهدف إلى شل الدفاعات الجوية الإيرانية وأنظمة الصواريخ والبنية التحتية النووية الإيرانية. وكما كان الحال مع العراق، في التسعينيات، هناك أيضاً إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بتسليح الأقليات العرقية الإيرانية، وإقامة مناطق حظر للطيران، ما من شأنه أن يثير صراعاً داخلياً أو حتى تغيير النظام، على الرغم من أن هذا الأمر الأخير، كما كان الحال مع العراق، قد لا يتحقق دون غزو بري أمريكي لإيران.
ومن ناحية أخرى، تستطيع إيران أن ترد بقمع المعارضة بوحشية، تماماً كما فعل نظام صدام حسين في العراق في تسعينيات القرن الماضي. ومن دون غزو بري من جانب الولايات المتحدة، وهذا لا يبدو مرجحاً في الوقت الحالي، قد يتحمل النظام الإيراني ويصمد فترة طويلة بما يكفي لتطوير أسلحة نووية بحلول أواخر عام 2025، ما سيفضي لخلق “توازن في الرعب” مع إسرائيل والولايات المتحدة. ومع ذلك، فمن الممكن أيضاً أن تنفجر إيران تحت وطأة حملة القصف والحرب الأهلية، ما من شأنه أن يجعل الإدارة الأمريكية القادمة نفسها في مواجهة إما إيران مسلحة نووياً أو إيران مفككة.