ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
منذ وصول المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي للسلطة، لحقته شائعات كثيرة عن اعتلال صحته أو حتى وفاته، ولكنه صمد أمامها كلها. وفي الآونة الأخيرة، ذكرت صحيفة إكسبريس اللندنية في عددها الصادر يوم 11 سبتمبر/أيلول أنه “من المفهوم أن خامنئي على فراش الموت”. ثم في 16 سبتمبر/أيلول، كتبت صحيفة نيويورك تايمز أنه “مريض للغاية”. لكن في اليوم التالي، خاطب خامنئي مجموعةً من الطلاب في مناسبة دينية لمدة سبع دقائق، حيث كان واقفًا من دون عصاه المعهودة.
في الوقت الراهن، لا يزال خامنئي على قيد الحياة. لكن لن يسلم أحدًا من الموت، وهذا ما يثير السؤال التالي: لو لم يتعافَ خامنئي من “الموت”، كيف ستتم عملية الخلافة السياسية (اختيار المرشد الأعلى الجديد) في الجمهورية الإسلامية؟
يتطرق دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمسألة اختيار المرشد الأعلى بشيء من الإسهاب. ففي حالة وفاة المرشد الأعلى أو استقالته أو إقالته، يتم تكليف مجلس خبراء القيادة، المؤلف من 88 عضوًا، بتسمية المرشحين المؤهلين لهذا المنصب، وتعيين المرشد الجديد “في أقصر وقت ممكن”. وحتى ذلك الحين، من المفترض أن يتولى مجلسٌ مؤلف من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية ورجل دين من مجلس صيانة الدستور مهام القيادة بصورة مؤقتة.
مع ذلك، وكما يتضح من طريقة تبوّؤ خامنئي سدة القيادة، من المرجح أن تكون الأطراف النافذة داخل النظام هي من يقرر خليفة خامنئي، وليس الدستور. ففي 4 يونيو/حزيران 1989، وبعد يوم واحد من وفاة آية الله العظمى روح الله الخميني، الذي كان المرشد الأعلى الأول للجمهورية الإسلامية ومؤسّسها، عقد مجلس خبراء القيادة جلسةً استثنائية انتخب فيها خامنئي “مرشدًا أعلى مؤقتًا”، مع العلم بأن الدستور لم ينص على حكم بهذا الشأن. وقد تجاهل المجلس بهذه الخطوة الشروط التي حددها الدستور للمرشد الأعلى، وانتخب شخصًا لم يكن مرجعًا دينيًا (مرجعية)، بل مجرد رجل دين شيعي من رتبة متوسطة. علاوة على ذلك، أجرى النظام استفتاءً لتعديل الدستور في 28 يوليو/تموز 1989 بحيث تم تعديل مؤهلات المرشد الأعلى بأثر رجعي لتتوافق مع خامنئي؛ وفي السادس من أغسطس/آب 1989، انتخب مجلس خبراء القيادة خامنئي مرشدًا أعلى دائمًا.
والواقع أن خامنئي ما كان ليصل إلى السلطة لولا مكائد صديقه وحليفه السياسي آنذاك علي أكبر هاشمي رفسنجاني. فرفسنجاني، الذي كان رئيسًا للبرلمان، سعى طويلاً مع شبكته إلى القضاء على المتنافسين على الزعامة، أمثال آية الله العظمى حسين علي منتظري، وتمهيد الطريق لتبوّؤ خامنئي منصب المرشد الأعلى. وقد عدّل رفسنجاني أيضًا الدستور لإلغاء منصب رئيس الوزراء وتقوية منصب الرئاسة، الذي أصبح من نصيبه في نفس الوقت تقريبًا الذي انُتخب فيه خامنئي مرشدًا أعلى.
أسبابٌ كثيرة تدفعنا إلى توقع تجاهل مماثل للقواعد والإجراءات في الخلافة السياسية بعد خامنئي. فخوفًا من منافسة مركز قوة آخر، لن يسمّي خامنئي خليفة له وهو على قيد الحياة؛ وبعد وفاته، لن يكون له أي تأثير على الصراع المتعلق بمن سيخلفه في منصب المرشد. وحتى رفسنجاني رحل منذ فترة طويلة، في حين أن شبكته، التي يتزعمها حاليًا الرئيس السابق حسن روحاني، تعاني حالةً من الفوضى. إذًا، يبدو حاليًا أن الحرس الثوري هو صاحب القرار الأكثر ترجيحًا في اختيار خليفة المرشد، مستفيدًا من غياب أي حزب سياسي مهيمن ومنظّم بين السياسيين المدنيين، ومن ضعف المؤسسات المدنية.
والجدير بالذكر أن الجيش الإيراني لم يلعب أي دور في تحديد من يشغل منصب المرشد الأعلى عام 1989، لكن في محاولة لدرء التهديدات الخارجية وقمع المعارضة الداخلية، اعتمد خامنئي بشكل كبير على الحرس الثوري. وفي مقابل دعمه لخامنئي، اكتسب الحرس الثوري نفوذًا كبيرًا على السياسة والاقتصاد الإيرانيين.
للوقت الراهن، يبدو أن الحرس الثوري لا يزال يرى في القيادة الدينية مصدرًا للشرعية. وفي حين أنه يحكم بصورة غير مباشرة، تعطيه القيادة الدينية كبش فداء يتحمل المسؤولية عن أوجه القصور في النظام. وقد لا يكون من يخلف خامنئي أمرًا مهمًا لأن أي مرشد أعلى مستقبلي للجمهورية الإسلامية سيكون، من الناحية العملية، مدينًا بالفضل للحرس الثوري. وسوف تكمل هذه الآليات بدورها تحويل الجمهورية الإسلامية إلى ديكتاتورية عسكرية، وإن كان على رأسها شخصية دينية صورية.